الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين دولة الاستقلال والكيان الاعتباطي

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2017 / 9 / 22
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


فشلت الدّولة التّونسية الحديثة التي نشأت على إثر تسويات مجحفة بين النخب المحلية والقوى الأجنبية، في التطور والتحول إلى دولة مواطنيها، بمعنى إلى مرجعية شرعية لسلطة متصالحة مع المجتمع وتحظى بتأييده.
وفي المقابل فشلت المقاومة الوطنية الشعبية لمشروع هذه الدولة - الفاقدة للوطنية وللمعنى- في فرض التغيير، أو حتى في بناء معارضة سياسية ذات رؤية ومشروع تغيير لبنية هذه الدولة الكولونيالية أو بناء دولتها الجديدة.

وبالنتيجة تواصل الانفصال التاريخي بين السكّان والطبقة السياسية برُمتها. وتواصل معه مشهد مقرف لنخبة نَهِمَةْ طمّاعة تستولي على مقدّرات البلاد في نطاق منظومة استعمارية قوامها تبادل المنافع مع البرّاني. وجمهور أعزل بلا رأي ولا كفالة ولا سند ولا دولة تخدمه فتُسهّل حياته وتوحده وتقوده وتلهمه، وتملأ الفراغ الذي تركه انحلال الدولة السلطانية، دولة البايات والمقيم العام الفرنسي.
بالتوازي مع استمرار الدّولة السّلطانية القهريّة، استمرّ اليأس والخوف والفقر والتهميش وغياب القانون وضعف الولاء للوطن بسبب ضعف الولاء للدّولة. وما كان لهذه الدّولة أن تتمتّع بولاء أغلبية السكّان لأنّها ليست دولة المواطنة التي تقيم العلاقات المجتمعية على أسس سياسة عقلانية طوعية ضامنة لحقوق النّاس وحرّباتهم والمساواة بينهم. ولا هي الدولة الوطنية السيّدة المتماهية ثقافيا وقيميا مع الجماعة والمعبّرة عنها.
في ظلّ هذا الخلل الهيكلي والمضموني العميق لهذا الكيان الاعتباطيّ -الذي سمّى نفسه "دولة الاستقلال" لإخفاء حقيقة ارتباطه بالاستعمار-، وبسبب عجز المعارضات على التحول الى جسم سياسي يُقنع الناس، ويفرض الحدّ من جنوح الفئات الحاكمة إلى الإجرام، يسود اليوم منطق التشرذم المجتمعي والتنافر السياسي وانعدام الثقة وغياب القانون والانحطاط الأخلاقي وضعف التّضامن ... وكلّ ما يتعارض مع منطق الوحدة المؤسّس لأمة ذات إرادة جامعة.

من المعلوم أنّه كلّما ارتفع منسوب الفوضى وعدم الاستقرار، ارتفع منسوب اندفاع النخب الحاكمة في طلب الحماية الأجنبية، وازداد ميلها إلى البطش وفرض الإذعان على المجتمع بعنف البولبس.
وفي نفس السياق، وبموجبه يرتفع احتمال الانحطاط الوطني للمعارضات بحيث يتزايد رهانها على السّفارات الأجنبية. كما يرتفع احتمال انحطاطها السياسي بحيث يتزايد رهانها الداخلي على التعبئة الجهوية والعائلية والدينية ... في عمليّة إحياء مستمرّة لكلّ العصبيات المتخلفة التي كانت سائدة قبل ظهور الوطنيّة كمفهوم سياسيّ مرتبط بالحداثة.

كلّ هذا الوسخ يقود في النهاية إلى تجويف الدّولة وتحويلها إلى جملة من الأجهزة القهرية السّاهرة على استمرار نظام توزيع النفوذ والرّيع بين الفئات الحاكمة والدّوائر الأجنبية. وهو ما يقود أيضاً إلى ضرب إمكانيات قيام مشروع وطنيّ ديمقراطي جامع، وذلك من خلال دفع المعارضات إلى الانقسام والتفتّت وجعلها مجرّد احتجاجات عصبيّة ضيّقة وجماعات دينيّة عتيقة المرجعية رثّة التطلّع، لا علاقة لمشاريعها بأي رؤية وطنية واضحة ولا بقيم الحرية والعدالة والتقدّم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي