الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في العراق

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2017 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ملأ السياسيون والدعاة ، ومن خلفهم الكتاب ، ووسائل الإعلام آذان العامة بالحديث عن " الديمقراطية " ، وزوّقوها بزينة العرائس أو بحلاوة العسل الصافي ، غير المغشوش ، حتى تكوّنت في الأذهان صورتها ، وكأنها بضاعة سهلة المنال ، متى ما تفضل حاكم ، حتى لو كان محتلاّ ، ووفرها لهم .
لم يكن المتحدثون عن الديمقراطية صادقين في تقديمها للجمهور ، وسبب ذلك ، أن كل واحد منهم كان له غرض يختلف عن أغراض الآخرين . لم يقل أي منهم أن لممارسة الديمقراطية درجات كدرجات الطيف الشمسي الذي يُحلل إلى سبعة ألوان رئيسية ، ولكن لكل لون من تلك الألوان سيل متدرّج بين غامقها وفاتحها تصل إلى المئات .
الديمقراطية بوصفها الزاهي الذي زُرع في أذهان الناس كالكرة الذهبية التي يشتهيها كلٌّ منّا ، جاءتنا هبةً من قوى الإحتلال ، وفرحنا بها ، في أول وهلة ، ولكن المحتل سلّم هذه الكرة إلى " أطفال السياسة " الذين رأوا كرويتها ، لا قيمتها ، فأخذوا يركلونها يمنة ويسرة ، لا يهمهم سقوطها في الوحل ، بل كان هم كل واحد منهم ، حين يأتي دوره في الركل ، أن يضربها صوب تحقيق هدف محسوب له . وهكذا أصبح حال الكرة بعد أربعة عشر عاماً ، متّسخاً ملوّثاً بالأوحال ، حتى ضاق بها كل مَن يراها أو يشارُ له إليها من العارفين بحقيقة أنها من ذهب .
لا ينحصر وصف الديمقراطية بحرية إبداء الرأي ، والتظاهر والتجمع والإعتصام ، لأن هذه كلها تمثل أحدى وجهي الديمقراطية ، كأي عملة معدنية لها وجهان . إنك لا تستطيع أن تذهب إلى صاحب الدكان وتشتري منه بضاعة وتدفع له قيمتها بواحدة من وجهي العملة التي تحملها ، فلا " الطُرة " وحدها تكفي و لا " الكتبة "، وكذا الديمقراطية ، هناك الوجه الإقتصادي منها ، وهو الجانب المكمّل لمعناها . فالجانب الإقتصادي يتضمّن حرية المواطن في التصرّف ، وأهليته في ذلك تكون عماد إرادته الحرّة غير المغتصبة من جهة أخرى . ففي المجتمع الإقطاعي تكون سطوة الإقطاعي على الفلاح مانعة له من ممارسته إرادته بصورة حرّة لإرتباط معيشته بالإقطاعي ، فهنا نرى عدم إمكان تصوّر وجود الديمقراطية " التي في أذهاننا " ، في هذا المجتمع . وكذا الحال في المجتمع الذي تسود فيه سطوة رجل الدين ، أو شيخ العشيرة ، وهكذا في كل مجتمع تكون هناك موانع عن إستخدام إرادته الحرّة .
تتفتّح مجالات الدعوة إلى " الديمقراطية " في المجتمعات الحضرية ، وتتناسب في عمقها مع سعة النشاط الإقتصادي الحر سواء في الصناعة والتجارة والعمارة التي تخلق الظروف المناسبة " نسبيّاً " بقدر تحرر الفرد من سطوة جهة أخرى تؤثر في إرادته ، ولذلك فإن المجتمعات ، بقدر تطور ظروفها الإقتصادية ، ترتب أوضاعاً نسبيّة لمستوى الديمقراطية الصالحة فيها ، فتجد أن الديمقراطية المطبقة في بلد ما لا تصلح كوصفة لبناء نظام ديمقراطي مماثل في بلد آخر.
في الحديث عن بلد مثل عراقنا ، وفي ظروف التنوّع العرقي والديني والمذهبي ، في ظل إقتصاد وحيد الجانب ؛ ريعي معتمد على النفط ، والبنية التحتية المنهارة ، والفساد المستشري والقضاء المسيّس ، والكادر الوظيفي الحكومي المتضخّم ، سواء في القوات العسكرية أو الحشد والبيشمركة والكادر المدني ، الذي يمثل معظم الطاقات الواجب توجيهها إلى الإنتاج ، إنما معطّلٌ , ويحمّل ميزانية الدولة مبالغ قد تصل إلى 90% منها ، فأي مستوى من الديمقراطية ، يا ترى ، يمكن أن يصلح لنا ؟
الديمقراطية التي خلفها لنا المحتل ، خلقت الظروف التي أدت بنا إلى حافة الهاوية ؛ " الحرية الشخصية " أصبحت بيد القوي مثل " چراز الشيخ " ، بسلطته الوظيفية ، أو بموقعه الديني ، او الميليشياوي ، أفقدت المواطن إرادته الحرّة ، و لا أحد يسمع نداءه إذا دعى . فالخلاص من تبعات وظروف ما ورثناه من ديمقراطية المحتل هو الخطوة الأولى لنا لبناء مستقبلنا .
برلمان ينتمي أعضاؤه للعراق ، وللعراق فقط ، من المستقلين عن الأحزاب القائمة ، يأتي بحكومة تكنوقراط مهنيين ، تلتزم برنامج بناء العراق في الزراعة والصناعة والتجارة بحيث يصبح الفرد صاحب ذاته ، ومؤهلاً لممارسة حقوقه كاملة دون أن يكون تحت تاثير جهة أخرى .
وهل يمكن هذا؟
نعم .. إذا تجمعت نخبة من أبناء العراق المخلصين ، من ذوي الكفاءات ، أفرادُها مستقلون عن الكتل السياسية والأحزاب القائمة ، وشكّلت كتلة سياسية تحت إسم " نحن العراق " وخاضت الإنتخابات العامة ، إعتماداً على الشعب ، سيكون النجاح في إنقاذ العراق على يدها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟