الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة بوش للأمن القومي بين رشَح أوباما و إنفلونزا ترامب

مسار عبد المحسن راضي
(Massar Abdelmohsen Rady)

2017 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


عقيدة بوش الأبن للأمن القومي بين رَشح أوباما وإنفلونزا ترامب
مسار عبد المحسن راضي

عقيدةُ الرئيس الأمريكي السابق- جورج بوش الأبن، تعتبرُ علامةً فارقة في سياسات الأمن القومي الأمريكي. هذه العقيدة باتت على حدّ تعبير "إيان شابيرو- نظرية الاحتواء" التي تندر عليها ( تشبهُ وجبةً من البطاطا الديموقراطية، المُعدّة في مطبخ كافتيريات الكابيتول) .
شابيرو شخّص الطلاق الكاثوليكي لعقيدة بوش الأمنية مع " التلغرام الطويل" لجورج كينان- دبّجهُ في آلافٍ ثمان من الكلمات سنة 1946م، والذي كان لهُ الفضل في هندسة جينات السياسة الخارجية الأمريكية مع الاتحاد السوفيتي السابق.أهمُ وِلادات توصيات "التلغرام الطويل" كانت (سياسة الاحتواء)،مفادُها عدم مقاربة الشيوعية كتهديدٍ وجودي، وإنّما بوصفها أداة هيمنة الكرملين، و عدم الدخول في محاولات لإقناع السوفيت بتغيير نهجهم الإيديولوجي، حيثُ لعنة التوسع الاستعماري، ستكونُ الأرضة المقدّسة لإسقاطهم. الأهم نُصحُ واشنطن أن "لاتحاول تشكيل العالم على صورتها، وأن ترضى بوجود صورٍ أخرى للعالم، شرط أن لاتسمح بهيمنتها".
عقيدةُ بوش للأمن القومي، سمحت لنفسها بعبور الخط الأحمر الذي يُفرّقُ بينها وبين الديكتاتوريات – الحروب الوقائية، فقد وجد الرئيس الأمريكي السابق- هاري ترومان بأنّ هذه الحروب "سمة الديكتاتوريات ولاتليق بالديموقراطيات". شابيرو بيّن أيضاً أنّ عقيدة بوش ومابعد احداث 11 سبتمبر، واحتلالها أفغانستان والعراق، اختزلت توازنات السياسة الخارجية الأمريكية الى " فرض الديمقراطية بفوهة المسدس". البارزُ كذلك في سلّة توقعات بروفسور العلوم السياسية في جامعة يال، إنّ ثرثرة القوّة التي لازمت إدارة جورج بوش الأبن، ستعلقُ في الكابيتول، حتى عندما سيأتي الديمقراطيون، بسبب فقدهم لتقديم نظرية متماسكة عن الأمن القومي بعد 11 سبتمبر، واستسلامهم للنزعة الوطنية الصرفة التي غيّمت على الكابيتول.
أوباما يحاول تطليق عقيدة بوش
الرئيس الأمريكي السابق- باراك اوباما،أثارت ولايتيه الرئاسيتين (2008-2016) من الجدل جِبالاً، اتفق معظمُها على أنهُ رئيسٌ ضعيف الاداء في السياسة الخارجية. هذا الاتفاق وجد دليلهُ المطلق بعد فشله في إيقاع الحدّ على النظام السوري الذي اتُهم باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية في آب /2013، فما جرى كان عودتهُ الى الكونغرس الأمريكي ومحاولة الحصول على تفويضٍ منه بشنّ عمليات عسكرية ما، وهنا بدأت معاملات الطلاق الكاثوليكي مع عقيدة الأمن القومي التي تبناها بوش الأبن. غُبار الحملات الإعلامية التي شنّتها الميديا الأمريكية والعالمية ضدّ الرئيس أوباما، طمست أهم إنجازٍ له – بحسب تقديري، فهو قد تخلى عن حقّ الرؤساء الأمريكيين بالتعامل في ساحة السياسة الخارجية بشكلٍ شبهِ منفرد.
لتوضيح الفقرة السابقة، أذكر أن المؤلف ليزلي غيلب في كتابه "قواعد القوّة" يؤكدُ إن المؤسسات السياسية الأمريكية لاتتحملُ فكرة أن ينازعها أحد عالمياً بـ "العمل منفردةً". غيلب وضّح مختصر فكرة واشنطن عن إدارة العالم،ووضع الحلفاء من العيار الثقيل- مجموعة الثمان (أصبحت سبعاً بعد إقصاء روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية- شبه جزيرة القرم في شباط/ 2014): " أمريكا رئيسُ العالم والبقية مديرو العالم".أوباما كسر حِدّة تلك الصورة النمطية " العمل بشكلٍ منفرد"، لاحظنا أنهُ سمح لأنف القارة العجوز أن تشم معهُ خطورة ما قام بهِ الدبُ الروسي، بل كانت هنالك حصّة معتبرة للأمم المتحدة في هذه الأزمة. الطريف أن سفير أمريكا في الأمم المتحدة- مايكل بولتون في عهد الرئيس بوش الأبن، لديه تقييمٌ خفيف الدم لهذه المنظمة الأممية، دخل التاريخ من أوسع أبوابه، شطرهُ الأشهر جاء على لِسانه سنة 1994: " لا يوجدُ شيء أسمهُ الأمم المتحدة".
ماتقدم قد يكونُ ملتصقاً كتوأمٍ سيامي بشروحات "شابيرو" وتحليلاته التي تروم بالأساس دفع العقل السياسي في واشنطن الى تطوير نظرية الاحتواء لجورج كينان، لكن أنا لدي رأيٌ آخر، إذ بيّنتُ في مقالةٍ سابقة لي:
( The security council must expanding his permanent members - 29/ 4 / 2015) ، رأيتُ فيها ضرورة زيادة عدد المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، وأن يكون للعرب فيها مجتمعين مقعدٌ دائم، باعتبار أن المنطقة العربية في الشرق الأوسط هي من " ضمن 20 منطقة حيوية في العالم" - ليزلي غيلب.أيضاً وبسبب حاجتي الى الاطلاع على قرارات واجتماعات الأمم المتحدة(الموقع الألكتروني للمنظمة)،خاصّةً ما لهُ علاقة بتحويل حق النقض-الفيتو للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الى قانونٍ، يُرشّدُ الآثار الكارثية لهذا الحق المطلق، وجدتُ إنّي ربّما وضعتُ اليد على تصميمٍ أوّلي للعقيدة الأوبامية.
الرئيس أوباما الذي بدا لي للوهلة الأولى، مجرد تلميذٍ لمدرسة "القوة الذكية" التي ولِدت من رحِم دِماغ جوزيف ناي في كتابه "القوة الناعمة"، وبالتالي لا تعدو هنا سوى كونِها عازفاً محترفاً لنظرية الاحتواء، حيثُ أنّ العمود الفقري لها، هو التفريقُ بشكلٍ حازم بين المصالح الهامشية والحيوية لأمريكا. لكن يبدو أنهُ قد وجد أن تعقيدات السياسة الخارجية الأمريكية، أكبرُ من أن يتولاها شخصٌ واحد، وهو يعلمُ أنّ هذه السياسات مُكبّلةٌ بسلاسل "قلاع احتلال أجنبية"، ذلك الوصف الذي أطلقهُ أوباما على الـ Thanks-Tanks الأميركية في أواخِر فترته الرئاسية.طبعاً ربّما قد يكون ذلك بسبب معرفته أنّ خلفهُ - الرئيس دونالد ترامب، سيعودُ بسرعةٍ فائقة الى عقيدة بوش ( يستطيع القارىء الاطلاع على مقالتي السابقة - الترامبية.. فرانكشتاين تاريخي أم صناعة مختبرية ؟) كي يفهم هذه الفقرة بشكلٍ أكثر دقة.
فرضية النموذج السوري لأوباما في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية
مستوى فهم تعقيدات السياسة الخارجية بين شيوخ الكونغرس واعضاء مجلس النواب الأمريكيين، يبدو متواضعاً جدّاً. هذا التواضع غير المرغوب، يغرقُ فيه الكثيرُ من السياسيين الأمريكيين، كمثال مانشرتهُ صحيفة (Phoenix new times) في 12 حزيران/ 2013 عن عشرةٍ من السيناتورات الذين شخّصت غرابة ادائهم السياسي وانتهازيتهم، كذلك ما زالت الذاكرة طرية من مشهد السيناتور الجمهوري- جون ماكين، وهو يلعبُ بهاتفه، اثناء الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس أوباما بعد الاعتداء الكيميائي الذي اتُهم به النظام السوري في 2013، يُضاف الى ما ذُكِر، تعليق مادلين أولبرايت- وزيرة الخارجية في عهد الرئيس بيل كلنتون، بخصوص أطفال العراق (موت 500 ألف طفل وجدت أنهم ثمن معقول لتأديب النظام العراقي السابق).
جوزيف بايدن.. رئيس بلا ملامح حزبية

طبعاً،هذه الأمثلة أسماكٌ صغيرة، تسبحُ في بحرٍ واسع من نظيراتها التي يستطيعُ المهتم، إيجادها في الشبكة العنكبوتية. ما أريدهُ مما تقدم، الذهابُ الى قراءةٍ مستقبلية في مقالةٍ سابقة أخرى، لكاتبِ هذهِ السطور (جوزيف بايدن..رئيس أمريكا القادم) – 2/ 1/ 2014، كنتُ قد كتبتُها قبل أكثر من أربع سنين. ما أعاد اهتمامي بها موضوعٌ نشرتهُ النيوز ويك، أشّر في أسطرهِ ، دعم الرئيس أوباما للسيد بايدن، كممثلٍ عن الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية لسنة 2020. هنالك أيضاً العديد من المواضيع المتفرقة حول حظوظ بايدن الرئاسية، كل ما على القارىء أن يفعله هو أن يرمي السّنارة في بحر الانترنت.
استندتُ فيما ذهبتُ إليه وبما يتناسبُ مع السياق المطروح هنا، أنّ عدداً كبيراً من الذين شغلوا منصب النائب للرؤساء الأمريكيين، أصبحوا رؤساء مباشرةً بعد نهاية الولاية الرئاسية لأسلافهم، وحتى الذين لم يشغلوا المكتب البيضاوي مباشرةً، عادوا فيما بعد لدخوله. هذا النمط من النائب- الرئيس، جعلني ألاحظُ أيضاً، إنّ التعددية الحزبية التي يتشاطرُها حالياً الأزرق- الجمهوري والأحمر- الديمقراطي لم تكن موجودة، بل أن الاثنين كانا حزباً واحداً- الحزب الجمهوري الديمقراطي، ولم يتمايز الاثنان إلّا بعد الولاية الرئاسية لـ أندرو جاكسون، أي بعد سبع ولايات رئاسية. النمط الأهم أنّ من يوصفون بـ "الأباء المؤسسين"، يتواجدون في أوقات الأزمات الأمريكية الكبيرة، ليدفعني ما شاهدتهُ من أنماط الى توقعي حول السيد بايدن.

الهيكل العظمي للعقيدة الأوبامية
الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية،بناءً على ما ذُكِر من تفاصيل عقيدة بوش، أصبح مدمناً على هيروين القوّة الصلبة ( جيش، أمن و...ألخ)، مما أفقدهُ القدرة على تمحيص مصالحه الحيوية والهامشية. أن ما تناستهُ عقيدةُ بوش، هو أن الإمبراطورية الأمريكية "أمبراطورية اختيارية" - ورد هذا التعبير في مقدمة قصيرة جدّاً لروبرت جي ماكمان في كتابه (الحرب الباردة)، بالتالي فأنها تتناسى الشركاء كأوروبا الذين أعطوه التاج والصولجان. أوباما، يحاول تفريق الشبكة المعقدة من المصالح الحيوية والهامشية التي أصبحت سجينة " قلاع الأحتلال الأجنبية". أرسى حجر الزاوية من خلال ما فعلهُ في الأزمة السورية، مما سيدفعُ مزيداً من الشيوخ والنواب الأمريكيين الى عدم اللعب بأجهزة الهاتف!!
هو يرجو كذلك وعبر تفعيله إعادة تقييم الحلفاء في الشرق الأوسط، المُقيّم كمصلحة هامشية - ارتفع لسوء حظ المنطقة الى الدرجة الحيوية في الحرب الباردة، أن يعيد ضبطه، وهو ما تريدهُ أمريكا أيضاً، لكن بخطواتٍ رشيقة لا تصدرُ صوتاً في الإعلام، راغباً بأن تنتزع امريكا حقّها في رسم جغرافيا سياسة الشرق الأوسط، بعيداً عن الكيان الإسرائيلي. تبقى للقارىء معي تذكيرهُ أنّ يعود الى مقالاتي التي أشرتُ إليها لتكتمل فائدتهُ، وأن أعدهُ بأن أقدّم له في إحدى مقالاتي القادمة " التلغرام العربي"، كمحاولة لجعل الشرق الأوسط قابلاً للحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر