الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصدّع البيت الأوروبي

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تصدّع البيت الأوروبي

زلزال سياسي ضرب برلين، ولكن هزاته الارتدادية اللاحقة ستتجاوز حدود ألمانيا وستشعر بها العواصم الأوروبية الأخرى. بعد نحو شهرين من الانتخابات التشريعية في ألمانيا ظهر رئيس الحزب الليبرالي توماس ليندنر في منتصف ليلة 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ليعلن فشل المشاورات لتشكيل إئتلاف حكومي جديد مع حزب الاتحاد المسيحي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل وحزب الخضر. كان من الواضح أن الخلافات العميقة بين الأطراف الثلاثة حول ملفات الهجرة واللجوء والبيئة والسياسة المالية لا تبشر بنهاية سعيدة لهذه المحاولة غير المسبوقة على مستوى الحكومة الاتحادية لألمانيا. ويبدو أن القشة التي قصمت ظهر هذا المشروع تكمن في وضع حد أقصى للوافدين واللاجئين لا يزيد عن 200 ألف شخص سنويا وفي قضية لم شمل عوائل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم الذين دخلوا ألمانيا في عامي 2015 و2016. هنا كانت مواقف المحافظين والخضر والليبراليين متباعدة بحيث كان التوصل لحل وسط أقرب إلى المستحيل. بهذا يدخل أكبر بلد أوروبي في أزمة حكومية لم يشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في مؤشر على أن خطر الاضطرابات السياسية لا يقتصر على بلد بعينه وإنما يهدد القارة العجوز برمتها. ومن المؤكد أن ما حدث يضع المستقبل السياسي لميركل، التي تحكم ألمانيا منذ أكثر من 12 عاما، على المحك.
صحيح أن المستشارة ميركل ستواصل مهامها بصفتها رئيسة حكومة تصريف أعمال وستجنب بالتالي ألمانيا خطر الفراغ السياسي، إلا أن وصول المشاورات بين الكتل الثلاثة إلى طريق مسدود بعد أكثر من أربعة أسابيع من إنطلاقها يشير بوضوح إلى أن الاستقرار السياسي الذي تتميز به ألمانيا على مدى عقود أصبح في عداد الماضي. الآن تواجه ميركل عدة خيارات أحلاها مرّ. من الناحية النظرية هناك إمكانية مواصلة التحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ثاني أقوى كتلة في البرلمان الجديد. لكن الاشتراكيين يبدون متمسكين برفض لعب دور الشريك الصغير ضمن ما يدعى بالإتئلاف الكبير والذي يعتبر أحد أسباب تراجع شعبية أقدم وأعرق حزب سياسي في ألمانيا إلى أدنى مستوياتها. هناك أيضا خيار تشكيل حكومة أقلية، والتي ستعني عمليا وجود حكومة غير مستقرة يكون مصيرها معلقا على مزاج أحزاب أخرى وحسابتها المتغيرة. وبعكس بلدان أخرى فإن ألمانيا الاتحادية لا تملك أي خبرة في هذا المجال. ولهذا تبقى الدعوة لانتخابات مبكرة احتمالا قائما.
بيد أن توجه الناخبين من جديد إلى صناديق الاقتراع ينطوي على مخاطر جمة لأنه لا توجد ضمانة بأن النتائج ستأتي مختلفة، وبما يتيح تشكيل حكومة قوية. والأهم من ذلك هو أن الأحزاب التقليدية تخشى من تحقيق الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" لمكاسب جديدة. هذا الحزب الذي حصد قرابة 13 % من الأصوات دفعة واحدة في الانتخابات في 24 سبتمبر/أيلول 2017، نجح أيضا في خلط الأوراق، ويستعد حاليا لاستثمار حالة الارتباك السائدة في المشهد السياسي الألماني. ومن الملفت للنظر أن لا أحد يناقش خيار تحالف حزب ميركل مع حزب البديل من أجل ألمانيا على الرغم من أنهما قادران من الناحية الحسابية على تشكيل حكومة أغلبية. يعود استبعاد هذا الخيار إلى إجماع الأحزاب الأخرى على رفض فكرة التعاون من بعيد أو قريب مع هذا الحزب الذي استغل ورقة اللاجئين في الحملة الانتخابية لاقتناص أصوات أقصى اليمين والمتذمرين من سياسة فتح الحدود وجعل منها المحور الأبرز لبرنامجه السياسي. كما تتم الإشارة هنا إلى أن هذا التجمع الشعبوي اليميني يضم أيضا عناصر نازية تتبنى أفكارا عنصرية سافرة ومعادية للديمقراطية. لكن السياسة تبقى في نهاية المطاف فن الممكن، ولهذا لا يستبعد أن تجبر الظروف الجديدة الاتحاد المسيحي عاجلا أم آجلا على مراجعة مواقفه والانفتاح على خيار التحالف مع حزب البديل، لا سيما وأن ذلك لا يتعارض مبدئيا مع إرادة الناخبين الذين صوتت أغلبيتهم لصالح التحول نحو اليمين. وفي كل الأحوال فإن فشل المسيحيين والخضر والليبراليين في الاتفاق على تشكيل إئتلاف ثلاثي يصب في صالح معسكر اليمين والشعبوية الأمر الذي سينعكس بالتأكيد على التعامل مع قضايا الأجانب والمهاجرين واللاجئين في الفترة القادمة.
بغض النظر عن خيار الخروج من هذه الأزمة فإنه من المؤكد أن الحكومة الألمانية المقبلة ستكون أضعف من سابقاتها نتيجة تراجع نفوذ الأحزاب التقليدية وبروز قوى جديدة الأمر الذي يُنذر بتحول ظاهرة التفتت والتشتت إلى سمة دائمة للمشهد السياسي الألماني.
لكن المشكلة ليست ألمانية فقط. فعندما تعطس ألمانيا تُصاب أوروبا بالزكام، لا سيما وأن بلدانا أوروبية كبيرة أخرى تواجه مشاكل مشابهة. ففي بريطانيا تعيش رئيسة الوزراء البرطانية تيريزا ماي أضعف حالاتها، وتعاني بوضوح من تراجع الثقة بقدرتها على التعامل مع تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي وتعثر المفاوضات بهذا الشأن. ولا يختلف الوضع كثيرا في هولندا وبلجيكا حيث استغرقت عملية تشكيل الحكومة فترات طويلة. إيطاليا هي الأخرى تواجه أوضاعا سياسية واقتصادية صعبة بسبب تزايد معدلات البطالة وارتفاع مديونية الدولة وتضعضع نظامها المصرفي. أما اسبانيا فلا تزال تكافح تداعيات استفتاء استقلال كاتالونيا وآثاره السياسية والاقتصادية. صحيح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نجح في اكتساح المشهد السياسي في بلاده وفي تمرير مشاريعه السياسية والاقتصادية، إلاّ أنه يبدو أشبه بالاستثناء الذي يؤكد القاعدة، لا سيما وأن شعبيته تدهورت مؤخرا إلى الحضيض بسبب الرفض الواسع لإصلاحاته الاقتصادية المثيرة للجدل. وكل ذلك يؤثر بالتأكيد على دور الاتحاد الأوروبي الذي يعاني أصلا من خلافات كبيرة بين أعضائه.
بيد أن المستشارة ميركل تبقى الخاسر الأكبر من فشل مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة في ألمانيا. بل ويمكن القول بأنها تلقت صفعة قويه قد تشكل بداية النهاية لمشوارها السياسي. ولن ينفعها اختيارها من قبل مجلة "فوربيس" الأمريكية كأقوى سيدة في العالم للسنة السابعة على التوالي في تجنب موجة الانتقادات التي ستنهال عليها من جميع الاتجاهات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار