الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرصدة كردستان المالية في الخارج: من أين لك هذا؟

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



الخبر مر مرور الكرام ولم يثر أي ضجة رغم أنه يعتبر فضيحة بكل المقاييس لحكومة إقليم كردستان ورئيس الإقليم مسعود برزاني. فقد أعلنت صحيفة تركية أن الحكومة التركية قامت بتجميد أرصدة الإقليم المالية في تركيا. لكن الرقم المعلن عن حجم هذه الودائع يثير تساؤلات كثيرة عن مصادر هذه الأموال وعلاقتها بالفساد المستشري في كردستان العراق مثلها مثل غيرها من مناطق البلاد المبتلية بهذا الوباء. فالصحيفة المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة تتحدث عن تجميد أرصدة بقيمة 15 مليار دولار!! وهو مبلغ لا يمكن التهوين من شأنه في ظل الضائفة التي عاني منها الشعب الكردي في السنوات الأخيرة.
لكن ما يثير الاستغراب أكثر هو رد الفعل الرسمي لقيادة الاقليم. فقد نفى سكرتير مجلس وزراء إقليم كردستان آمانج رحيم قبل يومين خبر تجميد تركيا لعائدات تصدير النفط عبر تركيا وقال خلال جلسة لبرلمان كردستان إنه "لا صحة للأنباء التي تحدثت عن تجميد أنقرة أرصدة الإقليم لديها البالغة 15 مليار دولار". وهذا يعني أن القيادة الكردية تقر رسميا بوجود هذه الارصدة دون أن تذكر تفاصيل أخرى.
لم ينتشر هذا الخبر عبر مواقع الاتصال الاجتماعي أو نشرته مواقع غير معروفة كما يحدث كثيرا مع أخبار الفساد في العراق والتي تختلط فيها الحقيقة بالخيال والحرص على مكافحة الفساد بالتهم الكيدية، وإنما تناقلته وكالات الأنباء العالمية وأعيد نشره من قبل وسائل إعلام موثوقة عديدة. غير أن هذا الخبر المؤكد لم يلق اهتماما كبيرا وتم التركيز فيه فقط على الموقف التركي الرافض للاستفتاء وتلويح أنقرة بفرض عقوبات اقتصادية بحق كردستان العراق. من المؤكد أن تركيا لا يحق لها مصادرة أموال الشعب الكردي التي "اؤتمنت" عليها وبغض النظر عن الغموض الذي يحيط بهذه الأموال. لكن الجوانب الحساسة للخبر تكمن في عدم الوضوح بشأن طبيعة هذه الأموال والجهة التي تشرف على إدارتها والأشخاص الذين يملكون حق التصرف فيها والغرض من إيداعها في تركيا بالذات؟
من المعروف أن إقليم كردستان لا يملك مصرفا مركزيا خاصا به يمكن أن يتولى مهة إدارة الأصول الخارجية. كما أن العلاقة مع البنك المركزي العراقي يشوبها التوتر منذ سنوات بسبب عدم تعاون سلطات الإقليم ولجوئها لقرارات انفرادية. لذا أضطر المركزي العراقي مؤخرا للتريث في إعادة فتح فرعيه في أربيل والسليمانية، خاصة بعد إقدام حكومة الأقليم على الاستحواذ على ودائع البنك هناك والتي تقدر بنحو 5 ترليونات دينار (ما يزيد عن 4 مليارات دولار). وأشار تقرير البنك المركزي بهذا الخصوص إلى أن نصف المبلغ المذكور يعود للمصرف العراقي للتجارة، بينما يعود النصف الآخر لفروع العشرات من المصارف الخاصة العراقية والأجنبية. ومن الملفت للنظر أن عملية المصادرة هذه تزامنت مع اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمناطق واسعة في شمال العراق وقيامه بسرقة ودائع المصارف العراقية في مناطق نفوذه.
في ظل هذه الظروف يتعين الآن مطالبة سلطات الإقليم بالكشف بشفافية عن الجهة المسؤولة عن هذه الحسابات السرية والهدف منها وطرق استخدامها وهل تم إيداعها في مصارف تركية ضمن صفقة سرية تم إبرامها مع الرئيس التركي أردوغان لغض النظر عن استفتاء استقلال الإقليم؟ من دون شك أصبحت الكرة الآن في ملعب النشطاء والسياسيين والمثقفين والإعلاميين الكرد وفروع هيئة النزاهة ومنظمات مكافحة الفساد الذي يتعين عليهم طرح مثل هذه الأسئلة المحرجة للمسؤولين وعدم السماح للأجواء المشحونة التي رافقت الاستفتاء بالتغطية على هذه الروائح التي تزكم الأنوف.
غير أن هناك أسئلة أهم يثيرها الخبر المفاجئ عن أرصدة الإقليم في تركيا. إذا كانت رئاسة الإقليم تحتفظ في تركيا فقط بوادئع قيمتها 15 مليار دولار، فما هو حجم الودائع داخل الإقليم وكم تبلغ قيمة الحسابات السرية في الدول الأخرى مثل دبي وسويسرا وإيران وغيرها. يشار إلى أن الأرصدة في تركيا وحدها تقارب حصة الإقليم في ميزانية الدولة العراقية لسنة واحدة. ولا يستبعد أن هذه الأرقام التي كشفت عنها تركيا ليست سوى قمة الجبل الجليدي الظاهر فوق سطح الماء وأن حجم الفساد المستشري في الإقليم "أعمق" من ذلك بكثير.
من هنا يبدو حديث قيادة الإقليم عن "تجويع" الشعب الكردي وتحميل الدولة العراقية مسؤولية عدم دفع رواتب صغار الموظفين الحكوميين أشبه بورقة التين التي تحاول القوى المتنفذة في كردستان العراق استخدامها لتغطية "عورتها". من جهة أخرى تشير الأرصدة الضخمة إلى أن موارد الإقليم المالية من تصدير النفط هي في الواقع أكبر مما كان متوقعا بكثير الأمر الذي يتعارض بوضوح مع تدهور الحياة الاقتصادية في المنطقة. فما الذي منع قيادة الإقليم من استخدامها في مواجهة الأزمة المالية وتخفيف أعبائها عن كاهل المواطنين البسطاء وفي تمويل الاستثمارات الضرورية للنهوض باقتصاد المنطقة؟
وفي كل الأحول فإن الفضيحة الجديدة تشير بوضوح إلى أن الفساد في كردستان لا يقل خطورة عن بقية مناطق العراق. كما أنها تنذر بأن بذرة الفساد مرشحة لنخر الدولة الكردية الموعودة حتى قبل تأسيسها. ومن المعروف أن الفساد يأتي في مقدمة مظاهر الدول الفاشلة. وهذه الحقيقة وحدها كافية لدق جرس الإنذار لدى جميع القوى الحريصة على مستقبل كردستان العراق والقضية الكردية عموما.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ازلام الشيوعية المتصهينة
طلال الربيعي ( 2017 / 10 / 2 - 22:27 )
ليقرأ هذا المقال الممتاز ازلام الشيوعية المتصهينة الذين تعلموا بكل اتقان الدرس من صدام ويشرعون الآن بسكب دموع التماسيح ليس حبا بشعبنا الكردي وجماهيره الكادحة, ولكن فقط لارضاء ولي نعمتهم البرزاني وسلطته القميئة التي تغدق نعمها عليهم من رواتب تقاعدية وتمنحهم الاراضي, وكأن العراق ملك للبرزاني او غيره ليتحكم به كما يشاء, وذلك كي يكون هؤلاء قطع شطرنج لسلطة البرزاني القميئة لتلعب بهم كيفما ترغب وتشاء!


2 - الوجهة الآخر
د.قاسم الجلبي ( 2017 / 10 / 3 - 13:49 )
ما ذكرته اعلاه كان صحيحا, ولكن علينا ان لا ننسى الوجه الآخر , هناك اصحاب الآيادي البيضاء كما انعت عليهم الشرفاء والمثقفون في داخل العراق وخارجه ,نزاهتهم يشهد عليه الآعداء قبل للآصدقاء لهذا الحزب العراقي الممتمدة جذوره الى ابعد من جذور نخل العراق , في اعماق شعبه من الفقراء والكادحيين رغم كل ألآخطاء التي وقع فيه , السيد رائد فهمي عندما استزور في الحكومة السابقة, كان قد قضى على جذور السراق وناهبي مال الشعب في وزراته, حيث كان يحظر في لجان المناقصات ويعطي ارشادته من اجل ان يضرب على هذه البؤر الفاسدة , والكل يعلم كيف ان السيد فهمي ارجع بقية الآموال التي صرفها عندما اوفد الى احد الدول لعقد بعض المناقصات هناك, اقدم اعتذار للسيد العبيدي كان من المفروض ان استأذنه بالرد على الآخ طلال, مع وافر الشكر والتقدير لكليكما

اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر