الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كركوك وتداعيات إستفتاء إقليم كردستان

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2017 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كركوك مدينة عراقية أصيلة يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة سكنتها أقوام متعددة الأعراق والأديان , حيث يقطنها العرب والكرد والتركمان والسريان من المسلمين والمسيحيين واليهود منذ أقدم الأزمان. هاجر إليها الكثير من العرب والكرد من مدن العراق الأخرى بعد اكتشاف النفط في منتصف عقد الثلاثينيات من القرن المنصرم طلبا للرزق. تقدر كمية المخزون الاحتياطي لحقول النفط في كركوك بأكثر من ( 10 ) مليار برميل بقدرة إنتاجية قدرها( 750 ) ألف برميل إلى مليون برميل يوميا.
يشير الإحصاء الرسمي الذي أجرته الحكومة العراقية عام 1957 إلى أن إجمالي سكان محافظة كركوك نحو (388,829 ) نسمة, بواقع (187,593 ) نسمة من الكرد , و( 109,620 ) نسمة من العرب , و(83,371) نسمة من التركمان , و(1,605 ) نسمة من السريان , و(123 ) نسمة من اليهود , و(6,545 ) نسمة من قوميات أخرى مختلفة . أي أن نسبة الكرد نحو (48%) من إجمالي سكان كركوك, ونسبة العرب نحو ( 28% ) , ونسبة التركمان (22% ) .
ضمت الحكومة العراقية في عقد السبعينيات ناحية (الزاب) والمناطق العربية القريبة من محافظة نينوى وصلاح الدين إلى محافظة كركوك, وبذلك إزداد عدد العرب في محافظة كركوك, وضمت بعض المناطق الكردية من محافظة كركوك إلى محافظة السلمانية ومحافظة أربيل, وضمت منطقة (سليمان بيك ينكجة الطوز) إلى محافظة صلاح الدين, وبذلك أصبحت التركيبة السكانية لمحافظة كركوك بحسب الإحصاء الرسمي الذي أجرته الحكومة العراقية عام 1977 كالآتي : العرب (218,755 ) نسمة بنسبة (45%) من إجمالي سكان المحافظة البالغ نحو (483,977 ) نسمة, والكرد (184,875 ) نسمة بنسبة (38%) , والتركمان (80,347) نسمة بنسبة (17%).
وبسبب سياسة التعريب التي إنتهجتها الحكومة العراقية بتشجيع السكان العرب من المحافظات الأخرى بالسكن في محافظة كركوك بتقديم بعض التسهيلات لهم بهدف تغيير التركيبة السكانية في المحافظة لصالح المكون العربي , فقد تغيرت هذه التركيبة فعلا بحيث أصبحت بحسب الإحصاء الرسمي لعام 1997 كالآتي : العرب (544,596 ) نسمة , والكرد (155,861 ) نسمة , والتركمان (50,099 ) نسمة , والسريان وسواهم (2,189 ) نسمة , وبذلك أصبح إجمالي سكان المحافظة (752,745) نسمة . يشكل العرب نسبة ( 72% ) من سكان محافظة كركوك، وينتشرون في قضاء (الحويجة) وقضاء (داقوق) وقضاء (الدبس) وناحية (الملتقى)، وقسم منهم داخل مدينة كركوك وقضاء كركوك, ويشكل الاكراد نسبة ( 21% ) من سكان المحافظة ويتواجد اغلبهم في مدينة كركوك, والتركمان نسبة ( 7%). كما قامت الحكومة العراقية عام 1979 بترحيل نحو (11 ) ألف عائلة كردية وافدة إلى مركز المدينة، وأكثرهم من الأكراد الذين قطنوا كركوك بعد عام 1957، أي أنهم مهاجرون من المناطق الكردية العراقية الاخرى كمحافظة السليمانية ومحافظة أربيل ومحافظة دهوك. ولم يتم ترحيل الكرد الذين لهم سجل نفوس في كركوك قبل عام1957 .
استغلت القوات الكردية الفوضى التي حصلت بعد سقوط النظام العراقي، وانهيار الدولة بعد غزو العراق وإحتلاله عام 2003، بفرض سيطرة ميليشياتها البيشمركة على محافظة كركوك، والقيام بحملات شعواء لمحاربة العسكريين والموظفين والعمال العرب بحجة محاربة البعثيين ودفعهم لترك المدينة هم وعوائلهم. وبنفس الوقت قامت بجلب الاكراد الذين هم من أصول سورية وتركية وإيرانية، ومنحهم وثائق مزورة على أنهم من سكان كركوك، والقيام بتشكيل حزام سكني أمني حول المحافظة، من خلال توزيع (100) ألف قطعة سكنية على أتباعهم , وتكوين أحياء كردية جديدة تحيط بالاحياء التركمانية والعربية من كل ناحية. استمرت الضغوط على السكان العرب من أجل إجبارهم على تركهم بيوتهم وقراهم ومناطقهم. كما تعرض شيوخ العشائر العرب للتنكيل والسجن والاعتقالات من قبل قوات الأمن الكردية والعراقية وقوات الإحتلال الأمريكي بحجة الارهاب.
مما تقدم يتضح جليا أن مدينة كركوك , مدينة متعددة الأقوام , تعرضت إلى إجراءات تطهير عرقي من قبل النظام السياسي السابق بهدف تعريبها , أي جعل أكثرية سكانها من العرب , وتعرضت في أعقاب غزو العراق وإحتلاله عام 2003 إلى إجراءات تطهير عرقي أشد قسوة وضراوة من سابقه بهدف تكريد المدينة ومحاولة إفراغها من سكانها العرب والتركمان أوفي الأقل تحجيم أعدادهم ,بحيث تكون هوية المدينة كردية ليسهل ضمها فيما بعد إلى إقليم كردستان من منطلق حق تقرير المصير, إستنادا إلى المادة ( 140 ) من الدستور التي تقضي بتطبيع أوضاع المدينة وإجراء إستفتاء لسكانها لتقرير مصيرها , بالبقاء ضمن المحافظات العراقية الغير مرتبطة بإقليم أو الإنضمام إلى إقليم كردستان . وبسبب تردي الأوضاع الأمنية في عموم أرجاء العراق لم يتم تنفيذ هذه المادة من قبل إدارة الإحتلال الأمريكي أو من قبل الحكومات العراقية اللاحقة.
وجدت حكومة إقليم كردستان العراق فرصتها الذهبية بإحتلال داعش لمدينة الموصل وثلث الأراضي العراقية وتقدمها نحو العاصمة بغداد وبعض محافظات وسط العراق في حزيران عام 2014 , الأمر الذي إضطر الحكومة العراقية لسحب قطعاتها العسكرية من محافظة كركوك ومدن أخرى لتعزيز دفاعاتها ضد العصابات الإرهابية. وبدلا من مؤازرة القوات العسكرية العراقية , قامت قوات البيشمركة والأسايش بإحتلال مدينة كركوك بأكملها والسيطرة على ثروتها النفطية وتصديرها لحساب الإقليم , فضلا عن سيطرتها على المناطق الأخرى المتنازع عليها بعد تخليصها من سيطرة داعش, وضمها إلى إقليم كردستان خلافا للدستور العراقي الذي لم تعد إدارة الإقليم تكترث به.
وهنا نقول يتوهم كثيرا من يعتقد أن ليّ الأذرع وفرض سياسة الأمر الواقع التي سنحت ظروف إستثنائية وشاذة معينة لتحقيقها , يمكن أن تحقق له أغراضه السياسية وتجلب له الأمن والإستقرار , إذ سرعان ما تتبدل الأحوال والمواقف وتنقلب الموازين بحسب المصالح الإقليمية والدولية . كما أنه لا يصح الإتكاء على قوى أجنبية لضمان المصالح الوطنية كما أثبتت الوقائع ذلك مرارا ومنها تجارب الكرد أنفسهم ,فالإتكاء على إسرائيل واللوبي الصهيوني الأمريكي لن يجدي نفعا . إن ما يضمن المصالح الوطنية , هو إعتماد سياسة وطنية متوازنة تراعى فيها مصلحة الشعب بمختلف قومياته وطوائفه, وعدم المساس بحقوق الآخرين وحل المشاكل بالحوار والتفاهم في ظروف آمنة ومستقرة , والإبتعاد عن أساليب التعنت والغطرسة.
ولعل ما يثير الدهشة والإستغراب هنا , هي أن قوى أحزاب الإسلام السياسي التي كانت حتى وقت قريب تطالب بإنشاء إقليم الوسط والجنوب , وسط إتهامات الأحزاب السياسية الأخرى لها بتقسيم العراق وتفتيته , هي من يدافع الآن عن وحدة العراق وصيانة حرمة أراضيه , بينما نلاحظ خفوت معظم الأصوات الأخرى تجاه قيام حكومة إقليم كردستان بإجراء إستفتاء إنفصال كردستان عن العراق , وبخاصة السياسيين الذين يتخذون من مدينة أربيل سكنا لعوائلهم , غير مكترثين بالأضرار الفادحة التي ستلحق بمناطق من إنتخبوهم لتمثيلهم في مجلس النواب العراقي أو في مجالس محافظاتها , جراء ضمها إلى إقليم كردستان. بينما راح البعض الآخر منهم يتحدث عن تأسيس إقليم آخر خاص بما أسموهم المحافظات الستة "المنتفضة" , وهم يقصدون بذلك محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك وبغداد , التي لم يشارك أيا منهم بأي جهد لتحريرها من العصابات الإرهابية التي عاثت فيها دمارا, ودمج هذا الإقليم بإقليم كردستان في إطار نظام كونفدرالي تحت زعامة مسعود برزاني من منطلق التوافق الطائفي العربي الكردي لهذه الكونفدرالية , وبذلك لم تعد هناك مشكلة طائفية لديهم أو مناطق متنازع عليها . بينما يتحدث فريق ثالث عن تقسيم العراق إلى ولايات متحدة دون أن يوضح كيفية إنشاء هذه الولايات وأسس تكوينها ومقوماتها. وهنا وكأنهم يتحدثون عن بلاد قيد التشكيل شاسعة ومترامية الأطراف تسكنها أقواما متعدد الأديان أو القوميات كالهند أو روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية , أو بلاد حديثة يراد تكوينها وليست بلاد موغلة في القدم عاش أهلها متعايشين آلاف السنين, ويحاول البعض الآخر تبرير إنفصال اقليم كردستان بإلقاء اللوم على الحكومة المركزية وكأن مشروع تأسيس الدولة الكردية وليد الظروف والأحداث الراهنة , وليس حلم كردي يسعى الكرد تحقيقه منذ زمن طويل . إن ما يعانيه العراق اليوم هو تفشي الفساد وتسلط حكام فاشلين لا يفقهون في السياسة والإدارة شيئا , وهم يسرحون ويمرحون دون رقيب أو حسيب, فأضاعوا بذلك البلاد والعباد.
ويلاحظ بأسف غياب أصوات القوى الوطنية المدنية عن مسرح الأحداث إذ لا يكاد يسمع لها صوت في موضوع إستفتاء إستقلال كردستان , أو تحديد مصير المناطق التي يطلق عليها " المناطق المتنازع عليها ", وإن تحدث البعض منهم فإنه يتحدث بإستحياء, وبعض هؤلاء ما زالوا يتبؤون مواقع قيادية في الدولة العراقية .
وخلاصة القول أن قادة إقليم كردستان قد أخطأوا الحسابات بقيامهم بإجراء الإستفتاء في منطقة كردستان من جانب واحد خلافا للدستور العراقي الذي ساهموا بفاعلية بصياغته وإقراره , وعدم إمتثالهم لقرار المحكمة الإتحادية بهذا الصدد , فضلا عن إستيلائهم على "المناطق المتنازع عليها " بالقوة وضمها إلى الإقليم , مما يجعل من هذه المناطق بؤر صراعات دامية بين سكانها من جهة , وبين الإقليم والحكومة الإتحادية من جهة أخرى , وبخاصة أن لهؤلاء السكان إمتداداتهم داخل العراق وخارجه مما يفتح الباب واسعا لمداخلات خارجية. كما لم يحض الإستفتاء بأي تأييد دولي على الإطلاق بإستثناء إسرائيل التي يأتي تأييدها ليس حبا بالكرد بل نكاية بالعرب ورغبة بزعزعة الأمن القومي والإقليمي. كان على القادة الكرد الوقوف على رأي دول الجوار حول نيتهم إجراء إنفصالهم عن العراق لما لذلك من تداعيات على تلك الدول . وقبل هذا وذاك كان عليهم تصفية الخلافات فيما بينهم من جهة حول رئاسة الإقليم وطبيعة نظامه السياسي وكيفية التصرف بموارده , وعلاقة الإقليم بالحكومة الإتحادية حاضرا ومستقبلا , وتحديد حدود الإقليم وعدم التصرف من جانب واحد بعائدية المناطق المتنازع عليها من جهة أخرى . وكان لابد إستحصال موافقة مجلس النواب وإجراء الإستفتاء بقانون وتنظيمه من قبل الحكومة المركزية وحكومة الإقليم تحت إشراف دولي منعا للتلاعب بنتائجه لصالح هذه الجهة أو تلك.
لاشك أن ضعف الحكومة العراقية وفسادها , وتدهور الحالة الأمنية في معظم أنحاء العراق , وتردي الخدمات وإنعدام فرص العمل , قد أغرت قادة إقليم كردستان أن الفرصة قد باتت سانحة أمامهم لإعلان دولتهم المنشودة , وربما بتواطئ بعض الكتل السياسية ممن تناصب الحكومة العداء لسبب أو لآخر ,سواء المنضوية منها في التشكيلة الحكومية أو الخارجة عنها , دون أن تعي هذه الكتل أن الحكومات زائلة وأن الأوطان وحدها هي الباقية , فضياع وطن أو جزء منه لا تعوضه أية مغانم سياسية, وربما قد إستشعر قادة الإقليم رضا أو في الأقل عدم معارضة حكومات بعض الدول العربية قيام دولة كردستان بهدف إضعاف العراق, وليس من منطلق حق الكرد بتقرير مصيرهم كما يحلو لبعض وسائل إعلامها ترويج ذلك.
إن ما يحتاجه العراق اليوم هو الحكم الراشد القائم على العدل والمساواة وإحترام حقوق الإنسان بصرف النظر عن قوميته ودينه ومذهبه , وحرية الفكر والمعتقد والتداول السلمي للسلطة, والتعايش السلمي وعلاقات حسن الجوار على أساس المنافع والمصالح المشتركة وعدم التدخل بشؤونها , والإبتعاد عن بؤر الصراعات الإقليمية والدولية حيث لا ناقة للعراق فيها ولا جمل. وهذا يتطلب في المقام الأول إصلاح النظام السياسي القائم حاليا في العراق , بإجتثاث الفساد والفاسدين, وإعداد دستور مدني يضمن حقوق جميع العراقيين على حد سواء بعيدا عن الإقصاء والتهميش ومصادرة الحريات, وإسدال الستار على الماضي ومآسيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إيران لإسرائيل: كيف غيرت قواعد اللعبة؟| بتوقيت برلين


.. أسو تخسر التحدي وجلال عمارة يعاقبها ????




.. إسرائيل تستهدف أرجاء قطاع غزة بعشرات الغارات الجوية والقصف ا


.. إيران قد تراجع -عقيدتها النووية- في ظل التهديدات الإسرائيلية




.. هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام