الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور وُضِعَ فى ظرف استثنائي، وبنوايا حسنة

محمد زكريا توفيق

2017 / 9 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



الدستور في أي دولة، هو مجموعة القوانين التي تشكل الإطار العام الذي تعمل به الحكومة بأفرعها الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية. الدستور يحدد الوظائف الحكومية وخصائص كل وظيفة وواجباتها. ويمنح الحكومة السلطة التي تحتاجها لممارثة عملها بنجاح.

هذا ما نعنيه بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه. أي العصمة يجب أن تكون في أيدي المواطنين، لا في يد طاغ أو مغامر. يأتي بحجة واهية ليحكم ويستولي على خيرات البلد. ثم يفرط في ثروة بلده ويستعبد شعبه ويصادر حقه في الحياة الحرة الكريمة.

أرسطو قام بتعريف الحكومة الدستورية، بأنها حكومة الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات. المساواة في الحقوق والواجبات تعني الدستور بدون المادة الثانية التي تجعل الإخوة الأقباط مواطنين من الدرجة الثانية. عن طريق هذه الحكومة الدستورية، المواطنون تَحكُم وتُحكَم في تناوب وتبادل للسلطة. يطبقون القانون عندما يكونون في السلطة، ويطيعونه عندما يتركونها.

توماس الإقويني، كتب يناقض مبدأ الحق الإلهي للملوك ولضباط الجيش في الحكم. في كتابه "سوما ثيولوجيكا"، يقول أيضا:
"القوانين يضعها المواطنون، أو من ينوب عنهم."

عندما تنازل مواطنو الجمهورية، أو الحكومة الدستورية، في الدولة الرومانية القديمة، جاء حكم الأباطرة الاستبدادي. لقد تنازل المواطنون عن كل حقوقهم وسلطاتهم للامبراطور، لكي يتحولوا بعد ذلك إلى رعايا وعبيد، بدلا من مواطنين أحرار. مما تسبب في انهيار وسقوط الامبراطورية الرومانية بعد ذلك.

تنازل المواطنين للحاكم عن كل حقوقهم، لا يعتبر تفويضا أو توكيلا. إنما هو في الواقع تنازل عن حقوقهم الطبيعية. تنازل عن المواطنة والسيادة، لكي يصبحوا بعد ذلك مجرد رعايا وعبيد.

رضاء الأغلبية عن الحكومة، لا يسقط حق الأقلية في المعارضة. المواطنون قد يصبحون معارضين للحكومة لسبب أو لآخر، عندما يشعرون أن هناك قانونا أو تصرفا ما غير عادل، يخل أو يمس حقوقهم الطبيعية، أو لأي سبب آخر. فالدستور يجب أن يعطي الناس الحق في المعارضة لرفع الظلم عنهم، ويعطيهم حق التعبير والكتابة وحرية إنشاء الأحزاب والصحف. هذا حق وليس منة من أحد.

إذا لم يتسير للناس التعبير عن آلامهم وإظهار الظلم الواقع عليهم، بسبب إقرار قانون معين أو إجراء ما. وإذا لم نسمح لهم بالتعبير عن شكواهم، فماذا يتبقى لهم بعد ذلك سوى الهجرة إلى بلد آخر، أو الثورة واللجوء إلى العنف وحمل السلاح؟

حق الناس في حكم أنفسهم وتكوين حكومة تحمي حقوقهم، ينبع من حقهم في الحرية السياسية. وكما أن لهم الحق في تشكيل الحكومة وفقا لرغبتهم، لهم أيضا الحق في سحق وإلغاء أي نوع من الحكومات، تفشل في حماية حقوقهم الطبيعية، أو تعتدي عليها.

حق سحق الأنظمة الفاسدة، أيضا له علاقة بالحرية السياسية. الناس لها الحق في تغيير أو محو الأنظمة التي تعتدي على حقهم الطبيعي في الحرية. لأنهم إن لم يفعلوا، سوف يتحولون إلى رعايا لحاكم مستبد.

الدستور السيئ يكون بسبب نقص بنوده، أو بسبب احتوائها على بنود تعرقل حرية المواطنين، أو لأن هذه البنود تعتدي على حقوقهم الطبيعية. كما أن الدساتير يجب أن تكتب بنوايا حسنة، وهذا ليس عيبا فيها. إنما العيب يكون فيمن يريد تعديلها بنوايا سيئة وتفصيلها على مقاسه لتأليه نفسه وتقوية دعائم حكمه الاستبدادي.

النظم المستبدة، لا يمكن تعديل دساتيرها السيئة، بإدخال تحسينات على بنود الدستور أو بالطرق القانونية. كما أن الحكومة التي تحكم بالقوة الغاشمة، لا يمكن تغيرها إلا بالقوة الغاشمة.

بهذا المعنى كتب جون لوك: "من يحكم بدون حق، يضع نفسه في حالة حرب مع من تُستخدم ضدهم القوة. هنا تصبح كل القوانين عديمة الفائدة، ويصبح كل واحد مدافعا عن نفسه ومقاوما للعدوان".

فقط الحكومات الاستبدادية، هي التي تستحق الإطاحة بها، ومن واجبنا التمرد عليها. لكن بالنسبة للحكومات الدستورية، يكون من الأفضل تعديل وتحسين قوانينها بالطرق السلمية.

المشكلة أن شعوبنا لا تعرف حقوقها الطبيعية. الحكام أيضا لا تفهم أن عليها واجبات أخلاقية قبل شعوبها. لا أعتقد أن أحدا في حكومتنا الرشيدة يفهم معنى الحقوق الطبيعية للإنسان أو وظيفة الدستور. وإلا لما كنا وصفناه بأنه كتب في ظروف استثنائية وبنوايا حسنة.

الرئيس وكبير وزرائه يعتقدون أن الشعب غير مستعد للديموقراطية. لكن الديموقراطية وحكم الشعب بالشعب، هو حق طبيعي لكل الشعوب. ولا يجب أن يكون منة، أو رهن مزاج من بيدهم السلطة.

عندما تضعف المعارضة أو تموت، يضعف جهاز المناعة للدولة. وتصبح كالمريض المصاب بنقص المناعة المكتسبة (الإيدز). الدول هي الأخرى كائنات حية. تولد وتنمو وتحيا وتمرض وتموت، مثل باقي الكائنات. غير أنها تتكون من أفراد، بدلا من خلايا.

عملية سحق المعارضة التي تقوم الآن على قدم وساق، وإضعاف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وتكميم الأفواه وغلق الصحف والقنوات الفضائية، ومطاردة أصحاب الرأي، وإغداق الأموال على المنافقين والمستفيدين بحجة محاربة الإرهاب، كل هذا يضعف مناعة الدولة ويجعلها عرضة للتفكك والانحلال. مثل مريض الإيدز المصاب بنقص المناعة المكتسبة.

إذا ضعفت المعارضة، كيف نحارب الفساد والإهمال والخيانة والعجز والغدر والانحراف، وهي أمور أشد خطرا على الدولة من الإرهاب؟ كيف ننتمي للوطن الذي نعيش فيه، إن لم نساهم في حل مشاكلة بما نستطيع من رأي، حتى ولو كان متواضعا؟

الحكم ليس فهلوة وشطارة تبين من فينا الذي يستطيع أن يعدّل الدستور لكي يكبس على أنفاس العباد أبد الدهر، أو كيف يتجاهل أحكام القضاء ولا ينفذها. هذا لعب بالنار. لا يقدم عليه إلا ظالم مستبد.

لقد عاد قانون الطوارئ لكي يبقى، وستشرف حكومتنا الموقرة وحدها على الانتخابات القادمة بدون رقابة، إن كان فيه انتخابات. وستحاول تعديل الدستور على نار هادئة، لا بحذف المادة الثانية منه ومساواة المرأة بالرجل كما فعلت تونس بدستورها، ولكن بإضافة وتعديل مواد تسلب الناس حقها في اختيار من يمثلها، ووضع مزيدا من السلطة في يد الحاكم. بذلك نكون قد عرضنا أمن وسلامة بلادنا للخطر. لأن السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة فساد مطلق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يصولون ويجولون لغياب القوي الاجتماعية
محمد البدري ( 2017 / 9 / 4 - 18:09 )
تم سحق الحياة السياسة منذ 65 عاما. منذ ذلك الحين لدينا اراجوزات وبهلوانات يطالبون بتغببر كل شئ وكأن الشعب الذي اقر الدستور لا وجود له لانهم يعلمون بان الرؤوس السياسية للكتل الاجتماعية غير موجوده . تحياتي واحترامي للعزيز القدير استاذ زكريا توفيق


2 - تم اختياركم ممثلاً لمؤسسة قوس قزح
أفنان القاسم ( 2017 / 9 / 18 - 10:21 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=572460

اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على