الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورتنا لدى الآخر وطابورنا الخامس المفقود

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2017 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


"وطنية السادة تخدمهم. كما أن وطنية الفقراء تخدم السادة أيضًا. لكن عندما يحملها الفقراء داخلهم فإنها تصبح عبثًا مطلقًا".
(برتولت بريشت)

صورتنا لدى الآخر وطابورنا الخامس المفقود

د.خالد سالم
ربما لم تُجمع أطراف إقليمية ودولية على تقزيم بلد في العالم على غرار ما أجمعت عليه تجاه مصر ودورها العربي والدولي، منذ خمسينات القرن العشرين، وكان لهم ما أرادوه منذ أن قادت مصر حركات التحرر في العالم الثالث والوطن العربي على بقيادة عبد الناصر. الصورة جلية لمن يتابعها في الإعلام الخارجي وفي الكثير من دول المحيط العربي، وتعود لأسباب معقدة ومتشابكة. قد تكون أفسحت مصر الساحة أمام دول شقيقة سعت للنيل من مصر منذ أن قضَّت مضاجع حكامها، رموز الرجعية العربية المتآزرة مع القوى الاستعمارية الغربية.
ولئن كانت براثن إقليمية ودولية قد نالت من أرض الكنانة بدءًا بتدبير ذرائع دفعت مصر نحو نكسة يونيو 1967، فإن تلك الفاجعة قد زلزلت المنطقة بآسرها ولم يخف الأثر الارتدادي المستمر للزلزال سوى بعبور الجندي المصري قناة السويس وتحقيق نصر أكتوبر 1973 الذي أهدره السادات باستعجاله لدخول التاريخ بطلاً للحرب والسلام دون ان يطلب من واشنطن ومعها أوروبا ثمن معاهدة السلام مع إسرائيل واكتفى بادخال مصر سيناريو الاستهلاك غير المحسوب باطلاق سياسة الانفتاح. وكان عليه أن يطلب من الغرب تصنيع البلد وتحويله إلى نقطة جاذبة للسياحة والإستثمارات وتطوير التعليم ليصب في ارتقاء البلاد، ودون أن يعزل مصر عن محيطها الإستراتيجي والقومي، بدءًا بسلام يعم المنطقة، لكنه تعجل دون وضع استراتجية وطنية وقومية.
كان مسار تقزيم مصر أسرع مما تصورت تلك القوى الإقليمية والدولية. وجاءت الوفرة النفطية لترفع أسهم بعض تلك الدول لتنزوي مصر وتقع في مستنقع الفساد فنخر السوس ساقيها وعظامها، ما أدى إلى تآكل صورتها على المستويين القومي والدولي، وباتت تُوصف في الغرب بالعملاق الذي له ساقان من طين. لم ينقذ مصر من الانزواء التام سوى خصوصيتها التاريخية التي تتغذى على نسغ حضارة قدماء المصريين، ما منحها شخصية متفردة في محيط يستهجنه الغرب وينظر إليه بريبة سرمدية، تتغير دواعيها في كل عصر، فتارة نحن أسلاف البداوة وتارة أخرى اتباع دين همجي، لا يعطي للمرأة حقها، انتشر بحد السيف، واليوم يرفع لواء التطرف. لم ولن يعدموا الأسباب طالما ظللنا خارج التطور الصحيح والحريات والديمقراطية.
في خضم مسار تقزيم مصر تراجع دورها القومي والعالمي، فخيم الضباب على الصورة العربية في الغرب، وكان للصهاينة نصيب الأسد في هذا الانزلاق، وتكثف الماء المتبخر على صفحة المرآة التي يرانا فيها الآخر. منطقي أن يسعد الغرب لانكفاء مصر القومية على نفسها، بغية ازالة خطر داهم على ربيبته إسرائيل، حملت مصر لواءه عقدين، لكن أن يُطرب له أبناء جلدتنا العرب فهذا أمر مخزٍ ومؤلم. تراجعت المنطقة العربية ودخلت في حروب مجانية تصب في مصلحة الأعداء، بدءًا بحرب الخليج الأولى، بين العراق وإيران، ثم الثانية في الكويت مرورًا بسقوط بغداد العربية والقاعدة وداعش ونكسات ثورات الربيع العربي وتدمير سورية وليبيا واليمن وتمزيق السودان. لم يرتدع أقزام الأمس وهللوا لتراجع دور أرض الكنانة بل تطاولوا عليها وقضموها ليرموا لها بفتات لسر رمق شعب اتخذ الارانب نموذجً في الانجاب. وفي هذا المناخ شُدت السروج على الكلاب أمام كبوة الحصان العربي الأصيل. إنه لجُرج نازف لمن عاش وهج المد القومي الصادر من قاهرة عبد الناصر.
لا يصح إلى الصحيح، وإن طالت الكبوة فسوف تتعافى أرض الكنانة وتنهض من كبوتها، ومعها الوطن الجريح والمصاب بالهزال. إنها أوضاع ظرفية، طارئة، رغم سرمدية التراجع. وهنا تحضرني أبيات طرفة بن العبد التي يقول فيها:
يا لكِ مِنْ قُبّرَة ٍ بمعمرِ/ خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفِري.
ونقّري ما شِئتِ أن تُنقّري/ قد رُفِعَ الفَخُّ، فماذا تَحْذَري؟
قد ذَهَبَ الصّيّادُ عنكِ، فابشِري،/لا بدّ يوماً أن تُصادي فاصبري.
لا بد لنا من وقفة مع الذات، فنحن نشرب الكأس التي أترعناها بأيدينا بخنوعنا وتفتيت قوتنا في قضايا تُختلق لنا كل يوم، وكأنه آخر صيحة في تبذير واهدار الجهد الفكري والمادي، بدءًا بالوقوع في فخ التدين الزائف الذي أجبر نساء البلد على ارتداء الحجاب وأمضينا في النقاش بشأنه عقودًا بينما نرتكب الموبقات السبع كافة وفوقها عشر موبقات أخريات بشرط أن يكون الفعل في الخفاء، بعيدًا عن أعين الآخرين. كل هذا زاد طين صورتنا في عيون الآخر بلة، اذ وجد في كل هذا نفاقًا اجتماعيًا واتباع خطى النعام. لم نحاول اصلاح صورتنا المتردية في الغرب رغم سلبيتها، ما أسفر عن تحول بشع في أبنائنا الذين أصبحوا يرفضون زيف حياتنا ويتوقون لمعايير الغرب وحياته البراقة التي لا تخلو من الصدق والاتساق مع الذاات، التناغم بين القول والفعل، بينما تفتقدهما حياة الآباء. تأملوا حالات الالحاد والكفر بموراثاتنا وثوابتنا.
منذ أيام دُعيت للمشاركة في برنامج تلفزيوني طويل دار حول ملامح الصورة المصرية الراهنة في عيون المجتمعات الإنسانية المحيطة، في الشرق أو في الغرب، وإلى أي مدى تختلف عن صورة مصر التاريخية، بين مصر التي تتجسد في الصحراء والجمل والأهرام، أم المعاصرة المتمثلة في مصر العلم والتكنولوجيا. وكيف ينظر إلينا العالم شرقًا وغربًا، وما دلالات هذه النظرة.
وجلي أن الصورة الأولى لا تزال ماثلة في مخيلة الغرب، وإن كانت تكسوها النظرة الرومانسية المنبثقة من سياقنا العربي، عن حكايات ألف ليلة وليلة وقصور بغداد وترفها، دون غياب الجمل والصحراء وقسوتها وأهرامات، وفي الوقت نفسه تفرد أرض الكنانة في محيطها وغرابتها المنبثقة عن تاريخها.
من سوء طالع الوطن العربي أن له حدودًا مشتركة مع الغرب، وكانت أكبر بحيرة في العالم، البحر المتوسطـ، موضع صراع وسجال بين الطرفين منذ فجر التاريخ، ممثلاً في مصر القديمة والدولة البيزنطية مرورًا بغزو الأندلس وصقلية والحروب العثمانية -الأوربية على طول وعرض بحر الروم. ولو كانت هذه البقعة الجغرافية والثقافية في جنوبي إفريقيا مثلاً، أي بعيدًا عن الحدود مع طرف الصراع التاريخي الآخر، أوروبا، لما نُظر إليها هذه النظرة السلبية. مللت جلد الذات، لكن إعادة البناء يتطلب استخدام المبضع في علاج الجراح وفتحها لتطهرها الشمس فتلتأم وهي مطهرة ونظيفة دون درن أو آثار سلبية.
لا شك أننا نفتقر إلى إستراتيجيات لتحسين صورتنا، على المستويين الوطني والقومي، أي خطط طويلة الأمد لسنوات، ونبني كل شئ على التكتيك، ثم اعداد تقارير ترضي المسؤول على أساس "كله تمام يا أفندم!"، أي قصر النفس، فتُمحى الأهداف والنتائج الإيجابية في أمد قصير. والموزاة بين الحالتين كالسباحة لمسافات طويلة والسباحة لمسافات قصيرة.
في مثل هذه الظروف يجتر الإنسان الماضي، بقضه وقضيضه، بغية استخلاص الدروس من تجاربه، وهنا تحضرني بعض تجارب اليهود في العالم. فمن المعروف أن إسرائيل لها باع طويل في غسل الأدمغة بغية تحسين صورتها وصورة اليهود السلبية في العالم جراء الموروث الديني والتاريخي وصورة المرابي اليهودي شايلوك. كنت شاهدًا على إحدى إستراتيجياتها في هذا المضمار، وكان عندما بدأت المفاوضات السرية لاعتراف إسبانيا بإسرائيل –وكانت آخر بلد أوروبي يتخذ هذه الخطوة!- في مطلع يناير 1986، وكانت ضمن صفقة انضمام إسبانيا إلى السوق الأوروبية المشتركة في نفس السنة. ومعروف أن كراهية الكاثوليك لليهود تاريخية منذ صلب المسيح، ويجرجر الإسبان كراهية مضافة لليهود منذ أيام الأندلس وطردهم قبل قليل من سقوط غرناطة العرب في مطلع 1492م، وأججها نظام الجنرال فرانكو، صديق هتلر وموسوليني، جراء رفض إسرائيل له ووقوفها خلف أميركا في رفض قبول النظام الإنقلابي الدموي بقيادة فرانكو في الساحة الدولية. ففي تلك السنوات دست أفكارًا في قصص وبرامج ومسلسلات الأطفال في التلفزيون الرسمي الإسباني –قبل ظهور القنوات الخاصة- تبث رسائل ضمنية تحيل إلى تبرئة اليهود من الوشاية بالمسيح وصلبه وتؤكد حق إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين والبقية مما تطلقه الأبواق الصهيونية معروفة. تحرك اليهود الإسبان والأميركيين اللاتينيين في وسائل الإعلام المؤثرة سنتئذ، وصار لهم كتاب ينفثون الأفكار الصهيونية في الإعلام الإسباني ومناهضة العرب والمسلمين.
أصبح للصهاينة طابورهم الخامس في سنوات من العمل الدؤوب، كخلية نحل، وتساووا مع الحضور العربي في إسبانيا رغم قرب الإسبان من العرب ومساندتهم لقضايانا، بل تفوقوا عليه في المؤسسات الرسمية والأهلية الإسبانية. ومن يريد الاستزادة فعليه أن يمسك ببرنامج أنشطة المؤسسات التي تعني بالأندلس، العرب والسفرديم، يدرك للوهلة الأولى أن الغلبة في البرامج لصالح اليهود، رغم أن الثقل النوعي والكمي في الأندلس كان لحكامها، أي العرب، وظل اليهود طفيليين على الحضارة والثقافة العربيتين، وخير مثال على هذا شعرهم الذي كانوا ينظمونه طبقًا لعروض الشعر العربي، وهناك كانت قواعد العبرية تقتفي أثر قواعد العربية وتقلدها. وهنا يبرز نموذج مؤسسة الثقافات الثلاث في قرطبة، فمن يطلع عليه يخال له أنه أنشئ لخدمة القضايا اليهودية والتعريف بها، وتهميش العربية.
لم يقتصر الأمر على محاولة الموزاة أو المساواة بين دور اليهود والعرب في الأندلس، بل كثرت في السنوات الأخيرة أبواق إعلامية وأكاديمية تحط من الحضور العربي في الأندلس وتقول إنه لم يضف شيًا لإسبانيا، بل إن العرب لم يغزوا –لا حديث هنا عن فتح العرب للأندلس- شبه جزيرة أيبيريا!
هناك نموذج آخر يتمثل في نشاط إيران في أميركا اللاتينية، فناء الولايات المتحدة الأميركية الخلفي، إذ تصل أبواقها الإعلامية إلى هذه القارة من خلال قناة تلفزيونية ومواقع تبث باللغة الإسبانية، إلى جانب تشييع أعداد من سكان القارة المسيحيين. وهنا يقف المراقب مدهوشًا وحائرًا أمام الصمت المؤسسي العربي رغم أن بذورًا تخدمنا غُرست هناك طوال القرنين الماضيين، منذ أن بدأت الهجرة العربية إلى تلك القارة، هربًا من القمع الديني في زمن الإمبراطورية العثمانية أو بحثًا عن ظروف اقتصادية أفضل من المشرق العربي. هناك تكونت جاليات عربية، خاصة من بلاد الشام، لها نواديها وجمعياتها، ودورها المؤثر في الاقتصاد والسياسة في الكثير من بلدان العالم الجديد. وخرج من رحم هذه الجاليات قادة في دنيا الإقتصاد والسياسة والدبلوماسية. مؤكد أن البعض حاول الاقتراب منهم، لكن ما ثمرة هذا السعي؟ الأفق يخلو من شئ ملموس يخدم أبناء جلدتهم في بلد المنشأ أو تجاه القضايا العربية وما أكثرها!
كان حريًا بنا، نحن أبناء الوطن العربي، أن نسعى لديهم كي يصبح لنا طابور خامس، قوة ناعمة، ويصبح لسان حال أبناء أرض أجداد هذه الأجيال الجديدة المولودة في أميركا اللاتينية، لكننا نحترف إضاعة الفرص ثم البكاء والنواح أمام حوائط مباكينا. والطابور الخامس الذي أعنيه بمفهومه الإيجابي، دون تجنيد المناصرين لنا أو القيام بدور مخابراتي فج، فأعين الكل مفتوحة تراقب ما يحدث في بقاع اليابسة كافة. وما نصبو إليه هو مساندة قضايانا، وكلها عادلة، في بلدانهم وفي المحافل الدولية.
أظن أن تشكيل مجموعات ضغط أو طابور خامس من بينهم أمر ممكن، بشرط أن نحسن التحرك والانتقاء والأداء، بعيدًا عن دسهم في دائرة التجسس والعمل المخابراتي، بل بناء طوابير خامسة بالمعنى الذي طرحه الجنرال مولا –مبدع هذا المفهوم-، أحد قادة جيش الوطنيين المؤيدين للجنرال فرانكو والمناوئ للنظام الجمهوري الشرعي في إسبانيا إبان حربها الأهلية في ثلاثينات القرن العشرين، عندما قال إن هناك أربعة طوابير تزحف على مدريد وطابور خامس آخر قوامه مؤيدو الجنرال فرانكو من بين فئات الشعب المختلفة. إلا أن المفهوم ابتذل لاحقًا فأدرج فيه عمل الجواسيس، وهو ما أبعده عن منشئه.
وفي اطار اجترار الماضي لاستخلاص الدروس، تستهويني تجارب الشعوب الأخرى في الحياة، خاصة وإن كانت هذه الشعوب قريبة منا حضاريًا. لكنني أعني هنا صورة مصر والعرب في فترة كان لا يزال لنا حضور مقبول في الغرب. وهنا تستوقفني تجربة عشتها. ففي صيف 1978 زرت أوروبا لأمرة حيث أمضيت شهرين في إسبانيا، على منحة صيفية، كانت كلية الألسن تحصل عليها للثلاثة الأوائل في القسم في السنة الدراسية الثالثة. دُهشت لخلط رجل الشارع الإسباني بين مصر وإسرائيل وبين القاهرة والقدس. كانت حرب أكتوبر 1973 لا تزال ماثلة في الأذهان. كانت مصر في مخيلتهم بلدًا مدهشًا exotic، يحرك رغبة كامنة في زيارته ومشاهدة آثار حضارته العريقة. دُهشت يومها أن البعض العامة كان يعرف أن رئيس مصر السادات كان مرشحًا لجائزة نوبل للسلام، وهو ما كان له مناصفة مع مهندس مذبحة دير ياسين مناحم بيغن. يومها كان عدد سكان مصر مثل عدد سكان إسبانيا، 38 مليون نسمة، واليوم صار عددنا أكثر من إسبانيا مرتين تقريبًا، بينما ناتجها الوطني يعادل نظيره المصري أربع عشرة مرة. هذا الانفجار السكاني، إلى جانب الفساد والفشل، جعل مصر تمد يدها للآخر، ما انعكس سلبًا على صورة مصر.
وعندما عدت لدراسة الدكتوراه في صيف 1981 بعثوا بي إلى جامعة مينينديث بيلايو، في مدينة سانتندير شمالي إسبانيا، للالتحاق بحلقة دراسية في فقه اللغة. كنا كلنا أجانب، الغالبية من أوروبا والولايات المتحدة وكندا، وكنت أن المصري الوحيد واحسن استقبالي اشقاء من العراق لكن السياسة كانت توابل اللقاء الأول والأحاديث على مائدة الطعام طوال شهر الدراسة. بعض الأوروبيين الذين زاروا مصر اعربوا عن دهشتهم لأنهم جاءوا وفي ذهنهم أن مصر بلد من الطراز الأول في التطور، مثل أي بلد أوروبي!. هذا ما قاله لي بعضهم. كانت الأبواق اليهودية قد لعبت دورًا لصالح مصر ثمنًا لمعاهدة السلام التي لم تكن تحلم بها إسرائيل ما أدى إلى خروج مصر من الصف العربي فعاشت عزلة إقليمية ساهمت في تقزيمها ليبدأ الصغار أولى خطواتهم نحو الاحلال محل أرض الكنانة، وهو ما كان لهم، وهذا أمر مشروع فالسياسة ليست ملجأً للأيتام وأبناء السبيل. إنها لحظات لعب فيها الظروف لصالح صورة إيجابية للبلد لكننا لم ندرك أهمية اللحظة ولا الظرف المواتي.
وهنا تحضرني واقعة أخرى، ففي مدريد عشت عن قرب أوج لحظات نشاط المعهد المصري الذي أسسه طه حسين في عام 1950، بمبادرة من شيخ المستعربين الإسبان الراحل إميليو غارثيا غوميث الذي درس الأدب الأندلسي في القاهرة في عشرينات القرن الماضي. كان المعهد المصري قد أنشئ بغية إحياء التراث العربي والإسلامي والأندلسي والتعاون مع الباحثين الإسبان وغيرهم في ميدان الدراسات الأندلسية والإسلامية، وظل منارة مشعة في إسبانيا لمصر والعرب طوال عقود لم يكن للعرب في شبه جزيرة أيبيريا منارة سواه. في ثمانينات القرن الماضي عاصرت وجود طابور خامس بين المستعربين والصحفيين والمثقفين. وأذكر أن قاعة طه حسين كانت تملتئ عن آخرها بالحضور في ندوات ومؤتمرات، وكان كثيرون منهم يقفون على السلم والردهة التي أمام القاعة في الطابق الأرضي. وكان المستعربون الإسبان يحجون إلى المعهد يوميًا، وكانت مكتبته عامرة دائمًا بالرواد الإسبان والعرب. خلق المعهد المصري طابورًا خامسًا لمصر، دون التفكير في هذا، إذ كان خلية عمل ونقطة إشعاع خفت ضؤها مع مرور الوقت في السنوات الأخيرة، والأسباب معروفة، لكنها تنهل من تقزيم دور مصر الذي سعت إليه قوى إقليمية ودولية بدءًا بإنزال نكسة 1967 بها. ويضاف إلى هذا أن المعهد لم يشهد تطويراً لأدواته وأدائه ليساير التطور المعلوماتي الذي حوّل العالم إلى قرية صغيرة. بيد أن العُدة الأساسية في هذا الأمر تكمن في اختيار الشخص المناسب لشغل منصب المستشار الثقافي، فقد شغله أحدهم دون استحقاق ولا في الأحلام ما أساء لصورة وسمعة مصر جراء ما ارتكبه من بشاعات.
هناك ضرورة لوضع استراتيجية، خطط طويلة الأمد، لاصلاح ما أفسده الدهر والأيادي المتآمرة والمفسدة والمهملة، بشرط أن نمتنع عند مد أيادينا، أي أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي ونأكل من إنتاجنا. مصر تتمتع بذاتية وتفرد في محيطها ما يسهل التمييز بين الغث والسمين على المستويين الوطني والقومي. كل هذا دون وضع البيض في سلة واحدة، فالعالم أرحب من أن أركز على بلد بعينه أو منطقة جغرافية دون أخرى لتحقيق الأهداف المرجوة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصر ، الذبول ثم البعث
ركاش يناه ( 2017 / 10 / 27 - 11:14 )

مصر ، الذبول ثم البعث
__________

لو كان للمقالات ملمس ، لتبللت أيدينا و مشاعرنا من دموعك و دموعى التى تغمر المقال ، عن العز المفقود الذى كان للمصريين فى بلدهم و فى كل العالم حتى وقت قريب عشناه ولمسنا إبان طفولتنا و شبابنا

حزنت ايما حزن ايضا لقراءة مقال بعنوان : النيل يلفظ انفاسه الاخيرة فى موقع بى بى سى العربى

لكن ، المصريون هم من علموا العالم نظرية البعث

ستعود مصر فتية و قوية و فاعلة فى العالم ، لكن بعد قرن من الان ، و هذا ايضا ما نوهت انت عنه فى أماكن كثيرة من مقالتك ، ان الجهد المطلوب كبير ، و ان الوقت اللازم للبعث طويل

لطالما كتبنا عن المحاور الثلاث للعمل الجاد لانتشال البلاد من وحل وضعها الحالي ، و اعنى نزول التعداد الى 15 مليون ، نزول الفساد من 100 بالمائة الى 20 بالمائة ، و فصل الدين عن العمل العام

شكرًا استاذنا

....


2 - أشكرك على كلماتك الطيبة
خالد سالم ( 2017 / 10 / 28 - 20:02 )
الأستاذ ركاش بناه
أشكرك على كلماتك الطيبة نحو أرض الكنانة. الحقيقة أن الألم بسبب وضع البلاد والوطن كله لا يسعه جسدي. كنت أحلم بأن أرى المنطقة كلها وعلى رأسها مصر منخرطة في سياق الحداثة والحرية والديمقراطية لكن العمر يجري ولا نرى سوى التراجع يوميًا.

اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة