الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابحار في فهم الذاكرة والنوستالجيا – قراءة في رواية -الجهل- للكاتب التشيكي ميلان كونديرا

كلكامش نبيل

2017 / 11 / 25
الادب والفن


كالعادة، انها قراءة دسمة ومكثفة في عمل قصير من أعمال الكاتب التشيكي ميلان كونديرا. تتحدث الرواية القصيرة "الجهل" – التي نشرتها دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع عام 2000 بترجمة رفعت عطفة – عن لقاء بين مهاجرين عادا الى التشيك بعد عشرين عام من الغياب. تتطرق القصة لحياة السيدة في فرنسا وعلاقتها بامها وزوجها التشيكي الراحل وصديقها السويدي الذي ترك بلاده هو الآخر لنغرق في تأملات عظيمة عن حياة المهاجر وكيفية تشكيله لذكرياته عن بلدين لم يعد قادراً على الاختيار بينهما. كما نقرأ عن حياة المهاجر الآخر الذي عاش في الدنمارك وشبابه وعلاقته بشقيقه واسرته وصديقه الشيوعي وزوجته الدنماركية التي ماتت قبل أن تتعرف عليها أسرته في بلاده. انها رواية عظيمة تتحدث عن النوستالجيا ومفاهيمها في الكثير من الدول الأوروبية وتدخلنا في محاكاة لقصة عوليس وشوقه الى إيثاكا. من تحليل كلمة نوستالجيا ومرادفاتها في اللغات الأوروبية الأخرى نفهم أن لكل شعب مفهومه عن معنى الحنين الى الوطن. قد يشعر المهاجرون من القراء بالألم نتيجة لقراءة هذه الرواية، لكنها ستجيبهم عن الكثير من الاسئلة وتثير فيهم المزيد من التساؤلات في الوقت ذاته.

عن شوق الانسان لمنزله الأصلي، نقرأ، "بيت مسقط الرأس الذي يحمله كل شخص في داخله، الطريق المعاد اكتشافه والذي بقيت فيه آثار خطوات الطفولة الضائعة." وعن العودة للوطن، يكتب، " العودة هي المصالحة مع ما في الحياة من نهائي. المغامرة لا تطمح أبدا لامتلاك نهاية." وعن الحنين، "الحنين لا ينشط الذاكرة، لا يبعث الذكريات، يكتفي بذاته، بعاطفته، يمتصّه، كما هو حاله، عذابه الخاص." ولتفسير تخافت الحنين مع تقادم السن، نقرأ "كلًما كان الزمن الذي نخلّفه وراءنا أكبر كلّما أصبح الصوت الذي يحثنا على العودة لا يقاوم، يبدو هذا الحكم مبدءً عاماً، لكنه مزيّف. فالكائن البشري يشيخ والنهاية تقترب، فتصبح كل لحظة ثمينة ولا يعود هناك وقت يُضيّع على الذكريات. يجب فهم التناقض الرياضي الظاهري للحنين: يظهر هكذا بقوّة أكبر في مرحلة الشباب الأولى، حين يكون حجم الحياة الماضية زهيداً." ويربط كونديرا قصر عمرنا بمفاهيم كثيرة مثل الوطنية، "فكرة الوطن ذاتها، بالمعنى النبيل والعاطفي للكلمة، مرتبطة بحياتنا القصيرة نسبياً، والتي تمنحنا وقتاً أقصر كي نتمكن من التعلّق ببلد آخر، بلدان أخرى، ولغاتٍ أخرى." وكذلك استسهال الشباب للموت، "الموت، إن قرار الموت أسهل على المراهق منه على الراشد. ماذا؟ ألا يحرم الموت المراهق من حصة كبيرة من المستقبل؟ نعم، هذا صحيح. لكنّ المستقبل بالنسبة للمراهق شيء قصيّ، مجرّد، غير واقعي، لم يتمكن من الاقتناع به بعد."

تتطرق الرواية للحديث عن الشيوعية وكيفية اسقاطها للملكية الخاصة في التشيك وكيف عاد كل شيء الى سابق عهده بسرعة في اعقاب سقوطها عام 1989. تتحدث الرواية ايضا عن الدكتاتورية وكيف أن التشيكيين كانوا يشعرون بانها تنتهي بسقوط الدكتاتور، لكن الهيمنة الشيوعية على بلادهم بدت أبدية بالنسبة لهم نظراً لعظم الامبراطورية الروسية وصعوبة سقوطها بنظرهم، فنقرأ عن مشاعر متضاربة بخصوص حبهم لبلادهم ليس لأنها كبيرة وعظيمة بل لأنها صغيرة وغير معروفة وتحاول المحافظة على ذاتها وسط دول عملاقة تحيط بها. لكن كونديرا يعود ليذكرنا بأن نظرة الشعب وشعرائه بخصوص أزلية أي شيء قد تكون خاطئة فقد سقطت الشيوعية ولم تبقَ الى الابد.

تتكلم الرواية عن الانفصام في حياة المهاجر، فهو يمتلك ذكريات قديمة في بلاده الأولى وذكريات أخرى في بلده الجديد، لكن الناس في كلا البلدين لا يهتمان بحياته الأخرى ولهذا يشعر بأنه منفصم عن الواقع ومطالب بحذف سنوات طويلة من عمره عند الحديث مع الناس غير المهتمين به. يمكننا قراءة ذلك عندما يدرك المهاجر الذي عاش في الدنمارك بأن أحداً لم يرسل له رسائل تخبره بوفاة أقاربه – حتى بعد زوال الرقابة الشيوعية التي كانت تحظر الاتصال بالمهاجرين – وهذا يعود لسبب أنه لم يعد موجوداً بالنسبة لهم. يعتقد كونديرا ان علاج هذا الانفصام هو مطالبة المهاجر بأن يحكي ويتكلم عن خبرته وما شاهده في حياته، لكن أحداً لا يفكر في ذلك.

تتحدث الرواية عن الذاكرة وتشكلها وتشويهها حتى اذا ما تم توثيقها في يوميات، وكانت التأملات في هذا الصدد عميقة للغاية ومؤلمة في أحيانٍ أخرى.

عن الشباب، يشير كونديرا الى أن التمرد سمته الأساس ويعتقد أن تمرد الشاب العائد من الدنمارك تمثل في رفضه للكنيسة لان اسرته لم تكن تفوت حضور قداس الأحد أبداً وتمرده على دخول مجال الطب – مهنة والديه – وتفضيله للطب البيطري الاقل مكانة في نظر أسرته كتعبير عن التمرد. في هذا الصدد، نقرأ عن ظلم الشيوعية من خلال فصل شقيقه من كلية الطب عام 1948 لكونه ينحدر من طبقة برجوازية واضطرار الأخير لارتداء قناع الشيوعية والانضمام اليها بهدف اكمال دراسته.

في الرواية نقاشات عميقة عن الفن وتأثره بالسياسة وعن الشعراء والدول الصغيرة ورغبتها في الحفاظ على هويتها، عن الاغتراب حتى بعد الموت، وعن التغيرات السياسية وما يصيب الفئات المستفيدة من الوضع القائم من تغير في اوضاعهم. لا يغيب الحب والتأملات بخصوص الزواج في سن العشرين عن الرواية، فضلا عن علاقات الحب العابر واختيار مصير المرء. نقرأ، " في هذا العمر يتزوج الناس، وينجبون الولد الأول ويختارون مهنتهم. وذات يوم يعرفون ويفهمون اشياء كثيرة، لكن يكون الوقت قد تأخر كثيراً لأن حياتهم تكون قد اتخذت شكلاً ما، في مرحلة لا يعرفون فيها شيئاً على الإطلاق." انها رواية دسمة ككل أعمال كونديرا.

ختاماً، انه عمل ثري يستحق القراءة والتأمل، لكن على القارئ التركيز في التنقلات بين شخصيات الرواية لانها قد تكون مربكة في بعض الاحيان. اتمنى لكم قراءة ممتعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار