الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة كتابة التّاريخ أدبيّا.... ما بين التّجريب وتشويه للحقائق.

سامية غشير

2017 / 11 / 28
الادب والفن


إنَّ إعادةَ كتابة التّاريخ أدبيًّا يضع المبدع أمام إشكاليّة عويصة جدًّا نظرًا لاختلاف آليّات كتابة التّاريخ سواء في قضاياه، وموضوعاته الفكريّة، ومنهجيته عن آليّات كتابة النّص الأدبي، فهناك بون واسع بين الكتابة التّاريخيّة والكتابة الأدبيّة.
فالتّاريخ هو علم قائم بذاته يجنح إلى المنهجيّة الدّقيقة، الموضوعيّة والوضوح، فهو يشكلّ ذاكرة نتعرّف من خلالها على أحوال الماضيين، سيّرهم، تجاربهم، مختلف التّحوّلات التي عرفها الإنسان قديمًا وحديثًا؛ فالتّاريخ يترجم الحياة، يواكبها ويسايرها، ويكون خير من يعبّر عنها.
أمّا الكتابة الأدبيّة فتميلُ إلى الخيال والرّمزيّة، وتركّز على جماليّة اللّغة، والأسلوب الغير مباشر، كما تغلب عليها ذاتيّة ومشاعر الكاتب، تعبّر عن قضايا مختلفة بطريقة رمزيّة خياليّة أكثر منها واقعيّة.
إنّ توظيف التّاريخ في الرّواية كهاجس تجريبي منح للكتّاب جرعة فنيّة جديدة، ودفع بهم إلى اختراق المغايرة والمغامرة الرّوائيّة غير أنّ توظيفه في أغلب النّصوص لم يكن موفقًا، ولم يخدم التّاريخ موضوعيًّا؛ بل شوّه الوثائق التّاريخيّة، وغيّب كثيرًا من الحقائق الواقعيّة، وأدخل وقائع جديدة لم تكن لها حادثة تاريخيّة.
إنّ استحضار النّصوص والوثائق والرّسائل والرّموز التّاريخيّة في النّصوص الرّوائيّة كانت له تِبعاته إيجابيًّا وسلبيًّا.
- إيجابيًّا: توظيف التّاريخ في النّصوص الأدبيّة أسهم في انفتاحها وتحقيق تجريبيتها، وتنوّع مرجعياتها الثّقافيّة، وتعدّد طرائق المعالجة، وإخراس الأصوات النّاقمة على الكتابة الأدبيّة، والرّؤية القاصرة لها التي ترى أنّ وظيفة الأدب هي تحقيق المتعة فقط من خلال تذوّق لذّة اللّفظ، وأنّ الأدب عاجزٌ عن الإحاطة بجوانب الحياة، ولا يقدر على تصويرها والتّعبير عنها بصدق وشفافيّة.
- سلبيًّا: تمظهر من خلال إعادة النّظر في التّواريخ الرّسميّة في كثير من الرّوايات، نذكر منها – على سبيل المثال لا الحصر- تاريخ الثّورة الجزائريّة، خاصّة في روايات عديدة منها الرّوايات المكتوبة باللّغة الفرنسيّة التي لم تعتمد على طريقة القراءة التّاريخيّة التي عمادها التّمحيص الجيّد في المعلومة، وإتبّاع الموضوعيّة من خلال استحضار مجموعة من الأدلّة والبراهين لتأكيد تلك الحقائق التي يزعم بها الرّوائيّون، وهو ما أدّى إلى تقديم مغالطات كثيرة عن تاريخ الثّورة، وقادتها، والخونة في صفوف الثّورة، والحركى وغيرها، والأمثلة كثيرة جدًّا.
والأمر عينه مع تقديم عدّة شخصيات تاريخيّة كانت لها مواقفها وبطولاتها، فالقراءة الأدبيّة التّأريخيّة ظلمتها كثيرا، وقدّمتها بصورة مشوّهة، كما أنزلت من قيمتها ومكانتها القداسيّة في نفوس القرّاء.
من واجب الكتّاب الانتباه جيّدا إلى طرائق توظيف التّاريخ في نصوصهم، كما يجب عليهم فهم منهجية الكتابة التّاريخيّة جيّدًا التي تختلف عن الكتابة الأدبيّة، حتى لا يجنوا على التّاريخ، ويحطّوا من قداسته، فالفهم الصّائب للكتابة التّاريخيّة يغني الأدب ويثريه، ويفتح أمامه آفاق التّأمل والبحث، وتعدّد أنساقه الثّقافيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا