الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكذب المتعلق بتاريخ الاتحاد السوفييتي

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2017 / 9 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ماريو سوسا Mario souse
الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني الثوري- السويد
ترجمة: مالك أبوعليا

- من هتلر الى هيرست، ومن كونكويست الى سلوجينستاين
في تاريخ اولئك الملايين الذين زعم انهم سجنوا وماتوا في معسكرات العمل في الاتحاد السوفييتي كنتيجة للمجاعة في فترة ستالين. من منا يستطيع ان يتجنب سماع القصص التي تشتبه بموت ومقتل الناس في معسكرات العمل في الاتحاد السوفييتي؟ من منا يستطيع ان يتجنب قصص الملايين الذين جاعوا حتى الموت وملايين المعارضين الذين اعدموا في الاتحاد السوفييتي في فترة ستالين؟ هذه القصص يتم ترديدها في العالم الرأسمالي مرات ومرات عديدة في الكتب، الصحف، الراديو، التلفزيون والأفلام، والأرقام الاسطورية لملايين ضحايا الاشتراكية ازدادت بطفرات في اخر 50 سنة.
ولكن من اين تأتي، في الحقيقة، هذه القصص والأرقام، ومن يقف وراء كل هذا؟
وسؤال اخر: ما هو الحقيقي ضمن تلك القصص؟ وما المعلومات التي يتضمنها ارشيف الاتحاد السوفييتي؟ ان مؤلفي تلك الأساطير يقولون دائماً ان قصصهم التي تقول بموت الملايين في فترة ستالين سوف تتأكد في اليوم الذي يفتح فيه الأرشيف. فهل هذا ما حدث؟ هل تأكدت حقيقةً؟ يظهر لنا هذا المقال من اين نبعت قصص ملايين الموتى جوعاً في معسكرات العمل في الاتحاد السوفييتي، ومن يقف خلفها- مؤلف المقالة قادر، بعد دراسة تقارير البحوث التي انجزت حول ارشيف الاتحاد السوفييتي أن يؤمن معلومات على شكل بيانات عيانية حول الرقم الحقيقي للمساجين والفترة التي قضوها في السجن، وعتدد اولئك الذين حكم عليهم بالموت في فترة ستالين. تختلف الحقيقة تماماً عن الأسطورة.
هناك رابطة تاريخية مباشرة تصل بين: هتلر وهيرست، كونكويست وسلوجينستاين.
طرأت التغيرات السياسية في ألمانيا سنة 1930، والتي سوف تطبع بخاتمها تاريسخ العالم للعقود القادمة. اصبح ادولف هتلر رئيس الوزراء في 30-1، بحكومة عنيفة وخارقة للقوانين. دعا النازيين لانتخابات جديدة في 5-3 مستخدمين كل وسائل البروبغاندا ليؤمنوا نصرهم. وقبل اسبوع من الانتخابات في 27-2 اشعل النازيين النار في البرلمان واتهموا الشيوعيين بالمسؤولية عن ذلك. أمن النازيين في الانتخابات 17.3 مليون صوت و 288 مندوب، حوالي 48% من الناخبين (أمنواغ 11.7 مليون صوت و 196 مندوب). بدأ النازيين في التضييق على الديمقراطيين والنقابات العمالية حالما حظروا الحزب الشيوعي، وبدأت معسكرات الاعتقال برجال ونساء الجناح اليساري. وفي هذا الوقت، كانت قوة هتلر اكثر فأكثر تهيمن على البرلمان بمساعدة الجناح اليميني. شرع هتلر قانوناً ليتم تمريره على البرلمان يمنحه السلطة المطلقة لحكم البلاد لمدة اربعة سنوات بدون مشاورة البرلمان، وكان هذا في 24-3. ومن هنا بدأ اضطهاد العرقيات الأخرى وازدادت ملاحقة الشيوعيين بوتائر خطيرة.

-أوكرانيا كأرض ألمانية
كان جوبلز وزير الاعلام في جانب هتلر في القيادة. الرجل المسؤول عن طباعة الحلم النازي في الأذهان. كان حلماً لشعب نقي عرقياً يعيش في المانيا العظمى، وكانت اوكرانيا جزء من هذه الألمانيا. اشار هتلر الى اوكرانيا سنة 1925 كجزء جوهري من المانيا العظمى التي يجب أن يتم استخدامها (اوكرانيا) بطريقة (لائقة). وتبعاً للبروبغاندا النازية فانه على السيف النازي أن يحرر هذه من المنطقة من (الكائنات الدنيا)، والذين، تبعاً لذلك، سوف يعملون كقوة عاملة وعبيد في الديار الألمانية. بالتالي، يجب عند السيطرة على اوكرانيا ان يتم اعلان الحرب على الاتحاد السوفييتي، وهذه الحرب محضرة مسبقاً بشكل جيد. ومن هنا بدأت وزارة البروبغاندا النازية التي يرأسها جوبلز حملةً حول مجازر مفترضة ارتكبها البلاشفة في اوكرانيا، فترة مروعة من مجاعة فاجعة اثارها ستالين بتعمد ليجبر الفلاحين أن يقبلوا السياسات الاشتراكية. ان هدف الحملة النازية هو تحضير الرأي العام العالمي لتحرير الجيش الألماني لأوكرانيا. على الرغم من الجهود الكبيرة، ومن حقيقة أن بعض نصوص الدعاية الألمانية نشرت في الصحافة الانجليزية، الا أن الحملة النازية حول الابادة المفترضة في اوكرانيا لم تكن ناجحةً جداً على المستوى العالمي. كان من الواضح ان هتلر وجوبلز احتاجوا للمساعدة في نشر الاشاعات التشهيرية حول الاتحاد السوفييتي، ووجدت هذه المساعدة في الولايات المتحدة.

وليام هيرست- صديق هتلر
وليام راندولف هيرست هو اسم الملتيمليونير الذي سيساعد النازيين في حربهم النفسية ضد الاتحاد السوفييتي. هيرست معروف جيداً كمالك للصحيفة الأمريكية ومعروف بأبو (الصحافة الصفراء)، صحافة ترويج الاثارة. بدأ هيرست مهنته كمحرر صحفي سنة 1885، عندما وضعه ابوه جورج هيرست ، مليونير صناعة المناجم، السيناتور، ومالك الصحيفة نفسه، مسؤولاً عن صحيفة San Francisco Daily Examiner.
هذه ايضاً كانت بداية امبراطورية هيرست الاعلامية التي اثرت على حياة وتفكير الأمريكيين الشماليين. باع وليام هيرست كل صناعة التنجيم بعد موت والده وبدأ يستثر رأسماله في عالم الصحافة. صحيفة New York Morning كانت من أول مشترياته، حيث حول هذه الصحيفة التقليدية الى خرقة بالية تروج للأخبار المثيرة التي كان يشتريها بأي ثمن. وعندما لم يكن هناك اي أعمال وحشية أو جرائم ليضعها كعناوين، يكون على صحفييه ومصوريه أن (يتدبروا) أمرهم. وهذا ما يميز الصحافة الصفراء في حقيقة الأمر: الكذب، الجرائم المدبرة الملفقة التي تخدم كحقائق.
كذب هيرست هذا، هو ما جعله مليونيراً وشخصيةً مهمةً في عالم الصحافة. كان هيرست سنة 1935 واحداً من أغنى الأشخاص في العالم بثروة تقدر بـ200 مليون دولار. امتلك هيرست سنة 1940 25 صحيفة اسبوعية، 24 اسبوعية، 12 محطة راديو، مؤسستي أخبار عالميتين، مشروع تزويد أخبار لصناعة الأفلام، شركة الفلم العالمية، وكثير غيرها. اشترى سنة 1948 واحدةً من اوائل محطات التلفزيون في بالتيمور BWAL-TV. باعت صحافة هيرست 13 مليون نسخة في اليوم، واقتربت من 40 مليون قارئ، اي تقريباً ثلث سكان الولايات المتحدة البالغين كانوا يقرأون صحافة هيرست كل يوم. أكثر من هذا، كان هناك عدة ملايين من الناس حول العالم يتلقون معلومات من اعلام هيرست عن طريق وكالاته العالمية، الأفلام ومجموعات الصحف التي كانت تترجم وتنشر بكميات كبيرة. ان الارقام الكبيرة أعلاه تشير الى كيف يمكن لامبراطورية هيرست أن تؤثر على السياسة الأمريكية والعالمية على امتداد السنوات في قضايا تضمنت مثلاً، معارضة دخول الولايات المتحدة الحرب الى جانب الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، ودعم صيد الساحرات-المكارثية المعادية للشيوعية في الخمسينيات.
كانت توجهات هيرست السياسية يمينية متطرفة، محافظة جداً، قومية ومعادية للشيوعية. سافر الى ألمانيا سنة 1934 حيث استقبله هختلر كزائر وصديق. واصبحت صحافته بعد هذه الزيارة أكثر رجعيةً، معادية للاشتراكية واحتوت مقالات معادية للاتحاد السوفييتي.
حاول هيرست ايضاً أن يستخدم صحافته ليروج البروبغاندا النازية بنشر سلسلة من المقالات لغورينغ مساعد هتلر. على كل حال، اجبرت احتجاجات عدد من القراء هيرست على التوقف عن نشر مثل تلك المواضيع.
صارت صحف هيرست المروجة للاثارة، بعد زيارته لهتلر، تمتليء بالأحداث المروعة في الاتحاد السوفييتي، الجرائم، المذابح، العبودية، ترف النخبة والمجاعة بين الناس، هذه كانت الأخبار اليومية. وتظهر الكاريكاتيرات والصور الخاطئة حول الاتحاد السوفييتي في الصفحة الرئيسية. مثلاً تم تصوير جوزيف ستالين كقاتل يحمل خنجراً في يده. ويجب أن لا ننسى ان تلك المقالات كان يقرأها كل يوم 40 مليون شخص في الولايات المتحدة وملايين أخرى حول العالم.

-اسطورة المجاعة في أوكرانيا
واحدة من أوائل حملات هيرست الاعلامية ضد الاتحاد السوفييتي، كانت مسألة الملايين المدعى موتهم كنتيجة للمجاعة في أوكرانيا. بدأت الحملة في 8-2-1935 يعنوان على الصفحة الرئيسية في Chicago American يقول: (6 مليون شخص يموت من الجوع في الاتحاد السوفييتي). بدأ بارون الاعلام والمتعاطف مع النازية وليام هيرست بنشر قصص مفبركة، باستخدام مواد قدمها له النازيين، حول مذابح افترض انه تم التحضير لها بشكل مقصود من قبل البلاشفة، وسببت موت عدة ملايين متضورين جوعاً. الواقع يختلف تماماً. في الحقيقة ما كان في بداية الثلاثينيات في الاتحاد السوفييتي هو صراع طبقي حاد بين الفلاحين الفقراء الذين لم يمتلكوا ارضاً حيث نهضوا ضد ملاك الأراضي الأغنياء الكولاك من أجل انشاء التحاونيات (الكولخوزات). هذا الصراع الطبقي الكبير الذي تضمن حوالي 120 مليون فلاح سبب عدم استقرار الانتاج الزراعي ونقص الغذاء في بعض المناطق. الجوع الذي سببه هذا النقص زاد اعداد الذين وقعوا ضحايا للأمراض الوبائية.
كانت هذه الأمراض في ذلك الوقت منتشرةً في كل انحاء العالم للأسف. سببت الانفلونزا الاسبانية بين اعوام 1918-1920 موت 20 مليون شخص في اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لم يتهم احد، حكومات تلك البلدان بقتل مواطنيها. حقيقة الأمر انه لم يكن بمستطاع تلك الحكومات أن تفعل شيئاً حيال اوبئة من ذلك النوع. كان يمكن فقط، من خلال تطوير البنسلين، خلال الحرب العالمية الثانية، احتواء تلك الأوبئة بنجاح، ولم يكن هذا متحاً على العموم حتى نهاية سنوات الأربعينيات.
لقد أكدت مقالات هيرست موت الملايين من المجاعة في اوكرانيا-المفترض أن الشيوعيين افتعلوها عمداً- بتفاصيل بيانية صارخة. استخدمت صحافة هيرست كل وسيلة ممكنة لجعل اكاذيبهم تبدو كما الحقيقة، ونجحت في تحويل الرأي العام في الدول الرأسمالية ضد الاتحاد السوفييتي بحدة، كان هذا مصدر أول اسطورة عملاقة. ولم يكن لأحد أن يستمع لانكار السوفييتي وفضحه لأكاذيب هيرست الاعلامية-(استمر هذا الفضح من سنة 1934-1987)- في صخب التيار الجارف للاحتجاجات الضخمة ضد الشيوعيين الذين سببوا المجاعة.
عرضت عدة افترائات لأجيال عدة لمدة 50 عاماً من أجل تشويه صورة الاشتراية في الاتحاد السوفييتي.

-امبراطورية هيرست للاعلام الجماهيري سنة 1998
مات وليام هيرست سنة 1951 في بيته في بيفرلي هيلز في كاليفورنيا، وترك وراءه امبراطورية اعلامية تستمر حتى هذا اليوم بنشر رسائلها الرجعية حول العالم. ان مؤسسة هيرست هي واحدة من اضخم المشاريع في العالم دامجةً أكثر من 100 شركة وموظفةً 15000 شخص.

-قبل 52 سنة من ظهور الحقيقة
ان حملة الافترائات النازية حول اوكرانيا لم تمت بهزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. أخذت الـCIA الأمريكية وM15 البريطانية على عاتقهما استكمال المهمة، حيث وضعتها في أعلى القائمة لاستخدامها في الحرب الاعلامية ضد الاتحاد السوفييتي. تغذت الحملة المكارثية المعادية للشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية على قصص الملايين الذين ماتوا من المجاعة في اوكرانيا. نشر في الولايات المتحدة سنة 1935 كتاباً عنوانه (الأفعال السوداء للكرملين). وقد مول نشره اللاجئين الأوكران في الولايات المتحدة، الذين كان قد سبق لهم التعاون مع النازية والذين اعطتهم الولايات المتحدة حق اللجوء السياسي مصورتةً اياهم للعالم على انهم (ديمقراطيين). بدأ رونالد ريغان بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة حملته الصليبية المعادية للشيوعية في الثمانينيات، وانتعشت خلالها قصة الملايين الذين ماتوا في اوكرانيا. نشر بروفسور في هارفارد سنة 1984 كتباً اسمه (حياة الانسان في روسيا) والذي كرر فيه كل المعلومات الخاطئة التي انتجتها صحافة هيرست، وهذه المرة تحت الغطاء المحترم للجامعة الأمريكية. ولم يكن هذا نهاية الأمر. ظهر سنة 1986 كتباً عنوانه (حصاد الأسى Harvest of sorrow) كتبه العضو السابق لوكالة الاستخبارات البريطانية السرية روبرت كونكويست Robert Conquest والذي هو بروفسور في جامعة ستامفورد في كاليفورنيا اليوم (1998 مالك ابوعليا). استلم كونكويست 80000 دولاراً من المنظمة الأوكرانية القومية لقاء كتابه. ودفعت المنظمة نفسها المال لقاء فلم انتج سنة 1986 سمي (حصاد القنوط Harvest of Despair) حيث استخدم مواداً من كتاب كونكويست. وفي هذا الوقت في الولايات المتحدة، قفز عدد الناس المدعى موتهم في اوكرانيا خلال المجاعة الى 15 مليون. ومع ذلك فان الملايين الذين قيل انهم ماتوا بسبب المجاعة، في صحافة هيرست في امريكا والذين ترددت اصدائهم في الكتب والأفلام هي معلومات خاطئة. بين الصحافي الكندي دوغلاس توتل الخطأ في المعلومات، بدقة شديدة، في كتابه (تزوير، المجاعة والفاشية- اسطورة الابادة الأوكرانية من هتلر الى هارفارد 1987)، ووضح من بين امور كثيرة أن المواد الفوتوغرافية التي احتوت على صور مروعة لأطفال يجوعون، قد اخذت من منشورات سنة 1922 من الملايين الذين ماتوا جوعاً وظروف الحرب التي سببتها 8 جيوش اجنبية اجتاحت الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الأهلية 1918-1921. ويبين كذب مجموعة من التقارير حول المجاعة الأوكرانية سنة 1934 التي نشرت في صحافة هيرست. كان توماس والكر واحداً من الصحافيين الذين ارسلوا التقارير والصور لصحافة هيرست حول المجاعة، ويبين مراسل موسكو لويس فيشر لصحيفة Nation الأمريكية أن والتر ذاك لم تطأ قدماه اوكرانيا قط، وحتى موسكو لم يمكث فيها أكثر من 5 ايام. يكشف الصحافي الكندي تول جيداً أن توماس والكر الذي كتب التقارير حول المجاعة المزعومة كان اسمه الحقيقي روبرت غرين كان متهماً هرب من سجن الولاية في كولورادو، واعتقل عندما عاد الى الولايات المتحدة واعترف في المحكمة انه لم يذهب الى اوكرانيا أبداً. هيرست، النازيين، عميل الشرطة كونكويست، واخرون خدعوا ملايين الناس بكذبهم وتقاريرهم المزيفة. وحتى اليوم، فان قصص هيرست النازية لا يزال الكتاب الجدد يكررونها لمصالح اليمين السياسي.


-روبرت كونكويست في قلب الأسطورة
هذا الرجل الذي تذكره الصحافة البرجوازية كثيراً، هذا الكاهن البرجوازي الحقيقي، يستحق بعض الاهتمام في موضوعنا هذا. انه في الحقيقة الصانع لمعظم الأكاذيب التي انتشرت حول الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية. يعرف كونكويست بكتابه (الرعب العظيم The Great Terror 1969) و(حصاد الأسى 1986). يكتب كونكويست حول المجاعة في اوكرانيا، معسكرات العمل للكولاك والتطهيرات في سنوات 1936-1939 مستخدماً الأوكرانيين المطرودين الذين يعيشون في الولايات المتحدة وينتمون للأحزاب اليمينية كمصدر لمعلوماته. واحد من ابطال كونكويست معروف بجرائمه واتهم بارتكابه جرائم حرب يدعى ميكولا ليبيد. كان ليبيد قائداً اسيتخباراتياً في لفوف اثناء الاحتلال الألماني، وقاد الاضطهاد العرقي المروع الذي حدث في اوكرانيا سنة 1942. اخذت الـCIA ليبيد الى الولايات المتحدة سنة 1949 حيث عمل كمصدر معلومات تضليلية.
تظهر كتب كونكويست بأشد اشكال العداء للشيوعية عنفاً واصوليةً. في كتابه سنة 1969 يخبرنا كونكويست ان عدد اولئك الذين ماتوا بسبب المجاعة في الاتحاد السوفييتي 1932-1933 قد تراوح بين 5-6 مليون شخص نصفهم في اوكرانيا. ولكن خلال حملة ريغان الصليبية ضد الشيوعية وسع كونكويست مدة المجاعة الى 1937 وزاد أعداد الضحايا حتى 14 مليوناً. وقد كوفئت هذه التأكيدات جيداً: سنة 1986 عين ريغان كونكويست لكتباة مادة من أجل حملته الرئاسية الهادفة لتحضير الشعب الأمريكي ضد الغزو العسكري السوفييتي، وقد كان النص بعنوان (ما الذي يجب فعله عندما يأتي السوفييتي، كتيب نجاة)!!، كلمات غريبة تأتي من بروفسور تاريخ!.
في الحقيقة، لا يوجد ما هو غريب كل هذا، حيث يأتي من رجل قضى كل حياته في الكذب والتلفيق حول الاتحاد السوفييتي، أولاً كعميل استخبارات، وككاتب وبروفسور في جامعة ستامفورد في كاليفورنيا ثانياً.
عمل كونكويست في قسم بحث المعلومات IRD (مكتب العلومات الشيوعية) التابع للاستخبارات البريطانية، حيث ساهم في خلق القصص الزائفة حول الاتحاد السوفييتي التي عولمت حقائق من أجل تزويدها للصحفيين والاخرين المؤثؤين في الرأي العام.
بعدما غادر الـ IRD رسمياً استمر في تأليف الكتب التي يقترحها القسم. فكتابه (الرعب العظيم) كنص يميني متطرف، كان في الحقيقة تجميعاً لنصوص كتبها هو اثناء عمله في الاستخبارات. قامت مطبعة Praeger بنشر الطبعة الثالثة من الكتاب التي اضيفت اليه مجموعة من المحاضرات ذات مصادر متعلقة بالـCIA. لقد تم تحضير كتاب كونكويست لعرضه على (الأغبياء المفيدين Useful fools) مثل دكاترة الجامعات والأشخاص العاملين في الاعلام والراديو والتلفزيون من أجل تأمين ايصال كذب كونكويست اليميني المتطرف الى مساحات أوسع من السكان. ان كونكويست، بالنسبة الى مؤرخي الجناح اليميني هو أكثر مصدر مهم للمواد عن الاتحاد السوفييتي.

-الكسندر سلوجينتساين Alexander Slozhenitsyn
هذا شخص اخر مسؤول عن الكتب والمقالات حول الملايين المفترض خسارتهم لحرياتهم وحياتهم في الاتحاد السوفييتي. لقد اصبح هذا المؤلف مشهوراً حتى نهاية الستينات بكتابه (أرخبيل الكولاك The Gulag Archipelago). لقد حكم عليه سنة 1946 لمدة 8 سنوات لنشاطه المعادي للثورة، وفي مساهمته للدعاية ضد السوفييت. وتبعاً لسلوجيتساين فانه كان يمكن تجنب الحرب ضد المانيا لو توصلت الحكومة السوفييتية الى تسوية مع ىهتلر. وقد اتهم الحكومة السوفييتية، ايضاً، بكونها اسوأ من هتلر من وجهة نظر التأثيرات الرهيبة للحرب على الاتحاد السوفييتي.
لم يخف سلوجينتساين تعاطفه مع النازية حيث حكم عليه بالخيانة. حصل سنة 1970 على جائزة نوبل لكتابه (أرخبيل الكولاك). ومن ثم بدأ كتابه ينتشر على نظاق واسع في الدول الرأسمالية، وصار أداة قيمة يستخدمها الامبرياليين في معركتهم ضد اشتراكية الاتحاد السوفييتي. رفض سلوجينتساين جنسيته السوفييتية سنة 1974 (اعيدت له الجنسية الروسية سنة 1990 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي-مالك ابوعليا) وهاجر الى سويسرا ومنت ثم الى الولايات المتحدة، واعتبرته الصحافة البرجوازية انذاك كأعظم مقاتل من أجل الحرية والديمقراطية، وتم دفن تعاطفه مع النازية لكي لا تتداخل مع الحرب الدعائية ضد الاشتراكية.
في الولايات المتحدة تمت دعوته مراراً ليتحدث في اللقائات والندوات المختلفة، وكان هو على سبيل المثال، سنة 1975 المتحدث الرئيسي في مؤتمر اتحاد العمل للمنظمات الصناعية الأمريكي AFL-CIO -union- (اتحاد طوعي للبرجوازية لتنظيم الأعمال الدعائية والتقنية المشتركة على مستوىً غير رسمي-مالك ابوعليا)، ودعي ليلقي محاضرة حول الوضع العالمي في مجلس الشيوخ الأمريكي! محاضراته في اساسها تحريض سافر وعنيف واعلان لأشد المواقف رجعيةً. ومن بين امور كثيرة حرض على اجتياح فييتنام مرةً اخرى بعد هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية (اتهم الحركات الأمريكية المعادية للحرب في فييتنام بأنها المسؤولة عن انهيار نظام سايغون وتغلغل الشيوعية في فييتنام-مالك ابوعليا). وأكثر من هذا، فبعد 40 سنةً من الفاشية في البرتغال وعندما قام مجموعة من الضباط اليساريين بالسيطرة على السلطة في الثورة الشعبية سنة 1974 بدأ سلوجينتساين يطالب الجيش الأمريكي بالتدخل في البرتغال، حيث تبعاً له، سوف تنضم البرتغال الى حلف وارسو اذا تأخر تدخل الجيش الأمريكي. كان دائماً ما يتحسر على تحرر المستعمرات الافريقية من يد البرتغال. ولكنه كان من الواضح ان الدافع الرئيسي لمحاضراته وتصريحاته هو الحرب القذرة ضد الاشتراكية ابتداءاً من الملايين الذين اعدموا في الاتحاد السوفييتي الى عشرات الالاف من الأمريكان المفترض انهم مسجونين ومستعبدين في فييتنام الشمالية!! هذه الفكرة الأخيرة كانت وراء أفلام (رامبو في فييتنام). الصحفيين الأمريكان الذين كانوا يفضلون السلام بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة اتهمهم سلوجينتساين بأنهم خونة محتملين. ودعا من أجل زيادة قدرة الولايات المتحدة العسكرية ضد الاتحاد السوفييتي، حيث ادعى كذباً، أن السوفييت أقوى في (الدبابات والطائرات المقاتلة) من الأمريكان بـ5-7 مرات، كما في الأسلحة الذرية حيث السوفييت اقوى من الولايات المتحدة بمرتين أو ثلاث أو 5 مرات. ان محاضرات سلوجينتساين حول الاتحاد السوفييتي لم تمثل صوت اليمين المتطرف وحسب، بل لقد ذهب هو نفسه ابعد من هذا نحو اليمين بدعمه العلني للفاشية. هؤلاء اكثر مموني البرجوازية بالأساطير المتعلقة بالملايين المفترض انهم ماتوا وسجنوا في الاتحاد السوفييتي: النازي وليم هيرست، عميل المخابرات روبرت كونكويست والفاشي الكسندر سلوجينتساين. لعب كونكويست الدور البارز بما أن الاعلام الجماهيري الرأسمالي حول العالم استخدم معلوماته. ولكن تم كشف حقيقة الأمر وأدى فتح ارشيفات الحزب الشيوعي للدراسة التاريخية، الى نتائج لم يتوقعها أحد.

-الأرشيفات فضحت كذب البروبغاندا
ان التخمينات حول الملايين الذين قتلوا في الاتحاد السوفييتي هي جزء من حرب البروبغاندا الوسخة ضد الاتحاد السوفييتي، ولهذا السبب نفسه لم يؤخذ انكار الاتحاد السوفييتي على محمل الجد، ولم يجد له مكاناً في الصحافة الرأسمالية: لقد كانت كل تلك الانكارات، على العكس، تلقى التجاهل، بينما كان متخصصي الرأسماليين يعطون المجال بأكمله كما يريدون لكي يوسعوا مخيلتهم. وماذا كانت هذه الخيالات! ما هي ملايين الأموات والسجناء الذين ادعاهم كونكويست و(النقاد) الاخرين المشتركين في هذا؟ لقد كانت نتيجة مقاربات احصائية خاطئة ومنهجييات تقييم تفتقر للقاعدة العلمية.

-المنهجيات المخادعة تنهض بملايين الموتى
استخدم كونكويست، سلوجينتساين وميدفيدف واخرون احصائيات نشرها الاتحاد السوفييتي، على سبيل المثال، التعداد الرسمي السكاني الوطني للدولة ووصلوا في استنتاجاتهم الى كم كان عدد السكان في البلد اثناء السنوات المعطاة. كان الادعاء، ان الناس المفقودين قد ماتوا او سجنوا بسبب الاشتراكية. المنهجية بسيطة، وخادعة مع ذلك. لم يكن بامكان هذا (الكشف) السياسي المهم ان يكون مقبولاً لو كان الحديث يدور حول العالم الغربي، وفي هذه الحالة كان يمكن لدكاترة الجامعات والمؤرخين أن ينتفضوا ضد هذه الفبركات. ولكن وبما أن الاتحاد السوفييتي هو من كان موضوعاً لتلك الفبركات، فلقد كانت مقبولةً بذلك. واحدة من الأسباب، وهو ان الدكاترة والمؤرخين قد وضعوا تقدمهم المهني في المقدمة على حساب نزاهتهم المهنية.
كم كانت اخر الأرقام المستنتجة من قبل النقاد؟ كانت 6 مليون ماتوا في المجاعة في الاتحاد السوفييتي بداية الثلاثينيات تبعاً لكونكويست بتقدير قام به سنة 1961. زاد كونكويست سنة 1986هذا الرقم الى 14 مليوناً. وحسبما يقوله حول معسكرات عمل الكولاك حيث كان هناك 5 مليون معتقل سنة 1937 قبل تطهيرات الحزب، وخلال سنوات 1937-1939 عندما بدأت التطهيرات كان هناك 7 ملايين معتقل اضافي يما مجموعه 12 مليون معتقل سنة 1939!!. وجماعة كونكويست هؤلاء كلهم كانوا معتقلين سياسيين!
كان في معسكرات العمل مجرمين عاديين كذلك، الذين كانوا، حسب كونكويست، يفوقون بالأعداد المعتقلين السياسيين. وهذا يعني أن معسكرات العمل السوفييتية احتوت 25-30 مليون سجين. مرةً اخرى، يقول كونكويست انه تم اعدام مليون معتقل سياسي بين 1937-1939 ومات 2 مليون بسبب الجوع. يصل الححساب الأخير لتطهيرات سنة 1937-1939 حسب كونكويست الى 9 مليون مات منهم 3 مليون في السجن. أخضع كونكويست هذه الأرقام الى (تعديلات احصائية) ليتمكن من ان يصل الى نتيجة أن البلاشفة لم يقتلوا أقل من 12 مليون معتقل سياسي في أعوام 1930-1953. وباضافته هذه الأرقام الى ارقام اولئك الذين ماتوا في مجاعة الثلاثينيات، يصل الى ان البلاشفة قتلوا 26 مليون شخص. وفي واحدة من تلاعباته الاحصائية ادعى انه يوجد سنة 1950 12 مليون معتقل سياسي في الاتحاد السوفييتي.
استخدم سلوجينتساين نفس المناهج الاحصائية الزائفة علمياً، ولكن على افتراضات مختلفة وصلت الى نتائج اكثر تطرفاً. قبل سلوجينتساين تقديرات كونكويست حول موت 6 مليون شخص في مجاعة 1932-1933، ومع ذلك فقد قال بأنه في السنوات من 1936-1939 مات مليون شخص في كل سنة منها. ويلخص من الشيوعيين قتلوا 66 مليون شخص ابتداءاً من كلخزة العمل الزراعي موت ستالين. وأكثر من هذا، فهو يقول بأن الحكومة السوفييتية مسؤولة عن موت 44 مليون روسي في الحرب العالمية الثانية ويستنتج بأن 110 مليون روسي وقعوا ضحايا للاشتراكية. ويخبرنا ايضاً بأن معسكرات العملالسوفييتية احتوت 25 مليون شخص سنة 1953.

-الأرشيف يفتح
ظهرت مجموعة الأرقام المتخيلة المذكور أعلاه، كنتاج للفبركات المدفوع لها جيداً، في الصحافة البرجوازية في الستينيات، تم تصويرها كححقائق تم تأكيدها بتطبيق المنهجية العلمية. توارت استخبارات الدول الغربية CIA و M15 خلف هذه الفبركات بشكل اساس. ازداد هذا الوضع المعيب سوءاً، حيث أن الاتحاد السوفييتي نفسه-حيثما لم يجد سلوجينتساين ونقاد اخرين معروفين كـأدنريه ساخاروف وروي ميدفيدف دعماً لخيالاتهم المتعددة-خذ اخذت تتغير الأمور فيه سنة 1990. كل ما عارض الاشتراكية في (الصحافة الحرة) الجديدة قد ادى الى نتائج مدمرة. لقد جلبت هستيريا (الصحافة الحرة) الذي دشنها غورباتشوف، كذب كونكويست وسلوجينتساين الى المقدمة. وتم فتح ارشيفات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي للدراسة التاريخية في نفس الوقت، وفتح الأرشيفات هي القضية المركزية في قصتنا المتشابكة هذه لسببين رئيسيين: جزئياً، بسبب انه فيها يمكن ايجاد الحقائق التي تلقي ضوئاً على الحقيقة، والأهم من هذا هو أن كل تلك التخمينات حول اعداد الناس الذين قتلوا وسجنوا في الاتحاد السوفييتي كانت تدعي ان فتح ارشيفات الحزب ذات يوم سوف يؤكدها.
ولكن، لقد حدث شيء غريب جداً عندما تم فتح الأرشيف وبدأت تظهر تقارير البحوث التي استندت الى الوثائق الحقيقية. ماذا ححدث؟ لقد توقف اهتمام صحافة غورباتشوف (الحرة) ومخمني اعداد الموتى عن الاهتمام تماماً بالأرشيفات. لقد بدأت تظهر نتائج البحث في ارشيفات اللجنة المركزية التي قام بها المؤرخين الروس زيمسكوف، دوغين، غليفينجوك، في المجلات العلمية ابتداءاً من سنة 1990 وبقيت كلياً بلا اية تعليق.
وتم نشر هذه النتائج في مجلات علمية لم تكن معروفة كثيراً لعموم القراء، ولم تستطع ان تنافس الهستيريا الاعلامية، لذا استمر كذب كونكويست وسلوجينتساين بالحصول على تأييد قطاعات من سكان الاتحاد السوفييتي السابق. ولقيت تقارير الباحثين الروس حول نظام العقوبة السوفييتيب تجاهلاً كبيراً في الصحافة واذاعات التلفزيون الغربية، فلماذا؟

-ما الذي يظهره البحث الروسي؟
ان البحث حول نظام العقوبة السوفييتي قد خرج بتقرير من 9000 صفحة. ومؤلفي هذا التقرير المعروفين، هم المؤرخين الروس زيمسكوف، دوغين وغليفينجوك وقد بدأ نشره سنة 1990 وانتهي منه وتم نشره بالكامل سنة 1993. لقد تم نشر النتائج في الغرب عن طريق تعاون مجموعة من الباحثين من مختلف الدول الغربية. ومؤلف المقالة هذه، يألف عملين متعلقين بالبحث: ظهر احدهما في المجلة الفرنسية l histoire في ايللول 1993 كتبه نيكولاس فيرث رئيس ابحاث مركز البحث العلمي افرنسي Centre National de ia Recherch Scientifique، والعمل الذي نشره ارك غيتي بروفسور التاريخ في جامعة كاليفورنيا في مجلة Us Journal American Historical Review بالتعاون مع الباحث الفرنسي ريترزبورن عضو مركز البحث العلمي الفرنسي والباحث الروسي زيمسكوف من اكاديمية العلوم الروسية. واريد أن اوضح امراً قبل أن اذهب أبعد من هذا، بحيث لا ينهض اي نوع من الحيرة: وهو أنه لا يوجد لدى أحد من العلماء المنخرطين في البحث اية توجهات أو نظرة اشتراكية للعالم. بل على العكس فان توجهاتهم برجوازية ومعادية للاشتراكية. وبالفعل، فان عدداً منهم رجعي تماماً. وقد قلت هذا لكي لا يتخيل القارئ أن ما سيعرض لاحقاً هو نتاج (مؤامرة شيوعية). ما حدث فقط هو ان الباحثين المذكورين اعلاه كشفوا كذب كونكويست وسلوجينتساين وميدفيدف واخرين، وقد فعلوا هذا لمجرد كشف الحقائق والعثور على الحقيقة، وأنهم يضعون نزاهتم المهنية في المقدمة ولا يسمحوا لأنفسهم بأن يتم شراؤهم لأغراض دعائية.
ان نتائج البحث الروسي تجيب عن عدد كبير من الأسئلة حول نظام العقوبات السوفييتي. وفترة ستالين، هنا، هي ما تهمنا. سوف نعرض عدداً من الأسئلة المحددة وسوف نبحث عن اجاباتها في المجلتين المذكورتين مؤخراً:
1-ما الذي يتضمنه نظام العقوبات السوفييتي؟
2- كم سجيناً سياسياً وغير سياسي كان هناك؟
3- كم شخصاً مات في معسكرات العمل؟
4- كم عدد الأشخاص الذين حكم عليهم بالموت في السنوات ما قبل 1953، وخصوصاً في تطهيرات سنوات 1973-1983؟
5- كم كان متسوط طول فترة الحكم بالسجن؟

-معسكرات العمل في نظام العقوبة
لنبدأ بالسؤال حول طبيعة نظام العقوبة السوفييتي. تضمن نظام العقوبة السوفييتي بعد 1930 السجون، معسكرات العمل، معسكرات العمل للكولاك، المناطق الخاصة المفتوحة ونظام الرسوم الاجبارية. وكان من يحبس احتياطياً بمرسوم قضائي يرسل الى سجن عادي، حتى تأخذ التحقيقات مجراها ليتبين ما اذا كان بريئاً ويطلق سراحه، او يجب ان تتم محاكمته. وحتى الشخص الذي تجري محاكمته يمكن ان تثبت برائته او ذنبه. واذا كان مذنباً يمكن ان يحكم عليه ىبدفع الرسوم، الى فترة من السجن، او يحكم عليه بالاعدام، وهذا هو الأقل اعتياديةً وتكون الرسوم المفروضة نسبة مئوية يتم اقتطاعها من اجر العمل لمدة محددة، ويوضع اولئك الذين يرتكبون اعتدائات معينة في سجون تختلف حسب تلك الاعتدائات. يرسل اولئك الذين يرتكبون اعتدائات جدية (جرائم قتل، سطو، اغتصاب، جرائم اقتصادية) الى معسكرات العمل للكولاك، كما نسبة كبيرة من اولئك الذين يقومون بأنشطة مضادة للثورة ايضاً. يمكن ارسال المجرمين الاخرين الذين يحاكمون لفترات اطول من 3 سنوات الى معسكرات العمل. ويمكن بعد قضاء السجين بعض الوقت في معسكرات العمل ان يتم ارساله الى المناطق الخاصة المفتوحة.
كانت معسكرات العمل مناطق ضخمة جداً حيث يعيش ويعمل السجناء تحت رقابة محددة. في هذه الأيام يمكن للناس ان يعتقدوا أن هذا شيء مروع، ولكن هكذا كانت تجري الأمور. سنة 1940 كان هناك 53 معسكر عمل في الاتحاد السوفييتي.
كان هناك ايضاً 425 معسكر عمل للكولاك، وهي وحدات اصغر بكثير من معسكرات العمل، تتضمن مناطق اكثر حرية ورقابة اقل. وكان اولئك الذين يحكم عليهم لفترات سجن قليلة يمكن ان يعملوا بحرية في المصانع والأراضي وكانوا يعتبرون جزءاً من المجتمع المدني. وفي معظم الحالات كانت الأجور التي يحصل عليها العامل المحكوم تنتمي اليه كلياً، وكان يعامل مثله مثل اي عامل اخر.
كانت المناطق الخاصة المفتوحة عبارة عن مناطق زراعية لاولئك الذين طردوا مثل الكولاك الذين نهضوا ضد التعاونيات وقضى بعض اولئك الذين جنح او اعتدائات سياسية بسيطة مدة حكمهم في هذه المناطق ايضاً.

454000 ليست 9 مليون
السؤال الثاني الذي يهمنا هو كم كان عدد المساجين السياسيين وكم عدد المجرمين العاديين. ويتضمن السؤال اولئك الذين سجنوا في معسكرات العمل، ومعسكرات العمل للكولاك والسجون (على الرغم من انه يجب أن نتذكر انه في معظم حالات المساجين في معسكرات العمل للكولاك كانت مجرد خسارة جزئية للحرية). والجدول ادناه ىيصور البيانات التي ظهرت في مجلة American Historical Review متضمنةً 20 سنةً ابتداءاً من 1934 عندما تم توحيد نظام العقوبات تحت الادارة المركزية، حتى وفاة ستالين سنة 1953
http://www.northstarcompass.org/nsc9912/lies.htm
يمكن من هذا الجدول ايراد عدد من النتائج. ونبدأ بمقارنة معطياته بتلك التي يضعها كونكويست الذي يدعي انه كان هناك 9 مليون سجين في معسكرات العمل و 3 مليون قد ماتوا في الفترة ما بين 1937-1939. وعلى القارئ اان لا ينسى هنا ان كونكويست يتحدث عن السجناء السياسيين فقط!! وبعيداً عن هذا، يقول كونكويست انه كان هناك مجرمين عاديينكانت تاعدادهم تفوق السجناء السياسيين ايضاً!! سنة 1950 كان هناك حسب كونكويست 12 مليون سجيناً سياسياً. ويمكننا ان نرى حالاً خداع كونكويست بما اننا مسلحين بالحقائق الصحيحة. ولا واحدة من ارقام كونكويست ب حتى من الحقيقة. كان مجموع من هم في المعسكرات والسجون يقترب الى 2 مليون شخص سنة 1939، وكان 454000 منهم قد ارتكبوا جرائم سياسية، وليس 9 مليون كما أكد كونكويست. وقد وصل عدد الذين ماتوا في معسكرات العمل بين 1937-1939 الى 160000 وليس 3 مليون كما كان كونكويست يؤكد. وفي سنة 1950 كان هناك 578000 سجين سياسي في معسكرات العمل وليس 12 مليون. وليتذكر القارئ أن روبرت كونكويست ظل واحد من المصادر الرئيسية للاعلام اليميني المعادي للشيوعية حتى هذا اليوم، وهو معلم الهي من بين جماعات المفكرين المزيفين اليمينيين.
وبالنسبة للرقم 60 مليون الذي وضعه الكسندر سلوجينتساين للذين ماتوا في معسكرات العمل، فلا حاجة للتعليق عليه، فسخافة هذا الادعاء واضح جداً. ان اختلاق هكذا اوهام هو نتاج عقل مريض جداً.
فلنترك هذا الخداع الان من أجل أن نحلل عيانياً الاحصائيات المتعلقة بالكولاك. السؤال الذي يجب أن نسأله أولاً وهو ما الذي سيعنيه حديث حول عدد الناس الذي عوقبوا؟ ما معنى الرقم 2.5 مليون؟ كل شخص وضع في السجن هو دليل حي على أن المجتمع كان ما يزال غير متطور بشكل كاف من اجل اعطاء المواطن كل شيء يحتاجه لأجل حياة كاملة. وهؤلاء الـ2.5 مليون يمثلون نقداً للمجتمع من وجهة النظر هذه.

-التهديدين الداخلي والخارجي
يجب شرح الظروف التي أدت الى وجود ذلك العدد من الناس الذين خضعوا لنظام العقوبة السوفييتي. كان الاتحاد السوفييتي انذاك دولةً قد ازاحت الاقطاعية عن كاهلها. كان محكوماً على الناس في نظام دولة عتيق كالقيصرية ان يعيشوا في فقر عميق، حيث لم تكن هناك اية قيمة لحياة الانسان. السرقة وجرائم العنف كان يعاقب عليها بعنف متطرف. كانت اية انتفاضة ضد العرش تنتهي بمذابح دامية وحكم على منفذيها بالموت والسجن لفترة طويلة. واخذت هذه العلاقات الاجتماعية والعادات المصاحبة لها وقتاً طويلاً حتى تغيرت، مما اثر على تطور المجتمع السوفييتي، وينطبق ذات الشيء على الموقف من المجرمين.
يجب اخذ عامل اخر بعين الاعتبار، ان الاتحاد السوفييتي في الثلاثينيات بسكانه الـ170 مليون كان مهدداً من قبل قوىً اجنبية وبالأخص المانيا النازية بنتيجة حصول التغيرات السياسية الهائلة في اوروبا، وأن المعسكر الغربي أخفى طموحاته التدخلية، كذلك.
قامت القوات الألمانية النازية وحلفاؤها باجتياح الاتحاد السوفييتي في 22-6-1941. كان الاتحاد السوفييتي مجبراً في السنوات 1930-1940 ان يقوم بمجهود ضخم من أجل تكريس جزء من ثرواته للتحضيرات الدفاعية من أجل الحرب القادمة مع النازيين. وعمل الناس بشدة بسبب هذا، وكان الانتاج الذي يصب لمصالح الناس المباشرة قليلاً. توقف العمل بنظام يوم العمل من سبعة ساعات سنة 1937، وكان كل أحد هو يوم عمل في سنة 1939. في مثل هذه الفترة الصعبة من تحليق شبح الحرب فوق تطور المجتمع السوفييتي لمدة عقدين، وحرب ضده كلفت 25 مليون قتيل واحتراق نصف البلاد حتى الرماد. ازدادت الجريمة عند اناس حاولوا ان يساعدوا انفسهم على ما لم تقدمه لهم الحياة.
كان هناك 2.5 مليون سجين في الاتحاد السوفييتي كأقصى حد في نظام السجون في تلك الفترة العصيبة، اي حولي 2.4% من سكانه البالغين. كيف يمكننا أن نقيم هذا الرقم؟ هل هو كثير أو قليل؟ فلنقارن.

-سجناء أكثر في الولايات المتحدة
في دولة يصل عدد سكانها الى 252 مليون نسمة (سنة 1996) تستهلك 60% من ثروات العالم، ما هو الوضع في دولة لم يهددها أحد بالحرب وحيث لا توجد تغيرات اقتصادية جذرية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي؟
ظهرت أخبار في صحيفة وكالة FLT-AP للأخبار أن الولايات المتحدة لم تشهد في تاريخها 5.5 مليون سجين كما هو في سنة 1995، وهذا يعني أن عدد المجرمين يساوي 2.8 من نسبة السكان. هذه البيانات متاحة لكل من هو عضو في قسم امريكا الشمالية للعدالة. وعدد المتهمين اليوم في الولايات المتحدة هو 3 مليون شخص، وهو رقم اكبر من اي رقم وجد في تاريخ الاتحاد السوفييتي. وتبعاً للصحافة التابعة لقسم العدالة الأمريكية فان عدد المتهمين سنة 1997في الولايات المتحدة قد زاد96100 شخص. ما هو وضع المساجين في السجون الأمريكية اليوم؟ ان تلك السجون تعج بالعنف، المخدرات، الدعارة، العبودية الجنسية (290000 حالة اغتصاب في السجون الأمريكية سنوياً) لا أحد يشعر بالأمان في السجون الأمريكية. وهذا الحديث يدور عن (اليوم) في مجتمع أغنىً من ذي قبل.

-الافتقار للأدوية- عامل مهم
فلنجب الان على السؤال الثالث. كم شخصاً مات في معسكرات العمل؟ لقد اختلف العدد من سنة الى أخرى، من 2,5% الى 0,3% سنة 1953 نسبة من ماتوا بسبب النقص العام في المجتمع، وتحديداً الأدوية الضرورية لمحاربة الأوبئة. وهذه المشكلة لم تعنى فقط بمعسكرات العمل، بل وفي البلد بأكمله، كما في كل دول العالم كذلك. تغير الوضع جذرياً عند اكتشاف الأدوية ووضعها في الاستخدام العام بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الحقيقة أسوأ السنوات تلك التي فرض فيها النازيون البرابرة ظروفاً قاسية على المواطنين السوفييت. مات خلال سنوات الحرب الأربعة اكثر من نصف مليون شخصف عدد الذين ماتوا خلال فترة العشرين عاماً المعنيات. ولا يجب أن ننسى انه في نفس فترة الحرب مات 25 مليون شخص من الذين كانوا احراراً. وعندما تحسن الوضع وظهرت المضادات الحيوية في الاتحاد السوفييتي سنة 1950 انخفض عدد الذين يموتون في السجن الى 0.3.%.
ولننتقل الى السؤال الرابع، كم عدد الأشخاص الذين حكم عليهم بالموت قبل سنة 1953، خصوصاً خلال فترة 1937-1939؟ لقد رأينا ادعاء روبرت كونكويست بأن البلاشفة قتلوا 12 مليون سجين سياسي في معسكرات العمل بين 1930-1953. وافترض أن من ضمن هؤلاء قتل مليون شخص في 1937-1938. اما سلوجينتساين فتقفز ارقامه الى 10 ملايين من المفترض انهم ماتوا في معسكرات العمل، 3 مليون منهم قتلوا في 1937-1938. ان الوثائق التي تظهر من الأرشيفات السوفييتية تخبرنا بقصة مختلفة. وفي البداية من المهم ان نذكر ان عدد اولئك الذين حكم عليهم بالموت، يجب ان يستخرج من ارشيفات متنوعة، بحيث ان على الباحثين من أجل ان يصلوا الى رقم تقريبي ان يجمعوا البيانات من تلك الأرشيفات مما يظهر خطر العد مرتين بالخطأ مؤدياً الى تقديرات أعلى من الواقع. وتبعاً لديمتري فولكوغونوف الذي عينه يلتسن مسؤولاً عن الأرشيفات السوفييتية القديمة، فقد كان هناك 30514 شخص حكم عليهم بالموت عن طريق محاكمات عسكرية بين شهر 10 و 12 من عام 1938. هناك معلومة أخرى مصدرها KGB: فحسب المعلومات التي نشرت في صحافة فبراير سنة 1990 حكم على 78608 بالموت لارتكابهم جرائم ضد الثورة خلال الـ23 سنة من 1930-1953 ومنهم 681692 بين سنتي 1937-1938. وهذه المعلومات مفتوحة للشك. فهل يعقل لكل هذا العدد الكبير ان يحكم عليه بالموت خلال سنتين؟ وهل من الممكن أن يعطينا الـ KGB الرأسمالي معلومات صحيحة عن الاشتراكية اسابقة؟ فليكن ما كان، يبقى أن نتأكد ان كانت معلومات الـKGB تتضمن المحكوم عليهم بالموت خلال 23 عاماً من المجرمين العاديين وأعداء الثورة أم انهم اعداء الثورة فقط كما ادعى الـ KGB الرأسمالي في فبراير 1990. تنحو الأرشيفات حو استنتاج أن عدد المجرمين العاديين وعدد المتهمين بالعداء للثورة يتساوون تقريباً. والاستنتاج الذي نصل اليه هو أن عدد من حكم عليهم بالموت بين 1937-1938 كان قريباً من 100000 وليس عدة ملايين كما ادعى الاعلام الغربي. يجب أن تبقى في الأذهنة انه لم يعدم في حقيقة الأمر كل من حكم عليه بالموت في الاتحاد السوفييتي وكانت نسبة كبيرة من عقوبات الموت تتخفف لمدد في معسكرات العمل. من المهم التمييز بين المجرمين العتاديين وأعداء الثورة. حيث كان عدد كبير ممن حكم عليهم بالموت هم من قاموا بجرائم عنيفة او اغتصاباً وكانت هذه الجرائهم يعاقب عليها بمثل هذا الشكل قبل 60 عاماً.
السؤال الخامس: كم كان متوسط مدة الحكم بالسجن؟ كانت مدة فترة السجن موضوعاً لأشد الاشاعات التي تم ترويجها في الاعلام الغربي حقداً. والتلميح الاعتيادي بهذا الصدد هو انه يلقى الحكم بالموت كل من حكم عليهى في الاتحاد السوفييتي لأية جريمة كانت، ومن ذهب لن يعود ابداً. وهذا غير صحيح تماماً. ان الأغلبية العظمى ممن ذهبوا الى السجن في فترة ستالين قد تلقوا أحكاماً من 5 سنوات على الأكثر. وتظهر الحقائق في الاحصائيات التي نشرتها American Historical Review. حكم على المجرمين العاديين في روسيا 1936:
82،4% لحد خمسة سنوات، 17،6% من 5-10 سنوات، و10 سنوات هي اطول فترة سجن قبل 1937. والسجناء السياسيين الذين حوكموا في المحاكم المدنية سنة 1936 قد تلقوا العقوبات التالية: 44،2% حتى خمسة سنوات، 507% 5-10 سنوات وأطول الفترات التيس حصل عليها من حكم عليهم في معسكرات العمل، وتظهر احصائيات 1940 أن 56،8% خدموا حتى 5 سنوات، 42،2% 5-10 سنوات و1% فقط من حكم عليهم أكثر من 10 سنوات. ولدينا الاحصائيات التي اصدرتها المحاكم السوفييتية لسنة 1939: 95،9% حتى خمسة سنوات، 4% 5-10 سنوات، 0،1% أكثر من 10 سنوات.
وكما نرى فان حكم السجن الأبدي المفترض في الاتحاد السوفييتي هو غاسطورة أخرى انتشرت في الغرب لمقارعة الاتحاد السوفييتي.

-الكذب حول الاتحاد السوفييتي
تظهر الأبحاث التي قام بها المؤرخين الروس الحقيقة مختلفةً عما صورته لنا مدارس وجامعات الغرب على امتداد 50 عاماً. وخلال هذه الفترة من الحرب الباردة لم تتعلم عدة اجيال حول الاتحاد السوفييتي غير الكذب الذي ترك انطباعاً عميقاً عند الكثيرين من الناس. ان التقارير حول الأرشيف التي اعاد انتاجها الفرنسيين والأمريكيين التي تظهر الأعداد المختلفة خضعت لنقاش حاد جداً. وأكثر ما يجب ملاحظته أهميةً أن الجرائم التي ارتكبها اولئك النوع من الاهتمام. لقد صورت الدعاية السياسية الرأسمالية، طوال تاريخها السجناء في الاتحاد السوفييتي كضحايا أبرياء وأخذ الباحثين هذه الفرضية بدون اخضاعها للمسائلة.
تظهر ايديولوجية الباحث البرجوازية حالاً حينما ينتقل من رسم اعمدة واحصائات الأحداث الى التعليق عليها-بنتائج مروعة في بعض الأحيان.
لقد عومل الولئك الذين حوكموا تحت نظام العقوبة السوفييتي كضحايا أبرياء، ولكن حقيقة الأمر أن أغلبهم لصوص، قتللة ومغتصبين الخ. ولا يعتبر أحد هؤلاء المجرمين اذا قاموا بجرائمهم هذه في أوروبا والولايات المتحدة. ولكن يختلف الأمر حالما ارتكبت هذه الجرائم في الاتحاد السوفييتي. وكم هي لعبة قذرة ان تطلق على من قام بالاغتصاب أكثر من مرة ضحية بريئة.

-الكولاك والثورة المضادة
يجب أن تؤخذ نوع الجرائم المرتكبة في حالة معادي الثورة ايضاً. دعونا نعطي مثالين لنظهر بهما اهمية هذه المسألة: أولاً الكولاك الذين حكم عليهم في بداية الثلاثينيات، والثاني، المتامرين وأعداء الثورة الذين اتهموا بين أعوام 1936-1938. تبعاً للأبحاث التي درست الكولاك، الفلاحين الأغنياء، كان هناك 381000 عائلة، اي حوالي 1 مليون و800 ألف شخص تم تهجيرهم. وعدد قليل منهم تم ارسالهم للعمل في المعسكرات، فما الذي ادى الى هذه العقوبة؟
ان الفلاحين الروس الأغنياء، الكولاك، قد اخضعوا الفلاحين الفقراء لمئات السنين من الاضطهاد المطلق العنان. وكان هناك 10 ملايين من الفلاحين الأغنياء مما مجموعه 120 مليون فلاح في روسيا سنة 1927 يعيشون في رفاهية، بين110 مليون منهم في فقر مدقع، وقد كان هذا سائداً قبل الثورة على اشده. وكانت ثروة الكولاك مبنية على رخص الأجور المدفوعة مقابل عمل الفلاحين الفقراء. وعندما بدأ هؤلاء الاخيرين ينتظمون في مزارع تعاونية اختفت مصادر ثروة الكولاك، ولم يستسلموا حينها فبدأوا بمحاوللة استعادة الاستغلال عن طريق افتعال المجاعة، فنظموا انفسهم في جماعات مسلحة وقتلوا الفلاحين الفقراء وعمال الحزب وأشعلوا النيران في الحقول وقتلوا الحيوانات العاملة. ولم تسر الأحداث كما يشتهي المجرمين، فهذه المرة حصل الفلاحين على دعم الثورة وأثبتوا أنهم اقوى من الكولاك الذين تمت هزيمتهم، حيث سجنوا وتم تهجيرهم او حكم عليهم بمدد العمل في المعسكرات. ومن الـ10 مليون تم تهجير والحكم على 1،8 مليون منهم. ولربما حدثت هناك حالات من الظلم في محاكمة الكولاك في ظل هذا الصراع الطبقي الضخم في ريف الاتحاد السوفييتي. ولكن هل يمكننا أن نلوم الفلاحين الفقراء والمظلومين في نضالهم من أجل حياة تستحق، في نضالهم من أجل تأمين أطفالهم من الجوع-بأنهم ليسوا (متحضرين) كفايةً، أو أنه كان يجب اظهار (رحمة) أكثر في المحاكم؟ هل يمكن للمرء بأن يشير بأصابع الاتهام الى اولئك الذين لم يتح لهم الوصول الى الامكانات ىالتي صنعتها الحضارة؟ وأخبرونا متى كان الكولاكي المستغل متحضراً ورحيماً في تعاملاته مع الفلاحين الفقراء خلال سنوات وسنوات من الاستغلال غير المحدود.

-تطهيرات سنة 1937
مثالنا الثاني حول أعداء الثورة الذين حوكموا سنوات 1936-1938. لقد شارك ملايين الناس في النضال الظافر ضد القيصرية والبرجوازية الروسية وانتسب كثير من هؤلاء للحزب الشيوعي السوفييتي. ومن بين كل هؤلاء كان هناك للأسف بعض الذين انتسبوا لأسباب غير النضال من أجل البروليتاريا والاشتراكية. وفي هذا الصراع الطبقي العارم لم يكن في العادة اية وقت او فرصة لوضع اعضاء الحزب تحت الاختبار. وقد وضع عدد من هؤلاء في مناصب مهمة في الحزب البلشفي، الدولة والقوات المسلحة. وأثناء هذه الظروف الصعبة ظهر تناقض شق الحزب الى معسكرين، فمن جهة اولئك الذين ارادوا ان يضغطوا باتجاه النضال من أجل بناء المجتمع الاشتراكي، واولئك الذين اعتقدوا أن الظروف لم تنضج لبناء الاشتراكية وكانوا يريدون السماح لسياسات الديمقراطية الاجتماعية. ويقع اصل مثل هذه الأفكار عند ليون تروتسكي الذي انضم للحزب في شهر 7 من عام 1917. كان تروتسكي قادراً على أن يحشد دعم اكثر البلاشفة شهرةً: اتحدت هذه المعارضة ضد خطة البلاشفة التي وضعت عدة خيارات سياسية خضعت احداها لتصوين في 27-12 سنة 1927. وحدث على مدار سنوات طويلة نقاش حزبي طويل ححولها قبل التصوين. حصل البلاشفة على 725000 صوت، وأمنت المعارضة 6000 صوت. لقد دعم المعارضة المتحدة اقل من 1% من ناشطي الحزب. وكنتيجة للتصويت وحالما بدأت المعارضة بالعمل ضد قرارات الحزب، قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أن تطرد القادة الرئيسيين للمعارضة المتحدة. وطرد القائد المركزي للمعارضة تروتسكي خارج الاتحاد السوفييتي. ولم تنته قصة المعارضة هنا. قام زينوفييف، كامانيف، زفوكين والتروتسكيين بياتاكوف، ريديك، بريوبراجينسكي وسميرنوف بنقد ذاتي وتم قبولهم في الحزب كناشطين. وتبين أن النقد الذاتي الذي قام به المعارضين لم يكن اصيلاً. فكل مرة كانوا يتحدون في صف الثورة المضادة في اوقات اشتداد الصراع الطبقي في الاتحاد السوفييتي. وطرد أغلبية المعارضين وتم اعالدة الاعتراف بهم عدداً من المرات قبل ان يتضح الوضع كلياً بين 1937-1938.

-التخريب الصناعي
ان مقتل كيروف سنة 1934، العضو القيادي البارز في لينينغراد وأهم الشخصيات في اللجنة المركزية قد اشعل التحقيقات التي أدت الكشف عن منظمة سرية منخرطة في مؤامرة الاطاحة بقيادة الحزب وحكومة الدولة بوسائل العنف. لقد تأمل من خسروا الصراع السياسي سنة 1927 ان يستعيدوا النصر بوسائل العنف المنظم ضد الدولة. وكان التخريب الصناعي والارهاب والفساد هي اسلحتهم الجديدة، وقاد تروتسكي نشاطهم من خارج الحدود. لقد ادى التخريب الاقتصادي الى خسائر ضخمة للدولة السوفييتية بأثمان عالية، وعلى سبيل المثال تم تدمير الات مهمة تحت طائلة امكانية الصيانة، وحدث هبوط كبير في انتاج المصانع والمناجم.
لقد كان المهندس الأمريكي جون ليبيج احد الذين وصفوا المشكلة سنة 1934. وهو أحد المختصين الأجانب الذين تعاقدوا للعمل في الاتحاد السوفييتي، حيث قضى 10 سنوات في العمل في صناعة التنجيم، مناجم الذهب بشكل رئيسي من سنة 1927-1937. وقد قال في كتابه (في البحث عن الذهب السوفييتي) ان خبرته الشخصية قد أكدت وجود مؤامرة تدار من الخارج وتستخدم التخريب الاقتصادي كجزء من خطة لاجبار الحكومة على السقوط. وقد لاحظ ليتلبيج هذا اثناء عمله في مناجم النحاس والبرونز في الأوروال وكازاخستان. كانت المناجم جزءاً من مجمع يدار من قبل بياتاكوف النائب الشعبي المفوض للصناعة الثقيلة. وصل ليتلبيج الى استنتاج يقول انه كان هناك تخريب منظم يجري من ادارة مجمع البرونز-النحاس. ويخبرنا كتاب ليتلبيج كذلك من اين حصلت المعارضة التروتسكية على الأموال الضرورية من أجل الدفع مقابل نشاطات الثورة المضادة. استغل عدد من اعضاء المعارضة المنظمة مواقعهم لشراء الات محددة من مصانع في الخارج. وكانت هذه الالات ذات جودة أقل بكثير من السعر الذي دفعت مقابه الحكومة السوفييتية، وقد اعطى المصنعين الأجانب الفائض المالي من هذه الصفقات لمنظمة تروتسكي.

-اللصوصية والفساد
لقد شهد ليتلبيج هذه الاجرائات في ربيع 1931 في برلين عند شراء حمولات صناعية للمناجم. لقد ترأس بياتاكوف وليتلبيج كخبير مسؤول عن فحص جودة الحمولات الصناعية-الوفد السوفييتي. اكتشف ليتلبيج ان جودة الحمولات منخفضة وعديمة الفائدة بالنسبة للغرض السوفييتي، وقد واجه رداً بارداً المختص رداً بارداً جداً حينما سارع بابلاغ بياتاكوف واعضاء الوفد الاخرين عن الأمر، كأنه كان يتوجب عليهم ان يتجاوزوا كل الحقائق ويشتروا الحمولة، ولم يرغب ان يفعل ليتلبيج هذا. ما اعتقده ليتلبيج انذاك ان ما يحدث هو فساد على المستوى الشخصي وأنه تمت رشوتهم. عرف ليتلبيج أن ما شاهده كان اكثر من مجرد فساد على المستوى الشخصي بعد محاكمة بياتاكوف سنة 1937 واعترافه بعلاقته بالتروتسكيين، فالأموال المعنية كان من المنوي ان يتم دفعها لنشاط المعارضة المنظمة في الاتحاد السوفييتي، وكان التخريب، الارهاب، الرشوة والدعاية ضمن تلك الأنشطة.
ان زينوفييف وكامينيف وبياتاكوف وتومسكي وبوخارين المحبوبين من قبل الصحافة البرجوازية، قد استغلوا المواقع التي خولها لهم الشعب السوفييتي والحزب لسرقة المال من أجل اتاحة الفرصة لأعداء الاشتراكية لتدمير الاتحاد السوفييتي.

-خطط الانقلاب
السرقة، التخريب والفساد هي جرائم حقيقية بحد ذاتها، ولكن نشاط المعارضة ذهب ابعد من هذا بكثير. لقد تم تحضير مؤامرة مضادة للثورة هدفت الى الاستيلاء على السلطة بوسائل الانقلاب حيث يتم فيها الانتهاء من كل قيادة الاتحاد السوفييتي، بدأً من اغتيال أهم أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. ويبدأ الجزء العسكري من الانقلاب رئيس مجموعة الجنرالات المعاديين لثورة المارشال توخاتشيفسكي. وحسب التروتسكي: اسحاق دويتشر الذي ألف عدة كتب ضد الاتحاد السوفييتي انه كان على الانقلاب العسكري ان يبدأ ضد الكرملين والقطعات العسكرية الرئيسية في المدن الكبيرة كموسكو ولينينغراد. ويورد ديوتشر أن قادة الانقلاب هم توخاتشيفسكي مع غامارنيك المفوض السياسي العسكري والجنرال ياكير قائد منطقة لينينغراد، والجنرال اوبوريفتش قائد الأكاديمية العسكرية والجنرال بريماكوف قائد الخيالة. كان المارشال توخاتشيفسكي ضابطاً في الجيش القيصري السابق حيث انضم للجيش الأحمر. وفي سنة 1930 كان 10% من ضباط الجيش الأحمر، اي ما يقرب من 4500 هم من ضباط القيصرية السابقين. لم يترك معظمهم نظرته البرجوازية السابقة وكانوا ينتظرون الفرصة المناسبة ليقاتلوا من اجلها. سنحت هذه الفرصة حينما كانت المعراضة تحضر للانقلاب. كان البلاشفة اقوياء، ولكن كان المتامرين العسكريين والمدنيين يسعون لأصدقاء أقوى بكثير. وحسب اعتراف بوخارين في محاكمته العامة سنة 1938، تم الوصول الى اتفاق بين التروتسكيين المعارضين وألمانيا النازية، حيث كان سيتم تقديم مناطق كبيرة جداً، ومن ضمنها أوكرانيا الى لألمانيا النازية بعد حصول الانقلاب في الاتحاد السوفييتي، وكان هذا ثمناً للوعد الذي قدمه الألمان بدعم اعداء الثورة. وفوق هذا يجب أن نتذكر أن هذا كله قد حدث في الثلاثينيات، حينما كان الخطر النازي ينمو واضعاً كل اوروبا تحت الخطر، وكان يجري حينها تحضير الحرب ضد الاتحاد السوفييتي. لقد تم الحكم على المتامرين بالموت بتهمة الخيانة في محاكمة عمومية. ليس على الذين تم كشف تورطهم في التخريب الصناعي، الارهاب، الفساد وجرائم القتل وتسليم جزء من البلاد للنازيين، أن يتوقعوا حكماً اقل من ذلك عليهم. فسيكون من الخطأ تماماً أن ندعوهم بالضحايا الأبرياء.
من المثير تماماً أن نرى كيف كذبت البروبغاندا الغربية عن طريق روبرت كونكويست حول تطهيرات الجيش الأحمر. يقول كونكويست في كتابه (الرعب العظيم) انه تم اعتقال 50% من مجمل الـ70000 ضابط ومفوض سنة 1937 من قبل الشرطة العسكرية، وتم اعدام جزء منهم وسجن الجزء الاخر مدى الحياة في معسكرات العمل. لا يوجد في هذا الادعاء كما في كل كتاب كونكويست كلمة واحدة صحيحة. يعطي المؤرخ روجر ريس في كتابه (الجيش الأحمر والتطهيرات العظيمة) حقائقاً تظهر اهمية تطهيرات الجيش سنوات 1937-1938. ان عدد المفوضين السياسيين والضباط في الجيش الأحمر كان 144330 سنة 1937، وقد زاد حتى 282300 بحلول 1939. تم طرد 34300 ضابط ومفوض سياسي لأسباب سياسية في تطهيرات 1937-1938 وتم استعادة 11596 من مجمل الذين تم طردهم حتى شهر 5 عام 1940. وهذا يعني انه تم تسريح 22705 خلال التطهيرات (13000 ضابط عسكري، 4700 ضابط سلاح جو، 5000 مفوض سياسي) اغي ما يقارب 7.7 من مجمل الضباط والمفوضين وليس 50% كما ادعى كونكويست. جزء من هذه النسبة اتهموا بالخيانة، ولكن النسبة العظمي، كما يظهر من المادة التاريخية المتوفرة قد عادوا الى حياتهم المدنية ببساطة.
سؤال واحد اخير. هل كانت محاكمات 1937-1938 عادلة بالنسبة للمتهمين؟ فلنفحص على سبيل المثال محاكمة بوخارين الذي كان يمتلك اعلى منصب حزبي ارتبط بالمعارضة. فانه حسب السفير الأمريكي في موسكو في ذلك الوقت، المحامي المعروف جيداً جزيف ديفيس الذي حضر كل المحاكمة، فانه قد سمح لبوخارين أن يتحدث بكل حرية طيلة المحاكمة بدون اية عائق. وكتب ديفيس الى واشنطن ان المتهم كان مذنباً بالجرائم التي نسبت اليه وأن الرأي العام للهيئة اشار الى وجود مؤامرة حقيقية تم اثباتها.

- فلنتعلم من التاريخ
ان النقاش حول نظام العقوبة السوفييتي، في ظل الاف المقالات والكتب المؤلفة الكاذبة ومئات الأفلام التي نقلت انطباعات خاطئة قد قاد الى دروس مهمة. تثبت الحقائق، مرةً أخرى، أن القصص التي نشرت حول الاشتراكية في الصحف البرجوازية خاطئة في معظمها. يستطيع الجناح اليميني أن يسبب الحيرة ويحرف الحقائق ويجعل الناس يؤمنون بالكذب، من خلال الصحافة والراديو والتلفزيون وينطبق هذا على كل شيء، خصوصاً المسائل التاريخية.
ان اية قصص جديدة يقدمها اليمين يجب أن يفترض أنها خاطئة تماماً حتى يمكن اثبات العكس. والحقيقة، أن أوساط اليمين تستمر بنشر الأكاذيب التي يصل عمرها الى 50 سنة، على الرغم من معرفتهم بتقارير البحث الروسي في الأرشيف، وعلى الرغم من اكتشاف الحقيقة. يستكمل اليمين ارثه التاريخي: تظل الكذبة تتكرر وتكرر مرات ومرات حتى تصبح (حقيقة).
وتنتشر كتب جديدة، بعد نشر تقارير البحث الروسي في الغرب، تهدف تحديداً الى وضع البحث الروسي موضع الشك متيحةً المجال لاستحضار الكذب القديم في الأذهان كحقائق مرةً أخرى. هذه الكتب ذات مظهر جيد محشوة بالكذب حول الاشتراكية والشيوعية من الغلاف حتى الغلاف.
ان كذب الجناح اليميني يتكرر لمحاربة شيوعيي اليوم لكي لا يجد العمال اي بديل للرأسمالية والليبرالية الجديدة. ويضع هذا التزاماً على كل شخص يمتلك رؤيةً اشتراكية بأنه يجب أن نتحلى بمسؤولية تحويل الصحف الشيوعية الى صحف حقيقية للطبقة العاملة من أجل محاربة الكذب البرجوازي.
وهذه بلا شك مهمة جليلة في الصراع الطبقي اليوم.

ماريو سوسا 15-6-1998

تم اختصار عدد قليل من الفقرات والجمل، وحافظت المقالة على قوامها كما هو.
رابط المقالة باللغة الانجليزية: http://www.northstarcompass.org/nsc9912/lies.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقال مترجم سابقا
دلير زنگنة ( 2017 / 9 / 2 - 22:51 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=435753

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا