الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصالحة برسم وطن

سامي الاخرس

2017 / 10 / 6
القضية الفلسطينية


مصالحة برسم وطن
كلّ هذه الأجواء الاحتفالية الكرنفالية التي تشهدها الساحة الفلسطينية مجرد هامش على طريق طويل وشاق، ومتعب عُبِد خلال عشرة سنوات من شبة الإنفصال الجيوسياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية، ورأسب النظام الفلسطيني، صاحبها العديد من الصولات والجولات هنا وهناك في مناخات لم تهيئ للمصالحة الحقيقية نظرًا لإعتبارات منها محلية، ومنها اقليمية، ومنها دولية، خاصة وأن فلسطين محور هام وحيوي في خارطة الإقليم الجيوسياسية ولا تمتلك وحدها مفاتيح الإقرار، والإستقلال في القرار، والسيناريوهات بل هي وسط حقل كبير من الألغام لا يمكن القفز عنه أو تجاوزه دون امتلاك خريطة هذه ألألغام من محاور متعددة ومتنوعة، لذلك من الصعب ومن المعقد الإنعزال بالرؤية التحليلية دون قراءة واقعية لمجمل أحداث ومكونات الإقليم عامة، واللاعبون في المعترك المحلي الداخلي الذي لم يعد يحمل استقلالية مطلقة في القرار وتحديد المصير.
قفزت على السطح قيادة جديدة أو تجديدية في حركة حماس، وفق رؤية استراتيجية جديدة في التعامل مع العديد من الملفات المعقدة، بدءًا بتغيير أساسي وجوهري في العقيدة السياسية للحركة ورؤيتها التفاعلية مع القضايا الأساسية، بما فيها الأساسي كتصنيفها لأحد أذرع الأخوان المسلمين، ورؤيتها لمفهوم الدولة الفلسطينية، والنهج التحالفي الإقليمي عامة، واعادة النظر في علاقتها مع دول الجوار، وعلى وجه التحديد مصر، أضف لذلك التحليل الشامل والواقعي لنهج وخط الحركة خلال عقد من الزمن على رأس السلطة السياسية في قطاع غزة، ما رسخ لإثراء الوعي والتجربة السياسية، والفهم السياسي العميق للحركة التي بدت تنضج في استخلاص العبر والدروس في العديد من المواقف والملفات وعلى وجه الخصوص الملف الداخلي(الفلسطيني)، الذي استهلته القيادة الجديدة في غزة بقيادة يحيي السنوار الذي يعبر عن خط وفهم جديد لحركة ككل، فأفتتح فترة ولايته بتسليم مفاتيح جامعة الأقصى لحكومة التوافق، ولجم الأصوات التي كانت تقف حجر عثرة أمام حل معضلة الجامعة واشكاليتها، كجزء من برنامج متكامل تبدو ملامحه وفق سياسة المراحل، ومخطئ من يعتقد أن هذا النهج مرتبط بشخصية القائد الجديد لحماس، بل هو خط ونهج عام للحركة استهلته ببرنامجها ورؤيتها للعمل السياسي على صعد متعددة المحلي، الإقليمي وكذلك الدولي وهو ما يؤكد على نضج الحركة سياسيًا، وقدرتها على التناغم محليًا اقليميًا، ودوليًا بعيدًا عن الشطط الفكري والعقائدي الذي كان سائد في مراحل سابقة، مع توافر مناخات اقليمية ودولية لإستيعاب الحركة في الخارطة السياسية في ضوء الواقعية السياسية الجديدة.
إن الكرنفال الاحتفالي الذي صاحب عودة حكومة التوافق أو الوفاق يوم ألثنين إلى غزة لا يحمل في طياته إلَّا رسائل سياسية من حركة حماس للرأي العام المحلي، والإقليمي وكذلك الدولي بأن الحركة ماضية للأمام في ملف التصالح، وهو ما رسخه السنوار في لقائه الأخير الذي هدد فيه بالإطاحة برؤوس إن حاول البعض عرقلة المصالحة، وتصريحه أن هذا نهج حركة متوافق عليه في كل الخطوط الحركية، وهي رسائل متشعبة لكل الأطراف بأن التغيير الذي جاءت عليه وثيقة الحركة الجديدة أمر واقع وجدي وتغيير حقيقي وليس خداع فكري أو مراوغة فكرية.
هذا في الشأن الدعائي في الوقت الذي لم تتضح فيه حقيقة الفعل على مستوى المصالحة فالأمور لم تتضح بعد، ولا زالت في الغرف المغلقة رغم أن اندفاع السيد الرئيس محمود عباس بسرعه يؤكد أن هناك تطمينات وضمانات فعلية وإن لم يعلن عنها، وأن مرحلة وضع النقاط على الحروف لن تخرج عن سياسة وفهم الرئيس والمبادئ العامة للمصالحة، هي التي عبر عنها بكل وضوح في لقائه الأخير مع الصحفي المصري عمرو أديب، وتأكيده على أن الأمور يجب أن تكون في نصابها الواقعي بأن استلام حكومة التوافق لملفات الحكم هي المعياة الأوحد لتحقيق المصالحة والتقدم في خطواتها وأركانها خاصة ملف الأمن، والصلاحيات الكاملة والسيطرة على قطاع غزة، كذلك تأكيد الرئيس بأنه لن يسمح بتجربة حزب الله في لبنان بأن تنفذ في غزة، وهي تصريحات استباقية من الرئيس ووضع العصا في دواليب الإستراتيجية الحمساوية التي تعتبر تحركاتها أو خطواتها ضمن برنامج إعادة صياغة فعلها السياسي، أو افشال أي محاولة للحركة في سيطرتها على الأوضاع السياسية والعسكرية خلف الظل، خاصة وإنها تمتلك جهاز عسكري قوي يمتلك من العدة والعتاد والتنظيم ما يؤهله من امتلاك مفاهيم السيطرة والهيمنة، كذلك مقوماتها الأمنية وتجربتها الأمنية التي امتلكتها خلال عقد من الحكم وصراعها الأمني مع "إسرائيل" وأجهزة السلطة الفلسطينية مما منحها قدرة على المناورة.
ويبقى السؤال المتشعب الأهم أمام كل هذا هل يسمح الرئيس محمود عباس بذلك، وهل هناك بدائل أخرى؟ وهل حماس تسعى للتغيير أم التمكين؟ وهل حماس جادة بالمصالحة؟
الإجابة في سياقها تتناول الشق الرابع وهو المصالحة، ربما الأمور تسير بخطوات فعلية نحو المصالحة وفق المؤشرات والإيحاءات القوية لحماس بأنها تريد أن تسلم الحكم بل وبدأت ظاهريًا بتسليمه لحكومة الوفاق الوطني، وربما الرعاية المصرية القوية التي تختلف عن سابقاتها مؤشر فاعل وناجز في ثبات حماس على المصالحة، فمصر اليوم ليس مصر أمس وربما تصريح الرئيس بأن فلسطين كلها منطقة أمن قومي لمصر، وأن الراعي الوحيد لملف القضية الفلسطينية مصر يؤكد على أن الخطوات جدية، وأن مصر قدمت ضمانات للرئيس عباس بهذا الشأن، بأن حماس جدية في خطواتها، مما يعزز مفهوم النظرة التفائلية الحذرة لخطوات المصالحة الحالية، وأن عجلة المصالحة تدور فعليًا ولكن ليس بفهم ونظرة شعبنا الفلسطيني الذي مجرد أن أعلنت حماس حل لجنتها الإدارية بدأت تتطالب الرئيس محمود عباس بالتراجع عن خطواته ضد غزة، وهذا لن يتحقق لأن هناك خطوات فعلية تحتاج لإنجاز وتقدم وضمانات في العديد من الملفات، وعلى وجه التحديد الملف الأمني وهو من أعقد وأهم الملفات التي يمكن أن تشكل عقبة وتضع محاذير كبيرة أمام الطرفين المتناقضين فكريًا وفق رؤيتهم لمفهوم السلام واستراتيجياته، والعمل العسكري ضد دولة الإحتلال، وهو ما يحتاج لجهد وتروي في النظر إليه أو التسرع في الحكم عليه، خاصة وأن الرئيس محمود عباس ووفق أيمانياته وعقائده السياسية لن يسمح بإزدواجية أو حلول ترقيعية جزئية في الملف الأمني، كذلك حماس لن تسمح بإلقاء بندقيتها التي تعتبر قوتها وذخيرتها الحية والجماهيرية وسطوتها الشعبية، مما يتيطلب جهد وخطط وتفاهمات وسطية يعتقد أن الطرفين يمكن لهما أن يخلقا قاعدة تقاهم حول مفهوم الأمن، ومفهوم المقاومة وبندقية المقاومة وفق صيغة توافقية إن تنازل كل من الطرفين عن بعض أيمانياتهما مؤقتًا وبضمانات مصرية، من خلال تحييد أي بندقية غير نظامية في إطار رمعين يحمي سلطة الأمن وبندقية المقاتل، أما الملفات الأخرى وعلى وجه التلحديد الموظفين فالإعتقاد أو اليقين بأن هذا الملف هناك توافق وتفاهم عليه، وربما اجراءات وخطوات الرئيس السابقة تؤكد أن حلول هذا الملف تسير وفق المخطط، ووفق نهج معين لا يمكن أن يشكل عقبة في طريق المصالحة، وأن سياسة التقاعد المبكر هي استهلال لحل هذا الملف.
إن أي حلول للمسألة الفلسطينية لا يمكن أن يستند أو يرتكز على صيغة سياسية بحته، بل هو حل متوازي مع الحلول الإقتصادية، والإجتماعية على غرار اتفاقيات تفاهمات أوسلو عام 1994 حيث كانت الحلول الإقتصادية مدخل قوة للحلول السياسية، وهذا ما سيحدث في أي مشروع سياسي مستقبلي في المنطقة، بأن الحل الإقتصادي سيتقدم على الحل السياسي وهو مطلب فتحاوي – حمساوي، بل وشعبي فلسطيني. إذن فكل المؤشرات تؤكد على أن هناك خطوات فعلية وجدية لإحداث اختراق هام وحيوي في ملف المصالحة الفلسطينية، سواء على صعيد التوافق مع حماس أو مع قوى متعددة مثل النائب الفتحاوي محمد دحلان التي ستكون أحد أجزاء ومدخلات الحل الشامل وإن كان في مراحل متأخرة وضمن التكتيكات المستقبلية بين كل أطراف المعادلة الفلسطينية.
فالخلاصة أن حماس لم تتحول لحركة ليبرالية ولن تتحول، ولكن أدركت أن معترك السياسة والعمل السياسي يتطلب فهم ومنظور مختلف، ورؤية واقعية لمجمل التضاريس السياسية في محاورها المحلية والإقليمية، والدولية والتعامل كشريك وليس كقوة منفردة لا تمتلك مدخلات المسألة الفلسطينية، خاصة وأن تجربتها السابقة زادت من عزلتها شعبيًا واقليميًا ودوليًا.
د. سامي محمد الأخرس
[email protected]
الرابع من أكتوبر(تشرين أول) 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك