الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-12- الأعمى

طوني سماحة

2017 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟". منذ نعومة أظفاره لم يعرف معنى النور. ولد أعمى. عاش أعمى. عرف الذل والاحتقار والاهانة. لاحقته كلمة أعمى حيثما ذهب. لم يعرف معنى الأمان، فهو لا يستطيع أن يرى ما وراءه أو قدامه. لم يعرف معنى الاستقلال، فهو بحاجة ليد محسن كيما يسدد خطواته. الفقر حليفه وحسنات الناس له خبزه اليومي، مما أدى به لكي يكون شحاذا على باب الهيكل. هو نكرة، لم ينجز شيئا في هذا العالم حتى يحصل على كلمة إطراء وإعجاب. لم يزرع نجاحا حتى يحصد شعورا بقيمة الذات. ثيابه متسخة، لحيته مشعثه، رائحته كريهة، مظهره منفر. عندما أتى الى هذا العالم، حملته أمه بيديها، قبلته، شمت رائحته، عطفت عليه، وها هو اليوم وحيدا، يتمنى لو لم يكن قد ولد. ما من صبية تحلم به، تقبله، تمرر يديها على رأسه، تعانقه. ولد محبوبا من عائلته وهو سوف يرحل منبوذا من مجتمعه.

"يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟". سأل التلاميذ يسوع. أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ." في هذا العالم، غالبا ما يربط الناس بين الإعاقة والخطيئة. ينظرون الى المعاق بنوع من الشفقة، ويجهلون او يتجاهلون ان كلا منا معاق في مكان ما. ننبذ معاق الجسد ونتناسى إعاقة الروح. نعجب بصاحب العضلات المفتولة والجسد المتناسق وبصاحبة الجسم الرشيق والوجه الخلاب ولا ندرك ان كل ذلك قد يكون قناعا لروح منحنية وقلب باك ودام ومكسور.

«لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ." أجاب يسوع ثم أكمل" يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ". وقف يسوع أمام هذا الاعمى الذي لم يكن يحظى بامتياز ان يتوقف انسان من اجله ولو للحظات. كان المحسنون يرمون له القليل دون ان يرمقوه بعيونهم او ان يجيبوا بالشكر على طلباته لهم بالتوفيق. هو في أحسن الحالات أعمى ولا يستحق ان يتوقف انسان من أجله. لكن المفارقة كانت أن يسوع توقف عنده، عندما تجاهله الآخرون، أكانوا معلمين، أو كهنة، أو مرموقين، أو عامة. لم يكن أحد يريد أن يكسر هذا الحاجز بين الاعمى الخاطئ والبار المعافى. لم يكن أحد يريد أن يضيع وقته مع اعمى خاطئ. فالمعلم ينجح عندما يقف على المنبر معلما وليس عندما يصرف وقته على أعمى ضعيف. والعابد في المجمع يستدرج عطف الله عليه في صلاته كيما يبقى صحيحا، لكنه لا يستفيد شيئا من مواساة أعمى لا قيمة له. والتاجر قد يرمي له ببعض الفلوس على باب المجمع كيما يظهر أمام الله والناس بصورة المحسن غير آبه بجوع هذا الرجل المزمن روحيا وجسديا.

." يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ". قال يسوع هذه الكلمات وتقدم من الاعمى. في هذه اللحظات لم يكن أمام يسوع ما هو أنبل أو أهم من أن يقف أمام رجل ضرير. تجاهل يسوع الداخلين والخارجين، الكهنة والمعلمين، الاصحاء والمرضى، الرجال والنساء، ووقف أمام هذا الرجل. فهو قد أتى من أجل هذا الرجل بالذات. أتى ليتمم مشيئة الله. أتى ليعمل ولا ليجلس على الكراسي والعروش. أتى ليعطي وليس ليأخذ. أتى ليشفي وليس ليتقاضى أجرا. أتى ليشرق بنوره على العالم حيث يرفض الناس النور ويطلبون الظلمة. قالَ يسوع هذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: مُرْسَلٌ، فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيرًا.

للطين رمزية لدي يسوع. عندما خلق الله آدم، جبل طينا ونفخ فيه روحا وصنع منه إنسانا. وعندما صنع يسوع طينا وتفل فيه وطلى به عيني الأعمى، كان وكأنه يقول له "ها أنا أعيد خلق عينيك لكي ترى ما لم يستطع الناس رؤيته. الناس مبصرون لكنهم يبصرون الظلمة فقط، وها أنت اليوم كفيف، لكنك سوف ترى نورا وسط الظلام". انزعج اليهود، لأن النهار سبت، والسبت عندهم أهم من الانسان. خلقوا تقاليد وطقوسا وصاروا عبيدا لها. ساءَهم رؤية كفيف يبصر يوم السبت. لاحقوه. سألوه عن يسوع الخاطئ. كان جوابه "أخاطئ هو أم لا، لست أعلم. لكني أعلم شيئا واحدا، أني كنت أعمى وأنا الآن أبصر." شتموه. أهانوه. قالوا له "بالخطايا ولدت أنت بجملتك، وأنت تعلمنا." أخرجوه خارجا. لكن يسوع وجده. فلقد أتى من أجله ومن أجل كل الذين يخرجهم الناس من وسطهم. أتى من أجل المهانين والمذلولين، والمرضى والعميان والخرس. أتى من أجل الذين يطلبون الحرية في السجن. لا بل، كم من السجناء يئنون تحت وطأة القيود وعندما تفتح لهم الأبواب، يرفضون الخروج من سجن خطاياهم. أتى من أجل الأموات الذي يطلبون الحياة. أخرج اليهود هذا الرجل من وسطهم، فوجده يسوع. قال له "أتؤمن بابن الله؟" أجابه الرجل "من هو يا سيد حتى أومن به؟" قال له يسوع "قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو." فقال له "أومن يا سيد." وسجد له.

مضى ذلك الرجل ذلك اليوم مبصرا. أدرك أنه لم يكن مبصرا لأن عينيه قد فتحتا، بل بالحري لأن قلبه كان مظلما واستنار. كان منذ تلك اللحظة يدرك، أن عينيه سوف تبقيان مفتوحتين لأمد محدد، ولسوف يأتي يوم وتغلقان أيضا، لكن لا أحد يستطيع أن يأخذ منه هذا النور الذي حصل عليه، ولا حتى الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أني كنت أعمى وأنا الآن أبصر
nasha ( 2017 / 11 / 29 - 06:35 )
مضى ذلك الرجل ذلك اليوم مبصرا. أدرك أنه لم يكن مبصرا لأن عينيه قد فتحتا، بل بالحري لأن قلبه كان مظلما واستنار. كان منذ تلك اللحظة يدرك، أن عينيه سوف تبقيان مفتوحتين لأمد محدد، ولسوف يأتي يوم وتغلقان أيضا، لكن لا أحد يستطيع أن يأخذ منه هذا النور الذي حصل عليه، ولا
حتى الموت.
يا سلام عليك يا استاذ طوني هذه الفقرة هي العصارة هي المغزى الفلسفي من هذه القصة.
مشكلة ما يسمى ب (الشر الطبيعي) في الفلسفة المادية لا حل لها اما في فلسفة يسوع المسيح العظيمة فلا مشكلة دون حل
تحياتي واحترامي لشخصك ولموهبتك الفريدة


2 - سيدة nasha
احمد علي الجندي ( 2017 / 11 / 29 - 12:00 )
ا اما في فلسفة يسوع المسيح العظيمة فلا مشكلة دون حل
الا الخطيئة الاصلية حلها فقط حل دموي


3 - ناشا
طوني سماحة ( 2017 / 11 / 29 - 23:09 )
أهلا بك اخي الحبيب ناشا. شكرا للطفك ولك مني كل تحية

اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي