الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار التقسيم بين الصهيونية التي قبلته قولا ورفضته فعلا، وبين الرجعية العربية التي رفضته قولا وتآمرت لمنع الدولة الفلسطينية فعلا

عصام مخول

2017 / 12 / 3
القضية الفلسطينية


شكل التاسع والعشرون من نوفمبر 1947 لحظة حاسمة في قضية فلسطين، وفي معركة الشعب الفلسطيني على مصيره وعلى مستقبله. وشكل نقطة تحول في تاريخ البلاد، وفي صياغة الخارطة الجغرافية والسياسية في المنطقة. وشكلت تداعيات القرار الدولي وإعلان قيام إسرائيل خلال نصف عام في حدود أوسع من الحدود التي أقرها قرار الجمعية العمومية، محور الصراع الإسرائيلي العربي ومعالم حله حتى يومنا هذا. وجعلت التطورات من المنطقة مسرحا مركزيا للصراع بين المشاريع الامبريالية العالمية المتحالفة مع الصهيونية والرجعية العربية، وبين مناهضيها. فقبل سبعين عاما تم إقرار قرار التقسيم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن فلسطين. وحدد موقف المنظومة الدولية بشأن إنهاء الانتداب البريطاني، وإقامة دولتين عربية ويهودية في فلسطين والاحتفاظ بوحدة اقتصادية..بين الدولتين
وفي الوقت الذي قبلت فيه القيادة الصهيونية قرار التقسيم رسميا، فإنها رأت به مقدمة، وليس بديلا عن تنفيذ مشروعها التوسعي المبيت المتواطئ مع الانتداب البريطاني، لاحتلال كل ما تطاله قواتها العسكرية ومن يدور في فلكها من عصابات إرهابية، من خلال عمليات التطهير والتشريد والتفريغ المبرمج للشعب الفلسطيني واقتلاعه من وطنه. وفي خطاب له أمام اللجنة المركزة في الهستدروت في 3 كانون الاول 1947 (بعد أربعة أيام من إعلانه قبول قرار التقسيم)، صرح بن غوريون أنه يرفض أجزاء من قرار التقسيم بدءاً بالحدود المقررة للدولة اليهودية، والفترة الانتقالية لتنفيذ قرار التقسيم (حتى خريف 1949) وانتهاء بقرار إقامة الدولة العربية.. واعتبر سمحا فلابين في كتابه "ولادة إسرائيل – الأسطورة والواقع" أنه "بسبب مواقف مشوّهة فإن العديد من المؤرخين فهموا من قبول بن غوريون فكرة الدولة اليهودية على قسم من دولة إسرائيل، وكأنه قد وافق على قرار الامم المتحدة كاملا الا أن بن غوريون رأى بالتقسيم الخطوة الأولى لإقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل الكبرى، بما فيها شرق الاردن وهضبة الجولان وجنوب لبنان"..
وفي الوقت ذاته ومقابل ذلك فإن الرجعية العربية، التي رفضت قرار التقسيم رسميا،
( ممثلة بالنظام العربي الرسمي وجامعة الدول العربية)، قامت بإرسال جيوشها (غير الجاهزة وغير المجهزة) إلى فلسطين، لتصادر قرار الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية ولتجمع أسلحته، لحرمانه من حقه الأولي حتى في الدفاع عن وطنه.
ولم يعد خافيا، بعد ما تكشف من وثائق، أن الجيوش العربية لم تدخل إلى فلسطين لمنع قيام الدولة اليهودية وإنما دخلت وأخذت مواقعها لتمنع قيام الدولة العربية ولتستبق قيامها. وشكلت ذريعة استخدمتها القيادة الصهيونية لتبرر أمام العالم مشروعها التوسعي المبيت والمخطط مسبقا للاستيلاء على فلسطين.

**من يتحمل مسؤولية التقسيم!

ويروّج كثيرون، بعضهم عن سوء نية وبعضهم عن عدم اطلاع، للانطباع الخاطئ، وكأن الحل القائم على تقسيم فلسطين، هو خيار الشيوعيين الفكري والسياسي. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يناقض الحقائق ويناقض الوثائق التاريخية، غير أن هناك من يلجأ الى هذا الخلط، عن رغبة في غسل أيدي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية من المسؤولية التآمرية على الشعب الفلسطيني وتشويه مواقف الشيوعيين والتشكيك في منطلقاتهم فيما يخص دورهم ابان "النكبة والبقاء".
قبل عام فقط من قرار التقسيم عقد الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي ضم الشيوعيين اليهود في هذه المرحلة) مؤتمره العاشر في أواخر شهر نوفمبر 1946، وقدم القائد الشيوعي البارز في تاريخ الحزب ماير فلنر التحليل السياسي، وتطرق في إطاره الى مسألة التقسيم، وقال: "يعيش شعبان في هذه البلاد ولهما مصالح مشتركة. مستقبلهما منوط بقيام دولة ديمقراطية غير منحازة"... وأضاف : "لا يمكن ان تقوم في البلاد دولة عربية صرف. ولا يمكن ان تقوم دولة عبرية. فاليهود والعرب يعيشون بشكل مشترك في كل أنحاء البلاد. ومن غير الممكن الفصل بينهم لا جغرافيا ولا اقتصاديا.". وقال: "إن أي مشروع لتقسيم البلاد، من شأنه فقط أن يؤجج العداء القومي، وأن يعمق المصاعب الاقتصادية، وأن يصعد من اضطهاد الحكم الأجنبي الذي سيعرض نفسه وسيطا وحكما يقضي بين شعبين متخاصمين." وأضاف فلنر في مداخلته: "إن الطريق الوحيد للحل يكمن في إقامة دولة عربية- يهودية، ديمقراطية ومستقلة، يتمتع فيها اليهود والعرب بالمساواة الكاملة في الحقوق.... إن الدولة الديمقراطية لن تتحقق ما لم تناضل الجماهير اليهودية والعربية، كتفا الى كتف ضد الامبريالية وعملائها داخل الشعبين".
وفي الأول من أيلول 1947 قبل أقل من ثلاثة أشهر من صدور قرار التقسيم، نشرت صحيفة الحزب الشيوعي الفلسطيني "كول هعام"، موقف الحزب من توصيات الأكثرية في اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في فلسطين –اليونسكوب - والتي زارت فلسطين في تموز من العام نفسه، وأوصت الامم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين فكتبت كول هعام: "مع نشر توصيات اللجنة الدولية بشأن مستقبل البلاد يجب القول بشكل واضح: إن توصيات الأكثرية في اللجنة الدولية ليست منطقية وغير قابلة للتطبيق. صحيح أنها أوصت بتقسيم "جيد"، لكنه "جيد"إلى درجة لم يكن بن غوريون يحلم بها. فحتى الوكالة اليهودية نفسها لم تطالب بأن تكون يافا وبئر السبع في إطار الدولة اليهودية". وأضافت "كول هعام" :"إن اقتراح الأكثرية في اللجنة الدولية لا يحقق الاستقلال القومي لا لليهود ولا للعرب، وإنما يضع الأسس للسيطرة الأجنبية على كلا الشعبين."
وفي السياق نفسه كتبت جريدة "الاتحاد" الصادرة حينذاك عن عصبة التحرر الوطني في 19.10.1947 ردا على تصريح غروميكو ممثل الاتحاد السوفييتي في الامم المتحدة :
" منذ تصريح غروميكو تبين أن موقف الاتحاد السوفيتي من مستقبل البلاد يقوم على إحدى إمكانيتين: إما الحل من خلال التفاهم اليهودي العربي على أساس إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، وإما التقسيم، ولا يوجد طريق ثالث.. إن الإتحاد السوفيتي أعلن موقفه هذا مع العلم بأن الخيار الأول غير وارد في ظل المؤامرات الامبريالية والصهيونية، وهو ما يعني قبول التقسيم، برغم أن التقسيم هو الحل الأسوأ".
وأضافت "الاتحاد": "نحن لا نقبل موقف الاتحاد السوفييتي هذا بشأن القضية الفلسطينية. ونحن على قناعة بأن التقسيم هو حل غير عادل يحاولون فرضه على سكان البلاد من دون الاكتراث بمواقفهم. إن هذا الحل لا يحقق طموح السكان ولا يضمن الأمن والسلام في إنحاء البلاد، وليس من شأنه وقف المؤامرات الامبريالية". وتواصل "الاتحاد": "إن صداقتنا مع الاتحاد السوفييتي..لا تعني أننا نأتمر بسياسته الخارجية. فنحن الذين نقرر سياستنا على أساس وضع قضيتنا وأهداف شعبنا التحررية العادلة". وأنهت "الإتحاد": "علينا ان نعمل على توحيد صفوف الحركة الوطنية من أجل النضال ضد التقسيم ومن أجل إلغاء الانتداب البريطاني وجلاء العساكر الأجنبية وتحقيق استقلال البلاد".


**بين رفض التقسيم مبدئيا وقبول قرار الجمعية العمومية

وإذا كان موقف الشيوعيين المبدئي والصحيح يرفض التقسيم بهذه الحدة، فكيف يمكن تفسير قبولهم لاحقا بقرار التقسيم واعتباره الخيار المناسب؟
جاء قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 نوفمبر1947 بالحل على أساس تقسيم فلسطين، ليطرح معادلات معقدة أمام الشيوعيين اليهود والعرب، وجاء ليطرح خيارات قاسية أمام الشعب العربي الفلسطيني. وأبرز قرار الأمم المتحدة أن توازن القوى على الصعيد المحلي الفلسطيني، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي كان مواتيا لقيام دولة إسرائيل أكثر مما كان مواتيا لطموحات الشعب الفلسطيني، في ظل مؤامرة امتدت عبر سنوات الانتداب البريطاني، شاركت فيها القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية لمنع الشعب الفلسطيني من إقامة دولته، والقضاء على حقوقه القومية. وأصبحت المهمة الوطنية والديمقراطية الأساسية في هذه المرحلة إنقاذ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولو جزئيا، وتخليص هذا الحق من براثن المتآمرين. فالخيارات المطروحة لم تعد بين بديل الدولة الديمقراطية العلمانية لجميع سكان البلاد حسب برنامج عصبة التحرر الوطني، وبين التقسيم، كما أن الخيارات لم تعد بين بديل الدولة الديمقراطية ثنائية القومية، كما طرح الحزب الشيوعي الفلسطيني، وبين التقسيم. فالبدائل التي لاحت في أفق فلسطين هي الخيار بين تقسيم فلسطين الى دولتين يهودية وعربية، وبين نكبة الشعب الفلسطيني..
لقد تحمل الشيوعيون مسؤولية تاريخية عندما قبلوا قرار التقسيم (عصبة التحرر الوطني وافقت على القرار فقط في شباط 1948)، لأنه كان الفرصة الوحيدة لانقاذ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبالرغم من أنها اعتبرت أنه ليس خياراً جيداً. أما الأوهام التي علقها الآخرون على الفرج العربي فقد قادت الشعب الفلسطيني الى مهاوي الاقتلاع والتشريد والنكبة.






"الاتحاد": التقسيم هو حل غير عادل


كتبت جريدة "الاتحاد" الصادرة حينذاك عن عصبة التحرر الوطني في 19.10.1947 ردا على تصريح غروميكو ممثل الاتحاد السوفييتي في الامم المتحدة :منذ تصريح غروميكو تبين أن موقف الاتحاد السوفيتي من مستقبل البلاد يقوم على إحدى إمكانيتين: إما الحل من خلال التفاهم اليهودي العربي على أساس إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، وإما التقسيم، ولا يوجد طريق ثالث.. إن الإتحاد السوفيتي أعلن موقفه هذا مع العلم بأن الخيار الأول غير وارد في ظل المؤامرات الامبريالية والصهيونية، وهو ما يعني قبول التقسيم، برغم أن التقسيم هو الحل الأسوأ. وأضافت "الاتحاد": "نحن لا نقبل موقف الاتحاد السوفييتي هذا بشأن القضية الفلسطينية. ونحن على قناعة بأن التقسيم هو حل غير عادل يحاولون فرضه على سكان البلاد من دون الاكتراث بمواقفهم. إن هذا الحل لا يحقق طموح السكان ولا يضمن الأمن والسلام في إنحاء البلاد، وليس من شأنه وقف المؤامرات الامبريالية". وتواصل "الاتحاد": "إن صداقتنا مع الاتحاد السوفييتي..لا تعني أننا نأتمر بسياسته الخارجية. فنحن الذين نقرر سياستنا على أساس وضع قضيتنا وأهداف شعبنا التحررية العادلة". وأنهت "الإتحاد": "علينا ان نعمل على توحيد صفوف الحركة الوطنية من أجل النضال ضد التقسيم ومن أجل إلغاء الانتداب البريطاني وجلاء العساكر الأجنبية وتحقيق استقلال البلاد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع