الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السور واختلاف الثقافات

بهار رضا
(Bahar Reza)

2017 / 11 / 11
الادب والفن


السور واختلاف الثقافات
مجسمان لقلمي رصاص كانا يشكلان بوابة تلك المدرسة التي علي أن أترجم فيها لأحد التلاميذ العرب، مررت من خلال قلمي الرصاص إلى الباحة التي كان في نهايتها باب مبنى المدرسة، دخلت عبر الباب لأجد نفسي في ممر وضعت فيه طاولة للعبة كرة اليد وأخرى للعبة كرة القدم، كان هذا المبنى بمثابة ناد تربوي يستقبل التلاميذ بعد نهاية الدروس وحتى الساعة الخامسة لأربعة أيام في الأسبوع وحتى الرابعة في أيام الجمعة، إلى أن يأتي ذويهم من العمل لاصطحابهم، كان خالياً من التلاميذ في تلك الساعة من ساعات الدوام المدرسي حين وصلت أنا.
عبرت الممر بأمان لأجد نفسي في مطبخ أنيق نظيف يملأه شذى خميرة العجين الذي سيشارك التلاميذ في خبزه لاحقاً، كان التربوي والتلميذ الذي سيسجل اليوم في هذه المؤسسة التربوية وأمه بانتظاري، قام التربوي بتحيتي وقدم نفسه: توبياس، وعرض علي الجلوس على أحد الكراسي التي كانت تحيط بطاولة للأكل، كراس مغلفة بقماش أزرق ككراسي ذلك المكان الذي احتجزنا فيه وأنا طفلة في بلدي الأم، جلست مكرهة وانتابني شعور بأنني محاصرة بسور من مياه زرقاء امتلأت بهما رئتاي، وأنا أصارع تلك المياه التي بدأت قوتها تزيد مع تزايد محاولتي للإفلات منها واثناء هروبي وقع بصري على مساحة لبعض الألعاب الإلكترونية وبيت خشبي للدمى يشبه الذي كان عندي في طفولتي، وصوت اختي التي تكبرني بخمسة أعوام يدعوني للدخول فيه وهي تقرأ لي أنشودة من كتاب الأغاني:
"خالي السيد سلمان ، هز الولد خل ينام
وگضيتله على عيوني ، عاشگ وما ينطوني
عاشگ بنيت السلطان ، ما تاكل البيذنجان
الا حليب وروجان".
استرخيت على صوت اختي، فلقد كان بمثابة شمة الهرويين الأولى، وانطلقت أبحر بالبيت الخشبي إلى السطح، حيث جاء صوت توبياس من فنار أبيض كصفارة أمان بعد غارة جوية .

ــ سابدأ باخذ بعض الملعومات الشخصية لتسجيل التلميذ، وبعدها سنأخذ جولة في المكان كي أعرفكم عليه.

كان توبياس رجل في عقده الرابع ، رسمت ابتسامته الدائمة خطوطاً كأشعة شمس دافئة في حقل ثلجي حول عينيه الخضراوتين، شعره الحليق وملابسه الرياضية كانت قد جعلت منه بهيأة أقرب لتلميذ في مرحلة متقدمة منه إلى تربوي، وكانت الأم الثلاثينية الأنيقة التي تعمل بعينيها العسليتين مسحاً إشعاعياً لكل ما هو حي أو جامد وبأعلى درجات التقنية الحديثة جالسة إلى جانبي، وقد جلس إلى جانبها ابنها وهو يرتدي قميصاً ناصع البياض كقطعة مرمر وربطة عنق حمراء وقد رتب شعره على أساس معادلات حسابية دقيقة، كان الولد يحتسي كوباً من الكاكاو وتمسح الأم فمه بعد كل رشفة من الكوب.
سألها توبياس أسئلة روتينية عن الاسم والعنوان الحالي واسم وعنوان طبيب العائلة والتطعيمات وآخر تطعيم ضد الكزاز والأمراض المزمنة والحساسيات وما إذا كان قد تعرض لصدمات الحرب. أتممنا الاستمارة والتي كانت خالية من أي إشكال، وجاء دور الجولة التعريفية بالمكان.
خلال جولتنا الداخلية، كان توبياس يشرح كيفية الاستفادة من جميع الألعاب الألكترونية والفنية والذهنية، حتى وصلنا إلى لوح معدني يحمل خارطة مصورة للمبنى المؤلف من طابقين وباحتين للعب وثلاث صالات رياضية وعدة صالات للألعاب الألكترونية، وكانت إلى جانب اللوح قطع مغناطيسية صغيرة طبعت عليها صور التلاميذ. جثا توبياس على ركبتيه حتى أصبح رأسه في مستوى رأس الصبي ووجه نظراته مباشرة إلى عينيه ووجه الحديث إليه بنبرة جادة وكانه يتحدث إلى شخص بالغ:
ــ عندما تبدأ بالدوام هنا ستحصل على مثل هذه القطعة وستكون صورتك مطبوعة عليها، وسيتوجب عليك عند تركك المبنى أن تلصق القطعة التي عليها صورتك على صورة المبنى الذي ستتواجد داخله، وكلما غيرت المبنى أو المكان ستعود وتغيرمكان القطعة المغناطيسية كي يتسنى لنا معرفة مكانك دائماً.
كانت الأم والصبي يتابعان باهتمام كل ما حولهم، انتهت الجولة الداخلية بشكل ممتع وخرجنا إلى الباحة الخلفية للمدرسة التي كانت عبارة عن ساحتين يربط بينهما سلم من درجتين، أشار توبياس بلطف أبوي إلى الباحة التي كنا متواجدين عليها:
ــ هذه الباحة مخصصة للتلاميذ ما بين الصف التمهيدي والصف الثالث، والباحة الثانية هي لتلاميذ المراحل الأخرى وحتى الصف التاسع، كتلاميذ في الصف التمهيدي يسمح لكم باللهو في هذه الباحة فقط .
جاء سؤال الأم أسرع من ظهور علامات التعجب على وجهها:
ــ وكيف يعرف التلاميذ هذا الأمر، أقصد كيف سيتجنبون الدخول للباحة المخصصة لطلاب المراحل المتقدمة وبالعكس؟
أجابها توبياس بلهجة مطمئنة:
ــ مع استقبال التلاميذ الجدد بداية العام الدراسي أو خلال العام سنعرفهم على المبنى والقوانين وواجباتهم وحقوقهم في هذه المدرسة.
كقطعة خبز جافة لم تنزل إلى المريء قضمت الأم الجواب، في حين كان الصبي ينظر لها بفضول. انتقلنا بعدها إلى الباحة الثانية وكان الدوام الدراسي قد انتهى وهناك بعض التلاميذ الصغار يمرحون دون حيطة داخل حوض مليئ بالرمل جعلته مياه الأمطار وحلاً نوعاً ما، فجأة ومن دون مقدمات انحنت الأم على قدم الصبي لتعيد ربط شريط حذائه الألمع الذي لم يكن مفتوحاً، ونهضت مستقيمة القامة وقد بدت ممتلئة بالاضطراب، ثم رفعت رقبتها وبدت كغزال استشعر خطراً فينظر في جميع الاتجاهات مستجمعاً جميع حواسه ليستكشف مصدر الخطر، ثم تحول الاضطراب إلى رعب حقيقي حين وقع نظرها على القلمين الملونين فبدت وكأنها تنظر إلى مشنقتين، ورغم إنها كانت متسمرة في مكانها إلا إن حركاتها كانت توحي بنية الهرب من المكان، وجاء صوتها مشدوداً:
ــ أين السور؟
كانت الدهشة واضحة على ملاح توبياس وهو يسألها عن معنى السور، لتجيبه وهي عند نهايات حدود مملكة الصبر حاملة راية التمرد والعصيان:
ــ السور ! سور المدرسة، لا أرى للمدرسة سوراً.
قال لها توبياس وقد تمددت الدهشة إلى لغة جسمه وهو يحاول أن يخفيها عبرة نبرة صوته الجادة:
ــ بماذا تفكرين وأنت تسالين عن السور؟
بصوت مخنوق كأنها ابتلعت فاكهة جهنم:
ــ سيهرب الأولاد من المدرسة حتماً، وهناك ألف خطر يحدق بهم في الشارع.
حاول توبياس أن يخفف من قلق المرأة الشابة وطلب منها الدخول في بناية إلى جانب الباحة كي يتحدث معها بهدوء بشأن السور، إلا إن الأم الشابة رفضت هذا الأمر، وكأنها برفضها هذا ستفرض بناء سور حول المدرسة خلال ثوان.
ــ لم يهرب أي تلميذ منذ انشاء هذه المدرسة قبل ثلاثين عام ولحد هذه اللحظة، اطمئني.
ــ وكيف لي أن اطمئن إلى مكان دون سور؟
سألها توبياس بلهجة ودودة:
ــ هل سبق للصبي أن هرب من المدرسة؟
ــ لم يدخل المدرسة في بلدنا، ولكن بالتأكيد مع وجود السور ستنعدم إمكانية الهرب. لن أترك ابني في مكان دون سور .
تركت المرأة المدرسة وهي تعدو، وكأنها تهرب من مكان على وشك السقوط.
هذه القصة من نسج خيالي واي تشابه بالاسماء والموضوع هو محض الصدفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز


.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن




.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني


.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني




.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد