الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسانيون الجدد

مضر الحوراني

2017 / 9 / 30
المجتمع المدني


كثير من الناس وخصوصاً من فئة الشباب يتغنون ويتمسكون بما يسمونه ب "الإنسانية" بمحاولة منهم للتمييز عن البيئة المحيطة بالإنسان والكائنات الحية الأخرى التي تتميز بغرائزيتها التي تسعى إليها بشكل "أعمى" يفتقد للتهذيب الذي يتمتع به الإنسان في تطويعه لمحيطه.
وينطلق أغلب هؤلاء من منطلقات مثالية جمالية حيث يسعوون إلى المساواة وإلى العدالة وعدم التفرقة ومحاربة الجريمة والعنصرية وحتى الدعوة إلى الحميات الغذائية النباتية وعدم أكل اللحوم وحقوق الحيوان و الدفاع عن حقوق المثليين وحرياتهم وحرية الصحافة و الدفاع عن حقوق الانسان وحرية الأديان والدعوة لحرية التجارة والسوق...إلخ
هذه الإدعاءات الإنسانية ماهي إلا وجه من أوجه الليبرالية أو (التحررية) العديدة والمتنوعة في بعدها الظاهر (الإجتماعي والسياسي) الذي يبطن الجوهر والهدف الحقيقي لها وهو حرية النشاط الإقتصادي وإبعاد الدولة عنه بما تشكله من أطر تقيّد الحركة الحرة للسوق وذلك عن طريق العديد من الادوات القانونية والسياسية والإقتصادية.
قد يعترض الكثيرون على هذا الأمر وقد يقولون (أبعدنا عن التصنيفات) فنحن (إنسانيون) بتجرد ولا نتبع السياسة حتى إننا نكرهها فهي سبب كل مايحصل الآن في العالم من مآس وحروب ومجاعات.
لكن إذا كنتم تدعون إلى الإنسانية بعيداً عن السياسة وبعيداً عن توجهاتها ومعمعتها ونتائجها الإقتصادية فحتماً انتم تقصدون الإنسانية ببعد ومنهج مختلف وهو المنهج الذي يميزنا كما يدعي أصحابها عن الحيوانات في البيئة المحيطة بنا.
فالحيوانات المفترسة لا تملك مسالخ ومعامل لتصنيع اللحوم وذبح المواشي والدواجن فهي هنا تفتقد ل "الإنسانية".
والحيوانات العاشبة لاتملتك المزارع والمصانع الخاصة بالمعلبات فهي هنا أيضاً تفتقر للإنسانية.
والطيور تجمع الأعشاب والاغصان لبناء أعشاشها ولا تمتلك معامل ومناجم خاصة لانتاج الإسمنت والحديد وغيرهم من مواد البناء، كما أنها لا تمتلك القدرات العقلية والمعلومات الكافية لإنتاج ما نسميه بالمخططات الهندسية فهي تفتقر للإنسانية.
يمكننا من خلال ما تم ذكره استنتاج المعنى الواقعي والأكثر دقة للإنسانية فيمكننا أن نلخصها بما يلي "القدرة على تطويع البيئة والمحيط بشكل (واعي) وأكثر انتاجية ودقة من بقية الكائنات الحية على سطح هذا الكوكب، بما يخدم مصالح الإنسان ويشبع غرائزه ويحميه من قسوة البيئة وأعدائه الطبيعيين"
أما ما يكثر تداوله خصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي لايعدو كونه مجموعة من الشعارات والعناوين العامة والمثالية والسياسية في جوهرها و التي تم قولبتها تحت عنوان واسع شامل (الإنسانية) لتحتكرها وتعتبر كل ما سواها عبارة عن أفعال غير إنسانية (وحشية وبربرية ومتخلفة وحيوانية و و و..إلخ).
ماهي الإنسانية؟ هل هي مساعدة الضعيف؟ هل هي محاربة العنصرية؟ هل هي محاربة التمييز؟ هي العدالة والمساواة؟
حقيقة كل هذه الأمور هي الصفات المعاكسة تماماً للإنسانية فالإنسانية هي مانحن عليه وما أنتجه التطور البيولوجي والإجتماعي على مر العصور ومن ضمنها العنصرية والتمييز والقتل و و و..إلخ من أفعال الضد لمن يدعون لمذهبهم الإنساني.
مافعله وما يفعله التطور على كافة الأصعدة هو تهذيب الطرق التي يسعى بها الإنسان إلى البقاء واشباع حاجاته الرئيسية ومن هذه الطرق الحرب والقتل والقانون والتعاون و و و..إلخ من أساليب وطرق نستخدمها ونسعى إلى تطويرها وتحسينها على مر العصور.
لكن مايدعو إليه الإنسانيون الجدد هو رمي كل هذا في القمامة والتقاط البعض منه بانتقائية عمياء عشوائية تهدف إلى بناء العالم المثالي الذي يحلمون به ويتخيلونه.
وهم غالباً ما يدعون ويسعون إلى ذلك بشتى الأساليب والطرق التي يدّعون محاربتها فها هنا ما يسمى بميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هذا الميثاق المثالي والذي يسعى لتحقيق العدالة والإنصاف بين الناس بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ودينهم وانتماءاتهم القومية والوطنية،
هذا الميثاق تسعى الأمم المتحدة إلى تطبيقه من بين الأهداف التي أنشئت الأمم المتحدة لأجلها لكن هل نرى سوى الحروب والنزاعات والصراعات التي تحدث تحت اسمه وعنوانه؟
هذه سوريا أمامنا فهنا من يقتل باسم الحرية والديموقراطية والعدالة وفي الطرف المقابل يقتل باسم الوطن وتحرير الأرض من المحتل.
إن الحروب والمجاعات والقتل والتدميرتحدث باسم الإنسانية أو تحت عناوين تتفرع عنها (الديموقراطية و الحرية و و..إلخ) إن الإنسان يكرر أخطاءه ولا يتعلم منها،إنه فقط يغير العناوين التي يحارب ويقتل ويدمر تحتها، تارة باسم الدين والله وتارة باسم الوطن وأخيراً وليس آخراً باسم الإنسانية.
هذا إن دل على شيء فإنه يدل على أننا باقون على ما جُبلنا وتطورنا عليه ولن يغيره أسلوب أو عنوان معين نعمل به،البقاء والإستمرار هي الغايات الأسمى فلا نفع لإنسانية أمام بركان ثائر ولا نفع لها أمام جحافل تهاجم ولا حتى أمام إنسان جائع.
فإذا كان العدل هو طريقنا للإستمرار والإزدهار فمرحباً به، ومرحباً بكل ما يساعدنا على ذلك مهما بدا لك ولغيرك غير انساني أو بربري أو متوحش.
أما إذا كنت تدعو إلى مذهب سياسي تحت هذا المسمى وتحتكره، فهذا موضوع آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟