الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجب طيب اردوغان والطابع العلني للسياسة الخارجية

ارشد احمد سمو
باحث في العلاقات الدولية

(Arshed Ahmed Simo)

2017 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


رجب طيب اردوغان والطابع العلني للسياسة الخارجية

في العلوم السياسية يدرس الطالب مادة السياسة الخارجية كاحدى المواد الاساسية التي يدرسها ضمن مناهج قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية وتختلف جامعة من اخرى حول سنة الدراسة ، فمنهم من يضعها ضمن مواد المرحلة الثالثة واخرى ضمن مواد المرحلة الرابعة وبالنسبة لي فقد تلقيت علومها في المرحلة الرابعة .
السياسة الخارجية ،كمصطلح ،يصعب تعريفه من خلال سطر او سطرين ولقد تعددت التعاريف حولها بين من يقول بانها نيات الدول في المجال الخارجي او الذي يعرفها بانها منهج او خطط او برامج او انها مجمل تفاعلات الدولة والموجه نحو البيئة الخارجية لغرض تحقيق اهداف رئيسية ، والمشكلة انها عندما تتفاعل مع غيرها من السياسات الخارجية ، وهذا هو الغالب ، فاننا حينها سنكون امام مصطلح اخر وهو السياسة الدولية التي هي مجموع تفاعلات السياسة الخارجية لعدة دول مما يجعلنا مضطرين الى معرفة المصطلحين معاً ناهيك عن مشكلة تعريف العلاقات الدولية الاشمل من الاثنين .وهذا يعني ان هناك اكثر من مفهوم مقارب لمفهوم السياسة الخارجية مثل الدبلوماسية والستراتيجية اضافة الى ماسبق من مصطلحات ،ولذلك سنبتعد عن التعريفات للدخول الى الهدف من هذا المقال والذي يتمحور حول خصائص السياسة الخارجية
ومن البديهي انه لا يمكن معرفة السياسة الخارجية دون دراسة خصائصها ومن جملة تلك الخصائص احببت ان اقف عند خاصية مهمة للغاية لاربطها بموضوع استفتاء كوردستان الجنوبية الذي تم في الخامس والعشرون من ايلول الماضي، هذه الخاصية التي مفادها ان ( السياسة الخارجية ذات طابع علني ) ففي الظاهر يعتقد القارئ ان الدول تعلن عن نواياها وما هي بصدد فعله للوحدات الدولية الاخرى في محيطه اي انها تفصح عن كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بنشاط الوحدة الدولية على المستوى الخارجي ، الا ان هذا ليس بصحيح لانه فقط الخطوط العريضة تعلن اما المضمون والتفاصيل فهي تبقى دوماً ضمن اطار اسرار الدولة والتي لايجوز البوح بها ، بمعنى اخر ان الدول لا تفصح عن نواياها بشكل علني كي لا تكون مصالحها الستراتيجية في خطر .
تم الاستفتاء وبنجاح في اقليم كوردستان الجنوبية وابدى الشعب برأيه وبكل حرية ودون اية ضغوطات تذكر ، وكانت النتيجة لصالح الاستقلال عن العراق العربي والذي لطالما حلُمَ الكورد به ، لكن الملفت للانتباه هو ردة الفعل العنيفة من قبل حكومة بغداد وبرلمان العراق واتفاق الاثنين معاً ضد الكورد ناهيك عن وحدة الاراء غير المفاجئة لدول الجوار (تركيا و ايران ) الخصمان في كل شيء سوى الاشتراك في معاداة اقامة دولة كوردية .
بالعودة الى خاصية العلنية فأن صانع القرار السياسي في اية وحدة دولية يتفادى الافصاح عن نواياه من اجل الابقاء على مكانته الدولية على الصعيد الخارجي والمحافظة على تصدر اتجاهه السياسي ( حزبه ) على الصعيد الداخلي ، اذاً فالسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تعلن تركيا عن وجود اكثر من خيار امامها لاستهداف مشروع الدولة الكوردية ولماذا ردة الفعل جاءت من اعلى المستويات في الدولة التركية وتحديداً رئيس الجمهورية السيد رجب طيب اردوغان ؟؟والسؤال الاخر هو لماذا ظهر رئيس الجمهورية ثلاث مرات على التوالي في الايام الثلاثة الاولى بعد الاستفتاء وفي مناسبات متفرقة ليؤكد على معارضة تركيا لهذا المشروع والادعاء بعدم شرعيته ؟؟ في الجانب الاخر نرى ايران والتي اتفقت تماماً على ما صرح به الرئيس التركي وكل هذا بمباركة من بغداد التي تدَّعي انها تسعى دوماً لحماية المواطنين الكورد متناسيةً ان مواطنوا كوردستان الجنوبية هم من قرروا الابتعاد وعدم البقاء ضمن اطار العراق الواحد ، كيف لنا ان نفسر ما يصرح به دول الجوار دون اللجوء الى نظريات العلاقات الدولية والاستعانة بها على التحليل السليم المبني على اسس علمية ، لذا فلنلجأ اول الامر الى المدرسة المثالية التي تؤمن بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتؤمن بالطبيعة الخيرة لدى الدول بالاضافة الى اعتماد المنظمات الدولية كوسيلة للتعاون والحوار ونبذ الحروب اياً كانت نوعها ومصدرها ، المدرسة المثاليةالتي دافع عنها الرئيس الامريكي الثامن والعشرون وودرو ويلسون وتبعه من بعده اخرون اثبتت انها لا تستطيع ان تجاري الواقع الذي يعكس خلاف طروحاتها والدليل عشرات الحروب التي راحت ضحيتها الملايين من الابرياء في القرن العشرين .
شعب كوردستان وشعب كاتلونيا كلاهما اجريا استفتاءاً حول تقرير المصير والاستقلال لكن طموحاتهم ارتطمت بالبيئة الدولية التي لا تؤمن الا بالنظرية الواقعية في العلاقات الدولية والتي تحض الدول على ابراز عضلاتها واضهار قوتها لاخافة المحيطين به وعلى هذا الاساس نرى الرئيس التركى يلوح باستعمال القوة بين الحين والاخر لاخافة شعب لا يملك حتى الان استقلاله من اجل ان يحيد دون اقامة دولة لهم على ارضهم خوفاً من ان يمتد ذلك المطلب الى الكورد في تركيا فيسعون الى ما سعى اليه كورد كوردستان الجنوبية ، وكذلك الحال بالنسبة لأيران ، نتفهم مخاوف الدول التي تتقاسم اراضي كوردستان ونتفهم حرصهم على امنهم القومي والوطني ولكن الذي يحيرنا في هذه اللحظة موقف بغداد المتعنت وهي تدرك تماماً انه من المستحيل ان يعيش الشعبين الكوردي والعربي كشركاء في وطن واحد بعد ان تم خرق الدستور ( المطاطي ) من قبل الحكومة (اللااتحادية ) في اكثر من خمسون مادة ، الواقعية تفرض نفسها على الفكر السياسي الكوردي وهذا لا يأتي من فراغ لكون التجارب الماضية اكدت على انه لا بد من اتخاذ خطوات لاقامة الدولة الكوردية واولى هذه الخطوات كان الاستفتاء وما سيليه لا زال مخفياً الا ان الساسة الكورد لم يستبعدوا ابداً باب الحوار البناء للتفاهم والتزموا الصمت ازاء الكثير من التصريحات الاستفزازية والتي تنهال من بغداد وانقرة وطهران يومياً لا لانهم لا يملكون الجرأة على الرد وانما فقط ليعلم تلك الاطراف ان الصمت بحد ذاته موقف مهم في ادبيات وابحاث العلوم السياسية ، وحسناً يفعلون ، ومن الجميل ان نستذكر في هذا المقال ما كتبه الامام الشافعي عن عدم اجابة الحمقى من ابيات شعرية اذ يقول بعد ان خاصمه نفر من اشباه الرجال ،
قالو سكتَّ وقد خوصمتَ فقلت لهم ان الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل او احمقٍ شرفّ وفيه ايضاً لصون العرض اصلاح
اما تَرى الأسْدَ تُخشى وهي صامتةُ والكلب يخسى لعمري وهو نباح
ونحن هنا لا نقصد الاساءة الى احد اذ ليس من شيم الكورد الاساءة ولا التلفظ بالكلمات البذيئة فهكذا تربينا وهكذا علمنا قادة الشعب الكوردي ، لكننا اردنا ادراج هذه الابيات من باب الاستشهاد بكلمات لامامٍ من الائمة الذي لم يكن بيده شيء سوى الرد بابيات من الشعر على اناس ارادوا اهانته ولم يعرف اولئك النفر انَّ الشافعي يترفع من ان يجيب على كل ما يقال بحقه وهكذا هم قادة الكورد يترفعون عن الاجابة على البذيء من الكلام خاصةً ان كان قد صدر من اناس لا يعرفون حتى الان كيفية الملبس ناهيك عن الخطابات السياسية .
مرةً اخرى ينتهز الرئيس التركي فرصة ظهوره على الشاشات بجانب الرئيس الايراني حسن روحاني ليؤكد على عدائه لاستفتاء اقليم كوردستان وليبشر العنصريين من امثاله باتفاق بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية المختلفتان في غالبية الامور باستثناء ما هو متعلق بشعب الله ( المحتار )شعب كوردستان ، الرئيس التركي ورغم الاستقبال المهين له كان راضياً لانه لا يريد ان يضيع فرصة اتفاق الطرفان ضد الكورد وكأن الكورد اصبحوا على وشك امتلاك القنبلة الذرية فأصبحوا تهديداً مباشراً لامنهم ،والمثير للضحك ،وشر البلية ما يضحك ،هو ظهور الرئيس اردوغان يومياً مختلقاً المناسبات من اجل ان يهدد وينذر الكورد ،والاكثر اثارةً اظهاره لحقده الدفين لشخص رئيس الاقليم مسعود البارزاني ومن ثم استشهاده بقول سائق اجرة ( تاكسي ) صوت بنعم للاستفتاء وقوله انه حين الاحساس بالخطر سيتجه نحو الملاذ الآمن ( تركيا )هنا اوقع اردوغان نفسه بخطأ كبير اذ ان جملة قالها سائق اجرة يعتبر دليلاً لدى السيد اردوغان بينما اصوات وكلمات اكثر من ثلاثة ملايين كوردي صوتوا بنعم لا يعتد به لدى نصير المظلومين وسلطان المسلمين الذي يتحفنا يومياً بالايات والاحاديث وكانه يعتقد بانه سيستطيع ان يستحوذ على مناصرة الكورد له في كوردستان بسبب الاسلام التركي والعربي والفارسي ، نسي السيد اردوغان بان الكورد لهم ايضاً اسلامهم الكوردي ولم يعد الكورد اغبياء الماضي ليصدقوا كل من خاطبهم بحديث او آية قرآنية .
السياسة الخارجية ذات طابع علني ، لكن السيد اردوغان لم يعرف كيفية التصرف مع هذه الخاصية اذ انه لم يعلن الخطوط العريضة فقط بل كشف عن جميع نواياه تجاه شعب كوردستان ولم يستثني اي خيار لاستعماله ضدهم وعلى الموال ذاته يعزف العبادي وروحاني .
يريدون ان يقسموا ويشتتوا الوحدة الكوردية بين القيادة والشعب فتراهم دوماً يصرحون بانهم لا يقصدون الشعب الكوردي بتهديداتهم بل القيادة الكوردية هي المستهدفة وينسى هؤلاء ان الرئيس البارزاني فطن الى هذا قبل الاستفتاء حينما قال ان اردتم الايذاء فها انا ذا امامكم دعوكم من شعب كوردستان ، ثم انهم لا يعرفون حقيقة العلاقة الحميمة بين الشعب والقيادة لانهم وبكل غباء يصدقون اقوال نفر من السفهاء المغررين بهم ليقولوا بان هناك اغتراب بين السلطة والشعب ،وان وجد ذلك فبالتاكيد ليس شخص البارزاني بالمقصود من الاغتراب ، والاغتراب الاكبر هو الذي يوجد في دولهم بين حكوماتهم وشعوبهم .
ان السياسة الدولية مثل ما قلنا هي مجموع تفاعل عدة سياسات خارجية ينتج عنها سياسة معينة ، واليوم نجد ان هناك سياسات متعددة تلتقي مع بعض ، لكن ، النتائج قد لا تكون كما يشتهيها صانعوا السياسة الخارجية والدولية فالدول التي كانت تتفاعل مع بعضها قبل بدء الحرب العالمية الاولى والثانية لم تكن تنوي الحرب الا ان نتيجة تفاعل تلكم السياسات ادت الى نشوء الحرب ، واليوم نرى تسارعاً عجيباً في سير السياسة الدولية ولا نعرف ما الذي سيتمخض عنه وكلنا امل في ان لا يؤدي الى ما لا يحمد عقباه اذ بتصرف غير مدروس ستصبح المنطقة كلها ناراً تحصد ارواح الجميع لا سامح الله ، بالنسبة للكورد كان الاستفتاء امر لا بد منه فالحكومة العراقية لم تبقي على اية مجالات للشراكة وكتموا انفاس الكورد وقطعوا عنهم الموازنة ولم يكترثوا بمطالبهم ، والى هذه اللحظة ، يعتبر كل ما حصل امر داخلي في اطار الدولة العراقية والمعنيون بالامر هم كل من حكومة بغداد واربيل فما السبب وراء الهيستيريا التركية والايرانية !!!! امر داخلي لا شان لهم به ورغم ذلك لو اعددنا احصاءاً لعدد المرات التي هدد بها اردوغان وظهر فيها يتحدث عن الاستفتاء سيكون اكثر بكثير من ظهورالعبادي كرئيس للحكومة العراقية وكذلك الحال مع دولة روحاني التي لم تنفك من التهديدات كل يوم ، والثلاثي المرح اردوغان -عبادي -روحاني يشيرون الى ان الاستفتاءغير مشروع ولن يعترفوا به ، وهو بالنسبة اليهم وكأن شيئاً لم يكن ، فاذا كان الامر كذلك ،لماذا هذا التخوف الشديد والفوبيا التي تصيبكم اثتاء ذكر الاستفتاء او اسم البارزاني بحيث لا تقدرون على النطق باسمه ولا تطيقون سماع اسم كوردستان فاصبحتم تصفونها كما كنتم في التسعينات بشمال العراق ؟؟
الادعاء المستمر بان اسرائيل هي الداعمة لهذا المشروع الكوردي لن يفيدكم في شيء فالشارع الاسلامي يرى اعلام اسرائيل في دولكم مرفرفة على مباني السفارات والقنصليات الاسرائيلية في دول المسلمين ومنها دولة تركيا ، وفي البارحة كانت قبلاتكم على شاشات التلفاز عندما كنتم تعانقون اعلى القيادات الاسرائيلية فهل هو حِلٌ لكم ومحرم علينا ، رغم اننا لم نرى شيئاً ملموساً من جانب اسرائيل تجاه كوردستان ما عدا بعض الشخصيات الاعلامية التي ايدت حق تقرير المصير للشعب الكوردي ونحن ككورد نرحب بكل تاييد لقضيتنا اياً كانت اتجاهاتهم وقومياتهم ونستنكر كل من يعادي قضيتنا سواء كانو من الازهر او من المرجعيات او من دار الافتاء ودولهم .
انها السياسة التي تتغير بين ليلة وضحاها، راساً على عقب ، خاصةً حينما يكون صناع القرار فيها رؤساء الدول العظمى ذات التاثير العالمي ، هم من يقررون ذاك التغيير ، انها المصالح وموازين القوى التي تحدد ما سيكون وكيف سيكون ، انه صراع القوى بين محددوا السياسة الدولية ، ولهذا لن يكون بمقدور تركيا ولا ايران ولا بغداد ان يقفوا في طريق الدول الكبرى العالمية ان كانت مصالحهم تتقاطع في منطقة كوردستان ، وكلنا نعلم ومنذ عقدين من الزمن ان الدول العظمى وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية تعمل على مشاريع عدة في منطقة الشرق الاوسط ومنها مشروع تقسيم العراق لكن في اطار قانوني لا يخل بالقانون الدولي ، وعلى هذا الاساس فان جميع التطلعات والتحليلات الرصينة والاكاديمية تصب في صالح الشعب الكوردي شريطة ان يتحمل شعب كوردستان عواقب الخطوات التي توصلهم الى الهدف الاسمى والذي يتمثل بالدولة المستقلة .
ان الذي يحدث من قبل الدول الثلاثة ( ملائكة تشارلي ) لن يثني الكورد عن عزيمتهم ،وسيبقى علم كوردستان مرفرفاً مرفوعاً على اراضيها وسنبقى ككورد دوماً سباقون الى السلام وهذه سياستنا العلنية وهي لا تختلف ابداً عن النوايا وكلنا امل في ان يعم السلام منطقة الشرق الاوسط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل