الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبهة وردود 3- المسيح الارهابي

طوني سماحة

2017 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قرأت مؤخرا لناقد يهاجم الإعلامي على قناة الحياة المسيحية الأستاذ، أو حسب ما يعرّف به عن نفسه، الأخ رشيد المغربي. يعيب الناقد على الأخ رشيد تركه دموية الإسلام كيما يرتمي في مستنقعات العنف الذي يعلم به المسيح. وحجة هذا الناقد أن المسيح قال في إنجيل متى 10 "34 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36 وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ." ليست هذه هي المرة اليتيمة التي يتم فيها استخدام هذه الآية لتبرير الهجوم على المسيح.

بئس قارئ لا يقرأ، وويحي على كاتب يجهل فنون الكتابة. في المراحل التربوية الأولى، يتعلم الطفل أن الأحرف تشكل أصواتا وأن هذه الأصوات والاحرف متى تم جمعها تصبح كلمات ترمز الى أشياء. مثلا لو تم جمع أحرف القاف واللام والميم لحصلنا على كلمة مكتوبة تعطي لفظ "قلم". يتدرج الطفل في التعلم في المرحلة الابتدائية ليتعلم أن الكلمة أحيانا قد تحمل أكثر من معنى وأنه لا سبيل لمعرفة المعنى الذي ابتغاه الكاتب إلا من خلال المضمون. خذ على سبيل المثال كلمة "الفيصل". لو أنت أدخلت هذه الكلمة في قاموس المعاني العربي على الانترنت، لحصلت على ثلاث معان مختلفة:
الفيصل: الحاكم أو القاضي
الفيصل: الماضي القاطع يفصل بين الحق والباطل
الفيصل: السيف القاطع

في نهاية المرحلة الابتدائية وقبل الدخول في المرحلة الثانوية، يبتدأ التلميذ يدرك أن اللغة لا تقتصر على الاحرف والكلمات والمعاني بل تتعداها الى المجاز والتشبيه والكناية والرمز، الخ. في رائعته الشعرية التي غناها له كاظم الساهر، يكتب نزار قباني:
أشهد أن لا امرأة ً
تحررت من حكم أهل الكهف إلا أنت
وكسرت أصنامهم
وبددت أوهامهم
وأسقطت سلطة أهل الكهف إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
إستقبلت بصدرها خناجر القبيلة
واعتبرت حبي لها
خلاصة الفضيله

بئس قارئ يفهم من شعر نزار ان المرأة التي أحبها الشاعر ليست سوى كناية عن محاربة من العصر الجاهلي تحمل السيف وتهاجم القبائل لتكسر أصنامهم وتسقط نظام أهل الكهف وهي تستقبل خناجر اهل القبيلة بصدرها شبه العاري. بئس قارئ لا يستطيع ان يكسر قيود الحرف ليسبح في فضاء الفكر والابداع. تذكرني هذه الكلمات بأحد التلاميذ الذين مروا عليّ. طلبت من تلاميذي قراءة قصة قصيرة مفادها أن مزارعا باع الغلال وأراد أن يفاجأ زوجته بهدية. ذهب الى المركز التجاري لشراء هدية وكان الوقت يداهمه حيث ان المركز يغلق ابوابه في وقت يسير. كان المزارع يركض بنوع من الهستيرية بين الطابق الأول والثاني، يدخل محلا ليخرج من آخر، وهو يحاول إيجاد الهدية المناسبة قبل وقت الاغلاق. كانت القصة مرفقة بالرسوم وكانت إحدى هذه الرسوم تظهر الرجل مرة على أعلى الدرج ومرة أخرى في الأسفل ومرة ثالثة داخلا باب المحل ومرة رابعة خارجا من المحل. طلبت من هذا التلميذ أن يخبرني عما فهمه من القصة. قال لي هناك أربعة من الرجل ذاته يبحثون عن هدية لزوجاتهم، واحد في الطابق الثاني والآخر في الطابق الأول والثالث داخل المحل والرابع خارجه. للأسف، فشل هذا التلميذ أن يتحرر من حرفية الكلمة والصورة ليدرك أن الصور الأربعة ليست لرجال أربعة بل لرجل واحد.

عودة الى صديقي الناقد للأخ رشيد. قد يكون هذا الناقد قد حصل على شهادات علمية عالية، لكن يبدو لي أنه بحاجة لإعادة النظر في تقنيات القراءة التي يتعلمها الطفل في المراحل الابتدائية. عليه أن يدرب ذهنه على اللغة التي استعملها المسيح. عليه أن يتدرب على فهم المجاز والكناية والرمز. أشجعه على قراءة ما يعرف بحكايات لافونتن أو "Les fables de la Fontaine". في هذه القصص الشهيرة التي يتعلمها الأطفال في المرحلة الابتدائية، يضع الشاعر كلمات على فم الحيوانات ليجعلهم ينطقون. تحكي كل قصة من هذه القصص حكاية حيوان ما مثل الغراب الذي سرق الجبن وطار به الى اعلى شجرة. شاهده الثعلب وأراد انتزاع الجبن منه، وحيث انه لا يستطيع تسلق الشجرة، أخذ بامتداح الغراب قائلا له أنه لم ير في حياته أجمل من ريشه ولا أعذب من صوته. صدق الغراب الكذبة وللتدليل على جمال صوته فتح فمه مغنيا فسقط الجبن في فم الثعلب. هذه القصة لو قرأناها بحرفيتها لفقدت القوة على التعليم والابداع ولما تعلمنا منها كيف ان الدهاء يستغل الغباء للحصول على مراده. أو خذ على سبيل المثال الضفدعة التي ارادت ان تصبح بحجم البقرة فأخذت بالانتفاخ حتى انفجرت وذلك دلالة على أثرياء عصر الشاعر الصغار الذين نفخوا انفسهم كيما يبدوا لأهل زمنهم مثل النبلاء.

طبعا لن ولن يكون هذا الناقد للأخ رشيد الأول والأخير في اخراج نص من سياقه لتبرير هجومه على المسيحية. فهناك الكثير من المواقع والكتب الدينية واللادينية التي تستغل هذه النصوص لإصابة أهدافها. عندما قال المسيح " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ"، كان اليهود عامة والتلاميذ خاصة ينتظرون مسيحا مخلصا. كان لا بد لهذا المسيح ان يأتيهم راكبا على حصان، حاملا سيفا، وقائدا جيشا للخلاص من الرومان ومن ثم لبسط السلام على الأرض. لكن المسيح لم يكن يبشر بهذا النوع من السلام الآتي على حد السيف. من ناحية أخرى، كان المسيح يريد من تلاميذه أن يدركوا أنه لا يدعوهم للذهاب وراءه في نزهة على ريش النعام او السجاد الأحمر. كان يريدهم ان يدركوا انهم سوف يكونون في وسط الاتون وأن سيف الاب والام والاخ والاخت سوف يرتفع ضدهم وأن أعداءهم غدا سوف يكونون أكثر الناس حبا لهم اليوم، وهذا بالضبط ما حصل في تاريخ المسيحية منذ العصور الأولى للاضطهاد الروماني للمسيحيين وحتى يومنا هذا في الموصل وسوريا ومصر وغيرها.

هل علم المسيح اتباعه حمل السيف وقتل الآخر؟ عندما يجيب القارئ بالإيجاب، يكون إما مدفوعا بالحقد على المسيح مما غطى عيونه عن رؤية الحقيقة، وإما جاهلا في أساسيات القراءة مما لا ينفع معه سوى عودته الى دور الدراسة الابتدائية لإتقان تقنيات القراءة. لا يا سادتي، لم ولن تكون رسالة المسيح يوما رسالة إرهاب. إن كان واحدهم يرى في هذه الرسالة عنفا، فالعيب ليس في الرسالة بل في المتلقي. بل ها هي رسالة المسيح ما زالت ترن في آذاننا منذ ألفي سنة وهو يسلم الروح من أعلى الصليب طالبا لقاتليه "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انهم يفهمون ولكنهم لا يقرون بالحقيقة
مروان سعيد ( 2017 / 9 / 23 - 22:03 )
تحية للاستاذ طوني سماحة وتحيتي للجميع
في هذا العصر وبكبسة عدة ازرار على الحاسوب او الموبايل ستجد اي جواب على اي سؤال
مثلا ساكتب تفسير الاية التي قال عنها السيدالمسيح ما جئت لاالقي سلاما بل سيفا فتاتي النتيجة اجوبة كثيرة ومنها اسلامية فمن يريد ان يفهم الحقيقة يذهب للتفسيرات المسيحية ويقراء اما الذين يريدون البقاء في الظلمات الاسلامية والقتل والانكحة يختارون الاجوبة الاسلامية
وهذه نتيجة البحث واتاني الكثير من الاجوبة ومنهم البابا شنودة
https://www.youtube.com/watch?v=PO6-3Syd0J8
والاخ وحيد وغيرهم
https://www.youtube.com/watch?v=etK6keCFGZw
والامثلة كثيرة على ارض الواقع من رفض الاسلام وتحول الى المسيحية حتى اهله يضطهدوه ويسلموه للدولة ويمنعوه من السفر وحتى احيانا يقتلوه مثلما حصل لشاب لبناني امه قد قتلته مع زوجته
هذا ما يقصده السيد المسيح


2 - هذا معنى السيف
صباح ابراهيم ( 2017 / 9 / 23 - 22:44 )
من يتحجج بكلمة السيد المسيح ( مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. ) بغباء واضح عليه ان يقرأ حياة وسيرة السيد المسيح و يسأل نفسه هل حمل المسيح سيفا يوما في حياته وهل استخدم السيف لقتل احد الاشخاص او حرض اتباعه على القتل ؟
ان كان الجواب كلا . اذن ليفهم ان معنى السيف هنا ليس هو سلاح القتل بيد المسيح او اتباعه .بل هو سيف الاعداء المضادين للمسيحية و كذلك سلاح الفرقة و الاضطهاد الذي سيلاقيه اتباع المسيح من اعدائهم .
المسيح احيا الاموات بكلمته وغيره قتل الاحياء بالسيف حتى يشهدوا انه رسول الله.


3 - Sami Simo
طوني سماحة ( 2017 / 9 / 24 - 00:55 )

تحية اخي الحبيب سامي
كثيرون هم الذين يحاولون لوي عنق النص لكن النص واضح لكل من يريد أن يقرأ ويفهم. فليفتح الرب عيون الكثيرين كي يقرأو بأخلاص ويفهموا مشيئته


4 - مروان سعيد
طوني سماحة ( 2017 / 9 / 24 - 01:01 )
أهلا بك استاذ مروان وشكرا للمشاركة. نعم الانترنت اليوم مثل سيف ذو حدين. يستطيع الانسان ان يجد فيها الامر ونقيضه. لكن الذي يريد ان يقرأ بفهم واخلاص لا بد له من الحصول على الجواب.


5 - صباح ابراهيم
طوني سماحة ( 2017 / 9 / 24 - 01:08 )
تسعدني مشاركتك اخ صباح. لا شك ان من يريد ان يفهم معنى السيف يستطيع وبسهولة من خلال قراءة سيرة السيد المسيح ان يستوعب ما قصده يسوع. لكن الكثيرين يقرأون ولا يريدون ان يفهموا او يسمعون دون نية في السمع. لم يكن المسيح يوما رجل حرب ولم يحمل سيفا وما زالت سيرته تلهم الكثيرين في كل العصور من الباحثين عن السلام مثل غاندي، مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا


6 - أمة مقتولة بجهلها
ماجدة منصور ( 2017 / 9 / 24 - 05:00 )
هذه مشكلة اساسية في الفهم....العرب هم عبًاد الحرف ...وكل معجزاتهم هي (نص كتابي) يعتقدون
أنه قد نزل إليهم من سابع سما....فعلى من تقرأ مزاميرك..يا..داوود؟
إن السيد المسيح كان ثورة على منظومة الجهل و التخلف و الإستعباد و الظلم,,ومن لم يفهم هذا،، فإنه سيكون من هؤلاء اللذين وضع الله على قلوبهم حجرا...فهم لا يفقهون.0
نحن المسلمون ما زلنا نقتل بعضنا بعضا من أجل تفسير نصوصا قرآنية...إختلفنا و أرقنا الدم من أجلها...!!!! وبعد هذا تطالبنا ايها المحترم بفهم روح أقوال السيد المسيح؟؟
إن هناك من الجهل ما يقتل...ونحن أمة مقتولة بجهلها و تخلفها و تشرذمها...فإلى جهنم مآوانا و بئس المصير...فهذا ما جناه أبي...وما جنيت أنا على أحد.0
إن محاولة نشر النور...في مجتمع العميان هو محاولة عبثية و تؤدي الى الجنون في معظم الحالات
لأن الأعمى...سيبقى أعمى حتى لو سلطَت على عينيه ملايين الفولتات الضوئية0
إحترامي للعقلاء في زمن الجهل


7 - الكراهية المتأصلة
nasha ( 2017 / 9 / 24 - 06:12 )
لا يعدو المقال الذي أشرت إليه يا استاذ طوني سوى حقد أعمى وقصر نظر مدفوع بكراهية عاطفية لا تمت للعقل باية صلة أنها كراهية متكلسة في عقل كاتب المقال منذ الطفولة . صاحب المقال مبرمج أساسا بالحقد والكراهية ضد كل ما هو مسيحي ولذلك عندما يكتب يكتب دون منطق لأن المفاهيم لديه مقلوبة فهو لا يقرأ ويستوعب النص كما هو وإنما يقرأ النص لأجل التنفيس عن الإحباط النفسي معتقدا انه يدافع عن هويته.
صدقني في أعماق نفسه يعرف أنه يكذب ويدلس ولكن لا يستطيع ألانفكاك من قيود الكراهية التي كبلته والتي تمنعه من التحرر والانطلاق في عالم الحرية الفكرية.
وكما يقال (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر)
تحياتي أستاذنا العزيز


8 - ماجدة منصور
طوني سماحة ( 2017 / 9 / 24 - 16:03 )
تحياتي استاذتي العزيزة ماجدة
لا شك ان هناك من الجهل ما يقتل وما نشهده اليوم على الساحة الاسلامية والعربية خير دليل على جهل الكثيرين منا. فليفتح الله عيوننا جميعا لكي نتعلم كيف يقبل واحدنا الآخر بحب واحترام ولكي ننبذ كل جهل وعداء وكراهية. أهلا بك.


9 - ناشا
طوني سماحة ( 2017 / 9 / 24 - 16:07 )
مرحبا اخي الحبيب ناشا
في اعماق كل واحد منا بوصلة تدل على الحق والخطأ، لكن لا شك ان هذه البوصلة شانها شان الضمير قد يتم احيانا خنقها لكي لا تقوم بعملها . صلاتنا للكثيرين ان يتحرروا من قيود الكراهية كيما تعود هذه البوصلة لعملها. سلامي لك

اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية