الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبت كرة الجولَّة والطوزَّة والكَفَر

مصطفى مجدي الجمال

2017 / 8 / 29
سيرة ذاتية


كنا صغاراً في عالم فسيح.. لم تكن الشوارع في المنصورة تعرف الكثير من السيارات، وإنما تعرف الكثير من عربات الكارو والحنطور.. وكان سطح منزلنا كبيرًا جدًا حتى أننا كنا نلعب الكرة عليه.. ولكن اللعب في الشارع شيء آخر، ففيه الصحبة أوسع، وأيضًا المتفرجون أكثر..

كان دخول التليفزيون حديثًا، وأصبحنا نشاهد اللاعبين بالعين بدلاً من الاستماع للمذياع.. وإن كنت قد شاهدت قليلاً مباريات في نادي البلدية الذي تشغل أرضه الآن جامعة المنصورة.. وكان اللاعب الشهير وقتذاك حلمي سليمان يسكن في حارة خلف منزلنا، وهو الذي اختطفه الأهلي بعد ذلك، وقد اشتهر بقوة تسديداته وقدرته على انتزاع الكرة من بين يدي حراس المرمى.. وأذكر أنني كنت يومًا ألعب وحدي وأسدد الكرة إلى الحائط لتعود إلىّ فأسددها مرة أخرى دون إيقافها، لأكتشف أنه كان يراقبني من الشباك، ولما رفعت رأسي قال لي: "شاطر ياله"!! وبمناسبة الحديث عن حلمي سليمان فقد قام بتدريب المنصورة وفريق الجامعة في السبعينيات وربّى مجموعة رائعة من اللاعبين شكلت نصف المنتخب الوطني وقتها (سطوحي حارس المرمى، أحمد شاكر، محمد بدير، سعد سليط، محمد الشال..).

كان هناك في حياتي وقتها ثلاث هوايات هي السينما والقراءة ثم لعب الكرة الذي كنت ومازلت أعشقه كرياضة مجردة، وكنت معروفًا بالجهد الوافر وطول النفس. وبالطبع حينما كنا صغارًا فإن كرتنا كانت هي الكرة الشراب (شراب قديم نضع بداخله قطع قماش أو أسفنج أو قطع الشباشب القديمة.. وفي مرحلة متقدمة كنا نلف هذه الكتلة بالخيط ثم نغرقها بلاصق الكوللاّ لنسميها كرة الجولّة)..

وبالمرة.. مع دخول التليفزيون بدأ التعصب يتسع للأهلي والزمالك.. وانقسم إخوتي بينهما، اثنان يشجعان الأهلي واثنان يشجعان الزمالك.. أما أنا فقد اخترت أن أشجع الترسانة الذي كان له شنة ورنة وقتذاك، ويكفي أنه قد هزم الأهلي مرتين في أسبوع واحد (4/صفر و5/1).. وكانت الفرق وقتها تلعب بطريقة 3/2/5.. فكان للترسانة هجوم ساحق ممثلاً في مصطفى رياض وحرب والشاذلي وإبراهيم الخليلي ومحمود حسن.. ناهيك عن عملاق خط الوسط وكابتن مصر بدوي عبد الفتاح..

ولعل السبب في اختياري تشجيع الترسانة أنني تمكنت من مشاهدة هذا الفريق الهائل في دمياط حينما انتقلنا إليها.. وكان الفريق الضيف يُسمح له بالتدرب على أرض الملعب يوم الأربعاء قبل لقاء الجمعة.. وتمكنت من حضور هذا التدريب الذي كان بلا تذاكر.. وذهلت بوجه خاص من سرعة مصطفى رياض الخارقة رغم ضخامة جسمه حتى أنه كان يسبق كثيرًا التمريرات الطويلة المرسلة إليه فترتطم بظهره أو خلف رأسه.. أما حسن الشاذلي فقد ملك إعجابي تمامًا بقوة تسديداته من وضع الحركة، حتى أنني كنت جالسًا على الخط بجوار المرمى وإذا به يسدد كرة هائلة ارتطمت بالعارضة محدثة دويًا رهيبًا..

وحدث أيضًا حينما انتقلنا إلى دمياط أن وجدت الدمايطة (وكذلك البورسعيدية) يلعبون بكرة أخرى غير التي نعرفها في المنصورة.. كرة الطوزَّة.. وهي ذات كرة التنس الصغيرة المنحولة.. أما إذا كانت الكرة بحالها ومحتفظة بوبرها الخارجي فكانت تُسمى "المخيِّشة" وهي أثقل وزنًا وليست بجنون غير المخيشة.. وكنت أتعجب من مهارة الدمايطة العجيبة في اللعب بهذه الكرة، في وقت كنت أحلم بأن ألعب بالكرة "الكَفَر" (وكان لها قلب يُنفخ عند العجلاتي وله "بزبوز" يجب ألا يكون بارزًا حتى يكون تدحرج الكرة سلسًا).. وكانت أهم مباريات الطوزة تقام كل عصر في الشارع أمام سينما دمياط أمام جمهور غفير، وأسماء لاعبيها المهرة معروفة جيدًا عند الدمايطة.. ولكن من كان يجيد اللعب المذهل بهذه الكرة في المراوغة والتسديد.. كان يصعب عليه أن يلعب كرة القدم الحقيقية في النوادي..

كانت مدرستي في مدرسة الشرباصي هي السيدة دولت الفناجيلي شقيقة عملاق آخر هو رفعت الفناجيلي (أو الفناجيني بلهجة الدمايطة) الذي اختطفه النادي الأهلي.. وفي يوم طلبت مني الأستاذة دولت أن أمر على منزلها.. وكالعادة كانت معي الطوزة فأخذت أسددها إلى حائط البيت حتى تأذن لي "أبلة دولت" بالصعود لأخذ الكراريس.. فإذا بي أفاجأ برفعت الفناجيلي شخصيًا يهبط السلم جريًا بجسمه الممتلئ، وفي طريقه سدد الطوزة خاصتي في الحائط فانشقت نصفين..

وهكذا مضت مسيرتي مع الكرة.. وأعترف أنني قد لعبت مرة مباراة "على فلوس" وأنا عمري 13 عامًا.. وقد ظل أصدقائي يقنعونني بضرورة لعب هذه المباراة وأنا أرفض باعتباره "قمارًا".. ثم اقتنعت أخيرًا بعدما علمت بالفريق المتحدي.. ولكن بشرط هو ألا أدفع مليمًا ولا أحصل على مليم في حالة الفوز.. وجرت المباراة في حي "أبو الدُبَل" أمام جمهور كبير من الصبية.. ولم تمر خمس دقائق حتى سجلت هدفين.. وبعدهما اعتذرت عن استكمال اللعب بعذر ما.. وفي الحقيقة أوجعني ضميري..

فبدأت ألعب الكرة "الكفر" في مدرسة ابن لقمان الإعدادية بالمنصورة.. وكان مدرس الألعاب من النوع عالي الصوت ومعجب بنفسه ويلعب الكرة طوال اليوم في ملعب المدرسة.. وسرعان ما اكتشفت أنه يستعرض أمام المتفرجات في الشرفات المحيطة بالمدرسة، ولا يكف عن الزعيق والسباب طوال اللعب، فضلاً عن أنه كان يعتبر نفسه "الحكم" فيحتسب من الأخطاء ما يشاء دون اعتراض بالطبع.. وقد حدث أن لعبت ضده مرة فلم يضعني مرة أخرى إلا في فريقه.. وقد عزمت أن أفسد عليه متعته.. ورغم أنني لم أكن أضاهيه في الطول أو قوة البنيان فإنني لم أجعله يهنأ بكرة واحدة كي يسجل الأهداف التي تنتزع الآهات بينما هو يلعب مع صبية صغار..

ورغم أنه كان يثني عليّ إلا أنني كنت أشعر دائمًا أنه لا يحبني بسبب "المباراة إياها".. فمثلاً حينما دخلنا بطولة المدارس الإعدادية اشتركت مدرسة ابن لقمان بفريقين (أ) و(ب).. ووضع اسمي في الفريقين!! وفي أول يوم من البطولة كان الأداء جيدًا مع الفريق (أ)، لكن الفريق (ب) كان مستواه متواضعًا، وكانت المباراة أمام مدرسة الأميرية، والفريق الذي ينازلنا أصبح نجومًا فيما بعد.. واضطررت في المباراة أن أرجع من خط الوسط لأساعد في الدفاع المهترئ، لكن دون جدوى حتى بلغت النتيجة 5/صفر.. فتملكني الغيظ من "المقلب" الذي صنعه بي مدرس الألعاب.. وقبل نهاية المباراة أخذت الكرة بكل غل وانطلقت بها عدوًا من الوراء حتى وصلت إلى المرمى وسجلت هدفًا بصعوبة بالغة حيث اصطدمت بحارس المرمى.. وبعدها اعتذرت عن اللعب تمامًا في المدرسة بحجة الدراسة خاصة أنني كنت الأول على المدرسة..

وفي سن المرحلة الثانوية لم أكن ألعب إلا في رأس البر أساسًا.. وكنا نمضي بها أربعة أشهر كل عام.. وأذكر أن شبابًا لا أعرفهم كانوا يأتون إلى "عشتنا" (وهذا هو مسمى الفيللات في رأس البر) ليطلبوا اللاعب الذي اسمه مجدي (اسمى المركب: مصطفى مجدي) كي يشترك معهم.. وحدث أن تمكنت وإخوتي من شراء كرة "كفر" (بخمسة جنيهات) وكانت من النوع المتطور الذي ينفخ من خلال الإبرة.. وأخذتها في أول مباراة لكنها بعد تسديدة قوية من أحد اللاعبين وقعت تحت عجلات الطفطف (المواصة الداخلية في المصيف) فانفجرت بدوي أوجع قلبي..

في هذه الأوقات تم تسكين المهاجرين من بورسعيد في رأس البر.. واستضفنا في عشتنا أربع عائلات بورسعيدية.. وبالطبع لم يكن من الممكن لهم أن يلعبوا الطوزة في أرض رأس البر الرملية فكانت الكرة الكفر هي الأساس..

ولا أنسى هنا مباراتين لعبتهما قبل أن "أعتزل".. المباراة الأولى كانت ضد فريق بورسعيدي ومعهم رأس حربة طويل القامة وضخم، وعرفت أنه مدرس ألعاب أيضًا.. وشاء حظي أن ألعب عليه.. ومن يعرف حجمي سيعرف بالتأكيد أنه كان من المستحيل عليً أن أوقف هذا المهاجم الخطير.. خاصة أنه تمكن من تسجيل هدفين في الدقائق الأولى.. فقررت بسرعة أن ألجأ للأساليب غير الشرعية.. فقد كانت مهارته تتلخص في ألعاب الهواء أما اللعب الأرضي فأنا كفيل بإفساده.. وكلما جاءت إليه كرة في مستوى الرأس كنت أندفع بكل قوتي بينما هو في بداية قفزته لأصطدم بكتفي في ظهره فيختل توازنه ولا يتمكن من التسديد السليم برأسه (وهو "فاول" طبعًا ولكن ما باليد حيلة غير ذلك).. الطريف أن هذا اللاعب اشتكى للحكم قائلاً: "الكابتن ده لعبه ناشف وكله فاولات".. فانفجرت القهقهة من الحكم واللاعبين والمتفرجين لمجرد المقارنة بين الجسمين!!

أما المباراة التي قررت بعدها الاعتزال فعليًا فكانت أمام فريق بورسعيدي حافل بكوكبة من المهارات الفذة.. ومنهم اللاعب الشهير "السنجق" الذي لا يبارى في المراوغة وإهانة الخصم.. وقد عمل معي "الواجب وزيادة"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت