الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة التغييريين في لبنان

فؤاد سلامة

2017 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الذين راهنوا على الحراك المدني في لبنان، وأنا واحد منهم، مدعوون ﻷن يعترفوا بفشل رهانهم. لماذا فشلنا، لماذا فشلوا؟
ليس ما ينقص قوى التغيير في لبنان القدرة على فهم الوقائع واستنباط الحلول. ما يبدو أن التغييريين في أمس الحاجة إليه هو القليل من التواضع والواقعية السياسية، وباﻷخص مغادرة الحالة اﻹنتظارية الناتجة عن تجارب مريرة عانوا بسببها الخيبة واﻹحباط المزمن.
المراقب المحايد والموضوعي لمسار القوى التغييرية في لبنان منذ نهاية الستينات مرورا بالتجربة المريرة والمدمرة للحرب اﻷهلية وانتهاء بمسيرة الحراك المدني منذ صيف 2015 يستطيع بسهولة استخلاص بعض العبر والانطباعات من تجارب الحركات التغييرية.


اﻻنطباع اﻷول هو أن التغييريين هم أشخاص شجعان ورؤيويون، ولكن شجاعتهم تصطدم بالعجزعن التخلص من آفة النجومية والفردانية التي تجعلهم يتحركون غالبا في دوائر صغيرة يحاولون من خلالها فرض وجهة نظرهم بدل الوصول لتفاهمات مشتركة. يفضح هذا السلوك النزعة اﻷنوية - الشللية والرغبة بالبروز كقادة متنافسين، لا كأفراد في فريق عمل متكامل ومنسجم. حصيلة الحراك المدني صيف 2015 ، تكشفت عن مجموعات مشرذمة تتخبط في تحركاتها وشعاراتها، غير قادرة على التنسيق فيما بينها، وعن قادة يتنافسون على الصورة من دون قدرة على كسب التأييد لقضاياهم، مايفسر فشلهم في توحيد صفوفهم بهدف استقطاب أوسع الفئات الشبابية والشعبية للمشاركة في حراكهم.


معظم التغييريين يمتلكون حساسيات يسارية، ﻷن أفكار اليسار شكلت قوة جذب للمثقفين والجامعيين وجميع الحالمين بتغيير المجتمع وتطوير النظام. اليمين عادة لا يستهوي التغييريين ﻷنه محافظ ومصلحي. ولكننا بدأنا نجد قوى تغييرية في أوساط اليمين الليبرالي، غالبا ما تتشكل من أشخاص ناجحين اقتصاديا وطامحين للتغيير، يجهدون لتشكيل أحزاب جديدة يثبتون من خلالها أهليتهم السياسية إضافة لكفاءتهم الاقتصادية، وذلك ليأسهم من العمل في أحزاب عائلية تحد من طموح اﻷفراد ومن صعود الكفاءات كما هو حال معظم اﻷحزاب اللبنانية.


القوى التغييرية اللبنانية أمامها فرصة ﻹثبات جديتها وجدارتها السياسية من خلال خوض معركة الانتخابات النيابية. إحراز نجاح يذكر في هذه الانتخابات لا يتحقق إلا بالتخلي عن النزعة الفردية والقبول بالعمل في إطار جماعي ومؤسساتي معارض. إذ كيف يتم انتقاد جماعة السلطة لكونهم لا يحترمون المؤسسات في الوقت الذي يعجز المعارضون التغييريون عن التصرف كفريق عمل معارض جدي ومسؤول يتصدى لمهمات وطنية جليلة؟


المحك اﻷهم لقياس جدية القوى المعارضة هو من خلال توحدها وثباتها في الموقع اﻹصلاحي الديمقراطي عبر تقديمها نموذجا يقتدى ومن خلال اتفاقها على تقديم دعم جماعي منسق لترشيحات تمتلك مصداقية وليس من خلال إظهار تنافسها على دعم ترشيحات فئوية هزيلة لا تمتلك الحد اﻷدنى المطلوب من المؤهلات السياسية والكفاءة ونظافة الكف والاستقلالية عن الطبقة السياسية الطائفية التحاصصية. شرط نجاح قوى التغيير في الانتخابات سيكون متوقفا على تشكيل لوائح موحدة في كل الدوائر على أساس برنامج إصلاحي واقعي ومحدد، ما سيزيد حتما من جاذبية المعارضة ويرفع حظوظها في الفوز بتمثيل برلماني وازن تستطيع من خلاله البروز كقوة إصلاحية مؤثرة تعمل من داخل المؤسسات لتنفيذ برنامجها وإعادة إحياء الحياة السياسية في البلد.


ثمة قوى تقدم نفسها على أساس أنها قوى إصلاحية وتغييرية تهتم ببناء دولة القانون والمؤسسات القوية والعادلة. ولكن عند وضع هذه القوى تحت مجهر المراقبة والتحليل يتأكد أنها لا تختلف في شيء عن أحزاب الطبقة السياسية، كونها تستعمل مفردات التقدم والعدالة والدفاع عن الفقراء من أجل تعزيز الهيمنة على طوائفها واكتناز الثروات الشخصية والعائلية لا أكثر.


اقتناع التغييريين بضرورة مغادرة الحالة الانتظارية وبالحاجة إلى العمل الجماعي الديمقراطي المنظم طويل النفس يستلزم أن يتخلوا نهائيا عن أحلامهم وأوهامهم بقيام حزب "طليعي"، واﻷهم أن يقبلوا بأن يكونوا أفرادا عاديين لا نجوما في تيار التغيير المرتكز على المواطنة الذي لا بد أن يقوى عوده مع اشتداد أزمة الدولة والمجتمع في لبنان. إن أفضل طريقة لتوسيع اﻷطر التغييرية أفقيا هي في تعاونها من خلال خطط عمل مدروسة ترتكز على برامج تنموية وإصلاحية واقعية وتراكمية وليس راديكالية وانقلابية.


نحن عشية انتخابات نيابية تجري ﻷول مرة بدرجة معينة من النسبية. في ظل اﻷزمة المستفحلة للنظام السياسي وللطبقة السياسية التحاصصية المتنازعة على الصفقات، ستكون هذه الانتخابات فرصة فريدة لاختبار جدية قوى التغيير اليسارية واليمينية وقدرتها على التعاون في سبيل قيام جمهورية حقيقية تعيد للقيم الجمهورية معناها، وهذا يتطلب الكثير من الواقعية في بناء التحالفات وصياغة البرامج. ليس الهدف على أمد قريب تجديد النظام اللبناني بشكل كامل، بل إعادة إيقاف الدولة الفاشلة على قدميها وذلك عبر إصلاحات تدريجية تعيد لتلك الدولة وهجها وقدرتها على القيام بدورها الاقتصادي، والسياسي والأمني.


اﻹصلاح هو المطلوب أولا، ولهذا اﻹصلاح برنامجه وأدواته، التي لن تكون طبعا على غرار برامج وأدوات أحزاب السلطة التي استهلكت شعارات اﻹصلاح والتغيير والتحرير والتنمية، وباقي عدة الشغل للطبقة السياسية التحاصصية المستهلكة.
الكثير من مدعي اﻹصلاح داخل اﻷحزاب التقليدية التي تتقاسم كعكة السلطة ومغانمها يقولون ﻷبناء طائفتهم الناقدين والمستائين من زعمائهم، يقولون لهم، معكم حق في انتقاداتكم ومطالبكم ولكن عليكم أن تعملوا من داخل أحزابكم التي تدافع عنكم، من أجل اﻹصلاح والتغيير. السؤال البديهي لهؤلاء اﻹصلاحيين، هو، ما هي نسبة اﻷمل في اﻹصلاح داخل أحزاب تتوارث القيادة والجمهور والعقارات والحسابات البنكية الممتلئة؟


وأما السؤال لدعاة التغيير داخل اﻷحزاب العلمانية التقليدية المعروفة، فهو، ما هي نسبة اﻷمل في إصلاح أحزاب بيروقراطية تنتفي داخلها آليات العمل الديمقراطي الحقيقية وعلى رأسها حرية التفكير والتكتل والشفافية والمحاسبة عبرمؤتمرات دورية تسمح بانتخاب القيادات بشكل ديمقراطي؟
الشرط اﻷول لخروج التغييريين من حالة المراوحة الدائمة يعرفه الجميع، وهو الخروج من حالة التقوقع والتشرذم عبر العمل بروحية القيادة الجماعية المنتخبة الخاضعة للمحاسبة الدورية، وبعقلية الفريق المتكامل لا عقلية الفرد الفذ والقائد اﻷوحد. وهو الشرط الضروري أيضا لتشكيل قطب جاذب ومغري للفئات الشبابية والشعبية الحالمة بدولة عادلة وقوية تهتم بمواطنيها وبرفاهيتهم.


لكي تستطيع القوى التغييرية على أمد متوسط استقطاب الفئات الشعبية الخائفة والمستنفرة طائفيا ضد أي حراك مدني لا يستظل أحد أجنحة التركيبة المذهبية، ينبغي برأيي أن تحرص المجموعات التغييرية على أن تخرج من عباءة الثنائيات الطائفية، وألا تقصرنقدها على جهة طائفية محددة، وأن تتمسك بالمطالب اﻷساسية وبالخطاب الجذري المناهض للفساد. وينبغي أولا وآخرا أن تتعاون فيما بينها على برامج مرحلية تحمل هموم المواطنين ومطالبهم وتعطيهم املا واقعيا بالتغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم