الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلحاد بوصفه قيمة -من كتاب *الحوارالعظيم*

معتز نادر

2017 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا على الكثير من الأفراد الوجوديين ذوي التوجه الإلحادي الإعتقاد بأن جوهرالحياة هو السأم واللامعنى أحبذ طرح احتمال أن يكون المرء متصالحاً وراضياً عن ذاته لكونه وجودياً ملحداً لا يؤمن بالآخرة والماورائيات مع أن الإلحاد لا يمثّل بالضرورة عمق الفكرة الوجودية وجوهر حريتها الضمني التي هي دعوة حقيقية للتفاهم الحياتي المتين الغير مهادن والواعي لقضايا الحياة ومشكلاتها مع ضمان مساحة لحفظ التصرف الحر لدى الفرد ،
في الواقع إن حالة القلق الفردي من المستقبل تفرض وجودها في خضم المعركة الدائرة بين المرء وذاته وطريقة تعاطيهما مع الزمن والتي لا أستثني نفسي منها بطبيعة الحال -
والسؤال هو : ماذا بعد .
لا شك أن القيام بفعل الخير ببعده العملي يولد عند المرء طاقة إيجابية متحررة في التعاطي مع الآخرين وهذا عامل جوهري لمقاومة الإحباط الواقعي ولكن من وجهة نظر تبدو أقرب للواقع أرى أن المحاولة في محاربة فكرة الخلاص الفردي المتمثلة بمركزية الفرد المختصر للكون من خلال التماهي مع القضايا الأساسية الشاغلة للفكر- والابتعاد عن الحياد السلبي تجعلنا نصل لنتائج أفضل وأكثر نضجاً ، إذ أي طريقة تفكير تبتعد عن المحاباة ويكون لديها الإصرار للمتابعة قدماً نحو الألق الفكري سيكون من المرجح أن تكون نتيجتها استمرار الحياة بأكثر فاعلية وتأثير، إننا نجنح نحو الكائن الغير وطني وفي هذه الحالة لن نرضى بأن يكون سلبيّاً وإنما ذو نزعة مفكرة حسّاسة وميول ثوري ، إذ إن النقاء الذي هو جوهرالقيمة الأخلاقية المنافي لذاك الشكل الدَعَوي المضلل المترفّع الكابح للرغبات -سيكون جليّاً حينما يصبح متناقضاً كليّاً مع الهوية الدينية السياسية المفرّقة للبشر ،
إن الأخلاقي الحقيقي ليس بالخامة الاستثنائية .. هو الشخص العادي الذي تبدر منه أفعال خيّرة وشريرة ، في موقف ما تخرج المحبة منه وفي ظرف آخرتخرج الأذية أما الذي يجعلنا نسميه أخلاقياً هو أنه يَعي ذلك بشكل عميق وبالتالي تغدو سلوكياته أكثر توازناً ودراية .
في هذا الزمن ظروف الطرح المتعلقة بمحاربة الخلاص الفردي غير مكتملة وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون متاحاً في زمن آخر ، ولكن مرةً أخرى المرء صاحب التفكيرالسالف لن يكون منسجماً دائماً مع إدراكه الواقعي للفراغ القادم في حال تم تجاوز مركزية الفرد-لن يفلح بعزل طموحه الشخصي– ليس الجميع فاهمين لطباعهم مع أن الجميع يشعر بنوعية سلوكه ،
الطرح السابق يحمل جدية وأحياناً أخرى قد يراه البعض مبالغة كلامية لن تقنع العديد من النماذج ، فكرة الخلاص الفردي عبر ممارسة الواقع الفعّال الإيجابي من جانب تحمل معنى ومن ناحية أخرى لا تكون كذلك إذا لم تحمل عزيمة وظروف كافية للاستمرار ، والشخص السائر على طريق إثبات القيمة ذات التأثير سيحتاج الشجاعة أكثر من أي شيء يحتاج النُبل .. هذه الصفة التي تبدو فوقية وبعيدة عن هذا الزمن.
إذا كنتُ حقاً من أصحاب عقلية التغيير علي التحلي بقِيم تستند على إلتزام ضمني يساعد على أخذ القرار وإما سأكون تجسيداً لمحاولة حركية غير ناجعة، فعلياً تلك هي نشوة الإنسان بعيداً عن أي إغراءات ومكافأت لاهوتية تجعله فريسة لوعود غير بريئة تستنزف طاقته الإيجابية الكامنة ،الوقوع في شرك الإغراء الزائد التي توفرها الثقافة التلقيمية الجاهزة سيولّد ذاتية عكسية وسينجم عنها مزيداً من الإحباط والعدمية الغير قيادية،ولكن الفهم النسبي للذات وجعلها أكثر إنسجاماً وتجاوباً داخل الذات الواثقة من قناعاتها سيقود بالضرورة للتماهي الخارجي الواعي لمصيره.
في أعماقي لا أتمنى أن يكون الأشخاص مختلفون جذريا عن بعضهم ، لأننا دائماً نحتاج لحاضنة ترى نفسها وبالتالي تجعلنا نعيش ونستمر.. لكن من الجمال أن يشعر كل شخص بشكل مختلف عن الآخر ، من الإبداع أن يشعر كل منا بنوعية جمال خاصة ،
من الرائع أن يكون الإنسان نرجسياً بطريقة تجعله يرى الإلهام الذي لا يراه الأخرون .
*
دائماً ما ينتابني الشك والريبة بألفاظ أسمعها على الدوام في وصف الأفراد المسايرين الاجتماعيين كـ -مؤدب ، أو ذو أخلاق عالية - في الوقت الذي أشعر من خلاله بحجم الفساد في دواخلهم ، هم مؤدبون مع بيئات تُرحب بهم وتثني على توجههم المجتمعي المستكين والقاضي على ما يريدونه فعليّاً ، هم الإفراز الأكثر سِلمَاً للبيئات الأكثر تلوثاً .
-إن غاية الفكر الحر هي تجنّب الغدر في كيفية فهم الحياة ،والتي لا تنسجم قطعاً مع سطحية الآداب الجمعية التي تحاول مراراً أن تغدر بأصحاب الميول الفردانية المبدعة المنقلبة على ذاتها بالمقام الأول .
الشيء الوحيد المتجذّر في الإنسان هو تناقضه :
طرح التناقض ليس للتسليم بالإشكاليات المتطرفة داخل الإنسان وجعلها قدراً يفتك بالآخرين،وإنما لفهم التباين المختزن في العالم من خلال فهمي لتناقضات سلوكي .
في الواقع إن نوعية الأشخاص الغير منسجمين إجتماعياً يعزّز التفكير بمثل هذا الطرح ، التفكير به لذيذ وجدير ومنهك بذات الوقت ،
أنا وأمثالي دائماً نقف عند الخط الفاصل بين عدم قدرتنا التواصل مع الأخرين من جهة ومحاولة التواصل مع ذواتنا من جهة اخرى ،
ليس أي شخص باستطاعته أن يكون الزعيم الهندي - غاندي-بسلميته ولاعنفيته وبوصفه بلا أدنى شك أحد أهم النماذج الثورية المتمردة لكونه استطاع ترجمة أفكاره وتمرده على الصعيد الحياتي من خلال تبنيه مبدأ اللاعنف في مواجهة الإنكليز عبر قيادته الإستثنائية لإستقلال الهند عام 1947، بالرغم من أن غاندي نفسه قايض غير مرة على قِيَمه التي يؤمن ، نتذكر تأيديه لفكرة مشاركة الجنود الهنود مع بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)وهو الذي يرفض قتل ذبابة !
كذلك موقفه من طائفة المنبوذين في الهند كان ضبابياً أيضاً-هو مع اندماجهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية وتقبّل بقية الهنود لهم، ولكن على أن يظلوا موجودين بالمجتمع الهندي بوصفهم طبقة منبوذين ، نعلم أن الهند محكومة بالطبقات ومع هذا لا يعتبرذلك عذراً لـ غاندي الذي من المفترض أنه جاء ثائراً على فكرة الطبقية والاضطهاد العنصري ، بالنسبة لغاندي على كل شخص أن يكتشف حقيقة ذاته من خلال معاناته ،
في نفس السياق إذا أردتُ أن أُسقط شخصية المسيح -حسب التصور المسيحي-على الحياة الوجودية المعاصرة أجد أنه ليس من اليسير عليه التعاطي معها بطريقة مثالية هو نفسه كان نفساً حزينة ومتألمة ومقاومته للأشخاص المعاصرين عبر حلمه الشخصي كلفه عذاباً جسدياً ونفسياً مميتاً. لو أنه عاش في هذا الزمن المادي أتخيله مكتئباً وانطوائياً كبيراً ،
وليس كل الوجوديين مثل الفيلسوف الفرنسي "جان بول سارتر"رائد هذه الفلسفة في القرن العشرين ،والذي كان عنوانا كبيرا للإلتزام بمبدأ الوجودية قولاً وفعلاً عبر حياته الشخصية أو من خلال أفكاره التحررية الثوريةُ، ،لكنه أيضاً كان متناقضاً في بعض المسائل التي إحتك بها إذا اعتبرنا أن الوجودية تثمّن حرية الفرد وحقه في التعبير ،بينما الحركة الشيوعية التي إنتسب إليها سارتر في بدايةخمسينيات القرن الماضي وإنفصل عنها في منتصف الخمسينيات لم تكن كذلك في البلدان المحكومة من تلك الإيدلوجية، تأييده لها ثم الرجوع عنها ثم تعاطفه ثانيةً مع ثورة "فيديل كاسترو" في كوبا 1959ليعدّل عنها بعد اعتقال شاعر، وتعاطفه الثنائي المزدوج إزاء الصراع العربي الإسرائيلي بالشرق الأوسط .. بالنسبة للأمثلة السالفة إن التغيير النسبي بشكل المواقف يعد أمراً عاديا إذا ما أراد المرء خوض غمار الحياة والاحتكاك بالمسائل الجوهرية فيها من دون القبول أن يكون القصد من تلك الاحتكاكات تبرير تغيّر جوهر المواقف واتساقها مع رغبة الأفكارالمطروحة ،
والنماذج السالفة كانت تتحلى بتحكم كبير في عرضها للأشياء التي تؤمن بها .
إن تجربة النتاج العظيم تختلف عن تمنّي التصرف المثالي الغير واقعي.
الوجوديين الأخلاقيين قليلون ، مثل الفلاسفة الحقيقيين ، مثل الفنانين الحقيقيين ، مثل الثائرين الحقيقيين ،الفكرة العظيمة هي فكرة ضيقة لا تُطبّق إلا على أشخاص يليقون بها ،
وإذا كان التاريخ قد علمنا شيئاً فإن هذا الشيء هو أن ليس ثمة إنسان لا يرتكب أخطاء،
ليس هناك إنسان لا يخاف من أي شيء ،
ليس هناك إنسان نبيل بالمطلق بكل ما فعله في حياته ،
ليس ثمة شخص لم يَظلم أبداً في حياته كلها ،
إذا كنتُ أرغب فعلاً بالعدل ، هذا يعني بما لا يقبل الشك بأني ظًلَمتُ في السابق
وفحوى الإلحاد ،يكمن بأنه يفهم واقعية الأشياء وتناقضها دون التنازل عن المعنى الإيحائي (اللطيف) لوجود الإنسان ، أنا لا أكون ملحداً كي أحتقر المؤمنين ، بل كي يشعر الآخر بأهمية طريقة تفكيري عندما تكون جديرة حقاً، وبالتالي أطلب من الأخر أن يكون أكثر حساسية وعمقاً مع الفكرة التي يتلقاها من خلالي وأن يقيّمها من خلال تصديق إحساسه الشخصي وحسب وعدم الخوف من نتيجة ذلك الإحساس الذي يحرّض فكره -لا أن يرمي وعيه ببئرٍ مظلم ومنسي يسعى بشكل أساسي ومقصود لوأد فطرة التفكير عند الفرد والقضاء على رغبته في التمرد ،
يجب ان نصدق قلقنا ونحترمه لا أن نرميه جانباً ونخذله وحالة القلق هي التفكير الجدي بأشياء قابلة للشك وغير قابلة للحسم .
التوجه الإلحادي ليس إستعراض قوة لفرض تفوق فكري بمواجهة قاعدة مؤمنة - يصدّر للآخرين شعوراً بالعنجهية كما هو الحال مع البعض، وإنما هو إحساس عيش يبتعد عن الوهمي ليقترب من الواقعي-الفني-وبطبيعة الحال لن يكون مشروعاً أخلاقياً شكلياً، وهو ليس دعوة لدين بديل وليس بذي أهمية كعرض لكنه ذو كفاءة كإحساس وسلوك غير مبتذل بهدف الجرأة والاندفاع والانقلاب على الموروث الهوائي السلبي ، والبحث عن اللحظة التي تجعل المرء يتقدم في الحياة.
إن فكرة صراع الفرد مع قِيمَه من خلال وحدانيته تُفرز أفكاراً تحاول محاكاة عصرها بشكل يقترب من ماهية الوجود وواقعيته وكل هذا بفضل القدرة على العزلة - السبيل الجبّارلاكتشاف العالم،
وثمة أمرٌآخر يفرض نفسه بخصوص الحديث عن الوجود ومحاولة انخراط الإنسان به عقلانياً وحياتياً- وهو طبيعة الشخص الجينية فالثقافة والفكر لن يفلحا دائماً في القيام بفعل التغيير ،إذ ثمة أشخاص باردون والسلوك الوجودي معهم يمنح إنطباعاً سلبياً بكونهم غير مباليين ومتعجرفين يميلون إلى إظهار طباعهم والتصرف بسلوكيات تستفز الآخرين ،
فيما تجد أشخاصاً عاطفيين متحررين من ضغط التفكير باللاهوت مقابل التماهي مع طبيعتهم المحبة والمتعاطفة مع الآخرين ،
إذا كان ثمة قوة مدبّرة للكون لسنا متأكدين من أساس تكوينها ، ونختلف اختلافاً جذرياً على ماهيتها أو دورها ، ما الفائدة إذاً باستمرار النقاش ، النقاش في أمر غيبي لا نراه معاً.. ولماذا على تلك القوة أن تدمرني وتعذبني بأبشع الطرق لأني لا أصدقها ، لماذا على تلك القوة أن تترك كل أسرار ومعجزات المجرات والكواكب من أجل أن تتفرغ لتقييمي ومحاسبتي أنا الكائن الصغير الذي لا يساوي شيئا من وسع هذا الكون ،
يخطر في بالي كم هو عدد الحشرات التي تنسحق يوميا تحت قدمي بينما أمشي في الشارع غير مكترث -من دون أن أنظر للأسفل ، أو من دون أن يدور في ذهني لحظتها أن شيئاً ما قد حدث ..
-أنا لا أحتقر وجود فكرة الله في ذهن الذي يؤمن بها ولكن أُبغض الخوف الكامن بين طياتها والذي لا يَنفك يضطهد جمال نكرانها .
*
ثم أفكر ماذا سأنوب من الحياة إذا كنت محافظاً تقليدياً أو يسارياً متمرساًعلى حد سواء مالم أكن شخصاً أتعاطف فعلياً مع قضية واقعية ما (وليس مع فكرة نقاشية والذي هو أمر مختلف عن التبني الفعّال للفكرة ) أو أحمل في شخصي سرّاً ذا قيمة،أنا لا شيء جماليّاً وحياتياً حتى لو كنّت من أكبر مفكري العالم إذا كنت مفتقداً لروح اللحظة الملهمة،أي مبدع لن يساوي شيئاً إذا لم تَستَرعِهِ موهبة تحتاج للمساندة -أوكان غير مبالٍ تجاهها .
أدرك إن أي إنسان منّا يستمتع بحالة استقرار شكلية ، أفهم أن كل إنسان منّا يحاول الحفاظ على أطول شعور بالأمان، ولكن مشكلة كبيرة أن يكون الأمان هو نفسه اللاأمان .. اللاإنجاز.. اللاتحقق- هو نفسه الخوف الساكن المستريح.......حتى النهاية ،
إن المعنى الأكبر لواقعية الحياة الإنسانية هي تلك اللحظة التي يستطيع كل إنسان فيها تجاوز لحظة خوفه الخاصة وهذا يحدث عندما يملك الشخص الشجاعة بأن يظل وحيدا لأطول وقت ممكن .
فكرة الإيمان لم تكن لتغدو بهذه الأهمية لو أن الإنسان يعرف بأنه سيعش ألف سنة،
لماذا عليّ التذّلل للإله لكوني سعيداً بينما يُعذّب الآخرون ويموتون هنا وهناك ؟!
لماذا عليّ أن أشكر الرب لنجاتي من حادث سير فيما يموت غالبية ركّاب الحافلة ،
لماذا يجب أن يذهب شخصا دنيئاً جباناً بخيلاً يمارس كافة الطقوس الدينية إلى الجنة! فيما يذهب ناشطا حقوقيّا إلى الجحيم لأنه مثليّ الجنس ً؟!.. ..
أي خوف عميق وعزلة صحراوية غير مثمرة تلك التي تجعل الإنسان ذليلاً إلى ذلك الحد ،
من خدم البشرية أكثر .. من خدم الكائنات كلهم أكثر ، النظام الديني الذي تسبب منذ ظهوره إلى الأن بمقتل مئات الألاف من البشر عبر صراعاته الإيدلوجية والسلطوية الدنيئة ، أم مخترع مادة التخدير (البنج)في العمليات الجراحية الطبيب الأمريكي -وليم مورتون- الذي تسبب ولا يزال في زوال الشعور بالألم لمئات الملايين من البشر....... ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و