الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات الاستفتاء

خالد صبيح

2017 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الترقب والمناورة هما الأُسلوب الذي اتبعه طرفا الأزمة العراقية، الحكومة المركزية وساسة الإقليم، بعد استفتاء الاقليم في 25/9. آفاق حل الازمة تبدو واضحة، فالتفاوض والحوار هما مطلب ملح نادت به ودعت اليه اطراف عديدة، اما التصعيد والمهاترات الكلامية، الرسمية وغير الرسمية، التي تناثرت من الجانبين، فهدفها هو اختبار قوة احتمال الخصم. ورغم أن للأزمة ترابطات وأبعاد إقليمية تجعل لمواقف الدول الاقليمية ونواياها تاثير على مسار الأحداث، لكن هذه التاثيرات ستحّيد وتتراجع مفاعيلها ما أن يجلس الطرفان الى مائدة الحوار.

والسؤال هو، مالذي يمنع أو يعطل عقد هذا الحوار طالما أنه الحل الأمثل؟

لا تبدو حكومة بغداد في عجلة من أمرها، فقد رمت الكرة في ملعب الطرف الآخر، إذ اشترطت على ساسة الاقليم الغاء نتائج الاستفتاء كشرط رئيسي للحوار، مستندة في ذلك الى أرضية دستورية وقانونية، ودعم شعبي ودولي، وحماسة اقليمية لمواجهة خطوة الاقليم المنفردة. وهي تراهن على الوقت وتعّول على تفاقم الصعوبات أمام من اتخذ خطوة الاستفتاء، السيد مسعود البارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني، من ضغوط الأزمة الاقتصادية التي ستؤدي اليها الاجراءات المحتملة للمركز والدول الاقليمية؛ الى تزايد المعارضة الداخلية له ولخطوته، لاسيما وهو يمكث في منصبه ويمارس سلطاته اللامحدودة دون شرعية دستورية، وهي ضغوط وتفاعلات قد تفضي الى اضطرار ساسة الاقليم لتقديم التنازل المطلوب لتعود المياه الى مجاريها.

لكن المياه لن تعود الى مجاريها، حتى وإن انتهت الأزمة الى صفقات وتفاهمات، فأوضاع ما قبل الاستفتاء لن تكون هي هي بعده. فخطوة الإقليم وضعت تحديات كبيرة أمام الطرفين سيجتهد كل طرف منهما لان يبعد النار التي اشعلها الاستفتاء، قدر مايستطيع، عن حياضه، ويحاول الدفع باتجاه النهاية السعيدة المألوفة، حيث يجلس الطرفان ليتفاهما على مااختلفوا عليه، ويتفاهمان.

هذه النهاية السعيدة ليست مستبعدة في ظل تركيبة السلطة والسياسة في العراق، القائمة على التوافقات والمحاصصة والارتهان السياسي للخارج، لكن قبل وقوعها، إن وقعت، سيكون هناك مخاض يحمل بعض التحديات للجانبين، وأهمها وأكثرها صعوبة هو التحدي الذي سيواجهه السيد العبادي في قيادته للدولة.

فالسيد "العبادي"، الذي أدار الأزمة بتروٍ وهدوء، قرر الاستناد الى الدستور والقانون، وأتخذ، مع مجلس الأمن الوزاري، مسنودا بحماسة "منقطعة النظير" من البرلمان العراقي، عدة اجراءات ضد ساسة الاقليم، فالحكومة كانت تلح على أنها ستجنب مواطني الاقليم عواقب خطوة الاستفتاء. وكانت أهم الاجراءات المزمعة هي متابعة حسابات مصرفية أودع فيها أفراد من أسرة البارزاني، ومقربون منه، عائدات النفط الذي يباع أو "يهرّب" من الإقليم.

إذن "جريمة" ساسة الإقليم هي خرق الدستور، والفساد الاداري، ونهب المال العام. وأي متابع للوضع العراقي يعرف أن ساسة الإقليم ليسوا الوحيدين الذين خرقوا الدستور ونهبوا المال العام، وهذا الواقع يضع تحديات أمام السيد العبادي، فهو إذا نجح في مسعاه بتنفيذ إجراءات حكومته ضد ساسة الاقليم، وهو نجاح سيكون مكلفا له، عليه أن ياخذ هذا النجاح وينطلق به كتتمة موضوعية لمعالجة الفساد داخل بيته؛ حزبه وائتلافه وحكومته. فهو يعرف قبل غيره أن المكان من حوله مليء بخارقي الدستور والمتلاعبين بالقوانين والسارقين، أو قل الناهبين للمال العام، وهؤلاء جميعا يشغلون مواقع في السلطات الثلاث، وهم من يشكل جسد السلطة بكل مرافقها، ويجب عليه أن يمارس ضدهم ما مارسه ضد ساسة الاقليم، وإلا سَيطعن الرأي العام بجدية توجهاته وبجدارته كرئيس للسلطة التنفيذية. لاسيما وأن مطالب متكررة يرفعها محتجون بشكل متواصل في ساحة التحرير، ومن على المنابر الإعلامية، تلح على معالجة ملف الفساد الذي هو، في حقيقة الأمر، الأهم من بين جميع الملفات، فمنه وبه بدأت مصائب البلد.

لا أحد يحمل، مهما أفرط بالتفاؤل، أوهاما حول ممكنات معالجة ملف الفساد، فالفاسدون صاروا قوة منظمة ومتمرسة، ونسجوا من حولهم شبكة متداخلة يتساندون مع بعضهم فيها، ما يجعل إمكانية اختراقهم، بأي إجراء، أمر صعب، إن لم يكن مستحيلا، ما يعني أن معالجة الأمر تتطلب تحولا جذريا في بنية النظام كله، وهذا لايمكن أن يتم، بطبيعة الحال، من داخله، الأمر الذي يفتح باب التساؤل من جديد حول قدرات السيد "العبادي"، واستعداده وأهليته، على تجاوز خلفيته ومرجعيته الحزبية والأيدلوجية، التي قيدته فيما مضى، وتقيده وتمنعه الآن من القيام بأي فعل يعارض إرادتها ومصالحها، كي يقوم بخطوة استثنائية تنقله وتنقل البلد الى مرحلة جديدة تفتح أفقا لتجاوز الأزمة المركبة التي يعيشها.

الطريف أنه في ظل انسداد الوضع السياسي المستمر منذ السقوط عام 2003 وحتى الآن، جنحت مخيلة الكثيرين الى حل سحري لمعضلة الحكم العراقية يتحقق على يد زعيم جريء، مثل الرئيس الروسي فلادمير بوتين، يدير البلد بقبضة حديدية تخفف من وطأتها بعض الحريات العامة، يعيد للدولة وللقانون هيبتهما، ليكون بديلا عن الفوضى والفساد المستشريين في مفاصل الدولة، لكن الخشية هي في أن تقع الماساة، ولايحصل العراقيون، وهم يبحثون عن "منقذ" لأوضاعهم المستعصية في شخصية شبيهة بالرئيس الروسي بوتين، على أكثر من الرئيس المصري السيسي، لكن بنكهة عراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن