الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس دفاعاً عن الحوار المتمدن، ولكن عن الحقيقة الضائعة

أيمن عبد الخالق

2017 / 10 / 4
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن


ليس دفاعا عن الحوار المتمدن
ولكن عن الحقيقة الضائعة
((ليس المهم أن يكون كلامي مقبولا، بل المهم أن يكون صادقا))....سقراط
لاشك أنّ أي إنسان عاقل يسعى لأن يكون فكره صحيحا، وصادقا، وعلى هذا الأساس هو يؤمن به، ويصدقه، ويدافع عنه بشتى الوسائل الممكنة.
وبطبيعة الحال، فهو يؤمن بأنّ صدق فكره، يعني واقعيته، وليس مجرد استحسانه الذوقي الشخصي له، كاستحسانه للشاي أو القهوة، وإلا فلامعنى لأن يروّج له، ويدافع عنه في المحافل العلمية، والإعلامية المختلفة.
كما أنّ العاقل يعلم بالضرورة أنّ صدق كلامه لايجتمع مع كذبه، وإلا كان صادقا وكاذبا في نفس الوقت، وهو محال، فالصدق بذاته يدفع عن نفسه الكذب، ويقصيه بالضرورة، وبالتالي فمن اعتقد بصحة الاتجاه إلى اليمين، فقد ابتعد تلقائيا عن الاتجاه إلى اليسار، لاستحالة أن يقترب منهما معا في نفس الوقت.،إذن فهذا الإقصاء الفكري للاتجاه المخالف أمر طبيعي وضروري، وليس بالأمر الاختياري، وإلا لوقعنا في التناقض.
أقول كلامي هذا بعد أن لفت نظري مقالا في موقع "الحوار المتمدن" ينتقد بشدة !! الحالة الإقصائية لسائر الاتجاهات الفكرية على الساحة الثقافية، من دينية وعلمانية، ويمينية ويسارية، متهما إياها بالقبلية البدوية والتعصب، ورفض الاخر.
ومن ضمن من وجه سهام انتقاده له، هي الهيئة التحريرية الموقرة للحوار المتمدن، التي تتبنى بكل صراحة الاتجاه اليساري العلماني، متهما إياها كاتجاه فكري برفض الرأسمالية وإقصائها، كما يفعل المتدينون مع العلمانيين، الأمر الذي يتنافى ـ بحسب نظره ـ مع مايسميه بروح العلمانية الحقيقية المبنية على قبول الاخر، والتعايش السلمي.
ومما قدمناه في البداية يتبين لنا عدم صحة هذا النقد؛ لاستحالة أن يكون الإنسان يساريا دون أن يقصي الاتجاه اليميني؛ لأن هذاالإقصاء الفكري أمر تلقائي، لايجتمع مع نقيضه، فكيف يكون الإنسان بروليتاريا، وبرجوازيا في نفس الوقت؟!!، فلايمكن أن يكون اليساري صادقا مع نفسه إلا برفض البرجوازية، والعكس صحيح، كما لايصح أن يكون الإنسان متدينا متقيدا بالأحكام الشرعية الدينية، وفي نفس الوقت يقبل بأن يكون علمانيا ليبراليا متحررا من هذه القيود، والعكس صحيح.
والأمر الأغرب من ذلك أنّ صاحب المقال المحترم، مع رفضه للحالة الإقصائية عند الاخرين، وعدم قبولهم للاخر، سرعان مانسي مبادئه السلمية التي يدعوا إليها، وقام بإقصاء ورفض كل الاتجاهات الفكرية المخالفة له، واتهمهم بأقذع الألفاظ بالبداوة والتخلف، وتوعدهم بشن حرب لاهوادة فيها عليهم....فهل هذا إلا التناقض بعينه؟!!!.
وهذا يؤكد ماقلناه هنا من استحالة أن يتبنى الإنسان فكرا معينا، إلا وابتعد تلقائيا عن الفكر المخالف له، وإلا لوقع في التناقض الصارخ كما حصل هنا لصاحب المقال المذكور.
إنّ من يدعوا إلى عدم إقصاء الاخر، أو ضرورة قبول الاخر، إن كان يقصد مراعاة آداب الخلاف والاختلاف، واحترام كرامة المخالف، وعدم التعدي عليه، أو إهانته، أو استعمال العنف معه لمجرد الاختلاف الفكري، وأن يسمح له بأن يُعبر عن رأيه بكل حرية، فهذا ماتفعله هيئة تحرير "الحوار المتمدن" المحترمة مع المخالفين، بما فيهم صاحب هذا المقال المذكور، والذي هو في الواقع نموذج يُحتذى به، وقلما نجده عند الاخرين، الأمر الذ ي جعلها تحصل عن جدارة جائزة " ابن رشد" للفكر الحر، فإن كان هذا هو المعنى المقصود للكاتب من قبول الاخر، فهذا المعنى أمر ضروري ومطلوب، كما أننا نؤيده وندعوا إليه جميعا، وهو من لوازم الأخلاق الإنسانية، ومستلزمات التعايش السلمي في المجتمعات البشرية، وأنا أتمنى أن يكون صاحب المقال يقصد هذا المعنى.
أما إذا كان القصد من قبول الاخر، وعدم إقصائه، هو الاحترام العلمي لرأيه، وعدم رفضه ونقده، أو الاعتراض عليه، فهو أمر محال من الناحية العقلية المنطقية، ويتنافى تماما مع مصداقية الإنسان مع نفسه وأفكاره.
ولذلك فهو أمر من المستحيل أن يتحقق، ولذلك نجد أن نفس الحماس والدوغمائية التي يستعملها المتدينون ضد العلمانيين، حيث يتهمونهم بالكفر والضلال، هي نفسها موجودة عند العلمانيين في قبال المتدينين، حيث يتهمونهم بالرجعية والجهل والتحجر، وكما اتهم صاحب هذا المقال كل مخالفيه بالتعصب والتخلف والبدوية.
إنّ الذي يدعوا إلى هذا المعنى المستحيل من قبول الاخر، كما هو شائع للأسف في أوساطنا الثقافية، هو في نظري إما عاجز عن الوصول للواقع، وإما غير قادر على إقناع الاخرين وفرض رأيه علميا، وبالتالي فهو يسعى لأن ينكر أن يكون هنا "حق مطلق"، ويدعوا لأن نقبل آراء بعضنا بعضا، وكأن المعرفة الإنسانية الواقعية قد أصبحت جزءاً من المحاصصة السياسية!
ومن وجهة نظري ليس الطريق لاحترام الاخر، وتحقيق التعايش السلمي، هو أن نطلب من الناس المستحيل، ثم نحلل لأنفسنا بعد ذلك ماحرّمناه على الاخرين، كما فعل صاحب هذا المقال، وكما يفعل الكثير من أمثاله من المثقفين، بل الحل هو الذي طرحناه ونطرحه في كل بحوثنا، ومقالاتنا الفكرية من ضرورة وجود ميزان معرفي، وقانون عقلي منطقي علمي موضوعي(objective) ، مجرد عن المذاهب الدينية ، والأعراف الاجتماعية ، والاستحسانات الشخصية، لكي نتمكن من أن نتحاورمعا على أساسه، وأن نميز به بين الصواب والخطأ في الأفكار، كما هو الحال مع الأطباء والمهندسين، والذين هم مع تصويبهم للصواب، وإقصائهم للخطأ، ونقدهم لبعضهم البعض، ليس بينهم أي صراعات ومهاترات علمية، والسر في ذلك هو وجود مثل هكذا ميزان علمي منطقي مشترك بينهم.
وفي الختام أنا لاأقصد في نقدي هذا شخص صاحب هذا المقال، والذي نكن له كغيره من المفكرين كل الاحترام والتقدير، وهو ربما يكون من أصحاب النوايا والأهداف الإصلاحية الحسنة، ولكن نقدي موجه لنوع هذا الخطاب المتناقض، والشائع بيننا، كما أنني لست في صدد الدفاع عن الفكر اليساري العلماني، حيث إنني لست يساريا، ولاعلمانيا بالمعنى المشهور، كما أنني لست يمينيا، أومتعصبا لدين أو مذهب بعينه، بل اعتبر نفسي، وأسعى لأن أكون عقلانيا عاملا بقوانين المنهج العقلي البرهاني في تفكيري، وسلوكي، وأدعوا كل من يخالفني الرأي أن يسعى بجدية للتعرف على هذا المنهج الإنساني الفطري السليم، لنحقق التعايش الفكري الحقيقي، بعيدا عن التخريب والتدمير، كما حقق الأطباء والمهندسون التعايش العلمي فيما بينهم، ونفعوا بلدانهم، ونهضوا بالمجتمع البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم