الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام و التغيير

محمد مجدى عبدالهادى

2006 / 2 / 16
الصحافة والاعلام


عندما يطرح سؤال الاعلام ، فلا يمكن ان تكون محايدا ، فأنت اما مع -بشروط او بدون شروط- و اما ضد
فالاعلام اذا ما غضضنا الطرف عن تقنياته -رغم اثرها الهام- هو دائما ذو مضمون ايديولوجى -فرسالة ما ،من مرسل ما ،الى مستقبل ما،فى ظرف اجتماعى ما ،هى بالضرورة ذات هدف ، يحدده المرسل فى ضوء الظرف الاجتماعى بعامة ، و مصالحه و توجهاته بخاصة
و اذا كان الاعلام ذى مضمون ايديولوجى ، فهو بالضرورة ذو توجه سياسى محدد ، و بعد اجتماعى معين
و اذا كان الأمر كذلك ، فان المضمون الاعلامى يتنوع و يتلون و يتناقض ، بقدر تنوع وتلون و تناقض ،مكونات البنية الاجتماعية ،و قوى الشارع السياسى ، و الأفكار المتداولة ، و هو يعكس كذلك علاقات القوى بينها
و عندما يكون التغيير هو الهم الأكبر لأمة ، فلابد للمهمومين بهذا التغيير ، أن يجيبوا على كل سؤال من منظور هذا التغيير ، و لا شك فى أن سؤال الاعلام هو أحد أهم هذه الاسئلة
لهذا ستختص مداخلتى بالحديث عن واقع لاعلام العربى فى معركة التغيير ، سواء فى حاضره الحدود او مستقبله المنشود
الناظر فى ساحتنا الاعلامية ،سيراها تتوزع بين اربع ساحات فرعية ، هى :
1-ساحة الاعلام الحكومى ، المسمى كذبا بالقومى ،و هو بطبيعة الحال ،و بحكم الاستبداد الذى نعيش فى ظلماته ، يخدم الأنظمة الحاكمة ، و يؤدى دورا رجعيا ، كما يفتقد الى المصداقية عموما ، و ان كان يمارس تأثيرا مهما على الجماهير
2-ساحة الاعلام التجارى ، و هى التابعة للقطاع الخاص الهادف للربح ، و هو يلعب دوره تبعا لمصالحه ، و لتوجهات المسيطرين عليه ، و على أساس هذا تتحدد مواقفه من النظم القائمة ، أما الفنون التى يروج لها ، و التى يعتبر الاسفاف سمتا لها ،فهى تلعب دورها التخريبى المنشود فى تخدير وعى الجماهير ، و تزييف وعيها ، اضافة الى الدعم غير المقصود للسلفيين ؛ و لهذا فهذه الساحة تلعب بصفة عامة دورا رجعيا
3-ساحة الاعلام السلفى ، و هى ساحة واسعة وكبيرة ، تمارس معارضة ما للنظم القائمة ، و ان كانت تروج لمضمون سياسى رجعى ، و تنبع خطورتها من كونها تتمتع بمصداقية و فاعلبة كبيرتين
4-ساحة الاعلام التقدمى ، و هى تضم كل المنابر و الأدوار الاعلامية التى تتبناها التيارات التقدمية عموما ، من القوميين الديموقراطيين ، و الاسلاميين المستنيرين ، و العلمانيين التقدميين ، و هى أصغر الساحات الاعلامية جميعا ، و أضعفها تأثيرا ، حتى اللحظة الراهنة
و المدقق فى الساحات السابقة ، سيلاحظ حتما ترتيبها تنازليا من حيث القوة و الانتشار ، مع ملاحظة عدم اختلاف الساحتين الأوليين من حيث الاتجاه العام
و اذا كانت الساحتين الأوليين تلعبان دورا رجعيا واضحا و مباشرا ، تعيه الجماهير بصور متفاوتة ، و أشكال مختلفة ، و اذا كانت الساحة السلفية تلعب دورا رجعيا بصفة عامة ، كما أن التغيير الذى تنشده ، ليس هو التغيير الذى نتمناه ، فان الساحة الأخيرة -ساحة الاعلام التقدمى- هى وحدها التى يقع على كاهلها عبء التغيير ، فهى حاملة لواءه ، و قاطرة طليعته الى الجماهير
و هذا هو ما يحتم الاهتمام بهذه الساحة ، و انعام النظر فيها
و اذا فعلنا هذا لاحظنا -كما سبق أن ذكرنا- أن هذه الساحة هى أضعف الساحات الاعلامية تأثيرا ، و اذا كان صغر حجمها أمر مقبول بحكم ضعف الامكانات ، فان ضعف التأثير أمر غير مقبول بالمرة ؛ لأنه يعنى ضياع الأمل فى التغيير ذاته ، أو و هو الأسوأ ، ترك الأرض واسعة لليمين الدينى الرجعى ، ليقوم هو بالتغيير ، و لكن للأسوأ ، التغيير للخلف ، بشعاره الأزلى "لليمين در"
لهذا فعلينا دراسة أسباب ضعف الاعلام التقدمى ، دراسة شاملة ، تشارك فيها كل القوى المعنية بمستقبل هذه الأمة ، انطلاقا من وعيها بالدور الهام للأعلام فى عملية التغيير ،فقبل أقل من قرن قال لينين : أعطنى جريدة ، أعطك ثورة
و من جانبى هنا فلن أتناول الا بعض الأسباب ، التى أراها الأكثر أهمية و محورية ، كاشارات عامة ، تمثل مدخلا لمعرفة أسباب المشكلة ، و التى عن طريق معرفتها ، يمكن استخلاص نتائج نبنى عليها فى حل المشكلة ، و تجاوز الواقع المرير :
أول الأسباب هو ضعف الامكانات ، و يتضح ذلك بصفة خاصة اذا ما تمت المقارنة مع الساحات الأخرى ، و هو أمر طبيعى ، و لايجوز اتخاذه ذريعة لضعف قوى التغيير ، فدائما ما كانت القوى الطليعية قليلة الزاد ، فهى سمة عامة لها ، كما أن الأهم ليس الحجم ، بل الفاعلية
ثانى الأسباب ، هو ضعف التنسيق بين القوى و المنابر التقدمية ، و هو بطبيعة الحال يغذى الضعف الأول ، و يعزز آثاره ، فيجب على قوى التقدم محاولة التنسيق من أجل سياسة اعلامية -ضمن السياسات الكفاحية الخرى- موحدة ، و التغاضى مؤقتا و بصورة جزئية عن خلافاتها الصغيرة و الكبيرة ، و التى تدور فى الغالب حول مسائل لا علاقة لها بالحاضر الآنى أو بالمستقبل القريب ، بل ربما دارت فى بعض الأحيان بسبب خلافات و ثارات سياسية و تنظيمية ، بل و أحيانا شخصيةأ
سبب ثالث ، هو الافتقاد لاستراتيجية واضحة ، يمكن من خلالها توصيل الرسائل المطلوبة للجماهير ، بل يتم العمل بصورة عشوائية ، غير مخططة ، تضر و لاتنفع ، و تقود بالضرورة للانعزال عن الجماهير ، التى لا تتجاوب و الرسائل الاعلامية للساحة التقدمية ، بل ربما استهجنتها
هذه هى الأسباب العامة لضعف الاعلام التقدمى الطليعى من وجهة نظرى ، و التى أراها متشابكة متضافرة العمل ، بحيث أنه لا يجوز التعامل مع سبب دون التعاطى مع باقى الأسباب ، التى تربطها بها علاقة جدلية ، فلا شك فى ان عدم التنسيق بين قوى الاعلام الطليعى يقلل من تأثيرها ، بتفتيته و تشتيته لهذه القوى ، التى لا تستطيع أى منها منفردة التصدى لقوى الرجعية ، اضافة الى أن عملها منفردة ،و عدم التنسيق بينها ، يدفع كل منها للعمل وفق استراتيجية خاصة به -هذا اذا افترضنا ان لدى بعضها استراتيجية ما- و هو ما يؤول فى النهاية لعدم الفاعلية و عدم الكفاءة للاعلام التقدمى ككتلة عامة ، حيث يفتقد للمصداقية أمام الجماهير ، و للقوة أمام الرجعية ، التى تجيد استغلال الخلافات و التناقضات الداخلية للكتلة الطليعية ؛ لضرب قواها و فرقها ببعضها البعض
و هكذا ، فان أزمة الاعلام الطليعى انما هى جزء من أزمة القوى الطليعية ذاتها ، بل هى تعبير عنها ، كما أنها سبب لها ، فيجب على هذه القوى أن تفهم أن الاعلام هو قاطرة التغيير ، فبه يبدأ ، و عليه يستند ، كما أن عليها أن تعى أن الخطوة الأولى و الحاسمة لاصلاح أداتها الاعلامية ، هى التنسيق من أجل الالتزام باستراتيجية ملائمة و موحدة ، تعزز قوتها فى مواجهة الخصوم ، و مصداقيتها أمام الجماهير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة


.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي




.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل


.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق




.. جبهات روسية أوكرانية مشتعلة.. ومساعدات بريطانية عسكرية بالطر