الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مائة عام على الثورة البلشفية: صدى من المستقبل

أشرف عمر

2017 / 10 / 11
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


ترجمة أشرف عمر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

حين يدور الحديث عن الثورة الروسية، غالبًا ما تُرفَض بوجهٍ عام كثورةٍ فاشلة لا يُحكى عنها إلا القليل اليوم. في هذا المقال تجادل الاشتراكية الثورية البريطانية سارة كامبل بأن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فطالما كان الناس قادرين على مجابهة الاضطهاد والاستغلال، فهناك دروسٌ يمكن أن نتعلَّمها من روسيا.

حين أفاد لي أحد الطلاب بما جناه مؤخرًا من خبرةٍ عن الثورة الروسية من دراسة التاريخ في المرحلة الثانوية، بدا الأمر مدهشًا أن شيئًا لم يتغيَّر منذ أن درسته قبل 25 عامًا. لا يزال الطلاب يسمعون الكثير للغاية عن تأثير راسبوتين المشبوه على آل رومانوف الذين حكموا آنذاك، والقليل للغاية دور العمال والجماهير الأوسع في أحداث العام 1917.

كنت طالبةً في المدرسة بعد سنواتٍ قليلة من انهيار الاتحاد السوفييتي، في وقتٍ تجسَّدَ فيه فشل الكتلة الشرقية كدليلٍ دامغ على فشل الاشتراكية نفسها. وعلى أفضل تقدير، تُصوَّر الثورة الروسية على أنها تجربةٌ سارت في اتجاهٍ خاطئ، وعلى أسوأ تقدير كثورةٍ أدت بصورةٍ حتميةٍ إلى الديكتاتورية ومعسكرات الاعتقال.

لكن، حتى إذا اعتُبِرَت الثورة الروسية فشلًا، فهذا أمرٌ على الأقل يبدو مرتبطًا بخبراتٍ حديثة ومن المهم المعرفة به. بيد أن مراهقًا يعيش في العالم اليوم تُدرَّس له المجريات الغامضة التي دارت في قمة السلطة في روسيا الإمبريالية، ما يبدو من الواضح أنه بعيدٌ جدًا عن عالمنا الحالي، فلابد أن تبدو له الثورة بعيدةً بصورةٍ لا تُصدَّق.

وهذه بالفعل رؤيةٌ واسعةُ الانتشار. وكما ذكرت المُؤرِّخة الأسترالية شيلا فيتزباتريك في مجلة London Review of Books في وقتٍ سابق من العام الجاري، فإنه “في ظل هذا الانتشار للكتب الجديدة عن الثورة، قلةٌ منها فقط هي التي تُقدِّم ادعاءاتٍ قوية للأهمية الحية لها، بينما كثرة تُقدِّم ميلًا دفاعيًا. أما توني بريتون، كمُمَثِّلٍ عن هذا الإجماع الجديد، فيُقول: إن هذه الثورة قد تكون واحدةً من نهايات التاريخ الميتة، كحضارة الإنكا القديمة”.

هل حقًا لهذه الثورة أي تراث؟ وهل هناك أي دافعٍ آخر، غير الفضول التاريخي، لمصارعة أحداثِ قرنٍ كامل مضى لمحاولة فهم العمليات التي جرت والقوى التي كانت فاعلةً فيها؟

فشل
لنبدأ بالحديثِ عن الفشل. في يناير 2017، أفاد تقريرٌ لمنظمة أوكسفام الدولية بأن أغنى ثمانية أشخاص في العالم يملكون قدر ما يملك أفقر 3.6 مليار شخص – أي نصف سكان الكوكب.

وفي المملكة المتحدة، والتي تُعد واحدةً من أغنى الدول في العالم، تطرح التوقُّعات الرسمية أن العامل المتوسِّط سيتقاضى في 2021 أجرًا أقل مما كان يجنيه في 2008.

وبينما أكتب هذه السطور، كانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تلقي خطابًا تدَّعي فيه أن “اقتصادًا قائمًا على السوق الحرة، يعمل وفق القواعد والتشريعات السليمة، هو أعظم عاملٍ للتقدُّم الإنساني الجماعي على الإطلاق”. واستطرَدَت: “إنه الأفضل بلا شك، وهو بالفعل الوسيلة الوحيدة المُستدامة لرفع معدلات العيش لكل من في البلاد”.

إن التفوُّه بهذه الكلمات بعد ثلاثة أشهر فقط من حريقِ برج جرينفل، والذي لقى فيه 80 شخصًا حتفهم وشرَّدَ المئات وسط حالةٍ من التجاهل والاهتمام فقط بخفضِ التكاليف، في أحد أغنى أحياء البلاد، لهو أمرٌ مُقزِّز.

وعلى المستوى الدولي، يظل العالم أجمع شاهدًا على الظواهر المناخية وهي تُدمِّر حيوات الناس في الكاريبي وجنوب آسيا، في حين لا يزال أمثال دونالد ترامب يرفضون الاعتراف بالتأثير البشري في التغيُّر المناخي.

وفي الوقت نفسه، يُكثِّف رئيس الولايات المتحدة، في حربِه الكلامية مع كيم جونج أون، حديثه حول الصراع النووي ليصعد به إلى مستوى لم يُشهَد منذ الثمانينيات.

الرأسمالية تفشل في كل يوم. إنها لا تُلبِّي حتى الاحتياجات الإنسانية الأساسية للغالبية العظمى من سكان العالم. أما لامساواتها الاقتصادية، وكذلك حروبها، فيُحوِّلان الناسَ إلى لاجئين – يُترَكون في ما بعد للغرق إن حاولوا إيجاد ملاذٍ آمنٍ في أوروبا. وعلاوة على ذلك، تضع الرأسمالية مستقبل الكوكب برمته في خطرٍ داهم، سواء بالكوارث الطبيعية أو بالحربِ النووية.

ولا تجدي محاولات الرأسمالية عبر البرلمان نفعًا. ففي القرن الماضي، انتُخِبَت حكوماتٌ يساريةٌ عديدة في الكثير من أرجاء العالم، وبينما تمكَّنَ عددٌ منها من إدخال بعض التحسينات المؤقَّتة، لم تستطع أيٌ منها ممارسة الحكم بعيدًا عن الحقيقة الأساسية القاسية للرأسمالية: أنها نظامٌ قائمٌ على استغلال الغالبية العظمى من قِبَلِ الأقلية الضئيلة التي تملك وتسيطر على وسائل إنتاج الثروة.

لكن الثورة الروسية، وعلى وجه التحديد ثورة أكتوبر 1917، واجهت هذه الحقيقة مباشرةً، ولفترةٍ من الزمن أظهرت كيف يكون من الممكن أن يُدار المجتمع بصورةٍ مختلفة.

لكن ذلك لم ينشأ من رؤوسِ لينين والبلاشفة ليُغدِقوا بالمعرفةِ على الجماهير، بل نَبَعَ من فترةٍ تكثَّفَ فيها النضال الذاتي للعمال. وهذا النضال العمالي الذاتي لم يمتد فقط إلى مواقع العمل، بل لقد كَافَح ضد كافة أشكال الاضطهاد والمظالم السياسية التي كانت تُكبِّل العمال والفلاحين الروس لعقودٍ من الزمن.

غضب
مرَّت ثورة أكتوبر بلا دماء، نسبيًا بالطبع مقارنةً بانفجار الغضب الذي شهدته روسيا في فبراير 1917. وجاء ذلك، على وجه الدقة، لأن العمال قد تعلَّموا من خبراتهم، على مدار الشهور الفاصلة بين ثورتي فبراير وأكتوبر، حدود الديمقراطية البرجوازية (التي اتَّخَذَت شكل الحكومة الانتقالية التي تشكَّلَت بعد تنحي القيصر، والتي استمرت في الحرب العالمية الأولى، ضمن أمورٍ أخرى)، ومدى قوتهم هم أنفسهم.

توضح الكثير من الأدبيات التي تؤرِّخ للثورة الروسية، مثلما في كتاب “عشرة أيام هزَّت العالم” للصحفي الأمريكي جون ريد، كيف كان العمال مدفوعين لإدارة المصانع بأنفسهم، ولفهم عملية الإنتاج كاملةً، ولتداول المنتجات مع مواقع عمل أخرى لإنشاء شبكاتٍ للتوزيع. وهذا التعلُّم السريع و ما جعلهم مؤهلين للحكم في ما بعد أكتوبر، حين أُطيحَت الدولة القديمة وحلَّت السوفييتات محلها.

ولقد كانت السوفييتات، التي تشكَّلَت على الفور بعد ثورة فبراير، أجهزةً لمندوبي العمال والجنود والفلاحين، تتخذ القرارات اليومية والاستراتيجية للثورة، وصارت في ما بعد ثورة أكتوبر هي الدولة العمالية الوليدة.

كَتَبَ جون ريد عن ديمقراطية السوفييتات، وعن تجاوبها مع المزاج الجماهيري. وذَكَرَ أيضًا أن الناس، وليس أفرادًا معينين، كانوا يُصوِّتون على المواقف السياسية. وهذه هي العملية الديمقراطية التي من خلالها جاء البلاشفة إلى قيادة ثورة أكتوبر.

كان البلاشفة أبعد ما يكونوا عن فرضِ أنفسهم على الجماهير، فقد كسبوا أغلبيةً في السوفييتات بفضلِ استراتيجيتهم السياسية، والتي تلخَّصت في أنه إذا كان للعمال والفلاحين الروس أن ينتزعوا التحرُّر الحقيقي، وأن ينهوا الحرب، ويضعوا حلًا للمسألةِ الزراعية، فلن يتحقَّق ذلك إلا بالاستيلاء على السلطة من البرجوازية وإدارة المجتمع لتلبية مصالح المُستغَلين والمُضطهَدين. ولقد وَضَعَ البلاشفة أيضًا المظالم التي تتعرض لها النساء والأقليات الدينية والإثنية في القلبِ من أنشطتهم وشعاراتهم.

وحتى بعد ثورة أكتوبر، ظلت القيادات متجاوبةً وقابلةً للاستدعاء في أي وقت: “بعد تشكيل الحكومة السوفييتية، صار الرئيس – أو رئيس الوزراء – هو نيقولاي لينين. وإن لم تكن القيادة مقبولة أو مُرضية، لكان من الممكن استدعاء لينين في أية لحظة من خلال مندوبي الجماهير الروسية، أو في خلال أسابيع من خلال الشعب الروسي نفسه”.

لم تكن الثورة الروسية انقلابًا، كما لم تكن تجربةً ساذجة، بل لقد كانت سنواتٍ من النضال الذاتي للعمال على نطاقٍ جماهيري. لقد كانت تحرُّرًا ذاتيًا للطبقة العاملة، تمامًا كما أوضَحَ كارل ماركس قبل عقودٍ من هذه الثورة. والدفع السياسي الثوري للينين والبلاشفة هو ما جعل ذلك ممكنًا.

مأساة الثورة الروسية هي أنها لم تمتد، ولم تتمكَّن من النجاةِ وحدها. وهذا ما فَتَحَ المجال أمام ستالين وعكسه للاشتراكية لتعني حُكم الدولة بواسطة الحزب. وهذا موضوعٌ سنعود إليه بمزيدٍ من التفصيل في مقالات مُقبِلة.

تحوُّل
اندلعت الكثير من الثورات منذ العام 1917، من ألمانيا 1918 إلى مصر 2011. وستستمر الثورات في الاندلاع طالما أن الناس يُستَغَلون ويُضطهَدون. لكن سبب الأهمية البالغة لثورة أكتوبر 1917 يتجاوز خروج الناس إلى الشوارع أو تغيير رأس النظام، إلى تحوُّلٍ جذريٍ للمجتمع وبداياتِ دولةٍ كان من الممكن فيها تصوُّر نهاية الحُكم الطبقي بالكامل. وكما كُتِبَ من قبل، فالدولة العمالية ذاتها إنما هي ضرورةٌ مُؤقَّتة في الطريقِ إلى المجتمع اللاطبقي الحر.

إن النضال الذاتي للعمال لهو أكثر ضرورةً اليوم ممَّا كان عليه منذ مائة عام – ليس أقل الأسباب وراء ذلك هو أن الطبقة العاملة صارت أكبر بكثير من ذي قبل – لكننا بحاجةٍ لأن نشهد المزيد من نضالات العمال. والأزمة السياسية للدولة الإسبانية الدائرة حول الاستقلال الكتالوني تُقدِّم لنا أمثلةً على ذلك. قرَّرَ عمال الموانئ، في اجتماعٍ جماهيري لهم الامتناع عن العمل على سفن تحمل على متنها ضباطًا من الشرطة الإسبانية أو الحرس المدني. وقالوا إنهم فعلوا ذلك “دفاعًا عن الحقوق المدنية”. وكان الاتحاد العام للعمل، وهو اتحادٌ نقابي يضم عشرات الآلاف من الأعضاء، قد أصدَرَ بيانًا قال فيه: “بعد نقاشاتٍ مع نقاباتٍ أخرى، أطلقنا الدعوة للإضراب العام في 3 أكتوبر”.

طالما أن الطبقة العاملة تُنظِّم حركتها وتحاول فرضَ قوتها على أصحاب العمال، لن تذبل الثورة الروسية بين طيَّات التاريخ، بل ستظل مسارًا إلى المستقبل.

هذا الموضوع مترجم عن مجلة سوشياليست ريفيو البريطانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة