الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آدم سميث: ثروة الأمم بعمالها

حسين الرواني

2017 / 11 / 18
الادارة و الاقتصاد


إن كان الناقمون على الرأسمالية، انطلقوا في انتقادها من افكارها، وخصوصا التأسيسية على يد آدم سميث، فقراءة كتابه ثروة الامم ستجبرهم على تغيير سببهم.
في الفصول الاولى لهذا الكتاب، وحتى الفصل الثامن، ستظن ان سميث يعتقد بأن ثروة الامم هو بما تمتلكه من نقود ومعادن نفيسة، لكن اذا واصلت القراءة حتى الفصل الثامن الذي عنوانه "في اجور العمل"، فستتعجب من شدة الانتقاد الذي يوجهه هذا الاقتصادي إلى تكدس الثروات بيد ارباب العمل والحكومات، بما يساعدهم في ممارسة الجور والتعسف بحق الشغيلة، وتدني اسعار العمل، او بلغة اليوم، اجور العاملين.
يضرب المؤلف في هذا الفصل، أمثلة مؤلمة في عصره، عن دول كان مئات الآلاف من العمال يموتون فيها سنويا بسبب المجاعات، كما في حال البنغال وبعض المستعمرات الانكليزية في الهند الشرقية (ص 107).
ويورد سميث مثالا بشعا آخر على ما تفعله تحالفات الجشع المالي، والمثال هو عن مقاطعة كانتون في الصين، التي كانت تشهد في عصره، وضعا مزريا للحرفبين، حتى انهم كانوا يحملون عدد عملهم ويتجولون في الشوارع عارضين خدماتهم بطريقة مذلة فيها شبه بالتسول. بل الاشد مرارة من هذا هو ان بعض العائلات في هذه المدينة كانت تقضي اوقاتا طويلة في قوارب صيد على الانهر، تعتاش من مخلفات السفن التجارية التي ترمي بنفاياتها الغذائية، وإن لم تجد، فإنها كانت تأكل الجيف من الجثث الادمية المتعفنة المرمية في البحر.
والاسر الصينية التي كان عدد افرادها كبيرا، لم تكن تتورع عن التخلص من بعض اطفالها في مواسم المجاعات، بإغراقهم في البحر، حتى ان قتلهم كان مهنة لقتلة مأجورين، الجأتهم العطالة هم الاخرين، الى الاعتياش من ارسال الاطفال الى الموت المبكر بطريقة الوأد البحري.
هذا الجانب السوداوي من الصورة التي يرسمها لنا سميث، هو النصف الاول، اما النصف الثاني فهو الحالة المضادة، وهي ارتفاع الطلب على القوة العاملة بما يوفر لهم فرصة لتحسين عيشهم وإعالة اطفالهم، وزيادة القدرة الشرائية للعملة وانخفاض اسعار المواد الغذائية، كما كان حاصلا في انكلترا وشمال اميركا وولاية نيويورك.
ويفصل سميث في هذه الصورة الايجابية فيقول انه حتى المرأة الارملة التي لديها خمسة اولاد، والتي من المفترض ان حظها من الزواج غير وفير، كانت تتلقى عدة طلبات للزواج من قبل طبقة العمال، في مؤشر على مستوى جيد من الدخل الكافي لتوفير اسباب الرفاهية الاجتماعية وتوسيع الاسر وفتح بيوت ثانية.
لا يتوقف سميث عند هذا الحد، بل إنه نزل في تحليل إلى اعمق، حيث قارن بين ارتفاع اجور العمال في الصيف والشتاء، بسبب تكاليف الوقود في مواسم البرد، ويستخلص من هذا ان انخفاض تكاليف معيشة العامل في الصيف ترفع في الحقيقة من دخله الحقيقي، وارتفاعها نفقات الوقود في الشتاء يخفض من الدخل، لكن سميث لا يسوق هذا التحليل كواقع طبيعي، بل إنه يعتبره شذوذا وعدم عدالة في نظام الاجور.
من هذا نتأكد ان سميث لو ظهر للحياة حاليا، لقال لمناوئيه، ومعادي الرأسمالية السميثية: هل قرأتم الفصل الثامن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا يشتري الصينيون الذهب بقوة؟


.. أحد أبرز المباني التاريخية في كوبنهاغن.. اندلاع حريق كبير با




.. تضامنا مع غزة.. متظاهرون يغلقون جسر البوابة الذهبية بسان فرا


.. اندلاع حريق في مبنى البورصة التاريخي في الدنمارك




.. ا?سعار الذهب اليوم الثلاثاء 16 ا?بريل 2024