الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوتشي: الهروب من استحقاق جنيف

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الدعوة الى سوتشي ( إن كُتب لها الاستمرار ، في ظل توارد معلومات عن التأجيل ) بهذه التشكيلة الواسعة من " المنظمات " السياسية السورية، تستوجب العودة قليلا الى إشكاليات جنيف، والتي حالت دون تحقيق أية نتائج - كما يفترض - وفقاً لقرارات مجلس الأمن المتصلة بالشأن السوري. وتعد مسألة تمثيل وفد المعارضة، مشكلة جوهرية، بذلت موسكو جهوداً محمومة بسببها، لإفشال العملية السياسية المتمثلة بـ جنيف. فهي ترفض أن يمثل الائتلاف الوطني وحده - ولاحقاً هيئة المفاوضات - وفد المعارضة السورية. وتريد إدخال أفراد وهيئات أخرى، هي في واقع الأمر تدور في فلك نظام الأسد وموسكو، وفي أفضل الأحوال تتبنى الرواية التي ترى في الثورة السورية، مؤامرة كونية، وهجمة ارهابية تستهدف سوريا.
حاولت موسكو مراراً، إدخال اطراف ثالثة في المفاوضات، بهدف إيجاد قوة تمنع تحقيق الندية بين طرفين أساسيين، على حساب المعارضة، فينخفض مستوى تمثيلها، ومشاركتها الى الثلث، وبذلك تفقد أية قدرة على التأثير في مسار التفاوض، وبالتالي العملية السياسية برمتها.
واليوم، حين تتوجه موسكو الى عقد مؤتمر تشارك فيه مايزيد على ثلاثين هيئة ( حزباً أو منظمة )، فإن ذلك يعني خلط جميع الأوراق، وإعادة تمركزها في اليد الروسية، وكأن سباقاً محموماً مع الزمن، تحاول موسكو كسبه، قبل أن تتغير الموازين، في ظل حديث واشنطن بأن القضاء على داعش، هو تمهيد للدخول في عملية تسوية سياسية للملف السوري.
تدرك موسكو جيداً أن واشنطن مازالت بعيدة، جيداً عن الاهتمام بقضية التسوية، وهذا ما يعرف الكريملين كيف يستغله في سياق الاشتغال على تثبيت السياسة الروسية في سوريا، بعد أن انجزت عدة استحقاقات، خاصة في مفاوضات أستانا، التي أفضت في الواقع إلى تحجيم دور فصائل المعارضة المسلحة، وإيقاف عملياتها ضد النظام، وإشغالها بإدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها، في صورة أشبه بمرايا معلقة بالهواء:أية ريح تجعلها هشيماً.
ليست هناك اليوم في الساحة السورية، أية قوة سياسية، منظمة وقادرة، على التأثير العام، او التأثير في صناعة القرار الوطني، سواء أكان الأمر يتصل بالنظام، أم بالمعارضة. كلا الطرفين يفتقدان اليوم الأهلية في تمثيل السوريين. فقد رهن النظام نفسه بموجب الاتفاقيات التي أبرمها مع إيران وروسيا، فجلب التدخل العسكري والسياسي والأمني المباشر.
فيما أضحت المعارضة السورية عزلاء، خاصة في ظل تراجع الدعم السياسي الذي حظيت به الثورة السورية، في العامين الأولين، ثم ما لبث أن تبخرت مواقف الدول: اصدقاء سوريا، ووقوف الولايات المتحدة أشبه بمتفرج، يُكثر من الوعود، ولا يقدم أي مساندة سياسية، الى درجة مكّنت موسكو من استخدام حق النقض تسع مرات، في الشان السوري. كما أن تدفق التمويل باتجاه الفصائل المسلحة، بعيداً عن التنسيق مع المعارضة ، جعل من مؤسساتها، غير ذات تأثير، أو جدوى في إطار الجهود السياسية كافة، إضافة الى أنه نال من النضال السلمي للثورة السورية، بشكل مباشر.
المدعوون الى سوتشي، لايمتلكون أية مقدرة على التأثير، دون استثناء، ولا يمكنهم تقديم أية ضمانات لتحقيق أي بند يتم الاتفاق عليه. يمكنهم الانخراط في أي عملية سياسية، لكن كتابعين لأطراف إقليمية، هي من يحدد الأطر، ويختار اللاعبين. وفي سوتشي، ليس ثمة قوى إقليمية سوى الدب الروسي، الذي ما أن يبدأ رقصته، حتى ينهار كل شئ.
بلاشك، هناك زواية أخرى يمكننا النظر من خلالها الى مؤتمر سوتشي: هناك أزمة حقيقية تواجه الكريملن بشأن اليوم التالي، بعد أن حقق التدخل العسكر الروسي اهدافه، من وجهة نظر موسكو. فيما تبرز إشكالية جمع المعارضة السورية، حول استراتيجية الحل الروسي القائم على تسوية تشمل تشكيل حكومة مشتركة، تدير البلاد في ظل استمرار الأسد، وبإشراف روسي، في تعارض أساسي مع بنود جنيف والقرارات الدولية الداعمة له، بشأن هيئة حكم انتقالية.
وإذا كان مؤتمر سوتشي، سوف يُعقد بلا ظروف ملائمة، أوشروط، حوار بلا أفق، فإنه يقوم على تقويض ما تبقى من عملية جنيف التفاوضية، ويشكل خروجاً عليها، وهروباً منها. هكذا كانت مفاوضات أستانا، والتي يبدو أن مهمتها قد انتهت. ومصدر القلق الذي تعمل موسكو على إزالته، هو وجود طرف دولي مراقب في أي تسوية تريد فرضها على السوريين. ولذلك فإن مفاوضات جنيف ظلت تراوح مكانها، ولم يحدث فيها اي تقدم، نتيجة لتمسك النظام بشروط محددة، متفقٌ عليها مع روسيا. وفي مقدمها عدم التباحث حول مصير الأسد، ورفض إقامة هيئة حكم انتقالية.
لعبت موسكو على عامل التدمير والقتل، وفرض الحصار على المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وعملت بلا كلل على تشظية صفوف المعارضة السورية، التي فشلت في التوافق فيما بينها، على التعاون التشاركي للعمل في مواجهة النظام الأسدي وحلفائه. وتعمل اليوم على ترويج شكل من أشكال الحوار الذي يفتقد إلى أبسط الأسس والمبادئ: أطراف مستقلة، مؤثرة في بيئتها، قادرة على اتخاذ القرار، وعلى تحمل المسؤولية.
وفي خضم التحولات الكبيرة التي تجري في المنطقة، سياسياً وعسكرياً، تستمر عملية التدمير، واقتلاع السوريين من أراضيهم ومنازلهم، ما يجعل من أي مؤتمر سياسي، أو حوار وطني، مجرد غثاء في البراري، فقد وضعت كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة المنطقة على فوهة بركان، تتعقد فيه المشكلات، وبات من الصعب تصور الحل، في ظل الاصرار على بقاء النظام السوري، وتغافل المجتمع الدولي عن جرائم الحرب المروعة التي ارتكبتها تلك الأطراف في سوريا والعراق، الى درجة العجز عن تسميتها، وإدانتها في الحدّ الأدنى.
سوتشي هو استخفاف بالقضية السورية، حالة جديدة من العبث بتضحيات السوريين و بآمالهم، تضاف الى القهر السوري المديد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط