الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد والأدب والثوره

سالم المرزوقي

2017 / 8 / 13
الادب والفن


إما أن يكون الفكر نقديا أو مخصيا.......(مهدي عامل)،
هذا عن الفكر عامة فما بالنا بالنقد في حد ذاته وماذا نقول عنه إذا حاد عن جوهره وأصبح ديبلوماسية رخيصه للترويج لبضاعة فاسده في الثقافة و الآداب والفنون ؟،لا جدال بأن كل تطور فني مرتبط عضويا بمحيطه النقدي فكلما كان النقد جريئا وعميقا،تطور المحيط الفني وأبدع وكلما كان النقد إطراءا ومجاملات ودعايه كلما عمّت الرداءات واستفحل التسطيح وتناقص الابداع،أكيد يذكر الجميع مقالات الدكتور طه حسين الحاده في نقد شعر ابراهيم ناجي ولعلنا نستطيع القول أن طه حسين الناقد هو صانع ابراهيم ناجي الشاعر صاحب رائعة الأطلال فلولا ذاك النقد الجرئ المطعم بالعقلانيه الديكارتيه الثوريه ،لظل ابراهيم ناجي في مكانه لا يحسن حتى قراءة الشعر الحديث ولما وجد الموسيقار رياض السنباطي شعرا يليق بموسيقاه المميزه ،إذن فالنقد هو ماكينة العطاء الفني والابداع والعكس صحيح فالتمسيح والتجميل والترويج هو قاتل الفن والجمال وتونس تعتبر من حواضن هذه "الديبلوماسيه" النقديه فلا نعثر على مقالات أو كتب نقديه ذات أهميه تفقع قيح الرداءات وتسمي بؤس الأدب والشعر باسمه إلا نادرا وبشكل محتشم أغلبه تلميحا وإيحاءا،ومع كل انتاج "أدبي" تتهاطل المقالات المادحه والثناء على المنتج ومحيطه وأبطاله(حتى بعض الانتاجات المميزه لا تحظى بثناء محترم يليق بقيمتها وقيمة مبدعها) وكأن كل أدبنا وشعرنا وثقافتنا لا هنات فيها ولا اهتزاز وهذا يعد رياءا وكذبا وتزييفا بدليل أننا نقبع في أسفل الترتيب العالمي أدبا وفكرا وثقافة وترجمه ، فحتى مشيخات البترول البائسه سياسيا مثل الكويت والسعوديه والتي تتندر بتخلفها النخب التونسيه تفوقنا عطاءا ثقافيا وتفاجئنا بنقاد ومبدعين متفردين رغم ما تغدقه دويلاتهم المتخلفه من أموال لفرملة تطورهم، وإلى الآن لازال أغلب إسهاماتنا المميزه عالميا كتونسيين هو ما خطه أسلافنا مثل أبو القاسم الشابي وابن خلدون وغيرهم من الأعلام، و القله المبدعه المعاصره محاصره تتجاهلها النخب البائسه والمؤسسات الرسميه للدوله خشية تقويم النقد وتصحيح دوره وبعث الروح الجريئة فيه وهذا يعود حسب تقديري لفقر المعارضات السياسيه الثقافي وسطحية وعيها بالدور الحضاري للمعارضه الذي يجب أن ينقل الانسان الى وعي جديد وحس أرقى بالفنون والآداب و تشترك( هذه المعارضات ) مع منظومة الحكم بإقصاء المبدعين الحقيقيين والنقاد الثوريين من برامجها التعبويه وتتخلى عنهم كما تفعل السلطه الحاكمه فتتعمد ازدراءهم وتساعد على عزلتهم ولا تعير أهمية لدورهم في تطعيم السياسة بالذوق الرفيع والجماليه ،لا بل تعتبرهم ضمنيا مارقين مهاجمين يخشى نقدهم لأشباه المبدعين المداحين للحزب والزعيم والشعار والجماهير الشعبيه وكدليل على هذا التصحر الثقافي لدى المعارضات السياسيه أننا لا نسمع بزعيم أو مناضل معارض "تقدمي" كتب قصيدا جميلا يصلح للتلحين أو قصة حب رومنسيه يمكن تحويلها لفيلم أو مسرحيه تجلب الناس للركح وكل انتاجهم الأدبي ينحصر في سرديات مكرره لمعاناتهم السجنيه وعواطف إزاء البؤس والفقر والحيف الاجتماعي وفضح لخصومهم السياسيين وهذا ما سهل على السلطة السيطره واحتكار المشهد الثقافي برمته (أنظر فضائح مهرجان قرطاج هذه السنه كم فيه من ابتذال وتبليد وصفاقه مقززه)ونكاد نجزم أن هذا ما أجهض كل تغيير موضوعي وجعل الثورة وهما والنضالات الاجتماعيه بلا أفق وبلا مكاسب.
أذكر لي حادثة نقديه مع أحد شعراء تونس(وهو محترف و مجيد في الكثير من شعره) عندما لاحظت أن بعض صوره الشعريه قديمه باهته كأنها بقلم الرصاص تفتقر للألوان الزاهيه العميقه ونمطيه كصور إمرء القيس القديمه،هاج الرجل وماج ورفض حتى سماع بقية النقد واحتمى بزاده التعليمي الجامعي وعيّرني بعصاميتي وحتى بعد عشرات السنين لازال يحمل نفس الحقد على النقد، فعندما اكتشف وجودي في قائمة أصدقاءه في الفضاء الافتراضي حضرني وأغلق صفحته أمامي،مشكلة هذا الشاعر ومن على شاكلته من أدباء أنهم لم يكتشفوا بعد مراوحتهم في نفس المكان يكتبون نفس الأدب بلا روح حداثيه ولم يدركوا بعد الفرق بين صورة إمرئ القيس الذي يشبه الليل بموج البحر بمباشرية ساذجه: "وليل كموج البحر أرخى سدوله..." ونزار قباني الحديث الذي يعتمد انقلاب الصوره في ابداعه فيؤثث شعره ويكثفه بعمق ويأتي بموج البحر ليقحمه في الموصوف : "الموج الأزرق في عينيك يناديني نحو الأعمق..." وتلك ثورية نزار قباني وليس شعره السياسي كما يخيل للبعض.
ختاما نقول النقد إحدى ساحات الحرب والصراع بين الحب والكراهيه ،بين الجمال والقبح، بين الأمل والاحباط،بين الحياة والموت ،بين الابداع والتسليع وعلى كل تقدمي أن يكون مثقفا دائم الاشتباك لنفي الميت وبعث الحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/