الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا ناهض

هشام غصيب

2017 / 9 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يا ناهض. أيها الصديق الصدوق. كان ينبغي أن نحتفي بك في أثناء حياتك، لا بعد مماتك. كان ينبغي أن نحتفي بتميزك وإبداعك، الذي رفع اسم الأردن عالياً في سماء العروبة، وبتحليلاتك الثاقبة وأسلوبك الرشيق المحكم الفريد من نوعه.
لكم كنت يا ناهض مظلوماً في حياتك حتى لحظة اغتيالك الآثم. فتغافل الوسط السياسي والثقافي الأردني عن تميزك وإبداعك ولم يروا في كتاباتك المشرقة سوى حراب تمزق ما اعتادوا علىه من حجب تستر عورات واقعهم المريض. أما أنت، فلم تكن تأبه للاحتفاء والتبجيل لذاتك الشخصية، وإنما كنت تعيش من أجل مشروعك الوطني وكنت لا تطلب أن يحتفى بذاتك، وإنما بمشروعك. ومن هذا المنظور، لطالما احتفيت بالآخرين، بعرار ووصفي وغالب هلسا وتيسير سبول وحسين الطراونة.
لم يكن يهمك يا ناهض سوى البوح بأوضح صورة ممكنة بالحقيقة كما توصلت إليها بجهدك النظري وتحليلاتك البارعة. كنت لا تستطيع أن تقاوم إغراء البوح الصريح بالحقيقة. وكنت لا تقيم اعتباراً لأي شيء أخر. فلم تكن تعنيك الشهرة ولا كنت تقيم اعتباراً لوقع كلماتك الحارقة على المتنفذين الذين كنت تعريهم وتزيل الحجب عن واقعهم المريض. لكن غالبية الناس لا يتحملون وهج الحقيقة وينقمون على من يبوح بها ومن يمزق حجبهم وسترهم. فتلك أفيونهم ومصدر راحة بالهم. أما أنت، فكنت تدرك ذلك جيداً، لكن إغراء البوح بالحقيقة كان طاغياً فتعرضت مراراً وتكراراً للأذى الجسدي والمعنوي حتى تمكنت يد الغدر الآثمة من اغتيالك. وبدلاً من أن يحتفوا بإبداعك الفريد، قتلوك واغتالوك. وبلغ الظلم مداه حين لفقوا لك تهمة لا تمت بصلة إليك وإلى مسيرتك الفكرية النضالية. وقاموا إثرها بحملة تشهير ظالمة كاذبة مهدت السبيل لاغتيالك الجبان.
ظُلمت كثيراً، لكنك لم تطلب يوماً الإنصاف لأنك كنت فدائياً ومشروع شهيد منذ بداية مسيرتك.
لقد كنت يا ناهض صلب الموقف والهدف، لكنك كنت مرن الفكر، بعكس كثير من القوى السياسية، التي تتسم بميوعة الموقف وتكلس الفكر. لقد كان هدفك ينبع من التراث التقدمي. إذ كنت تسعى إلى الاستقلال الوطني والتحرر والتنمية من أجل الغالبية الكادحة. كنت تسعى دوماً إلى مقارعة الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية. لكنك كنت مرناً في استعمال أدواتك الفكرية. فكنت لا تقصرها على تراث واحد، وإنما كنت مستعداً للجوء إلى تراثات متعددة. صحيح أن جل أدواتك كانت ماركسية، لكنك كنت مستعداً لأن تستمد بعض أدواتك من التراث الشعبي الأردني ومن التراث الخلدوني ومن فكر أنطون سعادة. المهم لديك كان الإنجاز على درب التغيير المطلوب. ولذلك لم تكل ولم تمل في سعيك الدؤوب إلى التجريب المتواصل. فإذا أوصلتك أدواتك إلى طريق مسدودة، سارعت إلى مراجعتها وإعادة النظر فيها وتعديلها بما يعيد الألق إليها ويفتح آفاق جديدة للتغيير. لم تكن تبغي الراحة ولم تنم وتربض على أفكارك، وإنما تحركت باستمرار من اجل فتح ثغرات في جسد الواقع المتكلس. وأساء فهمه الكثيرون، فظنوا أن هذا التجريب الدؤوب هو نوع من عدم الثبات في الموقف والهدف. لكن عقلهم السكوني حال دون فهمهم وتقديرهم لدينامية فكرك وفعلك.
لقد ظلمت يا ناهض في حياتك حتى الرمق الأخير. لكن ذلك لم يثنك عن إصرارك على نهجك ومشروعك الوطني، لأنك أبيت أن تذيب مشروعك في ذاتك، كما يفعل الكثيرون، وإنما أذبت ذاتك في مشروعك الوطني، لأنك كنت دائماً طالب شهادة، لا طالب تبجيل وتمجيد واحتفاء. كنت فريداً ونادراً في بيئة بليدة ترفض التميز والفرادة وتعشق ثقافة القطيع.
لقد رحلت يا ناهض تاركاً وراءك فراغاً مظلماً بارداً لا يملأ. يا للخسارة الفادحة. يا للخسارة الفادحة. ويا للعار. يا للعار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من اغتال ناهض
موفد زيدان ( 2017 / 9 / 25 - 13:02 )
من اغتال ناهض هو رئيس الوزراء الملقي الذي سارع يطلب إيقاع أقسى العقوبات بناهض


2 - (1) شكرا لك دكتور هشام ، فقد أنصفت رفيقنا ناهض
عاطف الكيلاني / الأردن ( 2017 / 9 / 26 - 00:32 )
الرحمة لروح فقيد الوطن والكادحين الشهيد ناهض حتر .
لقد أنصفت الشهيد أبا المعتزّ في الوقت الذي تنكّر له الكثيرون ممّن كنا نعتقد أنهم من الرفاق المخلصين لقضية الكادحين .
وأعني بذلك بعض الشيوعيين الذين اختطفوا الحزب وتاريخ الحزب ونضالات الحزب على مدى سبعة عقود .
لقد كنا معا اليوم ( الإثنين 25/9/2017 ) على قبر الشهيد في مسقط رأسه الفحيص البطلة لإحياء ذكرى استشهاده ورأينا ( كلانا ) ذلك الجمع الغفير من أبناء شعبنا ذوي الفكر التقدمي على تنوّعهم ، فمنهم المسيحي والمسلم والشيوعي والقومي والأردني والفلسطيني والجنوبي والشمالي ، ورأينا سماحة الشيخ مصطفى أبو رمان عندما أغمي عليه خلال إلقاءه كلمة على ضريح الشهيد من شدة تأثّره ... نعم ، هذا هو تأثير الشهيد ناهض على محبّيه ومريديه الكثر .
ناهض لم يكن يبحث عن زعامة أو عن مكسب شخصيّ ، بل لعلّي أزعم أنه كان متقشفا زاهدا ذا اتجاه أقرب إلى الصوفيّة والطهارة بمعناها الروحي العميق .
ولا أدري إن كنت أذيع سرّا إن قلت أنه كان متعلّقا بآل البيت ومتأثّرا بمظلوميّتهم ، بحيث أنه كان يحتفظ بقطعة من قماش مخمليّ ذي لون قرمزيّ داخل محفظته من ضريح الإمام عليّ .


3 - تكملة (2)
عاطف الكيلاني / الأردن ( 2017 / 9 / 26 - 00:38 )
هو أراني إياها وأخبرني عن تعلقه بآل البيت ، وعندما لاحظ استغرابي لذلك ، أخبرني بأن ما تعرّض له الإمام الحسين وآل بيته هو بالضبط ما تتعرض له الجماهير الكادحة في عصرنا هذا من ظلم واضطهاد على يد التحالف الطبقي الحاكم في البلدان العربية .
هذا هو الشهيد ناهض الإنسان والمناضل العنيد والشيوعي الملتزم والمفكر والكاتب والمبدع .
شكرا لك رفيقنا الدكتور هشام وشكرا لكل من تجشّم عناء الحضور إلى ضريح ناهض في الفحيص .

اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024