الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟ الجزء الثاني

قصي الصافي

2017 / 11 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد نشر الجزء الاول من المقال تلقيت بعض الملاحظات التي الزمتني بالاشارة ثانية الى ان المقال لا يهدف إلى تبرئة أياً من الأديان، فكما أشرت في الجزء السابق أن جميع الأديان الابراهيمية تتأرجح في نصوصها بين لغة العنف ولغة السلام والمحبة بفعل التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي تترك بصماتها على الوعي الجمعي والمنظومة القيمية للمجتمع، فتنعكس بدورها على النص الديني على اعتباره تعبيراً عن صورة الاله في مخيلة الناس.
تتردد عبارة " المسيحية دين المحبة والسلام" كلما جرى الحديث عن الارهاب الديني، وقد أصبحت تلك العبارة احدى المسلمات المعفاة من التساؤلات أو حتى إبداء الشك، وتعود تلك الوثوقية بنظري الى مجموعة من الأسباب في مقدمتها:
أولا: أن الشعوب الأورو-أمريكية والتي تمتد جذور ثقافتها في الموروث اليهو-مسيحي، شعوب متفوقة ومهيمنة سياسياً و اقتصادياً، و للمنتصر صوت مسموع.
ثانياً: الخلط بين النصوص المسيحية الأصلية وما اضفاه الثيولوجيون عبر قرون، و اسهامهم في تهذيب وروحنة نصوص العنف من خلال التأويل ومزج الفلسفة الأفلاطونية و الارسطوطاليسيه بالدين، ومن أهم هؤلاء أوريجين، ماكسيموس، اوجستين و توم الأكويني، وهذا يقودنا الى سبب ثالث يتعلق بالحداثة، فالشعوب الاورو-أمريكية قد أنجزت مراحل متقدمة من الحداثة التي أنتجت منظومة قيمية جديدة، لم يكن للمسيحي خيار سوى التناغم معها واهمال النصوص الدينية المعارضة لها، وهذا ما يفسر الفارق بين نمط تفكير ومعايير المسيحي الفرنسي ونظيره العربي مثلاً، إلا أن هذا يحسب للحداثة وليس للدين.
رابعاً: شيوع الادعاء بان المسيحية هي الديانة الوحيدة التي لم تنتشر بالسيف، وتلك مغالطة تأريخية واضحة، فقد بقيت المسيحية لثلاثة قرون ديانة أقلية، رغم شبكة التواصل العالمية التي أسسها ونشط في تنظيمها الرسول بولس، ولم تنتشر المسيحية على نطاق واسع إلا بعد عام 313 م، عبر حرب طاحنة شنها الامبراطور قسطنطين، قتل فيها الآلاف من الوثنيين واليهود، كما ان الفلاحين الذين تركوا أرضهم وعيالهم للتطوع في الحروب الصليبية، لم يكن يدفعهم سوى الجهاد ضد " الكفار" في الشرق ونصرة الاخوة في الدين، كما تؤكده لغة التعبئة البابوية آنذاك، ناهيك عن فتوحات العالم الجديد "امريكا الشمالية واللاتينية" والتي لم تكن بمباركة البابا فحسب، بل بتدخله المباشر حين رسم خطاً على الخريطة للفصل بين الامبراطوريات الاوربية المتنازعة على توزيع القارة فيما بينها.

يوسيفوس ( يوسف بن ماتيتياهو) ربما هو المرجع التأريخي الوحيد عن الفترة التي ظهرت فيها حركة يسوع رغم أسطرته لبعض الأحداث، أما الأناجيل التي كتبت بعد صلب يسوع بعقود، فتعج بالمواقف المتضاربة والنصوص المتناقضة التي لا يمكن تفسيرها الا بالعودة إلى معطيات الواقع السياسي والاقتصادي في فلسطين في ظل الامبراطورية الرومانية آنذاك، وهذا ما سيتناوله الجزء الثالث من المقال، اما الان فلنسلط الضوء على بعض من تلك المتناقضات.

الصورة الشائعة عن حركة يسوع أنها حركة سلام و محبة وتسامح، وهذا ما تؤكده معظم رسائل الرسول بولس وبعض نصوص الانجيل ( يوحنا 13: 14 ، يو 15: 12 ، لوقا 2 : 14 ، متي 5: 9 )، رغم أن قراءة متأنية لتلك النصوص تكشف أن غالبيتها كانت موجهة الى أتباع المسيحية لتنظيم العلاقات الاجتماعية فيما بينهم وليس مع الآخر المختلف، كما سجلت الكثير من مواقف وأقوال يسوع التي تلاشت فيها روح التسامح ، فيسوع لم يشأ أن يغير شيئاً في العهد القديم بكل ما فيه من عنف، وانما ليكمله ( لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لانقض بل لأكمل.... متى 5: 17- ) ( من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بلا رأفة... رسالة بولس للعبرانيين 10 : 28 )، بيد ان تسمية العهد الجديد تعني تجديد عهد الاله يهوه لبني إسرائيل، واقامة مملكتهم التي ستخضع لها جميع الامم. ويبدو أن الاله الجديد شديد الحساسية إزاء أي نقد أو تمرد و أشد غضباً من يهوه، فاذا كان الاله القديم قد أحرق وأباد شعب سدوم وعمورة من أجل النبي لوط، فتلك الوحشية غير كافية لتهدئة روع الاله الجديد عقاباً للمدن التي رفضت إستقبال تلامذة المسيح ( من لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم.... ستكون أرض سدوم وعمورة يوم الدين أكثر احتمالا مما لتلك المدينة..... متى 11 14 -15 ).( و يكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب... أعمال الرسل 13: 34 )، ويرفض يسوع إدعائنا بأنه جاء لينشر في الأرض السلام ( لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفا ً).... متى 10: 34 ، ( جئت لألقي ناراً على الارض، فماذا أريد لو إضطرمت... أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض؟ كلا أقول لكم بل انقساماً... لو 12: 49- 51 ). وربما يتضح في سفر الرؤيا وصفاً مريعاً للنيران التي ستضطرم بها الأرض عند عودة المسيح لتحقيق وعد الرب لبني اسرائيل إذ تنطفئ الشمس وتسقط النجوم وتقتل ثلث حيوانات البحر و الأشجار و الناس ولا ينجو إلا من ختمت جباههم من أحفاد قبائل بني اسرائيل الاثنتي عشر. . ." وصرخوا بصوت عظيم الى متى ايها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدماءنا من الساكنين على الأرض.... رؤيا 6: 10 " إقرأ سفر الرؤيا يوحنا كاملاً، ويظهر الأله الجديد أشد قسوة في بعض الاحكام، فالزاني حسب الناموس يرجم، إلا أن المسيح يرى أن العين تزني إذا ما نظر صاحبها الى المرأة بشهوانية، فلا يبرأ من خطيئته إلا بقلع العين الزانية ....مرقس 9 : 49 ، متي 5: 29 ، أما الزانية ان لم تتب فعلاجها ومن يزني بها مرض عضال "وأولادها أقتلهم بالموت". . . سفر الرؤيا 2 :21 ،23 ، حين انتقد الفريسون تلامذته لأنهم يأكلون الطعام بأيد متسخة، انتقدهم هو بالمقابل لأنهم لا يقتلون أطفالهم الذين يشتمون ذويهم كما أمر الله!!!. . . . .متي 15 : 19 ، وقد تلاشت روح التسامح وقبول الآخر من غير اليهود حين وصفهم يسوع بالكلاب، عندما طلبت منه امرأة كنعانية ان يشفي ابنتها فكان جوابه ( لم أرسل إلا لخراف بني اسرائيل الضالة . . . .. ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب ).... متي 15 : 24 -26 .
بينما يكرر يسوع انه لم يأت الا من أجل بني اسرائيل ويأمر تلامذته أن لا يبشروا بتعاليمه في غير مدن اليهود ولا بالسامرة.. متي 5: 10 ، يدعوهم في موضع آخر لتبليغ الرسالة لكل الامم... متى 28 : 19 ، وفي الوقت الذي يدعونا فيه الى أن نحب جارنا كما نحب أنفسنا ونطعم عدونا إن كان جائعاً ، و نكسوه إن كان عاريا، ويدعونا الى احترام ذوينا و اخواننا، إلا انه يقول أيضاً ( فأني جئت لافرق الانسان ضد أبيه، والأبنه ضد أمها، و الكنه ضد حماتها، وأعداء الانسان أهل بيته). . .. متي 10 : 35، 36 ، بخصوص موقف يسوع من الحكم الروماني يخبرنا متي 22: 21 (اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وفي رسالة بولس 13 الى أهل رومية يقول لأصحابه إن السلطة المدنية عينها الله وانها تعمل لصلاح الله ولذا يجب أن تدفع لهم الجزية لا خوفاً بل لارضاء الضمير، وهذا يناقض ما ورد في انجيل متى 18 مساواة الوثني بالعشار (جابي الضرائب للدولة الرومانية).

ما ذكرته من نصوص متناقضة لا يهدف باي حال من الأحوال الاساءة الى الديانة المسيحية، فهناك ما يماثلها في الاسلام واليهودية أيضاً، وآمل أن لا يستثمرها المتصيدون في اثارة الكراهية الدينية، ما أردت قوله ان كل نص يعالج ظرفاً سياسياً أو حالة إجتماعية معينة ولذا يتغير مع تحولات تلك الظروف، وفي بعض الأحيان يكون موجها إلى قوم دون غيرهم ، وسيكون هذا موضوع الجزء القادم. يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #