الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد الخطاب السلفي

عزيز حميد

2017 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في نقد الخطاب السلفي
الحركة السلفية ليست متجانسة بالتأكيد.ولا تتبنى نفس المواقف في الكثير من القضايا التي تشغل بال الناس.هي مدارس واتجاهات تترنح بين الغلو و"الاعتدال"..لكنها في المجمل اطار فكري مرجعي جامع لكل من يشتغلون على الحاضر والمستقبل..بأدوات كلها من الماضي السحيق..مسترشدين بنظرية الاستخلاف الرباني..ومؤسسين خطابهم على قاعدة"ليس في الامكان أبدع مما كان"...ف"النغمات قد تختلف لكنها على نفس المقام" كما قال فرج فودة ...وفي اعتقادي فان الحركة السلفية لم تظهر..كوعي حاد بالخصوصية الهوياتية..الا كرد فعل على التحدي الحضاري الذي بلورت تفاصيله نهضة أوربا الحديثة..والتي جعلت الأمة الاسلامية في مواجهة مباشرة مع أسئلة اشكالية عميقة ومقلقة..ومع امكانات واسعة لمثاقفة بين أطراف غير متكافئة...يقول الأفغاني"ثم أخذت أمم اوربا تفلت من أسرها وتصلح من شؤونها ..حتى استقامت أمورها على مثال ما دعا اليه الاسلام"(رسالة التوحيد.ص 152)...هذا الموقف يعبر عن جوهر النوستالجيا اللاتاريخية التي تحكم علاقة السلفيين بالزمن..وفيه سعي الى استعادة الذات /الماضي..مجردة من كل مظاهر الهزيمة الحضارية..بعد تنقيتها من شوائب الممارسة"الجاحدة" لأصول الدين..
أما الماضي عندها..فهو ماض مختلف لا يشبه التاريخ..تحضر فيه طائفة منتقاة من الأئمة والفقهاء والمفسرين ورجال الأخبار..ويستثنى ما عداهم بقوة فلسفة التطهير الذاتي...فالسهروردي وابن سينا والفارابي والمعتزلة والحلاج وابن رشد...وغيرهم كثير...ليسوا من الماضي الا فئة ضالة أو مضللة..وبما أن هوية الأمة تستمد معناها الحقيقي من كل التاريخ لا من جزء منه ينتقى على الهوى...فانها مع السلفية تضيق كثيرا...وتضيق معها كل هوامش القراءة العاقلة للتاريخ...وتصبح الهوية مفهوما ملتبسا غايته التبرير لا التفسير...تبرير الدعوة الى تكريس نوع من النمطية والتدبير الطقوسي الصارم لممارسة الحياة...ومع هذه النمطية يصبح المنع قاعدة والحرية استثناء بلا ملامح..وتتحول الحياة الى قاعة انتظار ممتدة في الزمن..انتظار يوم يبعث الناس...فالآخرة خير وأبقى...لذلك لا نعلم بوجود أي سلفي أبدع في أي حقل من حقول الفن الجميل...ولا في أي علم من علوم الدنيا التجريبية والتطبيقية... فالسلفي بوجه عام..منشغل بانتاج خطابات لما بعد الموت ..تاركا عن جهل أو قصد فن صناعة الحياة لغيره..وقد يذهب الى تحقير ذلك تماما..واعتباره غير ذي جدوى أو اضافة..ألم يقل شيخ السلفيين ومفتي السعودية سابقا الراحل الباز ما معناه..أن حكمة الله شاءت أن ينشغل الكفار بأمور الدنيا..حتى يتمكن المسلمون من التفرغ للعبادة...وهو موقف لا يختلف كثيرا عما ذهب اليه عبدالسلام ياسين..مع اختلاف في القصد طبعا..حين قال"ومن حكمة الله تعالى واملائه لأهل الضلال المعرضين عن سماع الوحي..أن زين لهم التمادي في تعاطي المخدرات المعرفية"(حوار مع الفضلاء الديمقراطيين.ص148)...ثم انك لو تتبعت كرونلوجيا مواقف السلفيين من قضايا العصر ومستحدثاته..تجد أنها تبدأ في الغالب بالمنع والتحريم..لتنتهي الى المنزلة بين المنزلتين...وهي في ذلك لا تترك لضمائر الناس أية فرصة للتفاعل الارادي مع الوجود وموجوداته...هي حاضرة في كل المفاصل والتفاصيل مهما كانت صغيرة أو تافهة...بل وحتى في أمور حميمية يفترض أنها لا تخص سوى أصحابها....
بهذا المنحى الموغل في التشدد..تصبح السلفية عبئا على الزمن..وقيدا مكبلا للعقول ..وهي لا تستطيع أن تقدم أية اجابة عن أية قضية..الا اذا انسلخت عن واقع الناس..وانزاحت الى بطون "أمهات" الكتب القديمة..تبحث فيها عن الضوابط والقرائن والشروط..أما العلوم الحديثة والمستحدثة...فهي كافرة في توجهاتها وأهدافها.. لا تصلح دعامة للبحث والاستقصاء..ف"العلوم التجريبية المحضة وما يؤسسها من رياضيات..وما ينتج عنها من تطبيقات عملية ..كلها مسلمة لولا القصد الكافر والاستغلال الفاجر"(عبدالسلام يس.نفس المرجع السابق.ص146).
هل يمكن والحالة هذه..أن يكون السلفي على وئام مع عصره..وهل يمكن أن يتحول في يوم من الأيام الى جزء من أية منظومة بشرية تسعى الى التفعيل العملي لقيم العدل والتسامح والمساواة والبناء الحضاري المشترك..
لا يمكنه ذلك..تمنعه عقدة التفوق والاستحقاق بغير جهد ارادي..تفوق خصته به السماء وحده لحكمة لا يعلمها سواه..لقد جعل الناس ملائكة وشياطين..واستقرفي "وعيه" أن الحياة صراع حتمي وأبدي بينهما...ثم اختص نفسه بالخير المطلق..أما الآخر فهو سليل الشيطان الذي ينبغي تطهيره من شر نفسه.. لذلك قرر منذ البداية تحصين نفسه بكل وسائل التمنيع الايديولوجي ضد أي اختراق ..كيفما كان وأيا كان صاحبه..وفي اعتقاده الراسخ أن أي فعل أو قول يصدر عن غيره...مؤامرة تستهدفه وتسهدف مشروعه..وهكذا تصبح الشبهة مقدمة لازمة لرفض مبدئي أبدي(رفض التشبه)..وعلى الآخر أن يثبت باستمرار حسن النية ..بالتوقف النهائي عن النظر في أمره...وبالقبول الطوعي أو الجبري لتدخلات فاعل لا ينفعل كما أرادت السماء...فاعل يتحرك ويتصرف بحصانة ربانية سخرته رائدا وقائدا في كل شيء..ومكنته من حق أن يغير غيره..وأن يغير على فكره وأسلوب عيشه..كما مكنته فوق ذلك من حق أن يغضب ويثور ..اذا ما تعرض هذا الآخر لفكره هو وأسلوب عيشه...فتصبح عقدة الاضطهاد هي الوجه الآخر لعقدة التفوق....
لا يمكنه ذلك لأنه يفتقد الاحساس بمضمونية الزمان والمكان..فحركة التاريخ عنده توقفت في حقبة يراها مفارقة لسياق التطور البشري..هي البدء والمنتهى في كل شيء..لا قول عنده الا ما قال به السلف..ولا رأي الا ما رأى الأولون..مرجعيته واحدية نمطية مكتفية بذاتها..وقياس اللاحق على السابق عنده فرض علم وشرط دراية..لا يستقيم معه رأي مجتهد مهما بلغت درجة علمه وتقواه..وكل علوم الأرض مجتمعة ليس بمقدورها أن تجب أبسط فكرة أو حتى خرافة أنتجها السلف على سبيل المحاولة والاجتهاد..فعلم السلف جامع مانع مقدس..وهو شرعي بطبعه وطبيعته..بينما نظيره في ما يلحق من أزمان..فهو الوضعي الوضيع الذي لا يستحق أن يعيش.. الا اذا تعطلت وظائفه في الاستكشاف والنقد والتجاوز..
لا يمكنه ذلك..لأنه انتقائي بامتياز..يقرأ غيره بعين المتوجس المشكك..ويلعن الغرب محتقرا ثقافته التي يرى أن نزوعها محض مادي..ثم لا يتورع عن التوظيف الطفيلي لأدويته وأسلحته وخبراته في مجال الاتصال والتواصل..متشبها في ذلك دون حرج..ودون أن يرى فيه تعارضا مع ما يدعو اليه من قنوت وبداوة عيش..وهو مصر على عدم الاقرار بأن الماديات التي يستهلكها بنهم..هي في الأصل نتاج تطور فكري علمي وثقافي ..أتاح قدرا غير يسير من حرية الابداع والتحديث...
لا يمكنه ذلك لأنه انتهازي أصيل...يستجدي من ثقافة حقوق الانسان ما يزكي وضعه ككائن متفرد..وما يقوي حضوره في كل مكان من الأرض..دون أن يكون مستعدا لدفع نصيبه من فاتورة هذه الثقافة..بما هي حاضنة لقيم الاختلاف والتنوع والمساواة..فمن حق دعاته مثلا أن ينتشروا في كل الأمصار ..وأن يمارسوا نشاطهم الدعوي بكل حرية وفخر..فهم رسل خير بالفطرة والمطلق..وعلى كل القوانين في كل مكان أن تكيف نفسها لاستيعاب هذا الحق..والا فهي دار حرب..وفي المقابل ..ليس من حق أي كان أن يمارس أي نشاط في بلاد المسلمين..لأن قوانينهم المعلومة من الدين بالضرورة تقضي بأن يخفي غير المسلم دينه وطقوسه..وألا يفكر الا بين جدران معبده ان سمح بوجوده أصلا...
هو انتهازي وانتقائي لأنه لا يشعر بمعاناة الآخر الا اذا كانت ملتحية أو متحجبة..فلا تضامن مع الانسان المقهور والمستضعف لأنه كذلك..وانما هي نصرة مشروطة بالمشترك الطائفي والمذهبي قبل الديني حتى...
- - السلفية مع الديمقراطية..شرط أن تكون طريقا باتجاه واحد لاستعادة الخلافة...
- - السلفية مع احترام ثقافة حقوق الانسان..شرط أن تتنكر لقيمها الانسانية وتتبنى قيمها...
- - السلفية تحترم العقل..شرط أن يكون ناقلا لا عاقلا...
- - السلفية مع احترام المرأة ..شرط أن تتجرد من كل مظاهر الأهلية..
- - السلفية مع حرية المعتقد ...شرط أن يكون لغير المسلم...
- - السلفية تحرم على العامة الخروج على الحاكم...ولو كان ظالما..لكنها لا تتورع عن قتله متى شاءت..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س