الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مطر حمص- في أيام قرطاج السينيمائيه

سالم المرزوقي

2017 / 11 / 8
الادب والفن


" مطر حمص" في أيام قرطاج السينمائيه


توطئه حول أيام قرطاج السينيمائيه

أيام قرطاج السينيمائيه أرادها مؤسسوها منبرا لسينيما الشعوب المضطهده ونجحوا في استقطاب مبدعي العالم الثالث وحوّلوا تونس لمنارة إبداعيه تضاهي بل تتفوق على عديد المهرجانات العالميه وكما نجح المؤسسون في جذب كبار المخرجين والمنتجين بمختلف مدارسهم وثقافاتهم نجحوا أكثر في شعبية هذه التظاهره وجماهيريتها وحرروا هذا الفن من احتكار النخب والصالونات الضيقه والمحترفين في سينيما التسليه والترفيه،وجعلوا منها صوت العالم الثالث السياسي والثقافي ،لكن للأسف في العقود الأخيره بدأت تتسرب إدارات ضيقة الأفق الفني وأسيرة العقل التجاري فبدأ يلوح ازدراء الجمهور واستهدافه ماديا وتبضيع المهرجان بالاعتماد على الاعلام الهابط للتلميع والدعايه وسوء الادارة والتنظيم، ورغم هذا فالجمهور لازال وفيا لأيام قرطاج وقد شهدت الدوره الحاليه اكتضاضا لا مثيل له وتفاعلا جماهيريا رغم الوضع المتردي لتونس ومحيطها من اضطرابات وإرهاب.

السياسه تفرض نفسها على الدوره 28

حتى لا أطيل التقديم شهدت الدوره الحاليه مشاركة الفيلم السوري مطر حمص للمخرج الشاب سعيد جود،ضمن المسابقه الرسميه وقد آثرت أن أتناوله بالنقد دون غيره لسببين الأول موضوعه الذي يشغل كل العالم وتناوله لأكبر أزمه سياسيه اجتماعيه في فاتحة هذا القرن وهي الحرب على سوريا والتي ربما تحدد نتائجها مستقبل العلاقات العالميه بين الدول والشعوب لاستقطاب المحاور حولها، والسبب الثاني وهو نتيجه للأول أي اللّغط الذي أثاره هذا الفيلم منذ عرضه الأول في سوريا وخاصة بعد تقديمه على قناة الميادين من طرف المنتجه اللامعه أوغاريت دندش،ومذ شاهدته في قاعة الكوليزي في تونس تأكدت أن الهجوم الذي تعرض له من معارضيه بتعلّة تناوله لوجهة نظر أحاديه، ليس سببه فقط معارضتهم للنظام السوري وثقافته وتبنيه للمخرج دعما وتمويلا بل كذلك لقيمته الفنيه العاليه التي أحرجت من ادعوا أنهم بديل ثقافي للنظام، ذلك أن عديد الانتاجات المسانده للنظام السوري بشكل مفضوح ومباشري وقع تجاهلها ولم تنل أي انتقاد لأنها ذات قيمه فنيه متواضعه لاتمكنها من النفوذ لعقل المشاهد، أما عن موضوع الأحاديه في قراءة أحداث الحرب في حمص واتهام المخرج بأنه سوّق لقراءة النظام فتلك تظل موضوع سياسي لا يغير شيئا من القيمه الفنيه للعمل الابداعي مهما كان توجّهه وهذا يدخل في حرية الرأي والتعبير والحق في الاختلاف،لكن منتقديه يدركون جيدا أن ما سمي بالثوره السوريه لا رصيد ثقافي أو فكري لها لتجسيده في عمل إبداعي فكل ما يملكونه عن المأساة السوريه فيديوات وتقارير صحفيه أنتجتها قنوات مموله من أطراف معاديه لسوريا وقد ثبت زيف أغلبها ولهذا نجد هؤلاء المنتقدين يحتمون بالصراع السياسي ويتحاشون النقد الفني لعمل سعيد، وحتى لا نكون طرفا في هذا اللغط علينا الاقرار بأن النظام السوري ليس ملاكا طاهرا أو ديمقراطيا ،فثمة معارضات سوريه عريقه أقدم من حزب البعث السوري الحاكم وعانت السجون والقمع ولكنها كانت وطنيه تصارع النظام عن طريقة إدارته للدوله والمجتمع وليس لتقويض الدوله وتفكيك المجتمع ولم تتورط في العمالة كما تفعل المعارضه العميله التي تدير الحرب على بلادها ،وكجزء من عمالتها تشويه المبدعين السوريين وتسييس أعمالهم.ولتقريب الصوره للقارئ نستحضر المثل العراقي فالأمريكي المستعمر الذي جاء للعراق بخدعة تقويض دكتاتورية صدام حسين ومبشرا بثقافة الديمقراطيه لم يكرس الديمقراطيه ولم يقوض الدكتاتوريه بل باشر بتدمير دولة العراقّ وعمادها الرئيسي أي جيشها وفكك المجتمع العراقي وقسمه لطوائف وقوميات متناحره وحروب أهليه وميّع ثقافة العراق الأصيله ليستفرد بالسيطره السياسيه والاقتصاديه والثقافيه كما يشهد العراق منذ احتلال بغداد والذي نتمنى له التعافي بمقاومة شعبه لهذا المشروع الاستعماري.
ولأننا بصدد الحديث عن عمل فني علينا أن ندرك أولا أن مهرجان قرطاج السينمائي ولد سياسي بامتياز منذ تأسيسه ليكون صوت العالم الثالث وثانيا أن فيلم مطر حمص ولد من رحم حرب ضروس وفي الحرب تنتهي مفاصل السياسه بيمينها ويسارها ووسطها السائد زمن السلم، ففي زمن الحرب يستقطب الصراع ليأخذ مسارا واحدا وتناقضا واحدا بين معسكرين وجبهتين،فالجندي الذي يقاتل مع الدوله السوريه لا يعرف الحريات السياسيه ولا الديمقراطيه،لا يعرف إلا أن ينتصر لوطنه وأرضه أو يُقطع رأسه وتؤكل كبده،وفي الطرف الآخر مقاتل بعضه ليس سوري أصلا لا يعرف إلا تقويض الدوله وبناء دولة خلافة الله في الأرض وإلا "الشهاده" والجنة والحوريات وخلف الطرفين محاور دوليه تريد رسم مستقبل العالم حسب مصالحها ومن هنا تصبح الثقافة ومنها السينما غير محايده ومجبره على الاصطفاف وعلى الذين ينتقدون اصطفاف سعيد جود أن يصطفوا نقيضا ثقافيا بأعمال فنيه وألا يركنوا للسياسه الدعائيه ولا نظنهم قادرين على ذلك بل بامكانهم فقط التسلح بالاعلام وتوظيف الدعايه كما فعل سامر عجوري الذي وظف مأساة الطفل الغريق إيلان في ست دقائق كرتونيه وأضاف ضجة إعلاميه بانسحابه من مهرجان قرطاج بادعاء مشاركة فيلم مطر حمص واتهام إدارة قرطاج بالبروباقندا للنظام السوري.

مطر في حمص
ليس سهلا على غير المحترفين للنقد السينيمائي مثلي الغوص في أعماق عمل سعيد جود وتفكيك رموزه وتبيان حسناته وهناته،لكن للمتلقي دور كبير في نجاح أو فشل العمل الفني،فالعرض كان ناجحا بامتياز حيث أن عدد الجمهور الذي غصّت به قاعة الكوليزي بالعاصمه التونسيه وتفاعله مع المخرج والعرض كان صغيرا نسبة للذين لم يسعفهم الحظ باقتطاع تذكرة الدخول،ولا نعتقد أن يضاهيه فيلما آخر غير تونسي من حيث الجماهير المتابعه.
ميزة المخرج سعيد جود أنه جعل من مدينته حمص وخرابها المفجع ودمارها الغير مسبوق بطلة فيلمه بامتياز وهو ما أثار حفيظة نقاده الذين حزت فيهم الفضيحة لعصر الحروب الذي سمي باطلا ثوره، والذين عملوا بأقصى ما لديهم لاخفاء جريمة تدمير سوريا ،أولها تجاهل تدمير آثار تدمر وآخرها طمس معالم جريمة تدمير مدينة الرقه عن بكرة أبيها،هذا بالضبط سبب حقدهم على فيلم "مطر حمص" وليس ولاءه للنظام السوري كما يدعون أو طريقة سرده لأحداث الصراع العسكري على أرض حمص،لقد أرسل الفيلم رسالة محترفه بطريقه فنيه قل نظيرها عن مدينة كانت آمنه جميله يتعايش أهلها بوفاق ديني وعرقي بغض النظر عن ماهية سلطة دمشق الى أن تسلل لها طاعون الموت والدمار عبر مؤامره مخابراتيه وظفت لها إمكانيات ماديه ولوجستيه قادره على الفتك بدول ومجتمعات وليس فقط تغيير نظام مّا.
الميزه الثانيه لسعيد جود أنه استنبط من الحرب والدمار قصص حب رقيقه شهدتها فصول الفيلم وأظهر عمق إحساس السوري البسيط وتفاعله مع عشق الحياة فالجندي المدجج بالسلاح وأثناء مراقبته للجبهه عبر المنظار لمح اللقاء الحميمي بين العاشقين يوسف و يارا صرخ في زميله"حطلّي الحب كلُّ..." ليعلو صوت أم كلثوم صادحا وسط القنابل وأزيز الرصاص وكذلك حال الطفلين المشردين اللذان كانا يختلسان النظر لقبل الحبيبين :"باسها..."،،،"هات لشوف"،،،،"إيه والله باسها"... كانت كل فصول قصة حمص تتخللها وصلات موسيقيه بين القصف والقنص والاشتباك لم تستثني حتى الراهب الذي غنى وترنم مع نغمات عود يوسف كتحدي للحرب وكرمزيه أن الحب والفن هو السلاح الأزلي الذي سيصمد أخيرا فشاهدنا يوسف يعزف و يغني ويرقص حوله الراهب والأطفال ويارا حبيبته متحديا الارهابي القابع في مكمن القنص،ليصرخ : "هاي إلك أبو عبدالله..."
لم يكتفي المخرج الشاب بالسرديات حول الحب والموسيقى والجوع والعطش والمرض وجنون الحرب مثل الشابه ريما والشيخ الجنرال، بل جعل من ساعة في إحدى ساحات حمص القديمه رمزا فلسفيا للزمان والمكان كحد فاصل بين الحياة والموت وبين الصمود والانهيار وبين الانسان والحيوان،فأفرد فصلا كاملا عن رجل طريف احتمى بنصب الساعة وصار محاصرا برصاص القناص،فمرة يتحدى قاتله بالتبول وبحركة يده الجنسيه ومرة يستجديه بالعويل والنباح :"إحسبني كلب واتركني أعيش..." الى أن ينهار ويخرج من مخبأ الساعة الرمز ليموت بوابل من الرصاص تحت مطر حمص، مكان الكلب المصاب ،وتتحول ساعة حمص الرمز لنحت خشبي جميل بين يدي البطل يوسف وهو يتوعد:" إذا دمروا ساعة حمص فسأضع هذه المنحوتة مكانها...شو رأيك أبونا...".
في الختام،لقد حاولت أن أنصف هذا المخرج الشاب الواعد ليس بمنظور الناقد المحترف ولكن بتصويب بوصلة النقد نحو فنه وليس نحو انتماءه السياسي الذي هو من حقه في زمن الحرب الذي لا مكان فيه للحياد،وأتمنى أن ينال استحسان لجنة تحكيم مهرجان قرطاج ليتوج لا كانتماء سياسي كما ذهب البعض بل كفنان له قراءة لحرب مدينة حمص المظلومه.
سالم المرزوقي ـ تونس ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في