الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يحلم العراقي!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يحلم العراقي!
لم تكن الرحلة الأسهل والأقصر والأكثر راحة بين برلين وبغداد فحسب، وإنما كانت تتويجا لحلم شخصي عمره 14 عاما. في عام 2003 وبعد أشهر قليلة من الإطاحة بالطاغية صدام وصلت إلى بغداد قادما من العاصمة الألمانية بعد رحلة مضنية دامت أكثر من 30 ساعة مرورا عبر مطار دمشق والطريق البري الطويل. لكن الزيارة الأولى للعراق بعد غياب قسري دام 29 عاما والإقامة فيه لخمسة أسابيع لم تستحق هذا العناء فقط وإنما غمرتني أيضا بتفاؤل كبير لم يكن بعيدا عن الآمال الكبيرة التي كانت تُزين حينها للعراقيين بنهاية وشيكة لمآسيهم. لهذا صرحت للأهل والأصدقاء بثقة عالية بأنني السفرة القادمة سأصعد الطائرة في برلين وأنزل بعد ساعات قليلة مباشرة في بغداد. لم يكن هذا "الحلم" الشخصي برحلة دون توقف سوى تعبير عن الأمل بإدماج سريع للعراق واقتصاده بالعالم بعد فترة الحصار القاسية والتمّني بتحول قطاع السياحة العراقي إلى رافد جديد للاقتصاد الوطني لا يقل أهمية عن النفط.
غير أن هذا التفاؤل الذي رافق "الربيع" العراقي في 2003 سرعان ما تبدد بعد ان انفتحت مجددا أبواب الجحيم على العراقيين. لذا كانت الرحلة الثانية في خريف 2004 أكثر خطورة وأصعب واستغرقت وقتا أطول بسبب إغلاق معبر الوليد نتيجة هجمات إرهابية واضطراري لعبور الحدود العراقية عبر معبر ربيعة وسلوك الطريق البري الرابط بين الموصل وبغداد. لم أرَ في ذلك حينها سوى سبب "مؤقت" لتأجيل الحلم بالهبوط مباشرة في مطار بغداد "الدولي". بعدها أتيحت الفرصة للسفر بالطائرات المدنية إلى بغداد، ولكن رحلاتي من برلين بقيت تتضمن توقفا مؤقتا "ترانزيت" في مطارات بلدان أخرى، مثل مطار عمان في الأردن ومطار أتاتورك في اسطنبول. لم تكن هذه الرحلات تستغرق وقتا طويلا وتعتريها في كثير من الاحيان بعض المنغصات فحسب، وإنما كانت أيضا أغلى بكثير من الرحلات إلى عواصم أخرى كبيروت وعمان والقاهرة ودمشق التي تبعد بمسافة مقاربة لبغداد عن برلين. وكان ذلك بمثابة مؤشر على التحديات التي تعترض ربط بغداد بخطوط الطيران الجوية الدولية. كان ارتفاع أسعار التذاكر يشير إلى قلة المنافسة وضعف اهتمام شركات الطيران الكبرى بالعراق بسبب المخاطر الأمنية والسياسية وتضخم تكاليف التأمين. لكن ذلك كان يعبر أيضا عن الاهتمام المحدود للشركات العالمية بالعراق كمجال واعد للاستثمار وسوق مجدٍ للتجارة والسياحة وغيرها. صحيح أن دخول الخطوط الجوية التركية والقطرية وشركات طيران إيرانية ولبنانية حلبة المنافسة ساهم بالتدريج في تصحيح أسعار الرحلات إلى مطارات بغداد وأربيل والسليمانية والبصرة والنجف، ولكن صفة "الدولي" بقيت حلما بالنسبة لهذه المطارات التي تأتي في ذيل القائمة بالمقارنة مع مطارات بلدان أقل سكانا ومساحة وأضعف اقتصاديا الأمر الذي يعكس استمرار عزلة العراق بهذا الشكل أو ذاك وهشاشة العلاقات مع الأسواق العالمية. لذا لم تكتسِ الرحلة إلى بغداد حتى الآن صفة "الطبيعية" وبقيت رغم مرور سنوات طويلة في نظر كثيرين في خارج العراق أشبه بمغامرة إلى المجهول في وقت أصبح فيه السفر والسياحة أمرا عاديا لمليارات البشر في ظل العولمة. وكان التوقف أثناء الرحلة في مطارات مثل اسطنبول أو بيروت أو الدوحة يمثل بالنسبة لي أحد مؤشرات هذا الوضع "غير الطبيعي".
أخيرا تحقق الحلم بفضل الخطوط الجوية العراقية في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2017 عندما أقلعت الطائرة من برلين في موعدها في الساعة الرابعة والنصف عصرا، لتهبط دون توقف وفي زمن قياسي بالنسبة لي بعد أربع ساعات ونصف فقط في مطار بغداد. لكن هذه الرحلة "التاريخية" لم تمر دون منغصات سياسية واقتصادية. في الأصل كان من المقرر أن تتوقف الطائرة لنصف ساعة في أربيل وتواصل بعدها رحلتها نحو العاصمة. ولكن أزمة استفتاء كردستان وتوقف الرحلات الدولية في مطاري أربيل والسلمانية أديا إلى "اختصار" هذا التوقف. وهكذا تحول حلمي إلى "كابوس" بالنسبة المسافرين الذاهبين إلى عاصمة إقليم كردستان. هذا الكابوس يقض بالتأكيد مضاجع الخطوط الجوية العراقية أيضا لأن أكثر من نصف مقاعد الطائرة بقيت فارغة في مؤشر على تخوف الكثيرين حاليا من زيارة العراق والإقليم. هكذا أضطر مثلا زملاء لي يعملون لصالح مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية الألمانية لتأجيل خططهم بزيارة أربيل للتحضير لعقد دورة تدريبية لعدد من الصحفيين العراقيين. وفي كل الأحوال فإن مثل هذه الأزمات تمس مباشرة قطاع الطيران العراقي وتُحجم دوره في الرحلات الدولية وتساهم في نفس الوقت في تأجيل تحول حلمي الآخر إلى واقع.
حاليا أحلم بأن أقوم برحلة دولية إلى جنوب شرق آسيا أو إلى الصين أو إلى إفريقيا وعلى ان تتوقف طائرة الخطوط الجوية العراقية في بغداد قبل أن تواصل الرحلة إلى مقصدها النهائي، وكما تفعل الخطوط التركية في اسطنبول أو القطرية في الدوحة. ومن المؤكد أن موقع بغداد الجغرافي يؤهلها للعب مثل هذا الدور ولكي يصبح مطارها محورا جديدا للرحلات الدولية. غير أن تحقيق مثل هذا الحلم يتطلب شروطا سياسية واقتصادية كثيرة يصعب التنبؤ بها حاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا