الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوثة في خلايا عقل

سعد العبيدي

2017 / 12 / 8
الادب والفن


أتم مكالمة قصيرة مع سليم المهندس المقاول الشاب، ثبت موعداً، كان الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس الأخير من ذاك الشهر الفائت، ومكاناً هو المقر الرئيسي للحزب الناشئ في المنصور، قال الوقت ثمين، وأنا مدير المكتب، شخصٌ عملي أكملت دراستي في بريطانيا وعملت فيها وتعلمت من أهلها كم ثمين هو الوقت وكم عظيمة هي والأمانة، طلبي ترميم وتهيئة وعمل ديكورات لهذا المقر وآخر مثله في الرصافة ليكونا مواقعين ينافسان الغير في خوض الانتخابات المقبلة عام 2018. لا تُقتر فالمال موجود، أمامك ما تبقَّ من اليوم تعاين هذا الموقع وذاك، تدرس وتثبت الأسعار، تقدم عرضاً بالمطلوب يوم الأحد.
انشغل قليلاً بأوراق عليها شعار الحزب وأهدافه، أو شغلَ نفسه عمداً ليضفي أهمية على نفسه، يراها لازمة في مثل هكذا مواقف، ثم عاود الكلام سائلاً:
ـ هل يوم الأحد القادم مناسب لتقديم العروض؟.
رد سليم وابتسامة اعجاب على أطراف شفتيه، وأفكار مرت مثل شريط سينمائي سريع قارن فيها بين هذا الدكتور القادم من الغرب وحزبه الواعد وبين عشرات أحزاب وأشخاص التقاهم في طريق سيره بطيؤون، يماطلون، فاسدون، لا يدخلون في المواضيع بشكل مباشر، قائلاً:
- نعم استاذ، في الساعة الثالثة بعد ظهر الأحد سيكون العرض جاهزاً.
حرص سليم مبادلة دقة الدكتور بحضور في الوقت المحدد، وأمانة الحزب بعرض للكلف معقول وهامش ربح كذلك معقول. خرج من عند مكتبه في الرصافة مبكراً، حسبَ الطريق وزحمة سير وقطوع سببها إيقاف المرور على طريق محمد القاسم، السريع، وصل المقر، وعشر دقائق كانت متبقية الى الثالثة. في تمامها استأذن الدخول بنقر خفيف على باب الدكتور المدير، لا يريد افساد الدقة منقطعة النظير. قدم العرض مفصلاً قبل الجلوس، أخذ نفساً كمن تخلص تواً من عبئ الوفاء بوعد لشخص يكن له الاحترام وان لم يمضِ ثلاث أيام على التعرف إليه.
نظر الدكتور في العرض، لم يناقش السعر المطلوب، ولا الفترة الزمنية ونوع المواد، وضعه جانباً وسأل أين العرض خاصتي؟. رد سالم دون تفكير:
- نعم. فأجب الدكتور:
- هذا عرض بيني وبينك تنفذه وتقبض ثمنه، وهناك عرضٌ ثانٍ نقدمه الى الحزب، هل هذا واضح؟.
جلس سليم على كرسي جانبي كمن أصيب بخيبة أمل، ليس لغرابة الطلب، فمثله معهود في هذا الزمان وتعاملَ مع أشكاله مراراً، بل وبالتغير المفاجئ في نقاوة الصورة التي رسمها في العقل ناصعة ووجدها مشوهة، وتطلعٌ علق عليه آمالاً في التغيير على يد رجالات وصلوا البلاد من أوربا وبلدان الانجلو سكسون، وأحزاب سطرت أهدافها على ورق صقيل بدأتها معاناة نازحين، وختمتها إعادة إعمار مدن لهم خربها الارهاب.
كرر كلمة نعم وكأنه لم يستوعب الطلب وهو المهندس المعروف بذكائه الحاذق، وأردفها بعبارة لخصها بالرفض، فتقديم عرضين من وجهة نظره مخالف للأمانة.
وهو مازال مصدوم بالمفاجأة، أعتقد لوهلة أن ما يحدث مجرد مسرحية اختبار لأمانته، لكن ظنه خاب عندما أخرج الدكتور من درج مكتبه عرضاً مفصلاً وسعر يرتفع عن السعر المثبت بما يقارب النصف، طلب منه التوقيع هنا، ليستلم الدفعة الأولى من المبلغ، ويشرع في العمل من يوم الغد.
قال سليم امهلني يوماً أو بعض يوم، سأراجع فيها أفكاراً كونتها عن السياسة والانتخاب والأمل الباقي لبناء هذه البلاد.
رد الدكتور، لك حتى يوم الغد في مثل هذا الوقت، فأنا في عملي جد دقيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/