الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض الكتاب الحائز على أفضل أصدار فى عام 2017 -تشريح الهزيمة- 2/2

فتحى سيد فرج

2017 / 11 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الإنسحاب: وصمة العار في جبين القيادة ونوط الشجاعة والتحمل للجنود:
لم يكن السبب لهزيمة مصر الساحقة، هو التخطيط الأفضل والتفوق النسبي في الأسلحة للجانب الإسرائيلي فحسب، بل تخبط المؤسسة العسكرية المصرية بداية من التعبئة السيئة، والخطط المتضاربة للقتال، ونهاية بالمأساة التي ستظل نقطة سوداء في تاريخ كل مسؤول، وهي الاسحاب غير الضروري تماما وغير المنظم لعشرات الآلاف من جنود مصر بطريقة مفككة.
المشير عامر قد قام بمحاولة لإيقاف الهزيمة، عندما استدعى السفير السوفييتي في 6 يونيو وطالبه بتنفيذ وعود موسكو لوزير الدفاع شمس بدران والتدخل عسكريا، فاستفسر السفير عما إذا كانت هناك أدلة على تدخل الولايات المتحدة لجوار إسرائيل، فرد عامر بالإيجاب، لكنه لم يستطيع تقديم مستندات .
كانت سيطرة الفريق صلاح محسن على قوات الجيش مفقودة نتيجة تدخل المشير في أعماله، حتى الصغيرة منها، وصلت إلى حد نقل سرية لدعم مكان مطلوب له قوات، علاوة على التغييرات الحجم الكبير فى الأعداد والتي كانت تتوالى عليه خلال الأيام العشرة قبل بدء المعركة، ثم شلل المواصلات الداخلية، بل وقطعها نهائيا .
حالة من الفوضى والتضارب بين قوات تنسحب دون إبلاغ المستويات الأعلى، وقوات تحاول العودة، وقوات تشتبك مع العدو منفردة.
بحلول مساء السابع من يونيو، كانت معظم القوات قد انسحبت وانتهت أي فرصة للقتال الفعلي من الجانب المصري.
يسرد الفريق فوزي كيف تم إتخاذ قرار الانسحاب “طلبني المشير ٦ يونيو وقال لي: عاوزك تحط لي خطة سرية لانسحاب القوات من سيناء، أمامك عشرين دقيقة فقط.. فوجئت بهذا الطلب، إذ أنه أول أمر يصدر إليّ شخصيا من المشير الذي كانت حالته النفسية والعصبية منهارة.. كانت القوات البرية في سيناء عدا قوات الفرقة ٧ مشاة متماسكة حتى هذا الوقت، ولم يكن هناك ما يستدعي إطلاقا التفكير في انسحابها.”
وقدم فوزي خطة انسحاب تتم في أربعة أيام وثلاث ليال، فرد عليه المشير عامر قائلا: ٤ أيام و ٣ ليالي يا فوزي، أنا أعطيت أمر الانسحاب خلاص، ثم دخل المشير إلى غرفة نومه التي تقع خلف المكتب مباشرة بطريقة هيستيرية .
ولأنه لم يكن هناك أمر انسحاب مكتوب، تصرف كبار القادة ومرؤوسيهم بل والجنود وفقا لفهمهم الخاص، فحدثت بلبلة واسعة وانهارت القوات معنويا، وانقلب الانسحاب غير المنظم إلى فوضى، “فتعارضت أماكن تمركز المنسحبين وطرق انسحابهم،
فقد قام بعض القائدة بتنفيذ الأمر بالنسبة لشخصه وفرقته فقط، دون أن يخطر قيادته العليا والقوات التي تجاوره، وهذا عمل من الأعمال التي تحاكم عسكريا في جميع القوانين العسكرية، إذ أنه يمس أمن وسلامة بقية القوات مسا مباشرا”، ولم يعلم قائد الجبهة الفريق عبد المحسن مرتجي بأمر الانسحاب من قيادته أي من المشير عامر أو رئيس الأركان، بل “من القوات المنسحبة نفسها .
كل هذه الفوضى لا تفسير لها سوى أن المشير اصدر قرارا شفويا غير محدد وغير مفصل بسحب ١٢٠ ألف ضابط وجندي لغرب القناة، وفسر الجنود أمر الانسحاب بأسلحتهم الشخصية على أنه تم بغرض تأمين سلامتهم لا لمقاتلة العدو، فسار معظمهم على الأقدام أو بأي وسيلة مواصلات في إتجاه واحد معين وهو قراهم ومنازلهم، وبعدها عادوا وانضموا إلى وحداتهم، لكن بدون أي أسلحة.
تجادل الفريق فوزي مع الفريق مرتجي، فاتصل الأخير بالمشير عامر وبعد حوار، مرّر الهاتف للفريق فوزي الذي سمع أوامر عامر: ”خلاص يا فوزي إرجع أنت القاهرة.” وبهذه البساطة انتهى دور العسكرية المصرية تماما خلال أقل من ٧٢ ساعة من بداية الحرب، دون مقاومة تذكر من جانب القادة.
في حساب ختامي لم يتم استخدام أي من المدرعات أو المدافع المصرية في أي قتال يذكر، ودمرت معظمها، فقد دُمر ٨٥٪ من القوات الجوية معظمها على الأرض، وخسرت القوات البرية ١٧٪ من أفرادها و٨٥٪ من معداتها.
لم تكن الروح السلبية للجنود سوى انعكاسا لإنعدام مسؤولية ومهنية القادة، لماذا يضحي الجنود وقد فر الضباط، فخلال رحلته بالسيارة من الإسماعيلية إلى السويس يوم ٧ يونيو، لم يجد الفريق فوزي في أي وحدة أو جماعة ضابطا واحدا بين مجموعة جنوده إطلاقا .

التقى نائب رئيس المخابرات الحربية عبد الفتاح أبو الفضل مع أحد كبار الضباط “الذين حضروا شاردين من سيناء، سألته عن السبب في عدم التحامهم مع الجيش الإسرائيلي، قال: لم يكن لدينا الدافع لبذل أي مجهود، لأننا كنا سننتصر لأجل أن يصل شمس بدران فتى القيادة المدلل لأعلى المناصب.. فهل كنت تريدنا أن ننتصر لأجل أن يصل الإنتهازيون إلى أعلى المراكز؟ .
توقفت القوات الإسرائيلية عن أسر الجنود المصريين، لأن أعدادهم كانت كبيرة، ولم تكن هناك وسائل نقل كافية لنقلهم، واقتصر الأسر على الضباط ، بينما سُمح للجنود بعد إلقاء أسلحتهم بعبور القناة بمراكب مدنية .
لم يكن عبد الناصر حتى بعد ظهر السابع من يونيو يدرك فداحة الهزيمة، إذ لم يعرف حتى ذلك الوقت أن المشير عامر أصدر أمر الانسحاب العاجل والسريع، فخلال اجتماعه مع وزير الخارجية الجزائري، كان ناصر مازال يقود حربا كانت قد أنتهت على الأرض. فقد أكد عبد الناصر لبوتفليقة أن قوات مصرية ستعيد التمركز في خط الدفاع الطبيعي عند الممرات شرق القناة وتوقف تقدم القوات الإسرائيلية، بينما كان عشرات الآلاف من الجنود يسيرون بصعوبة على رمال سيناء ويعبرون القناة في مراكب مدنية .
مصر في هذه الحرب التي لم تقاتل بينما كان لديها نحو ١٢ ألف قتيل، بينما أسرت القوات الإسرائيلية ٦٠٠ر١٣ فرد. واستولت إسرائيل على حوالي ٨٤٨ مدرعة .
من هزم مصر؟
ذهل الإسرائيليون لانسحاب مصر، إذ كان يمكنها مواصلة القتال البري في الليل على الأقل، عندما تعجز الطائرات الإسرائيلية عن قصفهم، وكانت هناك تحصينات كثيرة يمكن التمترس بها نهارا، لكن قرار الانسحاب حتى دون منح الدبلوماسية الدولية طلب وقف إطلاق نار، حيث رفض المبعوث المصري في نيويورك السفير محمد عوض القوني أن يتم فرض وقف لإطلاق النار، وهكذا ساعد نظيره الإسرائيلي الذي كانت أوامره هو التسويف والمماطلة لمنح وقت للجيش الإسرائيلي لإنهاء خططه في سيناء.
كان الهدف السياسي من الهجوم الإسرائيلي، هو قصم ظهر العسكرية المصرية و”إذلالها” بغرض فرض حل سياسي عليها ووضع نهاية لمشروع القومية العربية الثورية، وتحقق الجزء العسكري من هذا الهدف تأكد نجاحه في اليوم الثاني مع قرار المشير عامر بالانسحاب والتنفيذ الفائق الاضطراب له.
بعدها التفتت إسرائيل إلى حلمها القومي الديني وجائزتها المنشودة، فاستولت على القدس والضفة الغربية، وفي اليوم السادس والأخير تخلصت من مصدر التنغيص الذي بدأت الحرب بسببه، وهو إطلال سوريا وتحكمها في شمال إسرائيل من أعلى مرتفعات الجولان السورية.
كان لدى إسرائيل خطة نفذتها بنجاح، وفي اليوم السادس للحرب، ٩ يونيو، صار مناسبا لإسرائيل أن تقبل وقفا لإطلاق النار، وكان قرار مجلس الأمن بإيقاف النار قد صدر دون النص على عودة القوات المتحاربة إلى أماكنها الأصلية كما هو متبع، وقبلته مصر.
لا شك أن رؤية الأمور بعد ٤٨ عاما قد تكون أوضح لنا بالمقارنة بمن كانوا في قلب ضباب الأحداث، لكن معظم هذا الضباب لم يكن مفروضا على مصر، بل كان من اختيارهم بفعل نظام سياسي قائم على الثقة وأمن الحاكم وجماعته، يفتقر إلى آليات للمحاسبة والمساءلة وفاقد لفهم واضح ومدعوم شعبيا لأولويات الأمن القومي وكيفية دعمها بناء على القدرات الفعلية للمؤسسات العسكرية والاقتصادية. لقد هُزمت قيادة مصر ونظامها بيدها قبل أن تهزمها إسرائيل.
غيرت هزيمة ١٩٦٧ خريطة الشرق الأوسط فعليا وأستراتيجياً، وكانت بداية النهاية للمشروع الناصري، بل والقومية العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة