الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رساله مفتوحه في تشظي اليسار وفقره الثقافي

سالم المرزوقي

2017 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية




بصراحه كنت ممن نعتوا الأحزاب اليمينيه وخاصة منها الأحزاب الدينيه مثل حزب النهضه بالفقر الثقافي والمعرفه،لكن تطور العلم ووسائل الاتصال الرقميه والحريات التي اكتسبناها بعد 14 جانفي كشفت أن اليسار التونسي عموما ليس بعيدا عن وصفه بالفقر الثقافي والمعرفي(الاستثناء بعض المثقفين المميزين الذين نحتوا ذاتهم خارج حلقات الاحزاب والنقابات )،لست مدعي معرفه لكني على الأقل أعرف أين وضعت رجلي من اليوم الأول الذي حدث فيه ارتجاج لعقلي الموروث وتسلحت بالعلمية والجدل والنقد والرفض،فاندفعت لأتدارك ما فاتني ولازلت أبحث في كل لحظة عن الجديد ومع كل خطوة في هذا الاتجاه أكتشف أكثر جهلي وفقري المعرفي ،لكن ما اكتشفته عن اليسار التونسي أنه يجهل حتى تاريخ الماركسيه والثوراة والمحطات الكبرى التي مرت بها،والأدهى والأمر أنه ينقل سطحيته للأجيال الشابه المتوثبه للثوريه وثقافة التغيير باستعمال الشعارات والعناوين الدعائيه والمظاهر ولا ينتبه للثقافة في الرواية والشعر والتاريخ...والتي كلها ميادين أبدع فيها اليساريون ونحتوا فيها قيمه جماليه وواقعيه يعجز اليمين على الوصول إليها.
كنت منذ أيام مشغولا بأحداث كاتالونيا وانفصالها وكنت مساندا لانفصالها عكس انفصال الأكراد في العراق،ليس استنقاصا من قيمة الشعب الكردي المظلوم تاريخيا(مظلوم داخليا من قادته وخارجيا من محيطه الاقليمي والدولي) وليس استخفافا بثقافته ،فالشاعر الكردي بولند الحيدري لا يقل قيمة عن لوركا الكاتالوني الذي أعدمته الفاشيه خاصة أن بولند حفر عميقا في وجداننا بالتأسيس للشعر العربي الحديث بمعية السياب ونازك الملائكه ،،لكن قراءة السياسة لا تتطلب التجريد والايديولوجيا بل تتطلب قراءة الواقع كما هو،فاستفتاء الأكراد عمليه صمصره يقوم بها مسعود البرزاني العميل لصالح الحلف الصهيوأطلسي للتعويض له عن هزائم مشروعه أمام محور المقاومه في سوريا ولبنان واليمن والعراق ولا علاقه لها بمصلحة الشعب الكردي وطموحاته ،بل ربما تحول هذا الاستفتاء المغامره لشرارة حرب إقليميه كبرى يكون الشعب الكردي وحده وقودها أما في كاتالونيا فالوضع مختلف تماما فالاستفتاء هو طموح الشعب الكاتالوني التاريخي في التحرر بعد يأس من صعود اليسار في مدريد(حزب بوديموس) وسيطرة الليبراليه وفرضها لسياسة التقشف والمس قوته ونهب مقدراته لحساب الرأسمال المالي الجشع،فرغم قيادة القوميين لكاتالونيا وللاستفتاء فإن اليسار الكاتالوني والنقابات الممثلين للطبقه العامله والفئات الضعيفه كانوا الأكثر حضورا والأكثر تعبيرا عن مصالح عموم الشعب الكاتالوني(لهم سبعين دائره بلديه وتحالف قوي في البرلمان) وهم محرك رئيسي في الدفاع عن مصالح الطبقات المتضرره من نظام مدريد الرأسمالي،والأهم أن هذا اليسار الكاتالوني والنقابي يختزل في تاريخه أول تجربه للجبهه الشعبيه التي فازت بالانتخابات سنة 1936 وأسست الكومونات والتعاونيات العماليه والفلاحيه التي انقلبت عليها الفاشيه وخذلتها الحركه الشيوعيه وقدمت آلاف الضحايا من عمال وفلاحين فقراء،وقد رأينا عبر الفضائيات دموع بعض كبار السن تنهمر عندما أعلن الرئيس الكاتالوني تعليق الانفصال لأن هؤلاء يحملون عذابات القمع الملكي الفراكني للديمقراطيه والحلم الثوري الذي دفنته أحداث الانقلاب الفاشي والذي سمي باطلا " الحرب الأهليه الاسبانيه " وهو في الحقيقة انقلاب دموي على الديمقراطيه وعلى سلطة الشعب المنتخبه.
الى اليساريين واليساريات وخاصة فئة الشباب الحالم أقدم لكم كتاب "الحنين الى كاتالونيا" وهو كتابا مميزا وصورة صادقه عن نضالات أحد البروليتاريين الصادقين إبان مواجهة الفاشيه والامبرياليات في إسبانيا وفي كاتالونيا الثوريه بالذات، وأعتقد أن أدباء وشعراء الثوره الاسبانيه كانوا مصدر إلهام لأدباء وثوار أمريكا اللاتينيه ومثقفيها كماركيز وتشي غيفارا ، وأحدهم هذا الكاتب الفذ جورج أورويل ، هذا الانقليزي الأممي المتمرد على الرأسماليه الذي تطوع للدفاع عن نواة الثوره البروليتاريه في اسبانيا وأرسل رسالة واقعيه عن الجبهات والقتال والصراعات والطبقيه وفكك أسرار تفكك اليسار ،ليس من الموروث المدون في الأدبيات كما يفعل مثقفو البرجوازيه الصغيره،بل من الواقع في برشلونه ومجتمعها ومتاريسها وسجونها وصحافتها.
"الحنين الى كاتلونيا" كتاب فاق الرواية في سحره السردي ليتحول لعرض سينيمائي وغاص مؤلفه في أعماق الحلم الثوري فصور مشاعر المقاوم الفدائي في الخنادق شجاعة وخوفا،وصور معاناته بواقعيه يعجز عنها كبار المخرجين ،وقيّمه سياسيا واجتماعيا،وفضح النفاق والزيف واختراق القوى اليساريه والنقابات وانحرافها وخيانة بعضها للطبقات الشعبيه وأعلى من قيمة النضال البروليتاري الصادق وانسانية الرساله التي يحلم بها كل يساري من نبل وحب وسلم،ليس سهلا أن يبدأ القارئ مطالعة هذا الكتاب ويتركه فهو سحر فني من الصعب مغادرته قبل الوصول لصفحته الأخيره كمن يشاهد مسلسلا دراميا بنهايته ينتحر حلم ثوري و يدفن في بارشلونا الثوريه.
في الأخير فإن الرسالة من تقديم كتاب"الحنين الى كاتالونيا" ليس هدفه دعاية لاستقلال كاتالونيا بل هو تحفيزا لليسار التونسي لقراءة الإرث الثقافي للنضالات التي خطها مناضلون كبار بالتضحيات والدماء وليس بالمظاهر الجوفاء والدعايه الرخيصه والمتاجره بالمبادئ ،حتى يدركوا أن التفكك والتشتت ليس جديدا بل عمره قرابة القرن وبعدنا لم ندرك أنه نتاج لضحاله وفقر ثقافي وعدم فهم لقيمة التجارب التي عايشها وصنعها ثوريون مثل جورج أوريول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جورج ارويل وتقييمات تماما متناقضه-امر غريب حقا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2017 / 10 / 15 - 07:17 )
تحياتي استاذ سالم-حقا ملاحظتك مهمه جدا حول الفقر الثقافي لليسار ليس فقط في تونس الامر يتوسع ليشمل منطقتنا كلها
الامر الذي جلب نظري هو تقييمك الايجابي العالي لجورج ارول في حين ان احد كبار مثقفينا العراقيين وهو برفيسور في الاقتصاد كتب سلسله من المقالات يمكن اعتبارها دراسه علميه نشرت هنا على صفحات الحوار المتمدن قبل اشهر بلربما يمكنك الادلاع عليها والتفاعل معها فاءنت تعتبره مثالا للمثقف الثوري وصاحبنا ا د حسين علوان يعتبره ليس اكثر من عميل خسيس كما انني كتبت تعليقا قبل ايام على بيان عن الحوار بين بعض تاظيمات اليسار العراقي قلت فيه ان المنتمين لليسار عندنا يتميزون بامية شديدة-فيما سميته-الجغرافيا الاقتصادية الاجتماعية الثقافيةوالسكانية والثقافية-وقد تعمدت استعمال كلمة الجغرافية لان الكثيرون يعتبرون ثقافة اليسار المطلوبه هو المجال الايديولوجي مضيقين اياه الى الشعارات والبعض من الكلمات والمصطلحات
تحياتي

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام