الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام العربي .. إلى أين ؟؟

أنيس يحيى

2006 / 2 / 10
الصحافة والاعلام


نتساءل في البدية إن كنا قادرين على مخاطبة الاعلام العربي بوصفه " وحدةً " أو " كلاً " ، رغم أن المطلوب هو أن لا يكون " كلاً " ؛ فال "وحدة " تكون قمعاً وقهراً وذوباناً إذا لم تمتلىء مساحاتها بالتنوّّع والاختلاف . وخير دليل على ما نتساءل حوله هو حالة الضياع الطاغية التي بتنا في دوامتها ، بحيث أصبح من الصعب علينا أن نعرف مَن نحن ، أو أن نتلمّس اتجاهاً آخر لا يوصل إلى الاضمحلال والانهيار .
لا شك أن مفاهيم التنوّع ضمن الوحدة ، وحق الاختلاف طارئة على العقل العربي الذي رفع مداميكه على مشروعية هيمنة المفهوم السائد ، أو العقيدة السائدة على ما عداها من المفاهيم والعقائد ، بشتى السبل .لهذا لا نجد في تاريخنا الطويل ( إلا في السنوات القليلة الماضية ) وسيلة إعلام تتمايز عن الوسيلة الاعلامية التي اتخذت تمجيد العقيدة السائدة المتمثّلة بأفكارٍ وشخصيات ، هدفاً لها .
العنوان : " الاعلام العربي .. إلى أين ؟ " يشي حكماً بتلازم الاعلام العربي مع القضايا العربية .. أو برغبة في تبنّي الاعلام العربي القضايا العربية .وهذا بحدّ ذاته جيد ، بالرغم من وجود تيارت فاعلة في كل المجتمعات تتبنّى قضية الأنسان أين ما كان .
كيف يستطيع الاعلام العربي خدمة القضايا العربية ؟ وهل نجح فيما مضى في خدمة هذه القضايا ؟
بالنسبة للسؤال الثاني ، نجد الجواب واضحاً لدى الجميع ، كلا . فالحالة التي يتخبط فيها العرب اليوم هي أكثر من أزمة ، كما يحلو للبعض تسميتها ، هي اضمحلال وانهيار . ولا أجد في هاتين المفردتين مبالغة على الاطلاق ؛ فصدام حسين كتب إعلامه في العراق كما أراد ، واستفاد من ثروات العراق لشراء إعلام عربي في بلدان أخرى – وما زال بعض هذا الاعلام وفيّاً لمن أغدق عليه الأموال . ماذا كانت النتيجة أكثر من دفعنا بقوة باتجاه الاضمحلال والانهيار ؟ فمدرسة غوبلز Goebbels في الاعلام كشف أحرار الأرض بطلانها .
أما بالنسبة إلى السؤال الثاني ، فالأمر يتطلّب في البداية تحديد القضايا التي تهمّ العرب اليوم ، وبالتالي دور الاعلام في خدمة هذه القضايا . أعتقد أن أهم القضايا المطروحة على العرب في وقتنا الحاضر هي ثقافتهم . تلك الثقافة المستمدة بمجملها من الدين ( الاسلام ) ، أو من فهم كرسته القرون الطويلة لهذا الدين . وطالما يحظى الدين عند المتديّن بالقداسة ، ترسّخت لدى العرب ، بغالبيتهم بأنهم يتكئون على تراث مقدّس ، فلا يكتفون بالمحافظة عليه كما وصلهم ، بل بامتشاق السيوف للدفاع عنه ، واتهام أصحاب الأراء والأفكار المتميّزة بالضلال وبالكفر ، والسعي إلى العبث بهويّة الأمة وضياعها .
كيف يتعاطى الاعلام العربي مع الثقافة ال " عربية " ؟
لا شك أن الكثيرين من رجالات الاعلام العرب اليوم هم أبناء مخلصون لهذه الثقافة ؛ لهم مواقف قاطعة ونهائية من أميركا والغرب ، ومن كل ما هو غير عربي . هذه المواقف على غرابتها ( لجهة ثباتها على موقفها رغم التببدّلات السريعة التي يشهدها عالمنا المعاصر باستمرا ر) لا تكتفي بالوقوف على الجهة المعاكسة للمواقف الدولية ، بل تدبّج المقالات التي لا يُفهم منها سوى ازدراء الآخرين واحتقارهم ، وبالتالي إشاعة مناخ من الكراهية نحوهم . فالآخرون ليسوا ضالين ، وعلى هؤلاء الاعلاميين هدايتهم ، بل يؤكّدون على تطهير الأرض من كفرهم ونجاستهم ... وأحياناً يكون من بين هؤلاء الاعلاميين مَن اختار العيش في بلاد هؤلاء ال" كفرة " . جميعنا اليوم نقرأ مواقف هؤلاء من مسألة الرسوم الكاريكاتورية التي نُشرت في إحدى الصحف الدنماركية تمثيلاً للنبي محمد ، وكيف يتعاطون مع هذه المسألة التي نستنكرها . أقل ما يقولون فيها " هي تؤذي مشاعر المسلمين في كل أصقاع الأرض " ، وهذا لا خلاف عليه . لكن ألم يكن جديراً بهؤلاء الاعلاميين إستنكار ما يتفوّه به بعض خطباء المساجد في كثير من الأقطار من كلام يكفّر اليهود والنصارى ، وجواز اضطهادهم ، وربما قتلهم ؟ ألم يكن جديراً بهم أيضاً إستنكار ما فعلته جماعة الطالبان في أفغانستان عندما فجّرت تماثيل بوذا المقدّس لدى جماعات يزيد تعدادها في العالم على أعداد المسلمين ؟
بالتأكيد .. ليس كل الاعلاميين العرب من هذا الصنف . ويبقى العنوان " الاعلاميين العرب . إلى أين " سؤال موجّه إلى صنف آخر من الاعلاميين العرب . صنف دأبه الحقيقة ، ومراميه المصالحة مع الحياة ، والتأكيد أن العرب ليسوا عالة على هذا العالم ، أو نكدهُ . هؤلاء هم المؤتمنون على الاعلام العربي ، ومن حقهم استكشاف الدرب لمعرفة " إلى أين ؟ " .
الاعلام العربي وكيفية تعاطيه مع الثقافة السائدة !!
لا يستطيع الاعلام العربي أن يبقى محايداً إزاء هذه الثقافة .. وليس عليه اتخاذ المواقف منها ؛ سلباً أم إيجاباً قبل إخضاعها لعملية نقد تسبر أغوارها ، ولا تتخذ من الأدوات سوى عقل حر . فالعربي لا يستطيع دخول العصر بالانتقاء من ثقافات الآخرين في العالم .. على العرب بسط تراثهم مشرعاً أمامهم ، لعملية نقد واسعة تطرح الأسئلة دون خوف من محذورات ومحرمات ومقدس ، أما الاجابات فتستقى من أصحاب الاختصاص في مجالات المعرفة المتعددة . وعلى الاعلامي العربي أن يكفّ عن استخام البلاغات اللفظية التي يناور بواستطها لاخفاء التعدد والتباين ، ومواطن الخلل . فالبعض من الاعلاميين يبذل الجهد في اختيار مفردات محايدة لا تستثير السائد والمألوف ، لكأن دور الكلمات هو الطمس لا الكشف .كل هذا لأن العربي لم يعرف الحرية يوماً . ما زلنا نتخبط في متاهاتها ، كالذي إشترى آلة ويجهل استعمالها . فالبناء المعرفي الذي نشهده قائماً في الغرب ليس إلا القدر الذي تناول فيه الغربيون تراثهم وموروثاتهم بالنقد المتحرر من أي سلطة . فنابوليون بونابرت ، أحد الرموز الين شكّلوا تاريخ فرنسا ، كان موضع نقد لفترة طويلة من الفرنسيين ؛ إعلاميين ومتخصصين في مجالات أخرى ، وما زال . مَن من الاعلاميين العرب قادر على تناول شخصية ودور صلاح الدين مثلاً ، بالنقد . كلنا إكتفى باحاطته بهالة من البطولة والعظمة . لكن أخطاء صلاح الدين وزلاته ما زالت خفيّة . ليس القصد إظهار نواقص أبطالنا أو عيوبهم ، بل هو الحرص على عدم الوقوع فيما يشابهها إن وجد .
" الاعلام العربي .. إلى أين ؟ "
الاعلام العربي سائر إلى ما إختاره الاعلاميون العرب . والخيارات ليست بالمجان ، علينا أن نسدد دائماً أثمان خياراتنا .
طالما الأمر كذلك .. والأثمان لا بد منها .. فلتكن مقابل تعلقنا بالحرية ، والدفاع عن كرامة الانسان العربي ، وبالتالي عن الانسان أينما كان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة