الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض *كأنك تراه* عندما تواجه مرآة إيمانك!

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)

2017 / 10 / 1
الادب والفن


عرض كأنك تراه هو طاقة روحية مُقدَمَه فنيا فى صورة غنائية تمثيلية .. تحمل تساؤلات فى باطن اجابات .. اجابات على حيرة حول كيفية التعامل والتواصل الانسانى الاجتماعى .. فى زمن أصبح توجه التدين فيه باباً خلفياً للمتملقين والزائفين ليدخلوا منه متحججين بعتباتٍ حملت ظهورهم إلى الناس وهى أطهر وانقى من أن تقود تلونهم .. ولقد أصبح هذا التلون سمة غارق فيها المجتمع عامة بمختلف خلفياته .. وبين طيات هذه الاجابات المُساعِدَه .. أسئلة محيرة .. تجعل كل نفس فى مهب ريح من أسئلة فى غاية الشخصية .. تعصف بركود ضمير مستتب راضٍ بواقع أخطاؤه وضعفاته ورياؤه.

ماذا لو كنت تراه؟!
*************

كأنك تراه عرض له صبغة دينية اسلامية .. يضع خيال المُشاِهد ذو نفس الصبغة الايمانية فى مشهد روحى عَبر الزمن ليتخطى محدودية اللحظة التى يعيشها .. ليناقش تصرفاته وافكاره وافعاله الدينية والاجتماعية فى محضر الرسول محمد (ص).

حتى يجد نفسه فى اطار حالة اختبارية للذات متفردة الخصوصية .. والتى أراها بالرغم من خصوصية التوجيه المباشر .. إلا أنها تشمل اى شخص من اى خلفية دينية أخرى .. جالس فى قاعة العرض بشكل وتستهدفه بشكل غير مباشر .. حيث يجعلك العرض فى مواجهة مباشرة أمام مرآة ايمانك الخاص .. حيث يحدثك بصورة مباشرة عن الدين الاسلامى .. بينما قدرة أمواج الفن على المد داخل الاذهان والعواطف اقتدرت أن تلامس برمزياتها نفوس من تواجدوا فى ساحة التقديم .. ليكتشفوا أن التأثير الرمزى يتسع لتفاعل أعم للحضور من مختلف الأديان ... فيوجه العمل إلى نفسك ذات الرسالة إنما محملة برمزيات أخرى فى روحك أنت ..

فتجد نفسك أيا كان انتمائك الدينى محل هذا الاختبار الروحي فى معناه الاكثر شمولا ورمزيته الأوسع اشارة.

وأرى أن هذا ما يعضد هدف العرض المجتمعى الشمولى فى بعض نقاطه والذى لا يتمثل فقط فى دمجه لقضايا تخص سلوكيات اجتماعية ودينية عن معاملة المسلمين مع المسيحيين وانما أيضا فى هذه النقطة التى ينفذ منها الاتساع التأثيرى للعمل.

فأنت الأن فى مواجة مباشرة مع مرآة ايمانك
مع نبيك وأعلى قدوة تتبعها فى دينك
وأنت تعلم وتتعلم كيف كان يتصرف ويتعامل فى نفس موقفك
ماذا أنت فاعل؟ وبماذا أنت تفكر؟
هل أنت مُطابق كمن فى مرآة أم أنت زائف تتستر وراء كلمات وتتحايل على معانى آيات
ويُطالِب "كأنك تراه" بمصداقية النفس مع الروح ومصداقية الذات مع الله والرسول والآخر.

عودة إلى روح المسرح الغنائي
************************

ولقد كان من المميز استخدام الاناشيد كعنصر درامى هام لتوصيل تعليم روحانى وتقويم سلوك انسانى .. بالإضافة إلى كونه نافذة للتعبير عن شعور النفس والروح فى العمل .. فتقديم هدف العرض فى قالب من المسرح الغنائي كان لإختيار صائب لصب فكرة العمل فيه .. لما فى الأناشيد الدينية من سطوة على النفس والروح .. وعزز هدف هذا الاختيار ما حملته كتابة من رسائل تعليمية تمس الواقع بكل وضوح وَرِّقة لتغيير مفاهيم مغلوطة أصبحت متفاعلة فينا فى حياتنا الاجتماعية كالإعصار بصورة مفزعة .. ولقد ساعَدَتها الألحان المصرية القريبة من التكوين النفسي للحضور .. فعملت على تشرُّب نفوسهم لهذه القيم بقوة وسرعة تأثر .. حيث تعلّقها بالأذن والأذهان .. مُصافِحَة للروح بما تحمله من سلام ومنطقية تسلسل .. كلاميا ولحنيا.

ولقد تشبَّع العرض بهذه الروح المصرية .. بشكل خاص فى ألحانه وتعبيرات مصطلحات الأناشيد الدينية فيه .. والتى تميزت جدا فى نغماتها المبهجة والمؤثرة على حد سواء.

وتخلل تلك الأناشيد بعض المشاهد الدرامية المُعبِّرة عن التطبيقات المطابقة لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن بها.

كما تنوع فيه الأداء التمثيلى بين الدرامى والكوميدى .. وكان الخط الكوميدى موَفَقا بشدة وقُدِّم برشاقة أدائية بعيدا عن الإفتعال أو الإقحام.

وتميز العمل بتضافر عناصره المختلفة .. من كوميديا وتراجيديا ودراما .. وأداء تمثيلى وغنائي .. ومواقف تاريخية وواقعية وروحية واجتماعية .. بإنسيابية تَنَقُل وتفاعلات .. ومُضفره بتلقائية فى الأداء.

وفيه تجد أن الممثلون والمغنون تشاركوا معا فى حمل بصمة خاصة من التفاعل مع قيمة وهدف العرض .. وظهر ذلك فى التعبيرات التمثيلية والغنائية بما تحويه من انفعالات وملامح مُثابِرة على توصيل الطاقة الداخلية الخاصة بكل منهم .. المنفعلة بإيمان وشغف بما تقدمه من جملة ولحن إلى خارجها من محيط الممثلين والجمهور على حدٍ سواء .. فلقد كانت طاقة متناقلة فيما بينهم وتغذى بعضهم البعض للإشتعال بالتعبير.

وربما كان العرض سيصل لأفاق ابداعية أكثر اختلافا لو كان تحرر من قالب المُعَالَجة الفنية التعليمية .. ذات طابع استحضار شخصية تاريخية تتحاور مع شخصيات من الواقع وإلى الجمهور متحدثة عن تعاليم مباشرة وغير مباشرة ..

بينما كان الإختيار لتجسيد شخصية "أويس القرنى" غنيّ بالتميز والخصوصية الرمزية فى معانى روحية عميقة تُثرى هدف العرض وتُعَبِر عنه بدقة صافية.

التشكيل الصوتى والجسدى
*********************

وكان من أبرز بصمات الإخراج هو قيادة تشكيل وتكوين الكورال للمنشدين .. فتشاهد ابداعهم المتسق فيما بينهم وداخل العمل الدرامى .. كأنهم كتلة لا تتجزأ عن بعضها .. وهم مجموعة من المواهب المتألقة فى الاداء الصوتى والشعورى .. ولقد تنوع هذا التشكيل بين فتيان وفتيات وفئات عمرية مختلفة .. وشاركهم اطفال أيضا .. وكان لكل منهم توظيف سليم لإمكانيات صوته ولصدق ملامح وجهه وفئته العمرية فى الحالة التى عبَّر عنها .. ومن الجدير بالذكر هنا أن الكثير من المشاركين منهم كانت تلك هى المرة الأولى له للمشاركة فى عمل مسرحى.

وتَصَاعَد هذا التناغم التشكيلى حتى وصل إلى ذروته فى مشهد النهاية .. وظل فى تصاعده حتى الختام .. حيث كان لمشهد النهاية النصيب الأكبر فى التاثير واستعراض القدرة الإخراجية على استخدام تشكيل ابطال العمل ككل من ممثلين ومنشدين على مستوى الصوت والتجسيد الدرامى ... وذلك بعمل انشقاق فى مجموع المؤديين بين تكتل كامل لهم ضد فرد واحد منهم وهو الارهابي .. مواجهينه بإنشاد يرد على تضلليله للمعانى وضلاله المَعني توجيهه فى كلمات وأنغام هذا الانشاد .. وكان الإنفجار الذى حدث هو إنفجار معرفى فى وجهه منهم وليس إنفجار ناسف منه لهم .. وكان هذا هو تمثيل للطاقة الحقيقية المسيطرة بحق فى الموقف ... او ما يجب أن يكون!! ... وهى تلك الطاقة التى بإمكانها جرف هذا الإعياء الفكرى والروحى بعيدا عن وطننا .. بإتحاد جميع أطياف الشعب .. ولكن بتأكيد واضح على مدى المسئولية الأولى المتمثلة فى التوعية الدينية ... والتى ظلَّت تواجه هذا الشخص وتطارده حتى رذلته بعيدا ودفعته إلى الهروب .. فجاءت مقاومة الارهاب بالتوعية الدينية أولاً والإتحاد الشعبي ثانياً.

وقد تم الرمزية لهذا المنهج التغييرى والحل القاطع لحسم هذا التخبط الفكرى وتحريف المعانى الحقيقية فى المفاهيم الدينية لدى المتطرفين .. بمطاردة هذا المتطرف بالإنشاد الأخير الذى يحمل المعنى الحق لهتاف "الله اكبر" .. والذى تم الحشد فيه بين المؤديين سواسية بما تحويه الرمزية فى اختلافهم من تنوع لفئات الشعب .. حيث وَاجَهَه الانشاد بتدرج فى الإنفعال وطبقات الموسيقى حتى قمة ارتفاع مستوى النغمة فيها .. مع الإحتشاد فيما بينهم جميعا .. بنظرة ثاقبة تتحداه بقوة حُجتها وأمر الحق فى صدقها .. فكانت نظرات عيون هذا الحشد جنبا إلى جنب مُشكِلَة لتكوين تعبيرى غاية فى الروعة وكأنها قطع موزاييك معشقة تعشيقا لتكون لوحة خاصة من معانى التواصل بالأعين .. وهذا مع ترتيب الانفعال التصاعدى مع الغناء الذى عبَّر بشكل قاطع عن مدى قوة فاعلية سلاح التنوير فى ايدى من هم متحدين! .. حيث تتولد عندئذ شجاعة تكون سور حماية للوطن ... والوطن ليس بمعناه الخارجى الارضى فقط انما الوطن الداخلى بما يحويه من إيمان وانسانية وضمير .. لتجد نفسك أمام رسالة فنية تقول أن من يدافع عن الصورة الصادقة للدين بداخله أولاً .. من ثَم يتمكن من دفاعه عن وطن ينتمى إليه وعن انسانية الشركة مع أخرين.

وأخيرا أود أن أشير إلى معنى يزدهر فى هذا العمل
وهو خصوصية الفن فى القدرة على التوغل داخل النفوس بسرعة وتأثير أكثر جودة من وسائل اخرى كثيرة .. عند الإحتياج لتوصيل نفس الهدف .. أهمية الفن المحرض على الحب ونشر السلام داخل النفس وبين الناس الصارخ بإبداع لرفض العنصرية بمزج فنون وتقديم مبدعين فى صور مختلفة تدخل إلى اعماق النفس ناشرة رسالة المحبة والتوعية بصورة اكثر سلاسة من الطرق التقليدية لنشر التوعية بين الطبقات المختلفة للمجتمع على المستوى الثقافى والاجتماعى وبمختلف طوائفه الدينية.

واتمنى أن يكون هناك المزيد من هذه الأعمال الفنية التوعوية دينيا واجتماعيا .. والتى تبحث عن الصدق داخل الإنسان .. وعن توفير استعراض لمساحات مشتركة بين الأديان أكثر اتساعا فى نطاق أهدافها.

" كأنك تراه" تأليف: نسمة سمير .. موسيقى والحان محمد عزت .. ديكور وملابس مى نبيل .. اشعار محمد بهجت .. بطولة: محمد يونس .. ماهر محمود .. علاء النقيب .. سامح فكري .. مصطفى سامي .. أمنية حسن .. سلمى هشام .. الطفلة إنجي إيهاب .. ومجموعة من المنشدين، العرض من إخراج ماهر محمود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله