الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام ومأساة العقل

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2017 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من خلال حواراتي مع الشباب في تونس. يتأكد لي كل يوم أن أكبر تحدي هو أن يفهم شبابنا حقيقة تاريخ الإسلام.
فأبناؤنا يتعرضون إلى حملة اغتصاب لعقولهم.
الوهابيون يقولون لهم إن الحرية وكل القيم الكونية التي ارتبطت بها حرام، مدعين أنها صنعت لضرب الإسلام.
والإخوان يقولون لهم إن الحرية مضمونة ومصانة في دولة الإسلام. ولستم بحاجة إلى البحث عنها ضمن قيم الإنسانية المعاصرة.
والجماعتان معا يقولون لهم إن الحداثة والحرية والديمقراطية أمور مرتبطة بالمسيحية.
لا عزيزي. هذا ليس صحيحا. للأسف، كلاهما يكذب عليك. ويسعى لافتكاك قدرتك على التفكير والبحث والتأكد من تاريخك. وكلاهما يمنعك من قراءة البحوث العلمية ويرهبك منها، ويهديك مقابل العلم كتب النقل والخرافة حتى يغسل مخك ويخصيك عقليا. ويمنعك من التحول إلى فرد حر.

شوف صديقي. في تاريخ الاسلام والمسلمين، كما في تاريخ كل الديانات، هنالك قواعد إرهابية واضحة وضوح الشمس: أنت مسلم فعليك أن لا تقول كذا، ولا تنطق بكذا، ولا تتصرف هكذا. وإلى اليوم ما زال الدين يحمل بقايا البيعة التي تعصم الدم بالعقيدة.
والعقيدة بهذا المعنى لعبة لغة. كلمة تدخلك فيها، وأخرى تُخرجك منها. فإما مسلم وإما ذمي وإما مرتد، وعلى مر العصور ظلت الثقافة والمجتمع والحياة والموت على هذا النهح. فليس أسهل من قطع رأس إنسان من أجل كلمة واحدة، وذلك باسم الدين والله والقرآن والنبي وأصحاب النبي.

إذا صنفوك مسلماً تعيش مع المسلمين، ويدفنونك في مقابرهم. ودون ذلك لا قبر لك بينهم. وبالمناسبة هذه مصائب كان معمولا بها في المسيحية. ولكن المسيحيين تعلموا دروس التاريخ، واشتغلوا وأصلحوا فقههم وقيمهم وغيروا، واستبدلوا الموت بالحياة.

في المسيحية الإرهابية كانت عقوبة الاستهزاء بالمقدسات في الكتاب المقدس هي القتل. جاء في التوراة "أي رجل لعن إلهه يحمل خطيئته. ومن جدف على اسم الرب، فليُقتل قتلا، ترجمه كل الجماعة- رجما، نزيلا كان أو ابن البلد. إذا جدف على الإسم يُقْتَل".
ولم تستطع أوربا أن تقطع مع عقوبة التجديف إلا بعد التنوير وفصل الكنيسة عن الدولة قبل قرنين من الزمان.
يقول برنارد شو : "كل الحقائق التي ظهرت في التاريخ تجلت في البداية وكأنها تجديف أو كفر". بمعنى أنه لا توجد حقيقة بدون حرية وتسامح.

سنة ألف وستمائة، تم حرق الفيلسوف الايطالي جيوردانو برينو في ساحة عامة بروما، وهو راهب تحول من الدراسات المسيحية الى الفلسفة واعتقد بدوران الأرض، تلك الفكرة التي كانت محرمة في الكنيسة. فتم حرقه.

ومنذ الثورة الفرنسية تحولت عقوبة التجديف من القتل الى السجن والغرامة المادية. عام 1922 أدين شخص يدعى جون وليام غوت بالأشغال الشاقة مدة تسعة أشهر بسبب تشبيهه المسيح بالمهرج والبهلوان في انگلترا. هذا يعني أن معاقبة الهجوم على المقدسات كانت سارية المفعول في بريطانيا حتى بدايات القرن العشرين، ثم ألغيت تماماً فيما بعد. يعني قضية الحرية مرتبطة بتطور الحضارة الإنسانية، وليس بالدين المسيحي.

اليوم مطلوب من المسلمين الشيء ذاته وبقوة. أن يفتحوا صدورهم ويقبلوا "زنادقتهم" الذين هم مفكريهم وعلمائهم، وأن يقبلوا حتى سكيريهم. عليهم أن يتسامحوا ويسامحوا ولا يكفروا ويذبحوا الناس من أجل فكرة.
فالفكر هو جوهر الصراع اليوم وأمس وغداً. لأن جرائم اليوم مبررة بأفكار الأمس.

خذوا مثالا على ذلك: تتذكرون، مطلع عام 2015 قام تنظيم داعش بإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في قفص حديدي. وبرروا جريمتهم الشنيعة بما فعله علي بن أبي طالب بالزنادقة. حيث يروي التاريخ أن علي جادل جماعة من زنادقة العراق فأظهروا الهداية. فلما خلوا الى أنفسهم، عادوا الى الزندقة. فأخبره بذلك خادمه قنبر، فلما كاشفهم الخليفة اعترفوا. فأمر بحفر خندق وأشعل الحطب، وأحرقهم فيه أحياء.

وهكذا وضع تنظيم داعش علي بن أبي طالب وأتباعه
وذريته في ورطة كبيرة، الى درجة أن مشايخ الشيعة الذين كانوا يؤكدون تلك الحادثة ويفخرون بها على المنابر، حين رأوا بشاعة ما أقدم عليه تنظيم داعش، صاروا ينفون ويكذبون تلك الروايات، وينزهون علي بن أبي طالب من تلك الوحشية.

إن التطرف هو ورطة الإسلام الكبرى. والمشكلة الأساسية في "التكفير" الذي يلاحق الفكر. لاحظوا عبارة "فكر" قريبة من عبارة "كفر" لغويا. والكفر ليس الفسق ولا هو الفجور. فالراقصة والزانية وشارب الخمر والمرابي،،،، كل هذا فجور لا يُخرجك من الاسلام. بل يُقام عليك الحد وتبقى مسلما.
المشكلة في الثقافة والفكر. هنا الجريمة العظمى. لقد طارد الاسلام المعتزلة والزنادقة والفلاسفة وكفرهم بلا رحمة.

أورد ابن الأثير في البداية والنهاية عن المهدي ما وجد كتاب زندقة الا وأصله ابن المقفع ومطيع بن اياس ويحيى بن زياد، ونسي الجاحظ وهو رابعهم.

وابن المقفع رجل فارسي مجوسي اعتنق الاسلام، على قدر رفيع من الموهبة والفطنة واسمه الحقيقي روزبة بن داذويه عرف الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية. اتهمه والي البصرة بالزندقة وقتله شر قتلة في عهد المنصور العباسي، فقد أمر بفرن فسجره وأوقده وأمر بابن المقفع فربطوه، وصار يقطع من جسده ويلقي في الفرن والرجل المثقف العالم ينظر بعينه حتى مات.

الموضوع ببساطة أن ابن المقفع نقل كتاب كليلة ودمنة الى اللغة العربية وهو كتاب الحكمة والتهذيب للملوك، يتم سردها على لسان الحيوانات بطريقة شيقة من نفائس الأدب الهندي، وقال ابن المقفع هذا كتاب فريد أيضا فليأتني واحد بمثله. كل عمل إبداعي لا يمكن تقليده ونسخه، هو فريد وإعجاز بهويته.

هذه الكلمة أثارت عليه غضب الفقهاء. ولكي لا يكثر الجدل قالوا هي ضغائن بين الوالي والرجل، فابن المقفع شتم الوالي وقال "يا ابن المغتلمة" وهذا كذب صريح فلا يمكن لهذا أن يحدث، لكثرة بطش السلاطين حينها.

وتمت إبادة المعتزلة على يد الفقهاء المتشددين لأنهم أول مَن صنف المفكرين هذا مفكر عقلاني، وذاك مفكر سمعي او تقليدي؛ يكتفي بتكرار ما يسمعه من كلام ديني. هذه الفكرة تسببت بهلاكهم.

هذه هي الحقيقة. وهذا هو التاريخ. فإلى متى سيظل أبناء المسلمين عرضة للاستهزاء بذكائهم وتزييف وعيهم وتشويه تاريخهم؟
إن التنوير الفكري بعد داعش سينفجر في الوطن العربي، لأن أغلبية العرب صاروا كفارا الآن، ومؤهلين لتقبل التسامح والأفكار الجديدة بعد أن أجبروا على الاستعانة ب"الكفار" لحمايتهم من "المسلمين" الحقيقيين.

لن يبقى من الإسلام سوى الإسلام اللطيف المتسامح. سيبقى القرآن الجميل المجلجل بالمحبه والسماحة كالدم في أجساد المسلمين .
الإسلام النظيف حكاية طويلة لا يفهمها الذين باعوا محمد ذبائح بشرية في أسواق الدم، وأمم الدنيا شطرها مرعوب منا، والشطر الآخر يشعر تجاهنا بالاشمئزاز.

الدين كما نريده، وكما كان في أصله، تجربة روحية تتعدى العشق، متروكة لكل إنسان يناجي ربه وحده بلا وساطات، كما كان خلقه وحده بلا وساطات. غير أن هذا الأمر العظيم سرقه منا الكهنة والمرتزقة فجعلوا منه مهنة، وجعلوا من دماء المسلمين ورقابهم بضاعة تباع باسم القرآن وسنة الرسول في ساحات الرعب ومصانع الموت.

ونحن من الذين يؤمنون بتحرير القرآن من هؤلاء الغزاة، وتحريره من التفاسير البالية السخيفة، ومع هدم أصنامهم، حتى ندخل العالم بسلام. فالحياة رائعة بلا ظلم ولا ذبح ولا رجال دين مجرمين.


نحن لا نريد القضاء على الدين، ولكننا لا نريد للدين أن يقضي علينا أيضا.
إن الحرب على الدين هي حرب على الناس. حرب على أمهاتنا وآبائنا وإخوتنا. وبهذا المعنى نحن لا يمكننا القضاء على أهلنا.
بينما الحرب على "رجال الدين التكفيريين " ودعاة الفتنة، نعم. لأنها نوع من مكافحة الإرهاب.
نحن بالنهاية، عندنا معركة طويلة مع التخلف. وليس مع الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س