الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوانب من طبيعة ثورة أكتوبر البلشفية

عبد السلام أديب

2017 / 10 / 16
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


1 – تعتبر ثورة أكتوبر 1917 انطلاقا من طبيعتها جزءا من الحركة الثورية البروليتارية العالمية، ويعتبر لينين هو من ألحق بها هذه الصفة بشكل واع، ولو أنها تظل من حيث الشكل مقتصرة على روسيا.

2 – وفي زمننا هذا علينا الحاق كل الثورات بإستراتيجية وتكتيك الثورة الاشتراكية العالمية وفي أفق تحققها الملموس.

3 – تتميز ثورة أكتوبر 1917 بجوهرها القائم، من بين أشياء أخري على مرحلتين أساسيتين: حيث ارتكزت المرحلة الأولى على ثورة ديمقراطية حدثت في شهر فبراير ضد الهيمنة الاستبدادية للقياصرة وحققت في مرحلة ثانية تحرر الطبقة العاملة من الامبريالية الروسية عن طريق ثورة بروليتارية اشتراكية. وقد كتب لينين في هذا الصدد ما يلي:
"إن الشيء الأصيل في الوضع الراهن في روسيا، إنما هو الانتقال من المرحلة الأولى للثورة، التي أعطت الحكم للبرجوازية نتيجة لعدم كفاية الوعي والتنظيم لدى البروليتاريا، إلى المرحلة الثانية للثورة، التي يجب أن تعطي الحكم للبروليتاريا، وللفئات الفقيرة من الفلاحين ". (لينين، موضوعات نيسان، مقدمة الأطروحة الثانية).

4 - إن الاسقاط العنيف للنظام القيصري، هو ما مكن الحركة العمالية وحركة الجماهير وأيضا القوى المنظمة للحزب البلشفي من تحقق الثورة البروليتارية. فلقد مكن ذلك من تشكيل أغلبية بلشفية داخل السوفييتات التي تضم العمال والبروليتاريا الزراعية والفلاحين الفقراء من أجل الثورة البروليتارية.

5 – لقد شكل ديالكتيك الثورة الديموقراطية والثورة الاشتراكية البروليتارية عاملا أساسيا في نجاح الثورة الاشتراكية.

6 – في هذا الصدد كانت الثورات في البلدان الامبريالية الدولية القديمة خلال القرون الماضية، تقوم أيضا على أساس مطالب ديمقراطية. وخلال القرن العشرين، حصلت أغلبية البلدان المستغلة والمضطهدة من طرف الاستعمار العسكري القديم على استقلالاتها الشكلية عبر معارك عنيفة ديموقراطية وثورية. لكنها استمرت تخضع للتبعية والاستغلال والاضطهاد من طرف الامبريالية عبر نظام استغلالي من نوع جديد، تمثل في الاستعمار الجديد.

7 - وعقب انهيار كتلة البلدان البيروقراطية الرأسمالية(ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي عقب اغتيال ستالين) تشكلت سوق وحيدة عالمية مهيمنة، ومن تم قام تنظيم جديد للإنتاج الدولي شكل تحولا عميقا في اطار النظام الامبريالي العالمي.

8 - ومع تدويل قوى الإنتاج وانتشار ديكتاتورية رأس المال المالي الدولي المهيمن بدون شريك، وهي الديكتاتورية التي ما فتئت تتوسع بدون توقف على صعيد الكوكب بكامله، فإن بلدانا كانت تخضع في الماضي للتبعية والاستعمار الجديد، تطورت نحو بلدان رأسمالية بل وحتى الى بلدان امبريالية جديدة. بينما تم افلاس وتخريب بلدان أخرى تابعة للاستعمار الجديد بشكل كامل الى درجة أنها لم تعد تتوفر لا على جهاز دولة ولا على بنيات تحتية (ليبيا، سوريا، العراق، أفغانستان، ...). وحيث أصبحت الطبقة العاملة والجماهير الواسعة توجد في مواجهة مباشرة مع الرأسمال المالي الدولي المهيمن بدون شريك والذيأخذ يستغل بكتافة مواردها الأولية وأياديها العاملة ويعمل على نهب أراضيها... .

9 - في جميع البلدان ومع انتشار نمط الإنتاج الرأسمالي – كيفما كانت درجة تقدمها – أصبحت البرجوازيات الوطنية تتداخل بشكل معقد جدا مع رأس المال المالي الدولي المهيمن بدون شريك. حيث أصبحت استثماراتها وتدفقات رؤوس أموالها ورأس المال الموظف في الآلات والتجهيزات ومصانعها المساهمة مختلطة رأس المال، والرأسمال الفلاحي ... الخ، متداخلة بحيث أصبح شبه مستحيل تفكيكها، مما جعل السياسات المعتمدة رهينة بهذه التبعية المطلقة. لذلك أصبح هدف التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي في مواجهة الطبقات المهيمنة داخليا يصعب تحقيقه ما لم يرتبط أشد الارتباط باسقاط رأس المال المالي الدولي المهيمن بدون شريك المرتبط بهذه الطبقات.

10 – من أجل خلق شروط البناء الاشتراكي، يجب على الثوريين في هذه البلدان الانكباب على مطالب الإصلاح الزراعي وتجاوز التخلف ونقص التنوع الاقتصادي والقضاء على بقايا الإقطاع والتبعية تحت قيادة البروليتاريا الصناعية في تحالف مع الجماهير الواسعة وقطاعات من البرجوازية الوطنية غير الاحتكارية. ..

11 – الطبيعة الأساسية للثورة يحددها بدرجة أولى النمو النوعي للمجتمع . وإذا ما تحول بلد تابع إلى دولة إمبريالية يصبح التحضير للثورة الاشتراكية على رأس جدول الاعمال. وبسبب انعكاسات الاستغلال والاضطهاد الاستعماري الجديد واستمرار البنيات الاقطاعية، يتطلب التحضير لثورة ديموقراطية، تعتمد كمرحلة أولى للانتقال الى مرحلة الثورة الاشتراكية.

12 - لقد انتقد لينين عقب ثورة فبراير 1917 المعارضة الدوغمائية المختلفة المدافعة على فكرة كون الثورة الديمقراطية لم تنتهي بعد ولذلك فإن الثورة الاشتراكية تكون سابقة لأوانها. وقد اعتمد لينين معيارا رئيسيا، تمتل في نقل السلطة الى أيدي طبقة جديدة للحلول محل سيادة القيصرية الاقطاعية. لذلك وصف لينين الطابع الرئيسي لثورة فبراير 1917 في "انتقال السلطة الى البرجوازية (...) حيث، غدت السلطة بيد طبقة أخرى، طبقة جديدة، هي البرجوازية" (لينين، رسائل حول التكتيك 1917). كما اعتمد لينين معيارا ثانويا، تمثل في القضاء على بقايا الاقطاع الذي أصبح من الضروري تجازه. وقد اعترض لينين على البلاشفة القدماء الذين كانوا: " يرددون صيغة محفوظة غيبيا وعن غير وعي، بدلا من دراسة أصالة الواقع الجديد الحي".(لينين، رسائل حول التكتيك، المرجع السابق).

13 – في اطار بلد امبريالي، فإن الثورة الاشتراكية هي وحدها من يستطيع تحقيق التحرر الديمقراطي. في مقالته حول الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر سنة 1921، كتب لينين "لقد حللنا مهام الثورة البرجوازية -الديمقراطية بشكل عابر، خلال السير، بوصفها "نتاجا ثانويا" لنشاطنا الرئيسي والحقيقي، البروليتاري- الثوري الاشتراكي". فالنضال من أجل التحرر الديموقراطي يعزز في نظر لينين القوى الثورية الاشتراكية – بينما تحقق الثورة الاشتراكية التحرر الديمقراطي والاجتماعي في نفس الوقت.

14 - هناك اعتراضات حول المسار الثوري اليوم،تقول أنه يجب على الثوريين في البلدان الامبريالية الجديدة أن يعملوا على تحقيق ثورة مناهضة للامبريالية أولا وأن يتم التحضير بعد ذلك للثورة الاشتراكية والا سيتم اضعاف قوى النضال المناهض للامبريالية.

15 - لكن ديالكتيك الثورات الديموقراطية والاشتراكية لا يمكن استبدالها لا بسيرورات ميتافيزيقية ولا عبر محددات غير مرنة. فالتداخل الديالكتيكي الأساسي يجب أن يتم تحليله وتطبيقه بأساليب مبدعة طبقا لخصوصيات المرحلة وعبر تحليل ملموس للواقع الملموس. إن الأشكال الملموسة لكل بلد على حدة تعتبر جد متنوعة تنوع الحياة نفسها. ولذلك، قد نجد في تركيا الامبريالية الجديدة القائمة على هيمنة فاشية مثلا، وجود معارضة ديموقراطية مناهضة للامبريالية تعمل تحت قيادة الطبقة العاملة وتشكل خطوة على طريق الثورة الاشتراكية. كما أن النضال من أجل التحرر الوطني للشعب الكردي المضطهد، يشكل هو الآخر جزءا من هذا السياق. وفي جنوب افريقيا الامبريالية الجديدة، فهناك نضال من أجل تجاوز كامل لنظام العزل العنصري، وفي الهند الامبريالية الجديدة كذلك، يصبح النضال من أجل تفكيك النظام الاقطاعي للطوائف الدينية، يشكل جزءا أو خطوة قادمة نحو الثورة الاشتراكية.

16 - كذلك فإن أشكال الصراع يجب أن تتم معالجتها بأسلوب ديالكتيكي. فقد شكلت ثورة أكتوبر قبل كل شيء انتفاضة مسلحة. لكن ذلك لا يؤرخ سوى لاسقاط سلطة البرجوازية. وبعد الثورة، كان لا بد من شن حرب عصابات الى غاية سنة 1924 ضد مختلف امراء الاقطاع، وأيضا حرب مقاومة مناهضة للامبريالية ضد هجوم العديد من البلدان الرأسمالية والامبريالية التي استهدفت تدمير الاشتراكية.

17 - وبدون شك، فإن القدرات من أجل الانتفاضة المسلحة للطبقة العاملة توسعت كثيرا وتزايدت، نتيجة النمو الهائل في أعداد الطبقة العاملة في البلدان الامبريالية الجديدة، ونتيجة بلترة شرائح أخرى من المجتمع والإخاء مع الطبقة العاملة لأجزاء دائما اكثر اتساعا من المضطهدين. إن الانتفاضة المسلحة توجد في تداخل ديالكتيكي مع انتفاضات ونضالات ديموقراطية، وحروب شعبية مؤقتة ... الخ.

18 - وتتمثل الثورة الاشتراكية الدولية في كافة الثورات الديمقراطية والاشتراكية وتركيباتها. وثوريو العالم اليوم يجب أن يحللوا واقع بلدانهم بشكل ملموس. كما يجب تحديد الديالكتيك الملموس لشن الصراع من أجل الديمقراطية والحرية والصراع من أجل الاشتراكية الحقيقة، بين الثورة الوطنية الشعبية والدولية. حيث يمكن ذلك من توسيع قدرات الثورة الاشتراكية الدولية.

19 – الانتفاضة المسلحة والعنف الثوري لثورة أكتوبر 1917، لم يكن وليد ابداع البلاشفة سنة 1917 بل انبثقت أيضا اسسها الاستراتيجية والتكتيكية خلال التجربة والممارسة العملية للبلاشفة منذ تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي ويمكننا الرجوع الى كتابات لينين ، لتحديد معالم هذه الأسس النظرية.

20 –تطرق فريدريك انجلز في كتابه ضد دوهرينغ الى أن : " العنف يلعب في التاريخ دورا آخر أيضا، وهو دور ثوري، وأنه، على حد تعبير ماركس، يعتبر مولدا لكل مجتمع قديم عندما ينمو في أحشائه مجتمع جديد، وأن العنف هو الأداة التي تشق الحركة الاجتماعية الطريق بواسطتها وتحطم الأشكال السياسية الميتة المتحجرة". (فريدريك انجلز، ضد دوهرينغ، نظرية العنف، الصفحة 216).

21 - وقد استلهم لينين من كتابات كارل ماركس وفريدريك انجلز ضرورة العنف الثوري عندما أعلن أن "المشاكل الكبرى في حياة الشعوب لا يتم حسمها الا بواسطة القوة". كما أضاف في مكان أخر: "يكون من المناسب، خاصة، أن يذكر حزب البروليتاريا بضرورة خوض حرب حقيقية ضد الحركة المعادية للثورة، فإن قضايا الحرية السياسية والنضال الطبقي الكبيرة لا يحلها في آخر الأمر غير القوة، فيجب علينا أن نعتنى بإعداد وتنظيم هذه القوة واستعمالها بنشاط، لا للدفاع وحسب، بل للهجوم أيضا" (لينين، خطتا الاشتراكية الديموقراطية في الثورة الديموقراطية، يونيو 1905، المجلد 11، الصفحة: 417.

22 - فعلى قاعدة هذا المنطق الثوري وانطلاقا من الممارسة الثورية للبلاشفة تحت قيادة لينين، نستخلص دروسا غير مسبوقة حول موضوع الانتفاضة المسلحة،

الاستراتيجية وتكتيك الانتفاضة المسلحة

23 - التطبيق العملي للتجربة البلشفية منذ انشاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي تذكرنا عبر كتاب لينين "ما العمل؟ 1902" بمرحلتهم الاستراتيجية الأولى، والتي تتلخص في بناء حزب الطبقة من نوع جديد واستقطاب مناضلين أعضاء جدد من خلال تكتيكات الدعاية والتحريض، غطت أنشطة عادية يومية، جارية، وهيئت من خلال ذلك القوى، وتعمق بالتالي خط الحركة العمالية، ... الخ.

24 - ستترك هذه المرحلة الأولى المكان لمرحلة استراتيجية جديدة ستجد نقطة نضوجها سنة 1905، حينما حدث تراكم في العمل السياسي للحزب الاشتراكي الديموقراطي وسط الجماهير العمالية والفلاحين الفقراء. وقد حدث هذا التطور الذاتي للحزب البلشفي بالموازاة مع تفاقم موضوعي للازمات الاقتصادية والاجتماعية في مختلف أرجاء روسيا عمقتها هزيمة روسيا في حربها مع اليابان. لقد تشكلت إذن، مرحلة أزمة ثورية حادة تتطور بسرعة، دفعت نحو مظاهرات وانتفاضات جماهيرية (مظاهرات يناير وفبراير 1905).

25 - وقد أكد المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي المجتمع في لندن في شهر مايو 1905، والذي ضم البلاشفة فقط (علما أن اجتماعا عاما موازيا للمناشفة وتروتسكي وبليخانوف، انعقد في جنيف في نفس الوقت نتيجة انقسام الحزب خلال مؤتمره الثاني، وحيث اختلفت المواقف السياسية للاجتماعين بشكل جذري)، بشكل واضح على الرؤية الاستراتيجية الجديدة جوابا على الوضعية السياسية الجديدة. دافع مؤلف لينين "خطتان للاشتراكية الديموقراطية في الثورة الديموقراطية" عن الاستراتيجية والتكتيك المتبعان من طرف البلاشفة خلال ثورة 1905 في مواجهة مواقف المناشفة في اجتماعهم العام الموازي بجنيف، خصوصا في ما يتعلق بانتفاضات أكتوبر ودجنبر 1905 المسلحة والتي تم سحقها من طرف النظام القيصري.

26 - نفس الرؤية الاستراتيجية وتكتيك الانتفاضة المسلحة التي بلورها المؤتمر الثالث سنة 1905 سيتم تعميقها وتتبعها خلال ثورة أكتوبر 1917، وهو ما حقق نتائج باهرة.

الارتباط بين الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية

27 - في مؤلفه "خطتان للاشتراكية الديموقراطية في الثورة الديموقراطية"، يذكر لينين بتحذير ماركس التالي: "إن الإفلاس السياسي يتهدد الاشتراكي الذي يخلط بين نضال البرجوازية الصغرى من أجل ثورة ديموقراطية كاملة وبين نضال البروليتاري من أجل الثورة الاشتراكية"، تم يضيف: "ومع ذلك، فان شعارنا: الديكتاتورية الديموقراطية الثورية للبروليتاريا والفلاحين تحمينا بشكل كامل ضد هذا الخطأ. اعترافا بشكل مؤكد بالطابع البرجوازي لثورة غير قادرة على الخروج مباشرة من اطار ثورة فقط ديموقراطية، شعارنا، لندفع الى الأمام بهذه الثورة؛ يتعلق بها الأمر ان يسند لها الأشكال الأكثر تفضيلا للبروليتاريا؛ ويرتبط بها، نتيجة لذلك، ان يتم استعمال الى أقصى درجة الثورة الديموقراطية بهدف ضمان أفضل لنجاح النضال اللاحق للبروليتاريا من أجل الاشتراكية".

28 - فحسب هذه المقولة، فإن لينين يميز بشكل واضح بين الثورة الديموقراطية البرجوازية الصغرى والثورة الاشتراكية البروليتارية، لكن في نفس الوقت فإن الاستراتيجية وتكتيك الثوريين البلاشفة وضعت روابط متينة بين الثورتين، حيث أصبحت الأولى (الثورة الديموقراطية) شرطا سببيا للثانية (الثورة الاشتراكية). يقول لينين في هذا الصدد: "يجب الدعاية لفكرة العمل من القمة، يجب الاستعداد لأشد الأعمال الهجومية حزما، يجب دراسة شروط هذه الأعمال وأشكالها، وقرار المؤتمر (الثالث) يضع في المرتبة الأولى اثنين من هذه الشروط، أحدهما يتعلق بالناحية الشكلية من اشتراك الاشتراكية الديموقراطية في الحكومة الثورية المؤقتة (رقابة الحزب الصارمة على مفوضيه) والثاني يتعلق بطابع هذا الاشتراك بالذات (حيث لا يجب أن يغيب عن البال ولو لحظة واحدة هدف الانقلاب الاشتراكي الكامل)".(لينين، خطتان .. المرجع السابق، الصفحة: 418.

29 - ومن أجل أن يتحقق هذا الانتقال، يطالب لينين بتحالف وثيق بين البروليتاريا والفلاحين الفقراء، نظرا لقرابتهما وانبثاق الطرف الأول عن الطرف الثاني، فهما معا المستفيدان المباشران من هذه الثورة الديموقراطية. فمن الأجدى، بالنسبة للينين، أن تتم التحويلات الضرورية في الاتجاه البرجوازي الديموقراطي بالطريق الثوري لا بطريق الإصلاحات. فبمجرد وضع البرجوازية، بوصفها طبقة في المجتمع الرأسمالي، يولد حتما تذبذبها في الانقلاب الديموقراطي، ومجرد وضع البروليتاريا بوصفها طبقة، يضطرها أن تكون ديموقراطية منسجمة الى النهاية. فالبرجوازية تتطلع الى الوراء، خوفا من التقدم الديموقراطي الذي يهدد بزيادة قوى البروليتاريا، بينما ليس للبروليتاريا ما تفقده غير سلاسلها، وأمامها عالم تكسبه بواسطة الديموقراطية. (لينين، المرجع السابق، الصفحة: 443.

30 - إن هذه الرؤية الاستراتيجية ظلت تحافظ على وضوحها في مختلف كتابات لينين اللاحقة منذ ثورة 1905، ثم عبر سيرورة تجسيد هذه الرؤية عمليا وتعميقها، تمكن المناضلون البلاشفة من تحقيق الانتصار خلال ثورة أكتوبر 1917.

المرونة في تكتيك المعركة


31 - باعتباره معجبا بكتابات الجنرال الألماني كارل فون كلاوزيتز حول الحرب، ظل لينين يطبق بشكل مبدع أطروحته القائلة: "أن الحرب هي مجرد استمرار للسياسة بوسائل أخرى"؛ ذلك أنه خلال اصطدامات الصراع الطبقي، تلجأ البرجوازية المهيمنة الى توظيف كافة قواها القمعية البشرية وكافة عتادها الحربي من وسائل تقنية وآليات من أجل سحق وقمع كافة المطالب الديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين الفقراء. فحدوث الاصطدامات والمناوشات بين قوى غير متوازنة في العدة والعتاد للطبقتين الرئيسيتين المتصارعتين، يتطلب من البروليتاريا مرونة كبيرة في التكتيك البروليتاري، وتدخل هذه المرونة في التكتيك في مجال فنون الحرب، وذلك في توافق تام مع المادية الديالكتيكية والعلم الماركسي اللينيني.

أشكال التنظيم وشعارات المرحلة

32- أشار ستالين في مداخلاته سنة 1923 أمام الأندية العمالية والطلبة الشيوعيين بالجامعة، تحت عنوان: "الاستراتيجية وتكتيك الشيوعيين الروس"، أنه خلال الحرب الطبقية يجب اللجوء الى كافة أشكال التنظيم والتي تجب ملائمتها مع الأوضاع الملموسة. فأشكال التنظيم إذن تتغير بحسب أشكال النضال المعتمدة.

33 - بالنسبة لستالين سواء في المجال السياسي أو في المجال العسكري، يجب دائما ملائمة التنظيم الذي يقع الاختيار عليه مع أشكال النضال. وفي هذه الحالة هناك العديد من الاختيارات المطروحة، كالتنظيم السري للثوريين المحترفين في ظل الأنظمة الاستبدادية، والمنظمات الثقافية والتربوية والتنظيمات النقابية والتعاونيات ولجان المصانع ولجان الفلاحين، ولجان الإضرابات، ولجان مندوبي العمال والجنود، ولجان العسكريين الثوريين. إن الحزب البروليتاري الثوري يمكنه أن يجمع كافة أشكال التنظيم، خصوصا خلال مرحلة العمل الجماهيري والانتفاضات.

34 - تلك هي باختصار أشكال التنظيم الأساسية، والتي يمكن للبروليتاريا الاعتماد عليها في ظروف متغيرة. وقد شدد ستالين على أن الحزب يجب أن يستوعب جميع هذه الاشكال التنظيمية والانتقال بها الى مستويات عالية من الكفاءة والتركيب الملائم لأنشطتها في كل لحظة.

35 - من جهة أخرى، تطرق ستالين الى الأهمية الكبرى للصياغة المتأنية الجيدة لشعار المرحلة من خلال قرارات تترجم أهداف الانتفاضة والحرب الطبقية أو المواجهة.

36 – يشكل شعار المرحلة بحسب ستالين العنوان الواضح والدقيق لأهداف النضال، المباشرة أو البعيدة، تصيغها مجموعة قيادية. وتختلف شعارات المرحلة بحسب ما إذا كانت أهداف النضال تحتوي كامل المرحلة التاريخية أو انها تهم فقط مرحلة واحدة أو بضعة فترات من هذه المرحلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق