الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعث بدائي ورغبات مكبوتة - قراءة في كتاب علم نفس الجماهير لسيغموند فرويد

كلكامش نبيل

2017 / 9 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


انه الكتاب الثالث الذي اقرأه لرائد التحليل النفسي الدكتور سيغموند فرويد، وكانت ترجمة الراحل جورج طرابيشي له عن الفرنسية قيمة جداً. صدر الكتاب أولاً عام 1921 وهو يتناول في البداية مقارنة بين علم الجماهير في منظور غوستاف لوبون ومنظور فرويد له. بالتأكيد يتفق الاثنان على تراجع القدرات العقلية للفرد عند الانخراط في جمهور ما. يبحث الكتاب في اسباب تكون الجماهير ودوافعها وسبل تحقيق ذلك – الليبديو المكبوتة والمثال الأعلى والتماهي والمحاكاة – وكلها مناقشة بصورة عميقة وشاملة، مع تركيز فرويد كالعادة على الجنس وعقدة أوديب واسطورة البطل وقتل الأب. يناقش الكتاب أيضاً صفات الجماهير بشكل عام والتغيرات التي تطرأ على الفرد عند انخراطه في جمهور معين. الكتاب مهم جداً ويوضح الكثير من الأمور التي قد تبدو للوهلة الأولى بديهية.

فعن اسباب تشكل الجماهير، نقرأ، "العقائد لا تتشكل عند الجماهير إلا عن طريق التحريض والعدوى والإيحاء التنويمي، ولا تتولّد عن طريق تشغيل العقل والمحاكاة العقلانية." هذا بالاضافة لنظرياته عن الحب الطفولي المكبوت وعقدة الأب والمثال.

وعن صفات الفرد ضمن الجمهور، يقول غوستاف لوبون، "إن الإنسان، بمجرد انخراطه في جمهور، يهبط إذن عدة درجات على سلم الحضارة. فلعله كان، فرداً مثقفاً، أما وسط الجمهور فهو غريزي، وبالتالي همجي. فله من المخلوقات البدائية عفويتها وعنفها ووحشيتها، وله منها أيضاً حماستها وبطولتها." فيما يكتب فرويد ما يلي عن صفات الجمهور:

- الجمهور سريع التأثر، سريع التصديق، يعوزه الحس النقدي، ولا وجود في نظره للمستبعد الحدوث.
- الجماهير سريعة المبادرة إلى التطرف. فلا يكاد الشك يرتسم عندها حتى يتحول فوراً إلى يقين لا يقبل نقاشاً. ولا يكاد يساورها شعور أول بالنفور حتى يتحول للحال إلى كراهية ضارية.
- إن الجمهور، النزّاع إلى كل ما هو متطرف، لا يتأثر إلا بالتحريضات المشتطة. ومن يبغ التأثير عليه، فما به حاجة إلى أن يعطي حججه طابعاً منطقياً، إنما حسبه أن يقدم صوراً صارخة الألوان، وأن يبالغ ويغلو، وأن يكرر بلا انقطاع الشيء ذاته.
- الجماهير لا تعرف البتة الظمأ إلى الحقيقة. فهي تطلب أوهاماً، وعنها لا تستطيع عزوفاً. وهي تقدم على الدوام اللاواقعي على الواقعي، واللاواقعي يؤثر فيها بنفس قوة تأثير الواقعي. وعندها ميل ظاهر للعيان إلى عدم التمييز بينهما.
- يشتمل الجمهور، منظوراً إليه في جملته، على سماتٍ أخرى ايضاً: انحطاط النشاط الفكري، درجة مشتطة من العاطفية، عجز عن الاعتدال وعن ضبط النفس، ميل إلى تجاوز الحدود كافة في التظاهرات العاطفية، وإعطاء متنفس لهذه التظاهرات بالمبادرة إلى الفعل.

وعن الذعر يعتقد فرويد بأنه ينجم عن تفكك الجمهور وليس العكس، حيث نقرأ، "الذعر يحدث عندما يطفق الجمهور بالتحلل. ومن علائمه الامتناع عن إطاعة أوامر القادة، وعدم اهتمام كل واحد بغير نفسه، دونما مبالاة بالآخرين. وبذلك تنفصم الروابط المتبادلة، ويستحوذ على الجميع رعبٌ هائل لا يستطيع أحد تفسيراً لأسبابه."

وعن التعصب، نقرأ أن كل فكر ديني أو سياسي أو عرقي يمكن أن يصبح متطرفاً، حيث يكتب فرويد، "في الحقيقة، إن كل دين هو دين حب بالنسبة إلى من يضويهم تحت جناحيه، وكل دين مستعد لأن يدلل على قسوته وعدم تسامحه إزاء أولئك الذين لا ينتمون إليه." ويكتب ايضاً، "يكفي أن يحل تشكيل جماعي آخر محل الطائفة الدينية (وهذا هو، في الظاهر، حال ما يسمى بـ "الحزب المتطرف") حتى يتظاهر من جديد، حيال أولئك الذين بقوا خارج هذا التشكيل، التعصب نفسه الذي كان يميّز الصراعات الدينية، ولو كان في المستطاع أن نأخذ الاختلافات بين التصورات العلمية أهمية معادلة في نظر الجماهير للاختلافات الدينية، لتمخضت عنها في أغلب الظن، وللأسباب ذاتها، النتيجة نفسها."

وعن الحب والجنس ودوره في تشكل الجمهور والحضارة، يكتب فرويد، كان الحب، في تطور الانسانية كما في تطور الفرد، هو العامل الرئيسي، إن لم نقل الأوحد في الحضارة، لأنه هو الذي فرض الانتقال من الأنانية إلى الغيرية." ويكتب أيضاً، "من المفيد أن نلاحظ أن الدوافع الجنسية المكفوفة عن هدفها هي على وجه التحديد التي تخلق بين البشر الروابط الأكثر ديمومة. وتفسير ذلك سهل: فهذه الدوافع ليست قابلة لتلقي تلبية كاملة، بينما يطرأ على الدوافع الجنسية الحرة وهن خارق للمألوف، انخفاض في المستوى، في كل مرة يتم فيها إدراك الهدف الجنسي." ويتساءل عن طبيعة الليبديو في المجتمع في الفصل الأخير قائلاً، "هل الليبيدو، الذي يصون تلاحم الجماهير، هو من طبيعة جنسية مثلية أو غيرية؟" ليرجح في الواقع الحب البولسي أو المثلي أو المكبوت في أن تكون له اليد العليا في صون وحدة الجماهير – لاسيما مجتمعي الدين والجيش.

يعتقد فرويد أن المجتمع عبارة عن حالة بعث بدائية، حيث نقرأ، "يتبدى لنا الجمهور وكأنه بعث للعشيرة البدائية، فكما أن الانسان البدائي لا يزال على قيد الحياة في كل فرد، كذلك فإن كل تجمع بشري قادر على إعادة تكوين العشيرة البدائية." ويرى أن الذنب في الواقع عبارة عن صراع داخلي بين الفرد والمثال الأعلى الذي يحاول التماهي معه، حيث نقرأ، "من الممكن اعتبار الشعور بالذنب (او الدونية) تعبيراً عن حالة توتر بين الأنا والمثال."

في النهاية، الكتاب مهم جدا ويناقش أفكار عميقة ومفيدة في فهم سلوك الجماهير ودوافعها وما يحركها ويساهم في تلاحمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر