الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف الحكاية

سعد العبيدي

2017 / 12 / 2
الادب والفن


جلست تروي نصف حكايتها مع أهلٍ، فارقت وقع الاحساس بوجودهم عن قرب يوم غادرت عراق الحرب والحصار نهاية تسعينات القرن الماضي، رافضة تلك الحرب وحروب تجر الى التخلف وخراب الذات، وقلق البقاء على قيد الحياة.
قالت وحسرة تُقطعُ أنفاسها سيدة تملأ شِعْرها الهزج، تراتيل الاحساس بالوطن والانسان:
كانت كلوديا صديقة مقربة يوم ولدنا سوية في ناحية القوش، اتصلت بعد انقطاع طويل فرضته ظروف الأمس، بكت شلل ألمَّ بالشقيقة الحبيبة وسن من إصابة في الظهر، أقعدتها وريعان الشباب لم يخبو بعد. زاد تمسكها، وكلمات استعطاف تدمي القلب في أن أجد لها علاجاً بدولة أوربية يومَ عرفت إدارتي منظمة انسانية.
لم أنم ليلتها، أعطيت وعداً من نفسي في حَلٍ سيكون قريب، وصورة وسن لن تفارق مخيلتي، زهرة متفتحة كانت في حفل وداعي طفلة ترقص فرحاً يوم غادرتُ العراق.
قصدتُ في يومٍ تلا دولة التشيك، ومشفاً مشهور بالعلاج الطبيعي، حجزت سريراً، أكملت مستلزمات التأشيرة لها مقعدة وأخ يرافقها وكلوديا من يرعاها ومن كانت يوماً هي الأقرب للعائلة والقلب.
لم يمضِ شهر وضع الثلاثة أحمالهم الخفيفة في المشفى، وبدأت رحلة علاج طبيعي من نوع خاص ورعاية إنسانية كذلك من نوع خاص، مهدت بعد عشر أيام متواصلة بلياليها لوقوف وسن على قدميها غضة لا تتسع الأرض ابتسامتها المشرقة، ووقوف المشفى معلناً نجاح الخطوة الأولى من العلاج، واحتمالات أضحت عالية لمشيها في القريب.
رن هاتفي في ساعة مبكرة بعد يوم من الاعلان والثلوج تتساقط فوق أبنية فينا العاصمة النمساوية حيث أقيم، كان المشفى، وكان الطبيب المعالج يحتج بصوت يشبه الزعيق على طلب الخروج وانهاء العلاج بدعوى إكماله خارجها، قال لم يستطع أحد إكماله غير من بدأه بطريق خاص وهو مكلفٌ والمشفى عمل خصومات عالية لأغراض انسانية، لا أنصحهم ترك العلاج، فتوجهتُ من جانبي متصلةً بكلوديا ودار بيننا الحوار:
- كلوديا ما قصة إيقاف العلاج كما يقول الطبيب جون.
- نعم سأنقلها الى النمسا ونكمل العلاج هناك هكذا يريد أخي وهو قرارنا ونحن المسؤولين.
- لكن هذا خطأ ولا يمكنكم علاج حالتها شبه المستعصية خارج المشفى، والطبيب يقول قد تصاب بنكسة.
- سنعالجها نحن، علاجها مجرد مساجات، وماء، وقليل من الأشعة، يمكننا القيام به في أي مكان.
خرجوا سريعاً، تركوا التشيك والمشفى، كأنهم قطعوا الاتصال عمداً، وتبين بعد حين أنهم توجهوا الى النمسا بقصد استخدام حالة وسن حجة في قصة لجوء. كسبوا اللجوء، وخسرت وسن صحة لها تدهورت، فألزمتها الفراش بلا حراك، زاد وزنها الضعف، لازمها الاكتئاب حد البكاء طوال الليل والنهار، ورغبة في الموت بعديد الأيام والشهور، ومحاولات عدة للانتحار.
تَوقفتْ عن الكلام قليلاً ثم واصلت قائلة هذه نصف الحكاية.
سألت عن نصفها الآخر.
ردت متشائمة:
يوم عدت بعدها الى البلاد، لم أجد ناسي أولئك الناس الذين تركتهم ولم أجد البلاد هي البلاد. لم يعيدوا لي حقوقي، ولم يشهدوا تثبيت حقوق ابني من ورث أجداده، ولم، بعدها أخرى أكثر إيلاما وأسى، شكوت منها وصدمة وسن وماذا فعل الأشقاء، وكيف تاجروا بالروح وبعض الأشياء، وردٌ كان على لسان كبير الجالسين أن القوم قالوا من قبل (الحي أبقى من الميت).
تركت الدار التي عايشت داخل جدرانها الحجرية كلوديا أيام الطفولة والشباب، أكلمُ نفسي على غير عادتي:
لكنها لم تموت، روحها لم تموت، وإن استمرت تذرف الدموع.
تَركتُهمْ والمكان قفراً، حرت فكانت وجهتي المطار، أذرف الدمع مثلها فيّاضٌ، أفكر في حلٍ، لم أجده، أيقنت أني لن أجده يوماً في نفوس مسختها الحروب وكثر الأحداث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في