الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مايحدث في سيناء ...فهم الواقع والحل

محمد رجب التركي

2017 / 11 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


مايحدث في سيناء ...فهم الواقع والحل

 لا يمكن التغافل عن حقيقة مهمة هي أن العلاقة بين سلفيي غزة وسلفيي سيناء كانت طوال العقود الماضية قوية ومتينة، بدءاً من الانتماء إلى عشائر واحدة ومروراً بالحاجة المتبادلة لبعضهما البعض، خصوصاً حاجة سلفيي غزة إلى الإمدادات من سيناء، وليس انتهاءً بأن غالبية سلفيي غزة تلقوا تدريباتهم على أيدي السيناويين. وتولي عناصر منهم لمناصب كبيرة داخل « تنظيم الدولة الإسلامية».
 بما أن غزة محاصرة ولا طريق إليها إلا من خلال الحدود المصرية، فمن شأن ذلك أن يعطي لسيناء أهمية مزدوجة، فهي من جهة هدف لا غنى عنه بالنسبة للتنظيم التكفيري لأنه يعتبرها إحدى «ولاياته» التي ينبغي أن يفرض سيطرته على كامل أجزائها، ومن جهة ثانية هي طريق إجباري لتقديم الدعم والإمداد إلى سلفيي غزة المتعاطفين مع «داعش» .
 تتعبر مدينة رفح المصرية هي بداية الأزمات التى كانت شرارة البدء لأحداث سيناء كلها... هذة المدينة ومنذ اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل تحولت الي مدينة انفاق لتهريب كل مايمكن تهريبة من بشر وحيوانات وبضائع واسلحة ومخدرات .
فلنتعرف اولا علي الطبيعة البشرية والاقتصادية ..
 الطبيعة البشرية :
رفح مدينة صغيرة هى امتداد طبيعى لغزة التى لا تبعد عن المسجد الأقصى سوى 78 كم، وينقسم أهل رفح إلى ثلاث طوائف :
1- البدو، وهم أهل سيناء الأصليون، وهم الأكثرية وأصولهم مصرية. ويسيطر البدو علي النشاط الزراعي بحكم أنهم يمتلكون أكبر المساحات، وهم يعشقون الأرض لكنهم ليسوا أهل زراعة محترفين، وتعتبر أشهر الزراعات هى الخوخ والزيتون، ودخلت الطماطم كمحصول رئيسى فى السنوات الأخيرة فقط .
2- القلاعيون، وهم أيضا من أهلها ولكن من أصول فلسطينية وسورية ودرزية وتركية. ويسيطرالقلاعيون على التجارة بحكم أنهم أهل تجارة من قديم، وبحكم التبادل التجاري بين مصر وقطاع غزة عن طريق المعبر، والذى تيسره صلات النسب مع الجانب الآخر
3- الوافدون، وهم أهالى الدلتا من القاهرة والصعيد، أوفدهم الرئيس السادات بعد فترة الحرب لخوفه من تغير ولاء العرب فى سيناء لإسرائيل بعد تلك الفترة من الاحتلال، فأرسل تلك الجموعات البشرية ليضفوا ولاءا جديدا لمصر فى سيناء.و يسيطر أهل الوادى الوافدون على القطاع الحكومى فى التعليم والصحة والبريد ...الخ .
تلك هى العناصر الرئيسية فى مدينة رفح وهى المدينة الوحيدة فى سيناء التى تتكون من ذلك المزيج البشرى المتناقض ، وقد ظل هذا النسيج فى حالة صراع وبسط نفوذ فيما بينهم حول السيطرة بشكل أو بآخر على المدينة، وهو ما كانت تحسمه الأجهزة الأمنية من توزيع المصالح بينهم.
• تاريخ العلاقة بين القلاعيين والبدو ملئ بالصراعات التى راح ضحيتها الكثير من الشباب، ويرجع ذلك إلى مكون نفسى من اعتقاد البدو أنهم أصحاب الأرض، وأن الطرفين الآخرين هم دخلاء على البلد، فلا يعترفون بانتمائهم لسيناء.وكذلك القلاعيون الذين يعتبرون أن رفح تلك هى امتداد لرفح الفلسطينية على الناحية الأخرى من الحدود، وأنها وطنهم ووطن عائلاتهم الفلسطينية والشامية، ولهذا تجدهم متمركزين على طول الشريط الحدودى. وكان اهل الوادي يسيطرون على المناصب فى غالبية قطاعات الهيئات الحكومية برفح، مما جعل القلاعيين والبدو يتفقون على كره أهل الوادى، ويطلقون عليهم ألقابا للسخرية أحيانا كـ ( فلاحين /فراعنة/مصراوية ).
• فى العقود الأخيرة حدث اختلافا جوهريا نتيجة اختلاط الأجيال الجديدة وحدث دمج ديمغرافى في رفح على كل المستويات حتى فى نمط الملبس والمأكل، حتى أصبحنا نرى بدوا يأكلون المحشى (من أكلات أهل الوادى)...وشباب الوادى يلتفون كل ليلة لطهو اللبة ( من أكلات البدو المشهورة برفح)،.. وتنتشر المقلوبة (من أكلات الفلسطينيين) فى كل البيوت، وبفعل السنوات والاختلاط تغيرت التركيبة السكانية بالفعل على الأرض وأصبح المجتمع فى رفح نسيج متلاحم.
 الطبيعة الاقتصادية :
لقد كان هناك توازنا اقتصاديا بين سكان رفح و لكن ذلك لم يكن يرضى التطلعات الذاتية للفرد ، لذا نجد أن كل فصيل بدء يتجه إلى نشاطات اقتصادية مختلفة، صبت فى النهاية باتجاه واحد هو التهريب .
• اتجة بعض الشباب البدو إلى تهريب المخدرات من إسرائيل إلى الداخل المصري ..
• قام أهل قطاع غزة من قبل الفلسطينيين مع شركائهم (القلاعيين) لما بينهم من صلات رحم وصهر، مدعومون من سلطة حماس باللجوء إلى التهريب عن طريق الأنفاق لما لهذا النشاط من عائد مادي قوى.
• شباب الوادى فى البداية كانوا يقومون ببعض الأعمال والخدمات مثل حمل ونقل الحقائب فى المعبر، إلا أن بعضهم أيضا فى النهاية اتجه للمعاونة فى التهريب لكلا الطرفين، لينتهى المطاف بالجميع إلى الطرق غير المشروعة فى الحصول على الرزق بسبب قلة موارد المدينة، وعدم وجود أى خطط للتنمية،.
• بدأت عمليات محاولة اقتحام السلك الشائك الحدودي من جانب الفلسطينيين لدخول رفح حينما اقتحم الاف الفلسطنين فى حركة عفوية الخط الحدودى وصولا للعريش لمدة 3 ايام في 2007.
الأوراق الأمنية والسياسية
• التعامل الأمنى المصري مع الأنفاق فى سيناء عموما تغير تماما بعد حادثة اقتحام الحدود، وأصبح الملف الأمنى هو الأول والمقدم على كل الملفات، فبسبب الطبيعة الأمنية المعقدة فى شمال سيناء – يعمل فى رفح أكثر من 12 جهاز أمنى ومخابراتى بين الداخلية والشرطة – وبسبب كره أهل سيناء للداخلية بعد عام 2004 بدء سحب الملفات الخاصة بالتطرف والحدود لأجهزة الجيش، الذى كان لا يزال ذو شعبية فى كل سيناء، لاسيما جهاز المخابرات العامة الذى أحسن التعامل مع الأهالى والبدو فتعاونوا معه.
• ظلت هناك معضلة أمنية كبرى فإغلاق الأنفاق سيوقع مصر فى خطر اجتياح أهل غزة للحدود، ، فكان الحل الأمثل هو جعل الأنفاق متنفسا عن الحصار عن طريق رقابة اجهزة الدولة المصرية لكل ما يدخل منها وما يخرج، وإعطاء تصاريح شفهية لأهل الشريط الحدودى لفتح الأنفاق، وبهذه السياسة لم يعد هناك أى نفق فى شمال سيناء وخاصة رفح بعد عام 2008 إلا بموافقة ومباركة من أجهزة الدولة.
• كان التهريب للسلع التقليدية محكوما أمنيا ، وكان يقدر حجم احتياج غزة بـ 3 مليار دولار، كانت تأتى كلها من مصر ،مما جعل مافيا التهريب تتسع فى كل القطاعات، وبدأ ينتشر نوع آخر من التهريب عبر الانفاق وهو تهريب السلاح ، حيث كانت مصر تسمح جزئيا بدخول أسلحة خفيفة للمقاومة، ولكن تكونت أثناء هذه الفترة خلايا للمخابرات الإيرانية والسورية، تهرب أنواعا أكثر تطورا من الأسلحة الخفيفة، وتم الكشف عن إحداها من خلال ظبط خلية تملك نفقا فى بيت مواطن سيناوى اسمه سليمان ماضى وكانت تختص بنقل السلاح الى غزة.
• أحدثت الأنفاق تغيرا اجتماعيا ألقى بظلال سيئة على المجتمع فى شمال سيناء... ازداد حجم الأموال وازدادت الخلافات بين العائلات، فدائرة الأنفاق أصبحت مقسمة بين أهل سيناء... فأهل العريش أصحاب الأموال والبضائع.... والبدو فى الشيخ زويد هم أهل المخازن والنقل... والقلاعية هم من يملكون الأنفاق (العيون بلغة أهل رفح)، وكل هذا لم يخلُ من صراعات بينهم مما أدى إلى التسليح وشراء القبائل نسبة من السلاح المعد للتهريب .
** بمرور فترة وجيزة امتلكت الكثير من العائلات أسلحة خفيفة وثقيلة، حتى وصلوا إلى مضادات الطائرات والجرينوف وصواريخ جراد! كما أن هناك عائلات كانت مشهورة بالفقر المدقع مثل ( البراهمة ) قد زادو غنى بشكل مخيف جعلهم يرغبون فى تعويض عقد مجتمعية كثيرة.....
** بانتشار السلاح والأموال استشرى الفساد أيضا لدى أجهزة الأمن المشرفة على عمليات التهريب، و التى أصبحت تتقاسم الأموال فى تلك التجارة، وانتشرت الأخبار أكثر من مرة عن القبض على أمين شرطة أو ظابط صغير وبحوزته مليون دولار! وأصبح الذهاب للعمل بسيناء بواسطة كبيرة.
*** فى هذه الأجواء ظهرت المظاهرات المسلحة للأهالى في شمال سيناء حيث قامت بعض العائلات بعمل مسيرات بعربات الدفع الرباعى وعليها المدافع الجرينوف فى وسط الشوارع كاستعراض للقوة المسلحة، وكانت الأجهزة الأمنية لديها ثقة بقدرتها على ردعهم فى أى وقت، وقامت فى بعض الأوقات بإجراء وإصدار خطابات اعتقالات من الجيش لأصحاب الأنفاق، وظل هناك صراع بين الأجهزة على تجنيد أكبر عدد منهم فضاعت هيبة الأجهزة، وظل أصحاب الأنفاق المطلوبون يعملون فى وضح النهار.
*** شيئا مهما بدأ يظهر فى الآفاق عندما أصبح من الصعب على المطلوبين للعدالة الذهاب للقاهرة للتمتع بأموالهم فى الملاهي والفنادق، فبدأوا يذهبوا من خلال الأنفاق إلى غزة للتزاوج والإنفاق، وهنا بدء استقطابهم فى رفح الفلسطينية المشهورة بالأصولية الدينية والسلفية الوهابية والتى كانت أكثر تطوراتها فى حادث مسجد ابن تيمية فى رفح – فخرج من قطاع غزة جيل أصولى وتكفيرى، ومعه أموال طائلة وأسلحة متطورة، وأيضا مطارد فى الأراضى المصرية ، ومن هنا كانت بداية انتعاش الجماعات المتطرفة فى سيناء.
ما هو الحـــــل ؟
بعد هزيمة واندحار داعش في العراق وسورية فان القادم بالنسبة لمصر ربما يكون أصعب فانتبهوا ...
• ضرورة التعامل باستراتيجية «الأرض المحروقة» مع العناصر الإرهابية، وذلك عبر تدمير الانفاق و الأوكار الإرهابية والمنازل التى يحتمون بها، وحرق الزراعات التى يختبئون بداخلها، والتعامل بمبدأ القسوة الشديدة مع تلك العناصر الإرهابية..
• ضرورة تهجير اهالي سيناء في الشريط الحدودي مع قطاع غزة وهو لايتجاوز 14 كيلومتر ....وسياسة التهجير مرت بها مصر بعد حرب يونيو 1967 في مدن القناة .....كما مرت بة العديد من الدول قبل ذلك، بين حروب وثورات وانتشار الأمراض فاختلفت الأسباب وظل التهجير واحدًا.
• استراتيجية الأرض المحروقة هي إستراتيجية عسكرية أو طريقة عمليات يتم فيها إحراق أي شيء سيفيد العدو عند التقدم أو التراجع في منطقة ما.ويلاحظ انه في الأصل كان المصطلح يشير إلى إحراق المحاصيل الفلاحية لعدم استعمالها من طرف العدو كمؤونة أما الآن فهو يشير إلى إحراق المنتجات الغذائية وتدمير الهياكل الأساسية مثل المأوى والنقل والاتصالات والموارد الصناعية.
• استراتيجية الأرض المحروقة إستعملت لأول مرة بشكل فعال بالحرب الروسية الفرنسية و قبل دخول الجيش الفرنسي الأراضي الروسية حرق الروس جميع المنازل و تدمير و تلويث جميع مصادر الطعام و الماء و هذه الطريقة حققت خسائر هائلة حيث خسرت فرنسا حوالي 10 الاف جندي بسبب البرد و الجوع و الامراض التي وضعها الروس بالمياه و بالقرى التي إحتلها الفرنسيين ...
• استراتيجية الأرض المحروقة إستعملت بالحرب العراقية الكويتية عندما احرقت آبار النفط لعدم الإستفادة منها بعد إنسحاب الجيش العراقي.
• استراتيجية الأرض المحروقة استعملها ستالين مع هتلر وكانت من اسباب هزيمه هتلر فى روسيا حيث امر ستالين الفلاحين بالنزوح الى الشرق وحرق بيوتهم وكل شئ في الطريق حتى السياج المستعمل في الحقول قامو بحرقه و عند وصول جيش المانيا لم يجدو شئ وماتو من البرد.
• من الواجب والمحتم القضاء عن كل التنظيمات المشابهة لداعش, واحتكار السلاح بيد الدولة لتكون المبادرة بيد الجيش فقط, فإما ان نتحدث عن دولة او مجموعة دول وميليشيات من داخل الدولة .
• ان تكون الدولة هي دولة المواطنة لتشمل كل فئات الشعب بصفتهم مواطنيين متساوين في الحقوق والواجبات وليسوا رعايا . واستبعاد الخطابات التي تداعب فئة معينة لأسباب دينية اولتزامنها مع مناسبات معينة, مراعاةٍ لديموغرافية البلد وحساسية البعض! ..
• محاربة الفساد بِجدية في جميع مفاصل الدولة لأعادة الثقة التي كادت ان تموت بين المواطن والدولة ... كما يجب اصلاح بيئتنا المُهيأة لأنتاجهم مجدداً فالجيل القادم من الارهابيين سيكون اشد فتكاً واكثر تمرساً واجراماً.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل