الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانجاب بديلاً عن الانجاز

ماهر رزوق

2017 / 11 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في هذه المقالة أود أن أناقش فكرة هامة جداً ، ربما تبادرت إلى أذهاننا جميعاً في وقت ما ، و هي فكرة تعلق الانسان العربي بعملية الانجاب و اعتبارها عملية أساسية في حياته حتى في أقسى الظروف الاقتصادية و السياسية التي قد يعيشها ...

في أحد الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ، انتقد أحد الأخوة اللبنانيين كثرة الأولاد في العائلات السورية اللاجئة في لبنان و إقدام هؤلاء على الانجاب بكثافة برغم الظروف السيئة التي يعانون منها بسبب اللجوء و قلة فرص العمل و غلاء المعيشة ، و كان محقاً في انتقاده ، لكن هذا الأمر ليس مقتصراً على السوريين وحدهم ، بل هي ظاهرة منتشرة في العالم العربي كله و لها أبعادها الفلسفية و الدينية و النفسية أيضاً ... لكنها تظهر بشكل فاضح في أزمنة الحرب و عند الأقليات اللاجئة إلى بلد معين ، و في حالة لبنان : إلى بلد ذو اقتصاد متواضع و ظروف معيشية صعبة !!

فالإنسان العربي لا يعنى كثيراً بالظروف الآنية التي يعيشها ، بل يتبع ما تعود عليه من طريقة حياة كانت بالنسبة له ، الطريقة الأمثل و المدعومة بإيديولوجية دينية راسخة و آثار نفسية ضاربة في عمق اللاوعي لديه ... لذلك هو لا يكترث لعواقب الفعل ، طالما أن ذلك الفعل يلبي حاجته النفسية و يرضي مشاعره الدينية الراسخة!!

في كتابه الرائع (التخلف الاجتماعي :الانسان المقهور) يطرح الدكتور مصطفى حجازي ، فكرة هامة جداً تفسر هذه الظاهرة بشكل جلي و غير قابل للجدل ... فهو يعتبر أن إنساننا العربي (أو ما يدعوه بالمتخلف) يحتمي بالأسرة الكبيرة _التي ينشئها_ من مخاطر الطبيعة و كوارثها ، فكثرة الأولاد لديه بمثابة سلاح بيولوجي يواجه به الظروف القاهرة التي تواجهه ... كذلك هو عند الذكر تعبير عن القوة الجنسية (القضيبية) و إثبات للرجولة و الذات ، بينما عند الأنثى هو تعبير عن الامتلاء (الحمل) و القدرة على منح الحياة ... فإنساننا العربي يعتمد فكرة الانجاب كحل بديل عن فكرة الانجاز التي تفرد بها الانسان الأوربي و الغربي ، فكثرة الأولاد دليل على الفعالية التي حرم منها بسبب تأخره عن العالم المتقدم (المبدع) بأشواط كثيرة ... و يتضح هذا الأمر بشكل واسع عند الكثيرين من الرجال العرب الذين يطربون لسماع الناس تناديهم بألقاب تتعلق باسم الولد مثل (أبو فلان و أبو علان ) ، كذلك قد يقوم البعض بتغيير اسمه على مواقع التواصل الاجتماعي إلى (أبو فلان) ، و هنا تظهر الحاجة النفسية الملحة لمقاومة عقدة الخصاء و التفاخر بالقوة الجنسية و إثبات الذات في مجتمع يؤمن بغالبيته بقيمة الانجاب كحل بديل (سحري و سهل) عن الانجاز !!

و أخيراً أود أن أنوه أيضاً إلى أن فكرة الانجاب مدعومة إلى حد كبير من الإيديولوجية الدينية السائدة في المجتمع العربي ، و تساعده على تأكيد وجوده المتدين و فعالية هذه الأفكار التي يحملها ... فالزوجة الواحدة قد لا تستطيع أن تستمر بعملية الانجاب ، فيضطر الرجل مدعوماً بالدين أن يتزوج أكثر من امرأة و ينجب أكبر عدد من الأولاد ...
كما أن فكرة الرزق الذي يرافق المولود ، تمنح العربي مباركة إلهية و شعبية ، و تحرره من مخاوف مسؤولية الأبوة ، و القلق على تأمين المعيشة الكريمة لأطفاله حتى في أشد الظروف قسوة (كالحرب و اللجوء)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را