الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في قلق الروس أيام موت ستالين

سيلوس العراقي

2017 / 11 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تأملات في قلق الروس ـ أيام موت ستالين

كان هناك ضوضاء وغرابة، ضوضاء وغرابة غير مفهومين تصدر من راديو موسكو.
نشرة أخبار الساعة 13.00 (الواحدة صباحا) تمت اذاعتها الآن، انها مجرد إعادة لنشرة أخبار منتصف الليل الساعة 24.00،
كنت أنتظر أخبارًا حول وفاة ستالين التي علمت بها اذاعات أوربية من قبل دوائر الخارجية السوفيتية، لكن في راديو موسكو لم يخبروا أي شيء حول وفاته لحد اللحظة.
لكن هناك موسيقى الاوركسترا التي كانت مسموعة من مكبرات الصوت بالنغمات الحزينة.
كان الكثير من الروس الذين يسمعون الى الاذاعة وهم في سيبيريا حيث كان التوقيت لديهم صباحًا، كانوا يخمنون حدثًا ما بسعادة، مع أنه لم يتم اخبارهم لحد اللحظة بالحقيقة. ومع مرور الوقت، ونشرة الأخبار الروسية العادية الروتينية والمعتادة، في الصباح الباكر حيث برنامج ارشادات حول تمارين الرياضة الصباحية، والأحاديث في المواضيع السياسية، لم تتمكن من التلاعب في حدس المستمعين الى الاذاعة في فهم "خافت" لشيء ما مؤكد.، كانوا يخمنون وجود أزمة في الواقع، لكن لم تكن بشكل مؤكد حول خبر وفاة.
في الساعة 2: 55 توقفت الموسيقى في سكون الليل في البيوت الروسية، وسكون في الجو، لكن فجأة يتم سماع قرع الأجراس بأصوات ليست بنغمات حزن كما ليست بأصوات فرح وعيد، طال قرع الأقراس فترة قصيرة وتوقف عند الثالثة بشكل مفاجيء.
وعاد السكون ثانية للحظات.
ثم بدأ عزف النشيد الوطني السوفيتي.
وحين انتهى عزف النشيد الوطني.
سكون في الراديو،
مالذي سيأتي تاليًا للنشيد ؟
نشرة أخبار اعتيادية؟
الأخبار التي تمت طباعتها في الصحف الأجنبية الغربية سيتم اعلانها للروس ؟
المذيع المعروف في روسيا "يوري ليفيتان" الذي كان يبشر بأخبار الانتصارات خلال زمن الحرب العالمية الثانية، مع أنه لم يكن يذيع أخبار الهزائم والاندحارات خلال الحرب، ظهر صوته في الراديو، ببطء وباحتفالية رسمية جدًا وبصوت مطعون جياش بالحزن بدأ يقرأ :
القيادة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ومجلس الوزراء والقيادة العامة تعلن ببالغ الأسى والحزن الى الحزب والى الطبقة العاملة بأنه في 5 آذار وفي تمام الساعة التاسعة وخمسين دقيقة ب. ظ ـ مساءا، مات جوزيف ستالين سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بعد تعرضه لمرض خطير. قلبُ معاون وتلميذ لينين، القائد الحكيم ومرشد ـ معلم ـ الحزب الشيوعي والشعب السوفيتي توقف عن النبض.
وأضاف بأن الصدمة كبيرة وثقيلة، ستكون مؤلمة على قلوب كل الشعب. لكن في هذه الايام المظلمة كل ابناء الشعب أصبحوا متحدين أكثر في أخوة عائلة عظيمة بقيادة الحزب الشيوعي المؤسس والمتعلّم من قبل لينين وستالين.
الشعب السوفيتي موحد في ثقته ملهما بالحب الشديد للحزب الشيوعي، يعرف تمامًا بأن القانون الأعلى الذي يحكم كل نشاط الحزب هو في خدمة مصالح الشعب. والشعب السوفيتي سوف يستمر في طريقه بقيادة الحزب التي أظهرت سلامة سياساتها دائما، وتحت قيادة الحزب الآن تتطلع الى نجاحات جديدة. مستشهدة ومقتبسة من ستالين من دون ان تُعزيها للقائد الميت، لأن تطوير حياة الشعب كان من أولويات الحزب, عالمين أيضًا بأن قوى الدفاع السوفيتية تنمو باضطراد وأن الحزب قد فعل كل شيء لتهيئة قوة ضاربة لأي اعتداء محتمل.
وفي مجال السياسة الخارجية للحزب والحكومة سيتم السعي للتضامن من أجل تعزيز السلم، وتعارض السماح لاية حروب جديدة، وستعمل من اجل التعاون العالمي،
والى اخره من الكلام والوعود في مثل هكذا مناسبات.
صحيفة "ذي غاردين في 7 آذار 1953 : المراسل فكتور زورزا

ان موت الملوك والقادة الكبار في العالم لا يمرّ مرور الكرام كحدثٍ بسيط عادي. ولروسيا مراسيمها الخاصة ويبدو أنها ترتبط بطبيعة وثقافة الروس، فموت روسي كبير إن كان ملكًا أو قيصرًا، فكان يرافقه ضجة أو هيجانا أو رعشة شعبية كبيرة، ترافقها احزان كبيرة أحيانا. لكن لم يحدث أي موت في تاريخ روسيا القيصرية لقيصر أو أمير مهم أن خلق بيئة هائلة بل صدمة كبرى جدًا من الحزن والأسى والكآبة والمرارة كالذي حدث عند موت ستالين في آذار 1953. ويمكن القول بحسب المطلعين أن حدثًا مثل هذا لم يحدث المشاعر الهائلة في أي بلد في العالم عند موت ودفن شخصية وطنية كبيرة. ان البعض اعتبروها ظاهرة وحيدة.
موت ستالين في عام 1953 وحّد الروس بطرق شتى. فستالين نفسه كان لغزًا وشخصًا غامضًا. الكثير من القصص والليجيندات والاساطير حوله انتشرت ليس منذ يوم وفاته، لكن حتى أثناء حياته. في الواقع ان حقيقة كون ستالين شخصيًا مسؤول مباشر لعدد كبير من جرائم القتل لم يكن سرًا من الأسرار لدى الروس.
واذا كان ستالين واعيًا ومدركًا لما كان يجري في بلاده من جرائم تصفية وقتل وابادة، لكن يجب القول بأنه لم يكن شخصًا اعتياديًا.
ان مصيره في العالم الآخر، إن كان للعالم الآخر من وجود، فكان موضوع حوار ونقاش حاد بين أبناءٍ من شعبه. فانتشرت نكتة في روسيا بعد موته تقول بأن القديس بطرس حين استقبل ستالين في مكتبه في العالم الآخر لم ينهض من كرسيه واستقباله كعادة متبعة !! وظلّ ممسكاً بقوة بالمفاتيح بيديه. وحين سئل بطرس فيما بعد عن سبب عدم نهوضه من كرسيه فأجاب بأنه لم يكن واثقا من أن ستالين سوف لن يغتصب كرسيه لو نهض منه حتى للحظات.
في الوقت عينه الذي كانت فيه أجراس كنائس روسيا الارثودكسية تقرع من أجل ستالين، وكهنتها كان يسألون المولى ليستقبل ويقبل بستالين الرجل العظيم في رياض ملكوته السماوي وجنته الموعودة، في الوقت الذي كان مصيره في العالم الآخر محل جدل بين البعض الآخر. وفي الوقت عينه كان الملايين من السوفييت ينتحبون في يأس وحزن لأن "أبوهم وقائدهم العظيم " قد مات وكان الملايين منهم سعيدين وفي غاية البهجة في سجون ومعسكرات سيبيريا. كان في تلك اللحظات يتأمل المتدينون من السوفيت متعجبين حائرين فيما اذا يمكن لستالين أن يهرب من عقوبة نار جهنم وقيودها.
من المؤكد ان الشعب السوفيتي في الحال التي كان عليها كان يفكر فقط في الحياة ومصاعب ومشاكل الحياة الدنيا على هذه الأرض.
ومهما كان رأي السوفيت بنظام الحكم الشيوعي الحاكم، واذا كانوا من محبي النظام أو من كارهيه، يبقى الأمر الأكثر وضوحًا أن نظام الحكم قد حبك وشبك نفسه بالشعب أحبّه أو كرهه، وفي زمن ستالين يمكن القول والتعبير بشكل تام عن الحالة هذه، أن مصير الروس مشبوك بشكل قوي بستالين، وكذلك العكس، أي أن ستالين، وبالتحديد في هذا المناسبة، موت ستالين كان يتضمن في عمقه مستقبل الاتحاد السوفيتي. بعبارة أخرى، مستقبل ومصير الاتحاد السوفيتي كان من مستقبل ستالين، ومصير ستالين سيكون مصير الاتحاد السوفيتي.
نهاية أحدهما تؤدي وإن لاحقًا نهاية الآخر؟
من المعروف ان اسم ستالين كان مصدر رعبٍ لأعداء الاتحاد السوفيتي، وكل شخص روسي كان يفترض (وربما يعتبر) أن العالم خارج الاتحاد السوفيتي كان في شدة فرحه في موت قائد الدولة السوفيتية ستالين. لذلك في اعلان اللجنة المركزية للحزب عن موت ستالين كررت وألمحت أكثر من مرة الى قوة السوفيت والى مصير السوفيت والى موقفهم من الاعداء وجهوزيتهم للمخاطر المحتملة بعد وفاة ستالين. كان ستالين موفقًا في الدفاع عن بلاده من أعدائها، لكن كان هناك تساؤل بين الروس وفي خارج الاتحاد السوفيتي إن كان من سيخلف ستالين سيكون قادرًا على تحقيق ذاك النجاح ؟
والسؤال الذي يمكن طرحه، هل يمكن معرفة ماذا كان في نية اعدائه ؟
هل كان بالامكان معرفة ولو تخمينية لما يفكر فيه اعداء ستالين في خلفه ؟
وكيف سيتعاملون معه لاستدراجه أو لاستفزازه، أو لاضعافه ؟
الامر المؤكد أن من سيخلفه سوف لن يكون مثل ستالين تمامًا.
ولكن السؤال الذي كان يدور منذ موت ستالين ما هو مصير الحزب ومصير الدولة ومصير الشعب، هل ستتطور الحياة ؟ هل سيستمر تمامًا من ستكون له اليد والسلطة العليا بذات الاهتمامات التي كانت تشغل ستالين؟ مع كل المصاعب والمشاكل في أغلب مناحي الحياة التي كان يعاني منها الشعب (والدولة) سيكون بمقدرة خلف ستالين أن يحافظ على النظام السوفيتي القائم وتركيباته موحدا ؟ سوف لن يتجه نحو نهايته وسقوطه؟
ستالين كان قد دخل في كل تفاصيل وجود الدولة والشعب، نفذ الى كل زواياها حتى الخفية والمخفية والشخصية، الى حد أن الملايين كانوا على استعداد أن يضحوا بدمائهم وحياتهم من أجل ستالين الذي أصبح جزءًا من حياتهم وأرواحهم وأنفسهم.
ستالين تمكن من الاستحواذ على كلّ شيء بشكل وجودي وجذري واضح، فكان من الصعب أو من المستحيل أن تجد مقالا أو بحثا أو كتابا أو موسوعة في أي مجال من مجالات الحياة يخلو من اسم ستالين، من كلمة أو اشارة الى ستالين. كانت كلمات وكتابات ستالين تترجم فورًا الى أكثر من 100 لغة من لغات الاتحاد السوفيتي وغيرها من اللغات الاجنبية، كان السوفيت يقرأونها ويسمعونها مسجلة أو مصورة، وكان الكثير من الروس يعرف ويحفظ مقالات وكتابات ستالين على ظهر قلبه، وكان الملايين من الروس يحضرون المحاضرات الاسبوعية في أماكن عملهم أو بالقرب من أماكن سكنهم واقامتهم في سلسلة محاضرات اسبوعية منظمة للتثقيف والتوعية بالنظام والسياسة السوفيتية وبالخصوص خطابات وكلمات وكتابات ستالين. شاشات التلفزيون كانت مخصصة للتوعية والتثقيف على مواقف وكتابات السياسة الستالينية. حتى البرامج الترفيهية والأدبية والفنية والغنائية كانت تمجد وتذكر ستالين. حفلات السوفيت بعيد ميلاد ستالين كان يتم تصويرها أعيادًا للبشرية. كان الكثير من السوفيت فخورين بأنهم عاشوا كل حقبة ستالين لأنهم من عمره.
بالرغم من أن ستالين لم يكن كثير الظهور علنيا، مثلما فعل من بعده خروشوف وبريجينيف، حيث كان ظهور ستالين نادرًا مقارنة بظهور خروشوف وبريجينيف الذي كان تقريبًا يوميًا.
ظهور ستالين كان تمامًا كالتيوفانيا (ظهورات وتجليات بالمعنى الديني) التي خلقت شكلا من أشكال العبادة لشخصه وتجليه وظهوره. ربما عدم ظهوره اليومي علنيًا كان متعمدا من قبل ستالين لخلق الشوق واضرام حب وشوق الشعب له أكثر بظهوراته العلنية الاستثنائية فائقة للعادة. لأنه كان يشعر بل أعتقد أنه كان متأكدًا واثقًا من نفسه بأنه شخصًا غير عادي، فلذلك ظهوراته عليها أن تكون هي الأخرى كذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة