الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سطور من كتاب حزن البصرة وشقيقاتها.

جعفر المهاجر

2017 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


سطور من كتاب حزن البصرة وشقيقاتها.
جعفر المهاجر.
يطلقون عليها ثغرالعراق الباسم , وحسناء الخليج , وأم الشناشيل , والفيحاء ،وأم الخير. ومدينة العلم والأدب. وغيرها من الأسماء. وقيل عنها إنها جنة عدن التي صلى فيها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام. وهي مدينة الفراهيدي والجاحظ وإبن الهيثم وسيبويه وغيرهم الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء على مر التأريخ .نشأت على ضفافها أعرق الحضارات ويلتقي في قرنتها الرافدان الخالدان. وقال عنها إبن بطوطه: بـ(أنها بندقية الشرق).هذه المدينة العريقة بتأريخها وبأهلها الطيبين الذين اشتهروا بالكرم وحسن الضيافة والمعشر. هذه المدينة التي قالت عنها مطربة العراق مائدة نزهت (أحيا وأموت على البصره خلت بكليبي الحسره) نعم إنها تركت في قلوب أهلها حسرات وحسرات لعشرات العقود نتيجة لماعانته من حرمان وظلم وإهمال على أيدي الحكام. وظلت تمنح الذهب الأسود الذي قدره الخبراء بـ 60% من مجمل النفط المنتج في العراق لكنها ظلت مدينة بائسة حزينة وينطبق عليها قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول.
لأن الحكام الذين حكموا العراق والمحافظين الذين توالوا على تسلم المسؤولية فيها لم يكونوا بمستوى المسؤولية ، ولم يهتموا بعراقتها وتضحيات أهلها الكبرى. وكثافة سكانها الذي يربو على أربعة ملايين إنسان وهي المحافظة الثالثة في العراق .ولو كان موقعها في دولة أخرى لضرب بها المثل بين دول العالم في تقدمها العمراني والحضاري والإجتماعي والإقتصادي. وكان من الواجب الأخلاقي عليهم أن يسألوا أنفسهم ألا تستحق هذه المدينة أن تكون كذلك؟ ومن حق المواطن البصري أن يسأل أين ذهبت تلك التضحيات ؟ وماذا بقي لها من بترولها الذي يسري كالبحر تحت أرضها ؟ ولماذا ظلت بنيتها التحتية في حالة يرثى لها بعد تلك الحروب الثلاث المدمرة المهلكة التي دفع أبناؤها الثمن الفادح من أرواحهم وممتلكاتهم حين تعرضت لأعنف أنواع القصف الصاروخي والمدفعي أثناء الحرب العراقية الإيرانية.ثم أعقبتها حرب أم المهالك والحرب الثالثة باحتلال العراق من قبل أمريكا وكانت البصرة منفذها الرئيسي فقضت على الآلاف من أبنائها،ودمرت الزرع والضرع وخاصة نخيلها الزاخر بأفضل وأشهر أنواع التمور في العالم كالبرحي والبريم والخستاوي والخضراوي والمكتوم وجمال الدين وأنواع أخرى كثيرة تربو على 600 نوع.وكان ينتشرفي منطقة طولها 120 كلم لكنها تحولت اليوم إلى أرض يباب تصفر فيها الريح. وتراجع عدد النخيل فيها من 30 مليون نخلة في سبعينات القرن الماضي إلى أقل من مليوني نخلة في الوقت الحالي .وحين يبحث المواطن عن تلك الأنواع الجيدة في أسواقها يجد المستورد فقط.
ويتساءل المواطن البصري أين مياهها العذبة؟ ولماذا أصابها التلوث وانتشرت الأمراض السرطانية وما زالت مكافحتها على أدنى مستوى؟ ثم ماذا بقي من بيوتها الجميلة ومزارعها ؟ولماذا يعيش نصف سكانها في بيوت الصفيح ؟ ويعاني شبابها من البطالة ؟ ولماذا ظلت معظم حاراتها في دوامة من الخراب والآلام والأوجاع والحسرات؟ أما أقضيتها وقراها ومناطقها النائية فمعظمها لاتتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة التي تتناسب وكرامة الإنسان. وباستطاعة إيرادات بترولها بناء دولة عصرية تعج بناطحات السحاب والشوارع الفسيحة والحدائق الغناء والمدارس والملاعب والمستشفيات الراقية والأسواق الحديثة؟ لكن من يزورها اليوم من العراقيين وغيرهم يراها مدينة كئيبة، يغطي جسدها الغبار، وتتراكم فيها أكوام القمامة،وقد شحت مياهها، وتصاعدت فيها نسبة الأملاح عن الحد المسموح به، وذبل شبابها واحترق نخيلها وماتت بساتينها،وتراجعت فيها الخدمات وخطفت الأمراض السرطانية والمعدية حياة المئات من أطفالها وشبابها وشيوخها ونسائها بعد أن شبعت تربتها من اليورانيوم المنضب فتلوث الحجر والشجر في تلك الأرض الخصبة الطيبة المعطاء؟وعشعشت في شناشيلها التراثية العناكب والحشرات. أليس خراب البصرة عاد إليها من جديد ؟ ترى إلى متى ستظل هذه المدينة على هذه الحال؟ ومن المؤلم إن محافظها السابق ماجد النصراوي تخلى عن مسؤوليته الوطنية والأخلاقية حين هرب إلى إيران . ولو كان نزيها حقا لذهب إلى القضاء وبرأ نفسه . أما رئيس مجلسها جواد البزوني فقد حكمه القضاء بالحبس الشديد لثلاثة أعوام لتعامله بالرشوة مع إحدى الشركات وكان الأولى بهذين الشخصين اللذين تصدرا المسؤولية في المدينة وأقسما على أن يكونا بمستوى طموحات سكانها أن يداووا جراح مدينتهم ، وينقذونها مما هي فيه لينالوا ثقتهم لكنهم خيبوا آمال سكان مدينتهم .
إن هذه الجراح والمآسي لاتتفرد فيها البصرة وحدها وإنما تشترك فيها شقيقاتها ميسان وذي قار والمثنى والقادسية وواسط. هذه المدن وتوابعها التي تعرضت لأفدح الأضرار وأقسى موجات الحرمان والفقر والبطالة وكثرة الأيتام والأرامل مازالت تعج بالشوارع المدمرة المليئة بالحفر والمطبات والبيئة الملوثة ومياه المجاري الطافحة وانتشار أكوام القمامة وتذبذب الكهرباء ودرجة الحرارة تتجاوز الخمسين في صيفها اللاهب كشقيقتها البصرة. وكذلك شحة المياه الصالحة للشرب وانقطاعهما المستمر،وتدني الخدمات الصحية إلى أبعد حد وانتشار البعوض نتيجة البرك والمستنقعات المنتشرة بين شوارعها وفي ساحاتها، ومعظم مشاريعها متروكة بعد نسبة إنجاز بسيط فتحولت إلى مكبات للنفاية. وحين ينتقل الشخص من بغداد إلى الفاو لايجد غير الصحاري وحديد الخردة الملوث باليورانيوم المنضب المتراكم فوق بعضه مطروحا على جانبي الطريق، والكلاب السائبة والأكواخ المنتشرة بشكل عشوائي . وما عليه إلا أن يتنهد تنهيدة عميقة والحزن يغمره ويقول:أهذه هي أرض السواد؟
ومعظم هذه المدن تطفو على بحور من الذهب الأسود كذلك. لكنها محرومة من تلك النعمة التي أودعها الله في أرضها ولم تجن منها غير هذا الواقع المأساوي المرير. ومنذ سقوط الصنم وأبناؤها شبعوا إلى حد التخمة من الوعود والعهود التي منحت لهم من على شاشات الفضائيات وفي اجتماعات مجلس الوزراء وبين طيات الصحف من قبل السياسيين والمسؤولين بإنهم لايدخرون وقتا ولا جهدا للنهوض بهذه المدن لكن معظمها تحول إلى مواعيد عرقوب . ولم يتحقق إلا النزر اليسير الذي لايتناسب مع ملايينها الصابرة واحتياجاتهم الضرورية الملحة . فتبددت الأموال شذر مذر على أيدي المفسدين الذين يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر . وطالما حلم أبناء هذه المدن بتلك الوعود وصبروا السنين الطوال ولكن خاب أملهم وتبخرت أحلامهم، وثالثة الأثافي يتسلل الإرهابيون إلى أسواقها ومطاعمها وتجمعاتها السكانية في كل فترة ليحصدوا جمعا من الأبرياء فيها. وفي كل مرة يسمع المواطن المحروم في هذه المدن بوضع الخطط اللازمة لحفظ الأمن والقبض على الإرهابيين قبل الإقدام على جرائمهم النكراء ولكن دون جدوى.
وهاهم أبناء هذه المحافظات اليوم يحتجون ويصرخون بوجوه كل من خدعهم بوعوده البراقة بالطريقة التي رأوها بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى. ونفذ الصبر فماذا يتوقع هؤلاء المسؤولون من ملايين المحرومين الذين فقدوا كل أمل بهؤلاء السياسيين ؟ هل يريدونهم أن يقدموا لهم الولاء والطاعة والشكرعلى وعودهم البراقة الخاوية ؟ وكل حقائق الأمور تقول إذا تراكمت الآلام وازداد الظلم فأنه سيؤدي إلى الانفجار.
أن كل عراقي شرب من ماء دجلة والفرات وله غيرة على وطنه لايرضى أن تسير الأمور نحو الأسوأ وتدمر بقايا البنى التحتية للوطن , والممتلكات العامة التي هي ملك للشعب ولكن تراكم الأخطاء وأغماض العيون من قبل المسؤولين عن رؤية الحقائق , ودس الرؤوس في التراب والبحث عن المغانم والمكاسب على حساب الجماهير المحرومة لايمكن أن يستمر ألى مالانهايه.ولابد أن يتحول غضب الجماهير ألى طوفان يكتسح كل الدمى والطفيليات التي تسرق قوت الشعب وتدعي الحرص على مصالحه زورا وكذبا.وعند حدوث أية ردة فعل من قبل الجماهير المحرومة تتخذ بعض الحلول المؤقتة الآنية والشكلية التي لاتغني ولا تسمن من جوع وسرعان ماتعود الأمور ألى أوضاعها السيئة .
أن العراق يعيش اليوم أخطر مرحلة من تأريخه وقد أصبح ساحة للتدخلات الخارجية وأعداء أستقرار العراق ووحدته. وقد وجدوا فرصتهم الذهبية في توجيه سهامهم الغادرة نحو صدره وخاصرته طالما أن المسؤولين العراقيين قد غرقوا في خلافاتهم واستعان بعضهم بالأجندات الخارجية وانكشف أصرارهم على جني المكاسب من كعكة العراق المدماة دون أن تردعهم هذه المخاطر الجمة التي تهدد العراق داخليا وخارجيا . ففي الوقت الذي يضحي أبناء هذه المدن بأرواحهم ، ويحررون الأرض العراقية من دنس الدواعش ، تحرك أفاعي الطائفية والتقسيم ذيولها ، وترفع عقيرتها للدعوة بما تسميه (الإقليم السني) بشتى الذرائع الواهية.وما هي إلا دعوة مبطنة خبيثة لتقسيم العراق على أساس قومي ومذهبي بعد أن قام مسعود البارزاني باستفتائه للبدء بتفتيت تراب العراق .وشتان بين من يضحي بروحه من أجل الوطن والمصائب تغمره من قمة رأسه إلى أخمص قدميه وهناك من يتمتع بالإمتيازات في مجلس النواب ويحتمي بالسيارات المصفحة والحمايات ولم يذهب يوما إلى جبهة القتال ويساهم في تحرير مناطقه. لكنه بارع في الكيد لأبناء العراق الشرفاء المضحين حين يطلق لسانه في الفضائيات ويطالب بتقسيم وطنه دون حياء ولا أي شعور بالمسؤولية وآستهانة واضحة بالقسم الذي أداه للحفاظ على وحدة العراق..
إنني لم أدون هذه السطور بعيدا عن واقع هذه المدن المتعبة . بل شاهدتها بأم عيني قبل أشهر. فإلى متى يظل جسد العراق ينزف وقادته يبحثون فوق جسده النازف عن مكاسبهم الضيقة فقط؟ وأتمنى أن يقرأ كل من يهمه الأمر من أصحاب القرار فصيدتي(مدن الخراب) وقلت في بعض مقاطعها:
مدن يجف في دمها الندى
وينهشها الذباب
هجعت على صخور الموت
تحرسها الذئاب
فيها الضحايا تستغيث
بلا مغيث أو جواب
من ألف عام ترتدي أحزانها
تغفو على آلامها ودموعها وجراحها
وتستفيق على السراب
وعيونها قد أطفأت
بين المرارة والتوجع والعذاب
مسلوبة الأفراح تفترش التراب
محرومة من نفطها الثر الغزير
مكشوفة الأضلاع يلفحها الهجير
ولها الفجائع والمآتم والقبور
وللحروب المهلكات هي النذور
ولغيرها الذهب المصفى
واللذائذ واللباب
فمتى يعود لها الشباب؟
ومتى يغادرها الخراب؟
ومتى سيأتيها السحاب؟
جعفر المهاجر.
5/10/2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي