الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطارحات من أجل بناء حزب اليسار الماركسي

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2017 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


حتى يتقدم حزب اليسار الماركسي بخطى ثابتة عليه أن يوضح إستراتيجيته للتغيير بشكل لا لبس فيه.
I - أن يفرّق بداية بين الإستراتيجية السياسية لحزب اليسار الماركسي من جهة وبين القضايا الفكرية التي ستبقى موضع خلاف في قسم منها حتى بعد قيام الحزب المنشود. ومثال ذلك خلاف لينين وبوخارين بعد انتصار الثورة البلشفية حول "الديالكتيك" و "الاختارية" ، حيث أن هذا الخلاف من الناحية الفكرية لم يمنع لينين وبوخارين من الانضمام إلى إستراتيجية سياسية (ثورية) واحدة ؛ إستراتيجية البلاشفة التي مفادها : أن البورجوازية واعتباراً من كمونة باريس في فرنسا لم تعد قادرة على انجاز المهمات الديمقراطية المنوطة بها تاريخياً ، وأن على البروليتاريا وتحالفاتها الطبقية قيادة هذه المهمات وانجازها خاصة في البلدان المتخلفة التي بقيت فيها هذه المهمات معلّقة .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ماذا تفترض قيادة البروليتاريا للمهمات الديمقراطية وانجازها من الناحية المبدئية؟
الافتراض الأول: إلغاء الملكية الخاصة الرأسمالية ، لأنه من دون هذا الإجراء لا يمكن للبروليتاريا وحلفائها من الطبقات الأخرى أن تتقدم خطوة واحدة حقيقية باتجاه انجاز المهمات الديمقراطية بالمعنى التاريخي (التصنيع والتحديث الاجتماعي والثقافي)، وهذا لا يعني إلغاء الملكيات الصغيرة و المتوسطة ، بل يمكن تشجيعها وتبنيها كقطاعات منتجة لصغار المالكين والحرفيين .. الخ.. في الريف والمدينة.
الافتراض الثاني : قيام تحالف طبقي بين البروليتاريا وفقراء الفلاحين وفقراء المدن من جميع الشرائح غير البروليتارية ، كون جميع هذه الفئات والطبقات الاجتماعية متضررة بشكل واضح من سيطرة العلاقة الإمبريالية وصورها وآلياتها في داخل البلدان المتخلفة وخارجها ، بكلام آخر : الإمبريالية كعقبة خارجية أمام إنجاز المهمات الديمقراطية ، وكعقبة داخلية عبر سيطرة طبقات تابعة وملحقة بالنظام الإمبريالي وسياساته الاقتصادية والاجتماعية والإستراتيجية.
الافتراض الثالث : عدم الخلط بين وضعيتين للبروليتاريا وحلفائها : وهما الوضعية خارج السلطة والوضعية في السلطة . على البروليتاريا وحلفائها أن ترسم وهي خارج السلطة تكتيكاً واضحاً يستند على أمر مبدئي وهو عجز البورجوازية الطرفية بكافة أشكالها (أعيان مدن، متوسطة، صغيرة ) عن إنجاز المهمات الديمقراطية في البلدان المتخلفة ومنها الأقطار العربية . وهذه المهام تشمل : الحريات السياسية، التصنيع ، الدولة المدنية الحديثة، دولة القانون للمواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات ، الحقوق الثقافية للأقليات القومية ، تحديث بنية المجتمع والثقافة، حل المسألة الزراعية بما يكفل حياة كريمة للفلاحين وأمناً غذائياً للمدن.
في وضعية وجود البروليتاريا خارج السلطة عليها السعي لبناء أوسع تحالف ممكن طبقياً وسياسياً في سبيل الضغط من جهة اليسار على برامج البورجوازية السائدة بكافة السبل السلمية الممكنة لحرف هذه البرامج قدر المستطاع نحو تلبية مصالح الطبقات الشعبية من عمال وفلاحين فقراء وفقراء المدن من كافة الشرائح. وذلك من جهتين: الحريات السياسية ، حق المواطنة والحقوق الثقافية للأقليات القومية ، والبرامج الاقتصادية الاجتماعية والثقافية.
لقد تبين خلال مائة عام من حكم البورجوازية بكافة أشكالها في المنطقة العربية أنها غير قادرة بالفعل وبالتجربة التاريخية على إنجاز المهمات الديمقراطية التي سبق وأنجزتها البورجوازية في أوربا الغربية والولايات المتحدة الأميركية واليابان في القرن التاسع عشر . وذلك بحكم تزامن ولادة هذه البورجوازيات وارتباطها بصعود الظاهرة الإمبريالية والاستعمار المباشر في المنطقة العربية والعالم.
وهي ؛ أي البورجوازيات العربية بانحطاطها وتبعيتها للنظام الإمبريالي تعيد إنتاج أشكال من العلاقات الاجتماعية/ السياسية والثقافية ما قبل الرأسمالية ، وتسهم بهذا الشكل في إنتاج وتفريخ ظاهرة الحزب السياسي الديني وتعزيزها باستمرار.
في هذه المرحلة الانتقالية من النضال يمكن لحزب اليسار الماركسي أن يضم نوعين من الاستراتيجيات: "منشفية" و"بلشفية" بالمعنى المجازي للكلمة . أي يشمل أولئك الذين يراهنون على شرائح من البورجوازية في إنجاز بعض المهمات الوطنية والديمقراطية . أو الذين يعتبرون أن البروليتاريا وتحالفاتها الطبقية قادرة على انجاز المهمات الديمقراطية السياسية والاجتماعية من دون المس بشكل الملكية الخاصة السائد ، ويتركون أمر الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج للدستور الجديد ولصناديق الاقتراع . ويشمل من جهة ثانية أولئك الذين لا يراهنون على ذلك بالمعنى التاريخي لا من ناحية دور البورجوازية كطبقة ولا من ناحية دور شكل الملكية السائد في إنجاز المهمات السالفة الذكر. مع التنويه بأن المراهنين على البورجوازية أو على بقاء سيطرة الملكية الخاصة الرأسمالية يحولون الإستراتيجية السياسية للتغيير إلى مجرد تكتيكات إصلاحية. وهذا التنويه لا يقلل من قيمة تكتيكات البروليتاريا وحلفائها فترة الانتقال، في الضغط من جهة اليسار قدر المستطاع على البرامج الاقتصادية /الاجتماعية والثقافية للحكومة البورجوازية بما يخدم أوسع الفئات الشعبية وأكثرها فقراً وتهميشاً ، وأيضاً بما يعزز مفهوم المواطنة وإنصاف الأقليات القومية المتظلمة.
II - البروليتارية ومواجهة الإمبريالية (ومعها الصهيونية) كأوضاع وصور داخلية وكعقبات خارجية من قبل كافة الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة من سيادة هذه الصورة وتلك العلاقات.
ما من شك في أن الإمبريالية بالمعنيين الداخلي والخارجي تعمل على تخليع البنى الزراعية والصناعية في البلدان المتخلفة وعلى تذريرها اجتماعياً بحيث تغدو هذه البلدان مفتقرة إلى كتل اجتماعية تاريخية متراصة قادرة على إنجاز المهمات الديمقراطية . وهذا التخلع وذاك التذرير يفترض بناء تحالفات طبقية واسعة لمناهضة وتحطيم العلاقة الإمبريالية وصورها في هذه البلدان ، وهو ما يسمى عادة ببناء الكتلة التاريخية من الطبقات المتضررة من هذه العلاقة. لكن الكتلة التاريخية تحتاج إلى قيادة ؛ أو إلى رأس . وهنا يتوجب على البروليتاريا (الطبقة العاملة في وجودها السياسي / البرنامجي) العمل الجاد والدائب لتحقيق موقع القيادة عبر الجدارة السياسية في هذه الكتلة التاريخية ، وذلك لتتمكن من إنجاز برنامجها الديمقراطي إلى النهاية. لأن أية قيادة غير بروليتارية تعني العودة إلى قيادة البورجوازية من جديد لتلك المهمات الديمقراطية ، وبالتالي الفشل التاريخي من جديد.
III- مسألة المثقفين العضويين للطبقة العاملة ودورهم التاريخي في الشرط الإمبريالي. دورهم في رسم وتحقيق إستراتيجية حزب اليسار الماركسي في الأقطار العربية.
لا يمكن رسم الإستراتيجية المفترضة السابقة في ظروف سيطرة العلاقة الإمبريالية في البلدان المتخلفة والعربية ونتائج هذه السيطرة من دون إظهار الدور الاستراتيجي والخطير لمثقفي الطبقة العاملة العضويين . فبناء البرنامج السياسي للطبقة العاملة وبناء تحالفاتها الطبقية من جهة وبناء ائتلافاتها السياسية من الجهة الأخرى يفترض قيام حزب يسار ماركسي ذو وضوح استراتيجي وبراعة تكتيكية .
إن قيام حزب اليسار الماركسي يعني التعبئة التنظيمية والأيديولوجية للطبقة العاملة ، ويعني فاعلية الضغط المطلبي للطبقة وحلفائها ، وفاعلية دورهما في الحياة الوطنية ، والقومية .
تنال مسألة المثقفين العضويين للطبقة العاملة اليوم في البلدان المتخلفة ومنها الأقطار العربية أبعاداً إضافية نظراً للدمار الذي أصاب حقل اليسار الماركسي بفعل تفكك الاتحاد السوفياتي وبفعل التربية الاشتراكية البيروقراطية للأحزاب الشيوعية التقليدية ، ونظراً للبلبلة الفكرية والأيديولوجية الليبرالية الجديدة التي عممتها الدوائر الثقافية الإمبريالية اعتباراً من بدايات تسعينات القرن المنصرم على أثر تفكك الدولة السوفياتية وتجدد الهجوم الإمبريالي على المناطق التي كانت قد تفلتت من الشبكة الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا