الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب السياسي و اللغة العادية

باقر جاسم محمد

2006 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



يوصف كل استعمال للغة language لغرض التخاطب بأنه أداء كلامي performance ، و بأنه خطاب discourse، و بأنه نوع من السلوك اللفظي verbal behaviour. وهو في كـل الأحوال يهدف إلى تحقيق التواصل communication بين منتج الكلام و مستقبله سواء عبر الكلام أو الكتابة. و لسوف نمحص أوجه التشابه و الاختلاف بين نوع من الخطاب السياسي الذي يتناول مشكلات الواقع المحلي تحديدا ً كما يتمظهر في كلام الساسة و معاونيهم و الناطقين باسمهم، و اللغة العادية التي يستعملها رجل الشارع البسيط حين يتحدث عن المشكلات نفسها. و ليس القصد من التمييز بين الخطاب السياسي، و نعني به هنا خطاب الساسة من ذوي السلطة في كل زمان و مكان، و اللغة العادية القول باختلافهما من حيث كونهما مظهرين يمثلان تجسيدات متباينة للقدرات اللسانية لمستعملي اللغة، و إنما المراد أن نؤكد على اختلاف الغايات و المواقف الذي أدى إلى اختلاف في طبيعة الخطاب و وسائله. فما يبتغيه السياسي من خطابه يختلف بهذه الدرجة أو تلك عما يريده مستعمل اللغة العادي من كلامه في الموضوعات السياسية المحلية. و لذلك كان لا بد من الاصطلاح على كلام الشخص العادي باللغة العادية تمييزا لـه عن الخطاب السياسي النسقي لرجل الدولة. و اللغة العادية، بهذا الوصف،هي ذلك النوع من الخطاب المسخر لإغراض لا تتجاوز التعبير عن الحقائق المعاشية و عن الضيق و التبرم و حتى الاحتجاج الضمني أو الصريح على فشل جهود من يتصدون لقيادة الدولة و يملكون القرار في معالجة مختلف أشكال الاختلال البنيوية الجسيمة في حقول الأمن السياسة و الاقتصاد و الخدمات؛ و هي أمور يدفع ثمنها المواطن مستعمل اللغة العادية الذي لا يملك القرار.
و من المهم أن نذكـِّر َ بأن التواصل يكاد ينقطع بين مستعمل اللغة العادية و صاحب الخطاب السياسي لوجود اختلافات جوهرية بين الخطاب السياسي و اللغة العادية على الرغم من كونهما يتناولان القضية نفسها. و يمكن حصر أهم وجوه الاختلاف في النقاط الآتية:
1. يصدر الخطاب السياسي من جهة أعلى هي السلطة السياسية أو الحزبية أو الحكومية إلى جهة أدنى هي الشعب عامة بينما تصدر اللغة العادية من الشعب و قد لا يقصد منها مخاطبة السلطة السياسية مباشرة، و ذلك حين يتحدث رجل الشارع إلى صحيفة أو لإذاعة أو قناة فضائية.
2. يتسم الخطاب السياسي بكونه ذا بنية نظرية على درجة من التماسك، و هي بنية مستمدة من أيديولوجيا معينة هي الأيديولوجيا التي يتبناها النظام السياسي القائم بينما تتسم اللغة العادية بالبساطة، وهي تفتقر إلى البنية النظرية أو الأيديولوجية سوى كونها تعبر عن مطالب فئات الشعب بوساطة أشخاص عاديين، بمعنى أنهم لا يمتهنون السياسة، من أبناء الشعب.
3. يكون الخطاب السياسي، في الغالب، منمقا ً و على شيء من التعقيد في الصياغة و مفكرا ً به مسبقا ً، بينما تتسم اللغة العادية بالبساطة و التلقائية و المباشرة.
4. يهدف الخطاب السياسي بالأساس إلى إضفاء المشروعية على إجراءات السلطة السياسية في الماضي و الحاضر و المستقبل و لذلك فهو يتضمن وعودا ً من جهة و نقدا ً للآخر الأيديولوجي من جهة أخرى، بينما تركز اللغة العادية على المشكلات الراهنة و لا تهتم كثيرا ً بالوعود و لا تنزع إلى مهاجمة أية أيديولوجيا بعيدا ً عن قدراتها على الإنجاز.
5. القصد من الخطاب السياسي هو التوجيه لمن تمارس عليهم السلطة، فضلا ً عن
6.
7. تسويغ الأخطاء و الاخفاقات إن وقعت، و توضيح الخطط و الإجراءات المستقبلية. فهي إذن لغة آمرة في طبيعتها و تميل أساسا ً إلى التذكير بالواجبات. و رجل السياسة الذي ينهض بمهمة إنتاج الخطاب السياسي يزعم عادة بأنه إنما يعالج بخطابه مشكلات الواقع و ذلك لإخفاء الجوهر السلطوي لذلك الخطاب. أما مستعمل اللغة العادية فإنه يقصد إلى التعبير المباشر عن المظالم و الاخفاقات و الكشف عن المعاناة المؤدية إلى الاحتقانات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية؛ فهي إذن لغة واصفة توظف لغرض التشخيص و التحديد و المطالبة بالحقوق. و هي تنزع إلى الطلب و الرجاء من القابضين على السلطة بالإسراع في معالجة الاختلالات البنيوية المذكورة آنفا ً.
إن العودة إلى الخطابات السياسية في المرحلة الراهنة، سواء أكانت شفاهية أم كتابية، يظهر للقارئ الكريم مقدار ما تنطوي عليه هذه الخطابات من خصائص ذكرناها سابقا ً. كما إن العودة إلى اللقاءات التي تجريها المحطات الفضائية، على اختلاف اتجاهاتها السياسية، مع رجل الشارع البسيط من مختلف مناطق العراق تبين وحدة في الرأي و تطابقا ً مع قلناه عن لغة رجل الشارع العادية. و كل ذلك يؤكد مصداقية التشخيص الذي أوردناه في العموميات و التفاصيل. و لعل من المهم أن نذكر بأن اتساع الفجوة بين لغة رجل الشارع العادية و الخطاب السياسي هي من مظاهر الخلل في الأداء السياسي لأية حكومة. و إن من أولى واجبات رجل الدولة أن يبذل كل الجهود لتقليص هذه الفجوة. و من هنا فإن من المهم أن نذكـِّر رجل السياسة بأن يحسن الاستماع إلى لغة رجل الشارع العادية و أن يتخذ منها بوصلة هادية لـه في عمله لأنها تعكس الواقع بصدق و تجرد و شفافية. و هو إن فعل ذلك فسيجعل إنجازاته على أرض الواقع تتحدث بلغة أعلى من الخطاب السياسي المثقل بالوعود. عندها فقط يجمع السياسي شرعية الإنجاز الباقية إلى شرعية الانتخاب الزائلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل