الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بحث في الظاهرة الاجتماعية : العنف ضد النساء كأنموذج

احسان طالب

2017 / 9 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما يتحول فعل ما أو مشهد بذاته أو حادثة بعينها إلى سلوك اجتماعي ، تمارسه فئة ما أو فئات من المجتمع ويلقى قبول جزئيا أو كليا ، وتعوم آثاره ـ سلبية كانت أم إيجابية ـ من قبل الرأي العام ؛يتحول ذلك المشهد أو السلوك إلى بيئة فكرية منتشرة وسائد ، نصبح أمام ظاهرة اجتماعية تتحرك وتنتشر بتلقائية ، وتفعل فعلها بصورة ميكانيكية ، فتبدو كردود أفعال مباشرة ، يتواطأ على ارتكابها أفراد أو مجموعات ، دون وجود حاجة للتنظيم أو التخطيط لسلوك أو فعل أو ممارسة ، فهي تتحرك كما وأنها مشحونة بطاقة داخلية شبه خفيه ، تفرض وجودها وظهورها بعفوية ، كما لو كان الأمر مدروسا ومخططا له ، تأخذ أحيانا مسارات شعبوية ، وتسير أحيانا أخرى كسياق مؤسساتي ، خاصة عندما تتجذر في المجتمع معتمدة على منظومة فكرية ونصية سائدة وشائعة . ما يلزمها البحث الإجرائي والتحليل ومعرفة الأسباب والدوافع والآثار ، من أجل استنباط الحلول ، فيلجأ المجتمع بمؤسساته المدنية والرسمية لمحاصرة الظاهرات السلبية وتشجيع وتمكين الظاهرات الايجابية .
(صنف دور كايم الظاهرة الاجتماعية على أنها ضرب من السلوك ثابتا كان أو غير ثابت. ويمكن أن يباشر نوعا من الضغط الخارجي على الأفراد، كما يعتبر كل سلوك يعم في المجتمع بعمومه.) تتميز الظاهر الاجتماعية بطابعها الإنساني، ما يعني تميزها عما سواها ما الظواهر الطبيعية ،
العنف الممارس ضد المرأة من قبل شريكها المعاشر والعنف الجنسي الممارس ضدها



يمثّل العنف الممارس ضد المرأة- سواء العنف الذي يمارسه ضدها شريكها المعاشر أو العنف الجنسي الممارس ضدها- إحدى المشكلات الصحية العمومية الكبرى وأحد انتهاكات حقوق الإنسان.
تشير التقديرات العالمية التي نشرت من قبل منظمة الصحة العالمية أن واحدة من كل 3 نساء (35%) من النساء في أنحاء العالم كافة ممّن يتعرضن في حياتهن للعنف على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء.
الكثير من هذا العنف، هو عنف الشريك. تفيد في المتوسط نسبة 30% من النساء المرتبطات بعلاقة مع شريك بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن في حياتهن في جميع انحاء العالم.
هناك على الصعيد العالمي نسبة تصل إلى 38% من جرائم قتل النساء التي يرتكبها شركاء حميمون.
تشرين الثاني/ نوفمبر 2016: منظمة الصحة العالمية
هل المسؤولية فردية أم مجتمعية أم مؤسساتية أم تاريخية ونصية : لمعالحة الموضوع علينا دراسة المسألة من محاورة عدة بمقالات متسلسلة نبدأ بالظاهرة الاجتماعية

الظاهرة الاجتماعية:

إن وجود ظاهرة ما في مجتمع ما لا يعني انخراط جميع أفراده في تلك الظاهرة ولا يعني أنها هي السائدة المسيطرة، فهناك ظواهر سلبية تنازعها أخرى ايجابية، لكن انتشار عيب ما أو خلل جسيم من فئة يستلزم قيام المجتمع بمواجهة الفعل السلبي وعلاجه، قانونيا وثقافيا ، فترك الظواهر المضرة لتستفحل وتنتشر تحت ذرائع اجتماعية ودينية يقوض المجتمع بمفاعيل تتراكم قوتها وترسخ مستنداتها مع مرور الأيام ، وعندما يبادر البعض لكشف مظاهر الخلل وبيان آثاره الضارة لا يعني ذلك عداء للمجتمع أو محاربة له بقدر ما يعني حرصا ورغبة في تجنب المآل الخطر لما تفرزه السلبيات الضارة حال رعايتها أو الدفاع عنها من سلطة القانون أو النص أو التقاليد والأعراف ، وعادة ما يكون تصحيح وتغيير القانون أقرب منالا وأيسر وصولا من تغيير النص العرفي أو المفهوم الديني ؛ فالقانون يخضع لسلطة البشر ، له آليات محددة دستوريا وقانونيا لتعديله أو تغييره يمكن سلوك سبيلها وتخطي العقبات المتواجدة في طريقها، وتاريخيا كانت القوانين محل تعديل وتغيير وفقا لما تقتضيه الحاجات والضرورات والمصالح، هذا لا يعني يسر علاج القوانين ولا يعني استسهال تبديلها، إلا أن الطرائق الدستورية المقررة تؤطر المسألة، فتضعها بين يدي السلطة التشريعية ـ الممثلة بمجالس الشعب على اختلاف أسمائها وتشكيلاتها ـ التي تحمي الدستور وتقرر المصالح العليا للشعب.

يكتسب النص الديني قوة هائلة لمرجعيته الغيبية ولارتباطه بالعقائد المصنِفة للناس مؤمنين وكفار، فمن اعتقد بصوابيّ وكمال وتمام النص نجا، ومن ظن غير ذلك خاب وخسر، هذه القاعدة أول حصون النص وأعلى الأسوار أمام تجاوزه أو القفز فوقه ، إلى جانب النص الشرعي يقف النص العرفي صاحب الهيمنة والفاعلية التلقائية نال كما النص الشرعي والعرفي قوة استثنائية مع مرور الأزمان ، جعلته عصيا على التغيير ممتنعا من التجديد ، وإذا كان المقام الشرعي له من الأصالة والرسوخ ما لمصدره، فإن العرف استحوذ على القوة النهائية من فهم وتفسير وتأويل خاص للموروث الشرعي وبات الاثنان يتعاضدان، يسند أحدهما الآخر. يلزم للتجديد أو التعديل ناهيك عن التغيير، دراسة العلاقة والتأثير المتبادل بين العرفي و الديني إلى جانب دراسة المنصوص شرعا أو عرفا، وفق قراءة عقلانية نقدية، ويتطلب ذلك عمل مؤسساتي جبار صبور وحكيم لا يستعجل النتائج ولا يجني الثمار الفجة بل يتحلى بالعلم والشجاعة، يعمل بدأب ومثابرة، يؤسس ويبني وفق قواعد وأسس معرفية إنسانية تستقي الحقيقة أيا كان مصدرها.

تتداخل المفاهيم الدينية مع المفاهيم المجتمعية بطريقة معقدة يتم التبادل خلالها حسب ما تقتضيه حاجة المجتمع أو حاجة بعض فئاته، ويتحول المفهوم المجتمعي لمفهوم شرعي كما يحصل العكس، فكثير من أعراف وتقاليد الجاهلية استمر العمل بها وتحولت لمفاهيم دينية كمكارم الأخلاق ومن ذلك أيضا سيادة الرجل وقيادته ، ومنها تعدد الزوجات وملك اليمين، واهتم علماء الأصول بالمفهوم المستقر مجتمعيا وأطلقوا عليه مسمى العرف اصطلاحيا وهو ما ألفه الناس واعتادوا على فعله أو قوله وشاع بينهم فتعارفوا على إطلاقه جهة معنى خاص لا يتبادر للذهن معنى غيره يستعجلون وصفه أو ممارسته، وأِنسوه حتى شاع بينهم وبات أول ما يرد للذهن من المعاني والدلالات، فتحول إلى حقيقة عرفية (بتكرارها ومعاودتها مرة بعد الأخرى مستقرة في النفوس والعقول متلقاة بالقبول من غير علاقة ولا قرينة) ـ1 ـ وللعرف قوة نصية تاريخية قد تبز النص نفسه كونها لا تحتاج لمراجعة أو دليل ، تفعل فعلها تلقائيا بدون محفزات خارجية، فهي مستقرة في قرار الوعي لا يلزمها مرجع تستند إليه، جمعية توافق عليها الغالبية الساحقة من أبناء المجتمع، يرون المخالف لها عنصر مرفوضا مبتعدا عن جادة الصواب ، وليس أدل على مكانة العرف ومنزلته المؤثرة من القاعدة الفقهية (المعروف عرفا كالمشروط شرطا ، والثابت بالعرف كالثابت بالنص ) ـ2 ـ وإذ يشترط الفقهاء للأخذ بالعرف عدم معارضته أو خلافة للنص، فإن القوة المكتسبة للعرف تؤول النص وتفسره ليتوافق مع مراده ومذهبه.

تشكل الأعراف بمجموعها سلطة خفية تعترف بها الناس، ويمارسها المجتمع ضد الفرد لتقويمه وضبط انفلات حريته وتعديه على حرية الآخرين، وكلما ارتقى فكر وثقافة شعب ما، كانت أعرافه وتقاليده أكثر قربا من منظومة القيم الإنسانية العليا كالحرية والمساواة والعدالة، وعلى العكس من ذلك تجنح السلوكيات الجمعية نحو الظلم والتميز والقهر عندما تقترن الخافية الجمعية بمنظومة قيمية ترى الإنسان خاضعا وملزما بموروث جامد وأيديولوجيا منغلقة لا تعترف بالفرد إلا من خلال انتماءاته العرقية والجنسية والعقائدية، فتتراجع القيمة الإنسانية للفرد وتتقدم المكانة التاريخية والوظيفية لتحظى بالتبجيل والتقدير والأولوية الاجتماعية والاقتصادية لمجرد التصاق الفرد بجنس أو لغة أو دين ، فالذكر مبجل كونه ذكر، وابن لغة وعرق ما منبوذ لانتمائه العرقي ، وتتحدد الولاءات بالانتماء لا بالحقوق الطبيعية والحضارية المكتسية . لقد كانت قضية المرأة على مر التاريخ مركز التلقي الأول لمفرزات النص العرفي بما يحمله من قيمة وحيف وتعدي، ولم تفلح النصوص القانونية والدينية إلا بقدر يسير من إعادة الحق إلى نصابه، وحتى عندما بادر رواد النهضة العربية – رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، الطاهر الحداد – على تناول إشكالية المرأة والمجتمع، سار الحديث عن دور المرأة في المجتمع وخروج الأكثرية عن روح النص، (يمكن القول في اختصار إن نظرة الحداد للمرأة ..لا تختلف في الأساس عما هي عليه عند سائر رواد النهضة ، فالمرأة إبداع وقوة إنتاج مجمدة بما في إبداعها وإنتاجها من وجوه مختلفة من أهمها الوجه التربوي .. حيث تعمل على تكوين الناشئة تكوينا جديدا )_ 3 ـ وإذا كانت تلك الخطوات تعد تقدما ذو شأن إلا أن التطور المطلوب واللازم لإيلاء النساء نصيبهن من العدل والحقوق لم يرتق لمقام يفرد قضية المرأة ويربطها بالجانب الحقوقي إلا في النصف الثاني من القرن الماضي ـ نوال السعداوي ، مريم نجمة، فريحة عياش ـ حيث باتت قضية المرأة أمر أساسيا ومسألة جوهرية بحد ذاتها رغم ترابط علاقتها بالشأن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
الظاهرة الاجتماعية رغم انتظامها تتحلى بالمرونة الكافية لاستمرارها وتطورها في كافة الاتجاهات ، على صعيد الوعي الفردي والحدس الجمعي ، ويتكرر تظاهرها ببعض العلامات الثابتة وأخرى متغيرة ، ما يعطيها قدرة هائلة على التأثير والاستمرار ، ومن الملاحظ أن مستوى هيمنة القيم الخيّرة ـ على الأفراد والمجتمعات يحد من انتشار وتفاقم الظاهرة السلبية التي تصبح مدمرة أو مأساوية ـ كانتشار الخرافة والجهل والأمية ـ كما يؤدي تجذر تلك القيم السيئة ـ الشريرة ـ كظاهرة انتشار تعاطي المخدرات ، أو انحطاط قيمة الإنسان ما لم تكن مقترنة بانتماء أيديولوجي أو إثني أوديني ـ إلى قبول شبه كلي أو عمومي من قبل مجتمعات بعينها ، ولابد من الإشارة إلى كون الظاهرة لا تنطبق فقط على تلك المرتبطة بفعل أو عمل أو ممارسة ، بل هناك ما هو كامن في العقل الباطن الجمعي ، الحدس المشترك أو الجمعي ـ الذي يفرض وجوده كمحرض أساسي ودافع رئيس للظاهرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟