الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين الماركسي

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2017 / 10 / 11
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


الْعُورْ.

لكي تكون ماركسيًّا حقيقيًّا، يجبُ ألّا تكون وفيًّا لتعاليم كارل ماركس. وأن تتجاوز الماركسية بلا تحفّظ. وألّا تتعامل معها إلّا بوصفها إحدى الأدوات المساعدة على تحليل الواقع وفهمهِ فقط. لا بوصفها برنامجًا للتّطبيق.
يعني حين نتعامل مع الماركسية، فإنها تساعدنا على فهم الكثير من الظواهر والآليات التي تُشكّل عالمنا. ولا يجبُ التعامل معها على أنها الفلسفة الوحيدة القادرة على تفسير العالم. ليس فقط لأنّ الفكر البشري أكثر ثراءًا من الفكر الماركسي، بل لأنّ الاعتقاد في وحدانيّة الحلّ الماركسي هو ضرب من الفكر الدّيني المُغلق.

حين كتب كارل ماركس في "البيان الشيوعي" عام 1848 عن "شبح الشيوعية الذي يطارد أوربا. وعن الرأسمالية التي تحفر قبرها بيدها. وعن الثورة الإشتراكية القادمة".
هل كان كارل ماركس يرى أن الرّأسمالية بصدد الانهيار؟ وهل كانت رؤيته علميّة ؟ وهل حقًّا استنفذت الرّأسمالية قدرتها على التطوّر؟
الجواب: لا. إنّما الرّجل آنذاك كان ثوريا مستعجلًا، يناجي حلمه ويحثّه على التحقّق.
ولقد حقّقت الرأسمالية منذ ذلك الوقت إلى اليوم آلاف آلانجازات العلمية الهائلة في كلّ مجالات الحياة. فيما الماركسيون يجترّون ببلاهة مقاربتهم القديمة عن "الأزمة العامة للرأسمالية" بشكل مثير للسّخريّة.

بعد إحدى عشرة عامًا من كتابة البيان الشّيوعي، وفي مقدمة كتابه "نقد الإقتصاد السياسي"، (1859)، الذي كان تمهيدا لرأس المال (والذي سينشر جزأه الأول عام 1867)، يكبح كارل ماركس أحلامه الثّوريّة، ليكتب أهمّ مقولة في الفكر الماركسي على الإطلاق: "لا يتحطّم أي نظام اجتماعي قط قبل أن يكتمل تطوّر كل قوى الإنتاج التي تتناسب معه. ولا يمكن لعلاقات إنتاج أرقى قط أن تحلّ محلّ العلاقات القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم. ذلك أن البشرية لا تطرح على نفسها إلّا مهامّ قادرة على تحقيقها".

إنّ ماركس هو أكثر ناقد للرأسمالية. وهو -في إطار دفاعه عن الاشتراكية- أكبر من استطاع إبراز ثورية الرّأسمالية وتقدميّتها.
النظام الرأسمالي كنظام، يرتبط في أذهان الشيوعيين في تونس بالإستغلال فقط. وهو فعلًا كذلك. ولكن الدّيالكتيك الذي هو روح الماركسية، يؤكدُ وفق معجمه الدّاخلي وقرائنه أن الوصول إلى مجتمع أكثر عدالة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تطوّر قوى الإنتاج، (تطوّر التكنولوجيا وزيادة الثروة)، لكي يتحقق الانتقال إلى مرحلة أرقى بالمعنى التّراكمي. ويرتقي البشر بعد إشباع حاجاتهم، إلى طرح مطالب جديدة في التّاريخ كالمحافظة على البيئة، ومنع تشغيل الأطفال، وسنّ التشريعات المحجّرة للإحتكار، وتحقيق المساواة التامة بين الجنسين. في حين نرى اليسار النصّي السّخيف يُدافع بشراسة على ملكية الدولة وسيطرتها على الإقتصاد، معتقدًا أنّ ذلك يُمثّل نظاما أكثر عدلًا. وينسى دروس وقائع الحياة الحيّة، حيث أنتجت التجربة السوفياتية مجتمعا بيروقراطيًّا طبقيا شديد الصّرامة والانغلاق. وفي نفس الوقت عجزت تلك التّجربة "المُمجّدة" عن دفع التطور المجتمعي بعد سبعين عامًا من انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية.
والشيوعيون في تونس يطالبون بسيادة القانون، لكنهم لم يتنبّهوا إلى أن سيادة القانون وفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية لن تتحقق، ولايمكن أن تتحقق، إلا في ظل الرأسمالية، لا لأن الرأسماليين أكثر حبا للعدالة من غيرهم، بل لأن التطور الرأسمالي وبالتّالي التّاريخ نفسه لا يمكن أن يتحقق إلا حين يكون رأس المال آمنًا من النّهب والابتزاز من هذا المسؤول أو ذاك. وأنه لابدّ من وجود مؤسسة يستطيع رجل الأعمال اللجوء إليها إن حصل تعسّف بحقه. لكن مبدأ سيادة القانون حين يُطبّق، فإنه لا يتوقّف في حدود حماية المصالح الرأسمالية، بل سيحمي الآخرين من اضطهاد الرأسمالي. وفي تجارب الدّول الغربية ملايين الأمثلة عن الحالات التي حكم فيها القضاء لصالح العامل ضدّ المؤسّسات المُشغِّلة. ولصالح المواطن البسيط ضد الدّولة.

وبهذا المعنى نصل إلى استنتاج صادمٍ ومؤلم، وهو أنّ الشيوعيين في تونس أنصاف ماركسيين، من جهة كونهم يكتفون بنتائج الديالكتيك المتعلّقة بالبديل الاشتراكي المُطلق المتعالي على الواقع، وينسَوْن نسبيّة المقاربة الماركسيّة مثلما بيّنتُ أعلاه. وهم عُورْ (جمع أعْورْ) من جهة كونهم لا ينظرون إلى أهمّية الدّور التقدّمي للرّأسمالية في التّاريخ، ويكتفون بِشتمِها بشكل شعبوي وجداني. وهم أيضًا بتشبّثهم الأعمى بالنّصوص دون إدراك عدم جدواها، يتحوّلون أحيانًا عديدة إلى قوّة رجعيّة في التّاريخ بالمعنى الجدلي.

على ضِفاف هذا الموضوع، كان النّقاش مُمتعًا مع شكري بلعيد المثقّف الثّوري، والموسوعي الرّهيب. ولاحِقًا، طالما تمّ التّحريض علينا و"تكفيرنا" ماركسيًّا من أشخاص سيّئي النيّة، ضعاف الحال فكريًّا، استطاعوا استغلال حماس شباب وطنيّين غيّورين على رايتهم، واتّهمونا اتّهامات أمّيّة من صنف أنّنا غير أوفياء للماركسيّة. وهذه حقيقة لأنّنا بالفعل لسنا أوفياء إلّا لتونس وللحرّيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا


.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي




.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل